رأي استشاري منتظر.. هل تنجح النرويج في حماية الأونروا؟

على وقع قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، تسعى النرويج للحصول على فتوى من محكمة العدل الدولية، تدين “إسرائيل” فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية.

وكان الكنيست أقرَّت مشروعي قانونين الشهر الماضي يمنعان الأونروا من دخول “إسرائيل”، ويحظر اتصال الحكومة الإسرائيلية بها، وهي خطوات من شأنها أن تمنع الوكالة من إيصال المساعدات إلى قطاع غزة.

وتزعم “إسرائيل” أن موظفي الأونروا هم أعضاء في حركة حماس” ومتورّطون في عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها الحركة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

النرويج تسابق الزمن

من المقرر أن يدخل القرار الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا، الذي صدر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيز التنفيذ في غضون 3 أشهر من تاريخ إقراره، ما يعني أن النرويج تسابق الزمن لمحاولة إبطاله بهذا التحرك.

وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن نائب وزير الخارجية النرويجي أندرياس موتزفيلد كرافيك يجري في الوقت الحالي مشاورات أولية في مقرّ الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، لمناقشة مشروع قرار يدعو إلى الحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بهدف حماية وجود الأونروا في غزة والضفة الغربية، تمهيدًا لتقديمه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويحظى المشروع النرويجي، الذي سيجرى التصويت عليه الشهر المقبل، بدعم موسّع من وكالة الأونروا وعدد متزايد من الدول.

وفي بيان سابق، قال رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستور: إنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل باستمرار مواجهة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والدول عقبات منهجية عند العمل في فلسطين، وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال”.

وأضاف غار ستور: “نطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل بتسهيل المساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين، التي تقدمها المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الأعضاء”، مؤكدًا أن الأونروا والعديد من الدول تدعم المبادرة النرويجية.

وأشارت وزارة الخارجية النرويجية في بيانها إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو/تموز الماضي، الذي أكد بشكل قانوني أن “إسرائيل” تمارس سياسة احتلال واضطهاد ضد الشعب الفلسطيني. داعيًا إلى إنهاء هذا الوضع غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، خلال فترة لا تتجاوز 12 شهرًا من تاريخ صدور القرار.

وترى الباحثة في شؤون الأزمات كارولين فرامبتون أن “القرار الإسرائيلي بطرد الأونروا هدفه تدمير أي فرصة لإعادة بناء غزة، مشيرة إلى أن إجبار سكان غزة على النزوح جنوبًا من قبل جيش الاحتلال يدلّ على محاولة ضمّ شمال القطاع على مراحل، حيث تنتشر الجرافات في كل مكان، وتحاول تسوية أي مباني متبقية بالأرض. إنها عملية تطهير الأراضي”.

وأشارت في حديثها لـ”نون بوست” إلى الثمن الباهظ الذي دفعته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة، حيث فقدت 243 موظفًا فيها منذ بدء الحرب، فضلًا عن تعرّض مقار المنظمة للاستهداف المتعمّد بالغارات الجوية والقصف المدفعي.

وأضافت: أن “عملية إعادة بناء غزة كانت جزءًا أساسيًا من عمل الأونروا، بما في ذلك تشغيل المرافق الصحية، والهدف الإسرائيلي هو الاستيلاء على المباني أو تدميرها دون تحمل المسؤولية عن إعادة البناء، ويقوم الإسرائيليون في هذه المرحلة بتشويه سمعة الأونروا من أجل دعم مساعيهم لإدخال مشغلين من القطاع الخاص تحت سيطرتها ليحلوا محل الأونروا”.

واعتبرت الباحثة الأيرلندية أن تحرك النرويج على وجه التحديد يكتسب أهمية خاصة، نظرًا إلى أنها كانت توصف بأنها صديقة لدولة الاحتلال، وخاصة في فترة تسعينيات القرن الماضي عندما صرّحت خارجيتها بعدم اعترافها بدولة فلسطينية “إلا إذا كان لذلك تأثير إيجابي في تحريك عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين”.

وأشارت الباحثة إلى أن أوسلو غيّرت مواقفها بعد الإبادة الإسرائيلية لغزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتمثلت هذه المواقف في إدلاء النرويج بشهادتها أمام محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، حيث أكدت أن “المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية كانت من بين أكبر العقبات أمام السلام في المنطقة”.

كما أعلنت النرويج في مايو/ أيار الماضي، إلى جانب كل من أيرلندا وإسبانيا، الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين”، إضافة إلى تقديمها 275 مليون كرونة (24 مليون يورو) إضافية إلى الوكالة الأممية بهدف تمكينها من مواجهة “الوضع الكارثي” في غزة، بعد تعليق العديد من الدول المانحة تمويلها.

وأكد وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي، أن “التشريع الذي أقرّه الكنيست بشأن الوكالة من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على ملايين المدنيين الذين يعيشون بالفعل في أشد الظروف سوءًا، ويقوض استقرار الشرق الأوسط بأكمله”.

عاجل | رئيس الوزراء النرويجي: الاعتراف بدولة #فلسطين رسالة قوية للدول الأخرى لتحذو حذو النرويج وعدد من البلدان الأوروبية في الاعتراف بفلسطين#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/px4OjwTvgR

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 22, 2024

تضامن أوروبي مع النرويج

القرار الإسرائيلي بحظر عمل الوكالة لاقى تضامنًا من قبل العديد من الدول، فأصدرت حكومات النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا بيانًا مشتركًا يدين قرار “إسرائيل” بتمرير قانون يمنع الأونروا من العمل الذي قد يؤثر على عملها في غزة. وأكدت الدول الأربعة عزمها على ضمان استمرارية الوكالة، وتعهّدت بمواصلة التعاون مع الشركاء العالميين لدعم المهمة الإنسانية للأونروا.

وتعهدت إسبانيا بالعمل مع الدول التي تقدّم المشورة للأونروا، لمنع “إسرائيل” من إلغاء العمل معها في غزة وبقية أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال مدير الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية (AECID)، أنطوان ليس جاريثيا: “سنناقش الوضع الذي خلقته القوانين التي تم إقرارها في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ونعتزم إعادة تأكيد التزامنا القوي بمواصلة الأونروا عملها الحيوي”، محذّرًا من خطر إرساء سابقة خطيرة من شأنها أن تؤثر على “عمل الأمم المتحدة والنظام المتعدد الأطراف”، حسبما نقلت صحيفة “إل موندو” الإسبانية.

أما إيرلندا فاتخذت موقفًا سياسيًا قويًا تجاه الاتهامات الإسرائيلية للوكالة الأممية، والتي وصفها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن، بأنها “حملة كاذبة ومضللة”، كما انتقد تصرُّف الولايات المتحدة وطالبها بإعادة التفكير في قرارها تعليق دعم الأونروا.

وتحدث مارتن في مؤتمر صحفي مع المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، عن هجوم ممنهج يستهدف الوكالة، وأكد أنه من دون الأونروا لن تكون هناك خدمات أساسية للفلسطينيين في غزة، مشيرًا إلى أن “أي هجوم على الأونروا من شأنه تقويض حل الدولتين”، معلنا عن تمويل إضافي للوكالة قدره 20 مليون يورو (21.46 مليون دولار).

وخلال الأشهر الماضية، وفي ظل تجميد التبرعات من كبار المانحين لوكالة الأونروا، أعلنت إسبانيا تقديم دعم إضافي بقيمة 20 مليون يورو للوكالة، لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

كما قام وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس بتكريم المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، عبر تقليده وسام “إيزابيلا الكاثوليكي الملكي” وهو أرفع وسام إسباني، تقديرًا لدور الوكالة المحوري في تقديم المساعدات لغزة والمنطقة.

وجاء التكريم بعد يوم من إحاطة الأخير لمجلس الأمن الدولي بشأن تطورات الحرب في غزة، في أبريل/ نيسان الماضي.

وقال ألباريس في منشور له على منصة إكس، إن “عمل الأونروا حاسم لوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة”، وكذلك للاجئي فلسطين في أرجاء المنطقة. وتضمّن المنشور لقطات من مراسم تقليد الوسام التي جرت في مقر بعثة إسبانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

نجاح متوقع

تجزم الباحثة والمدافعة عن حقوق الإنسان كارولين فرامبتون، بأن القضية التي دفعت بها النرويج في شأن الأونروا ضد “إسرائيل” مدعومة بأدلة قوية على وجود إبادة جماعية، إلى جانب الكثير من المعلومات المتاحة بشكل فعلي لمحكمة العدل الدولية.

وحول أهمية القرار المتوقع من قبل محكمة العدل الدولية وإمكانية أن يكون ملزمًا لدولة الاحتلال، أكدت الباحثة الأيرلندية إنه رأي استشاري وليس قرارًا ملزمًا لـ”إسرائيل”، لكنه سيشكّل تحديًا قانونيًا كبيرًا، وسيفضح ممارساتها الإجرامية ويعمّق عزلتها التي تزداد يومًا بعد يوم، خاصة بعد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية مؤخرًا ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت.

واعتبرت أن القرار الأخير لمحكمة الجنايات يمثل تغييرًا جذريًا ونقطة تحول غير مسبوقة في قواعد اللعبة بالنسبة إلى العدالة الدولية، التي كانت حتى وقت قريب تطارد حصرًا أعداء الغرب أو على الأقل غير المحسوبين ضمن فئة “أصدقاء الغرب”.

وسبق لمحكمة العدل الدولية التي تعدّ أحد أجهزة الأمم المتحدة، أن أنصفت الفلسطينيين لأول مرة في يوليو/ تموز الماضي، حيث أصدرت فتوى استشارية تنص على أن احتلال “إسرائيل” وضمّها للأراضي الفلسطينية غير قانونيَّين، بعد عملية قانونية استمرت 18 شهرًا شملت جلسات استماع علنية شاركت فيها أكثر من 50 دولة، بما في ذلك فلسطين و3 منظمات دولية.

والتحركات النرويجية في الأمم المتحدة للإبقاء على الأونروا ومناهضة القرارات الإسرائيلية في هذا الشأن لا تقلّ أهمية عن ملاحقة مجرمي الحرب، فالأونروا تعمل أيضًا كمنسق لجميع وكالات الإغاثة الأخرى، مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، كما أنها تطالب بالوصول إلى شمال غزة، بينما يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بتطهير المنطقة وإجبار الناس على الفرار جنوبًا سيرًا على الأقدام.

وأكدت فرامبتون أن التحرك النرويجي يجدُ دعمًا كبيرًا من دول الشمال الأوروبي، مشيرة إلى أن نهج المملكة المتحدة يتراجع إيجابًا، بعد تعيين مواطنها توم فليتشر وكيلًا لأمين عام الأمم المتحدة للشؤون الانسانية ومنسقًا للإغاثة الطارئة خلال الأيام الماضية.

كما أشارت إلى أن فليتشر لا يخفي دعمه للأونروا، وكان على اتصال مستمر بالمسؤولين النرويجيين، فضلًا عن أنه يحصل على المشورة من يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، الذي كان يشغل في السابق المنصب ذاته بين عامي 2003 و2006.

آراء استشارية سابقة

ويعتبر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أداة قانونية تعبر فيها المحكمة عن وجهة نظرها بشأن قضايا قانونية تُعرض عليها، غالبًا من قبل هيئات أو مؤسسات دولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن. هذه الآراء استشارية بطبيعتها، بمعنى أنها غير ملزمة قانونيًا، لكنها تحمل وزنًا كبيرًا من حيث الشرعية الدولية والأخلاقية.

وأصدرت المحكمة عدة آراء استشارية مهمة خلال العقود الماضية، تناولت قضايا قانونية دولية حساسة ومؤثرة، أهمها القرار الأممي غير الملزم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية خلال عام، حيث استند إلى رأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو/ تموز الماضي.

وقبل عقدين من الزمان، تحديدًا في 9 يوليو/ تموز 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا بإدانة وتجريم جدار الفصل العنصري الذي تبنيه “إسرائيل” في الضفة الغربية، بهدف منع دخول السكان الفلسطينيين إلى “إسرائيل” أو المستوطنات القريبة، حيث تحول قرار المحكمة إلى قضية رأي عام حينها، ولا يزال الفلسطينيون يناضلون من أجل تنفيذه.

كما كان الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية في العام 1971 المتعلق بوجود جنوب أفريقيا في ناميبيا، سببًا أساسيًا في وضع حدّ لاحتلال جنوب أفريقيا جارتها، إذ أدّى الرأي الاستشاري آنذاك إلى زيادة الضغط الدولي على جنوب أفريقيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأدّى في نهاية المطاف إلى استقلال ناميبيا وانسحاب جنوب أفريقيا منها.

أخيرًا، من شأن الرأي الاستشاري والتصويت المتوقع بأغلبية كبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الأونروا، إعطاء دفعة كبيرة للنرويج وحلفائها دول الشمال الأوروبي لأجل تكثيف دعمها المالي والسياسي للأونروا، والاستمرار في الضغط على “إسرائيل” لحملها على التراجع عن قرار طرد الوكالة الأممية.