قدر صندوق النقد الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، بأكثر من 40% منذ بداية الثورة في مطلع مارس 2011 ؛ الأمر الذي أدى إلى وصول معدلات البطالة إلى 50%.
ولم يذكر الصندوق في تقريره الصادر الثلاثاء أي توقعات للاقتصاد السوري، وقال الصندوق إن التكلفة الإنسانية للأزمة السورية مأساوية.
ويعتبر “الناتج المحلي الإجمالي” هو أكثر المؤشرات شمولاً للنشاط الاقتصادي الإجمالي إذ يشمل جميع قطاعات الاقتصاد، فهو يمثل القيمة الإجمالية لإنتاج الدولة أثناء فترة من الوقت، ويضم مشتريات البضائع والخدمات المنتجة محلية من الأفراد، والشركات، والأجانب، والمؤسسات الحكومية.
ويهتم المسثمرون بشكل خاص بالناتج المحلي، إذ يعتبر مقياسًا للنشاط الاقتصادي للدولة، ويعتبر أحد العوامل التي تدفع المستثمرين إلى إتخاذ القرار.
ويعتبر تقرير الناتج المحلي الإجمالي على كنز من المعلومات، إذ يضم عناصر مثل إنفاق المستهلك، والاستثمار في الأعمال والأماكن السكنية، ومؤشرات الأسعار (التضخم) مما يلقي الضوء على اتجاهات الاقتصاد في الخفاء، والذي يمكن ترجمته إلى فرص استثمارية وإرشاد في إدارة المحفظة.
وانخفاض 1 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي، يعني تأثيرًا مباشرًا على مصروف الفرد وإيراده، وعلى الاستثمارات الخارجية والودائع والتضخم بنسب أكبر، الأمر الذي يعني انخفاض 40 % سيحتاج سنوات لإعادته لمعدله الطبيعي في ظل نمو اقتصادي سريع مطلوب بعد انتهاء الأزمة.
وفي سوريا، مع بدء الثورة بدأ التجار في نقل أموالهم إلى الخارج، فانتقلت العديد مثلاً من العلامات التجارية والمطاعم من دمشق إلى الأردن، ونقل أصحاب مصانع حلب تجارتهم إما إلى تركيا أو مصر، وبدأت تتناقص معدلات التصدير الى الأردن والعراق وتركيا ولبنان ومن هذه الدول إلى الدول المجاورة، حيث كانت سوريا مصدرًا للقطن والأقمشة والملابس والخضراوات والفواكه والحرف والنحاسيات وغيرها الكثير.
فضلاً عن ذلك، بدأت الدولة تصرف من مخزونها من العملة، وبدأت إيران وروسيا دعم هذا المخزون شيئًا فشيئًآ، ولولا الدعم الروسي والصيني لانهار النظام الروسي منذ مدة بانتهاء الاحتياطي الذي يصرف منه على أعماله العسكرية.
كل هذا أثر بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف تقريبًا.
وفي إحصائية البنك الدولي التي صدرت في 2011 بعد بدء الأزمة، حيث ذكرت المنظمة في تقريرها بأن الناتج الاجمالي لسوريا “غير معروف” في الوقت الذي كانت سوريا تحتل المرتبة الـ 68 على العالم عام في تقرير 2007 في ناتج إجمالي بلغ أكثر من 52 مليون دولار.
وانخفاض الناتج الإجمالي إلى قرابة النصف يعني انخفاضًا في معدلات الوظائف وانخفاضًا في متوسط الرواتب وارتفاعًا في الأسعار، وكان التقرير قد أشار إلى أن معدل البطالة في سوريا ارتفع إلى 50% في مؤشر واضح على ما تعانيه سوريا.
ومنذ بداية الثورة، كان إيران قد أعلنت دعمًا سياسيًا وعسكريًا وماليًا مفتوحًا للأسد، وظهر الأسد والعديد من المسؤولين السوريين في لقاءات مع مختلف المسؤولين الإيرانيين العديد من المرات، في إشارة استعراضية للعلاقات الوثيقة المفتوحة، والدعم الإيراني حتى الرمق الأخير.
وأشار التقرير إلى أن الأزمة السورية، ألحقت ضررًا جسيمًا بالاقتصاد اللبناني، وأدت إلى المزيد من التوترات الاجتماعية في لبنان، وتشير التقديرات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للبنان قد تراجع من متوسط 9% في الفترة 2009- 2010 ، إلى 9% في عام 2013 وهو ما يرجع في الأساس إلى تراجع في حجم النشاط بقطاعي السياحة والعقارات، وتوقع التقرير أن يظل النمو على مستواه المنخفض في العام الحالي.
وقد يشير هذا الرقم إلى تراجع في قطاع السياحة والعقارات صاحبة الحصة الأكبر من الناتج الاجمالي، مقارنة باليد العاملة السورية التي انتقلت إلى لبنان وإلى المحال والمطاعم والتي تساهم في هذه الناتج، إضافة إلى قرابة مليون سوري يشكلون ربع السكان.
وانخفض نمو الودائع المصرفية بسوريا، وفق حسابات الصندوق، من متوسط 18% في الفترة 2009- 2010، إلى 7-8% سنويًا، بينما تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى البلاد، ومع ذلك، يضيف التقرير أن تدفقات الودائع الداخلة، ظلت كافية لتغطية احتياجات التمويل، كما لا تزال الاحتياطيات كبيرة، والتأثير المباشر على القطاع المصرفي محدود.
وتقدر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التكاليف المباشرة، لتلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين السوريين بالأردن، بحوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي، لكلاً من عامي 2013 و 2014 بالنسبة للقطاع العام، بما في ذلك زيادة مصروفات الأمن، والرعاية الصحية.
وأدى ارتفاع حجم الطلب من اللاجئين على المساكن وفرص العمل، إلى زيادة تكاليف الإسكان، وفرضت ضغوطًا على سوق العمل، وخاصةً في القطاع غير الرسمي، بينما انقطعت مسارات التصدير عبر سوريا.