تستمر المفاوضات بين قوات سوريا الديموقراطية وحكومة النظام، على خلفية التهديد التركي لمناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية قسد، والتعزيزات التركية نحو الحدود مع سوريا، تخوفاً من الانسحاب الأمريكي وتخلي الحلفاء عنها، لتصبح الواجهة المحاربة والخاسرة ضد تركيا، لم ينقطع الاتصال بين قوات سوريا الديموقراطية وحكومة دمشق منذ تشكيلها في 2016 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بدعم من التحالف الدولي، إلا أنها زادت علاقاتها في الوقت الحالي، حيث حافظت قسد على اتصالها مع دمشق لضمان بقائها، لكي لا تكون وحيدة في حال التخلي الامريكي عنها كما سبق وحصل في عفرين شمال غربي البلاد، لصالح القوات المدعومة تركياً.
وتستدعي فكرة الحفاظ على الوجود العسكري الاتصال مع العديد من القوى المحلية والعالمية، لضمان النفوذ في السيطرة، وقد اتجهت قسد إلى عدة دول غربية من بينها فرنسا وروسيا، لكنها لم تجد ملاذاً لها طالما لم تنسحب القوات الأمريكية من سوريا، كما شكل الإعلان عن الانسحاب الأمريكي جدلاً واسعاً ومن ستكون الجهة التي تشرف على المنطقة؟
دمشق تهدد الإدارة الذاتية شرق سوريا
بدايةً طموح حكومة النظام السيطرة على كامل الأراضي السورية، وهو ما تعتبره روسيا بمثابة الحصول على ملف إعادة الإعمار من الدول الأوربية، وهو ما يعتبره النظام انجازاً ونصراً على كافة الدول الإقليمية التي شاركت في الصراع السوري من بينها أمريكيا وتركيا، كما زعم عندما رعت روسيا عمليات التهجير القسري في جنوب ووسط البلاد، وتمثل فكرة إعادة السيطرة على شمال شرق سوريا الغنية بالنفط تحفيزاً ايجابياً في رفع الاقتصاد السوري، بعد الانهيار الذي شهده خلال السنوات السابقة.
وبعد بسط السيطرة على أغلب مناطق سيطرة المعارضة المسلحة جنوب البلاد وفي ريف العاصمة وجهت قوات النظام أنظارها نحو شرق الفرات وإدلب، ساعيًة لإعادتها تحت سيطرتها بأعلى ثمن، وهذا الامر تدعمه إيران وروسيا الحلفاء المقربون من حكومة الأسد، لكن الوجود الأمريكي والتركي عقد المسألة أكثر مما دعا وزير الدفاع إلى تخيير قوات سوريا الديموقراطية بالمفاوضات “المصالحة” أو الحرب العسكرية.
تصريحات علي عبدالله أيوب، تتجه نحو التهديد المباشر لقوات سوريا الديموقراطية التي سبق وتباحثت مع دمشق بخصوص مناطق شرق سوريا
ونقلت جريدة تشرين السورية عن علي عبد الله أيوب نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، الإثنين 18 أذار ـ مارس، خلال اجتماع ضم وفدين إيراني برئاسة محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، وعراقي برئاسة عثمان الغانمي رئيس أركان الجيش العراقي، قوله: “ومن حق سورية الدفاع عن أمنها، والحفاظ على وحدة الدولة السورية جغرافياً وبشرياً أمر غير قابل للمساومة والنقاش”.
وأضاف أيوب “الدولة السورية ستعيد بسط سيطرتها على كامل جغرافيتها عاجلاً أم آجلاً سواء بالمصالحات أم بالقوة العسكرية. وأوضح أيوب بخصوص قوات سوريا الديموقراطية قسد: “منطق الدولة والمواطنة يفرض أن يكون أبناء الوطن مع دولتهم وجيشهم بغض النظر عن وجود رؤى سياسية قد تتباين لكن لا يجوز أن تصل إلى حد حمل السلاح في وجه الجيش المكرس للدفاع عن أمن الوطن”.
وبين “لا مكان للمجاملات فأمن الوطن لا يحتمل العبث بمكوناته، والجميع يدرك أننا نمتلك جميع مقومات النصر فمن أراد ذلك أهلاً وسهلاً ومن لم يرد فالجيش سيحرر هذه المنطقة كما حرر معظم المناطق الأخرى في سورية”.
وفد من الإدارة الذاتية زار دمشق
وتابع أيوب: الورقة الوحيدة المتبقية في أيدي الأمريكيين وحلفائهم هي “قسد” وسيتم التعامل معها بالأسلوبين المعتمدين من الدولة السورية، المصالحات الوطنية أو تحرير الأراضي التي يسيطرون عليها بالقوة.
تصريحات علي عبدالله أيوب، تتجه نحو التهديد المباشر لقوات سوريا الديموقراطية التي سبق وتباحثت مع دمشق بخصوص مناطق شرق سوريا، خلال زيارة حكومة النظام خلال تموز ـ يوليو 2018، محاولةً الوصول إلى حل سلمي دون القوة العسكري في حين يحفظ بقائها في المنطقة، وهذا ما ترفضه حكومة النظام لأنها تصر على تواجدها العسكري في كامل التراب السوري، ولم تثمر تلك المفاوضات التي لم ترضي كلا الطرفين.
حكومة النظام مصرة على السيطرة على المنطقة إما بالمفاوضات “المصالحات الوطنية” أو الحرب العسكرية، وهذا ما تعمه ميليشيا إيران وغيرها، لكن قوات سوريا الديموقراطية تعتبر تصريحات أيوب بمثابة تهديد من شأنه يعرقل الوصول إلى حل يحفظ حقوق الأطراف.
كيف ردت الإدارة الذاتية على حكومة دمشق؟
اعتبرت الإدارة الذاتية تصريحات أيوب بمثابة تهديد مباشر، وهي التي استجابت في وقت سابق دعوته للمفاوضات، بخصوص منطقة شرقي الفرات، محاولات قوات سوريا الديموقراطية في كسب حلفاء محليين لم تستثني منها قوات نظام الأسد التي نكلت بالسوريين، وذلك لتحقيق استقرار نفوذها وبقاء قواتها في حكم فدرالي مع الحفاظ على حقوقها.
تسيطر قوات سوريا الديموقراطية على شمال شرق سوريا من مدينة منبج بريف حلب الشرقي وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، بعد قضائها على تنظيم الدولة الإسلامية داعش في آخر معاقله في بلدة الباغوز
وقال مكتب شؤون الدفاع في الإدارة الذاتية في بيان له الثلاثاء 19 أذار ـ مارس، رداً على تصريحات علي عبدالله أيوب: “إن تصريحات دفاع النظام تعبر عن مدى بعد هذه المؤسسة عن المصالح الوطنية السورية، وكذلك يعبر عن استمرارية السياسة العنصرية العقيمة التي أدت بسوريا إلى هذا الوضع الكارثي”.
وأضاف بيان مكتب شؤون الدفاع: أن استخدام لغة التهديد ضد قوات سوريا الديمقراطية التي قامت بتحرير وحماية كل شمال وشرق سوريا من القوى الارهابية يخدم فقط القوى التي تعمل عل تقسيم وحدة سوريا”، وأشار البيان: إلى أن تصريحات وزير دفاع النظام السوري يؤكد على إن النظام يصّر على انتاج نفسه من خلال الحسم العسكري والأمني، خلافا لما نهدف إليه في الادارة الذاتية لشمال وشرق سورية في تحقيق الامن والاستقرار عن طريق تسوية سياسية شاملة.
الإدارة الذاتية حلم الأكراد شمال شرق سوريا
وتابع: لكن الموقف الذي بدر من الدفاع السورية يؤكد على إصرار الحكومة السورية في سياسية القمع والعنف والتهرب من الحلول السلمية الديمقراطية. وأوضحت “أنها حاولت دعم كل الجهود وآليات الحوار مع دمشق ولا تزال على موقفها في ضرورة الحوار ضمن الإطار السوري لكافة القضايا العالقة”، وتتخذ الإدارة الذاتية سبلاً للوصول إلى حل سياسي دون اللجوء إلى حل عسكري فيه تتجه نحو الحصول على حقها في الإدارة الذاتية.
وأكد مكتب شؤون الدفاع: “نريد أن تعلم جميع الأطراف بأننا مع خيار الحل السياسي المبدئي، ولكن لن نتهاون في الدفاع المشروع عن حقوقنا إذا تطلب الأمر”. وقابلت الإدارة الذاتية دفاع النظام برد مباشر في أنها ستحاول الحفاظ على مشروعها وحقها، إن عمدت حكومة النظام إلى التصعيد العسكري نحو شمال شرق سوريا، إذ تعتبر نفسها قوة عسكرية ضخمة تضم ألاف الجنود إلى جانب الذخائر والوجود العسكري الذي بنته خلال السنوات الثلاثة الاخيرة.
وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية على شمال شرق سوريا من مدينة منبج بريف حلب الشرقي وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، بعد قضائها على تنظيم الدولة الإسلامية داعش في آخر معاقله في بلدة الباغوز والتي نشأت للقضاء عليه، حيث امتلكت قسد على ذخائر التنظيم وعتاده العسكري خلال معارك استنزافه في أرياف دير الزور والرقة.
ما هي البنود التي اقترحتها قسد على دمشق؟
وضعت الإدارة الذاتية التابعة لمجلس قوات سوريا الديموقراطية في كانون الثاني ـ يناير من العام الحالي شروطاً للحل السياسي مع قوات النظام في حال الوصول إلى حل خلال المفاوضات التي طانت ستعقد خلال الأسابيع القادمة، وتضمنت البنود التي ستقدمها الإدارة الذاتية لحكومة النظام: وحدة الأراضي السوري، والنظام في سوريا نظام ديمقراطي والإدارات الذاتية جزء من هذا النظام”.
البنود التي وضعتها قوات سوريا الديموقراطية لا تتفق مع تطلعات النظام السوري الذي يحاول بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية بكافة الطرق
ويتبع للإدارات الذاتية ممثلون في البرلمان في المركز دمشق، ويجب وجود أعلام تمثل الإدارة الذاتية إلى جانب العلم السوري، الدبلوماسية في مناطق الإدارات الذاتية تسير بما لا يتعارض مع مصالح الشعب السوري والدستور
وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية هي جزء من الجيش السوري، ومسؤولة عن حماية الحدود السورية. أما قوى الأمن الداخلي في مناطق الإدارات الذاتية تعمل وفق المجالس المحلية بما لا يتعارض مع الدستور السوري. ومن ناحية التربية التعليم باللغة الأم أساس التعليم في مناطق الإدارات الذاتية، واللغة العربية هي اللغة الرسمية في عموم سوريا. أما في مناطق الإدارات الذاتية يتم التعليم فيها باللغات المحلية في كليات التاريخ والثقافة واللغات والآداب وما يماثلها. وبخصوص الثروات الباطنية في سوريا يتم توزيعها على المناطق السورية بشكل عادل.
البنود التي وضعتها قوات سوريا الديموقراطية لا تتفق مع تطلعات النظام السوري الذي يحاول بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية بكافة الطرق، فحكومة دمشق ترفض موضوع الإدارة الذاتية بشكل كامل، وتعتبرها كباقي المناطق فعلى كافة المؤسسات المدنية والعسكرية الموجود إجراء مصالحات وتسوية مع النظام وفي حال رفضها سوف تستقر على الحسم العسكري. ومن ناحية الحزب الحاكم في سوريا فهو غير متفق مع تشكيل الإدارة الذاتية واتباعها للنظام السوري، لأنه يصر على بقاء ممثلين البرلمان من ضمن حزب البعث.
نهايةً عرقلت تصريحات الدفاع السورية سبل الوصول إلى حل سلمي، فإن استمرار النظام في فرض نفسه على كافة المكونات السورية بشكل قمعي، لا يتماشى مع الوضع الراهن وغير مقبول لدى قوات سوريا الديموقراطية، فالنظام لا يقبل بوجود أي مكونات عسكرية سوى الجيش السوري وهو الذي سيدافع عن البلاد حسب زعمه، وفي الوقت نفسه أصبحت المفاوضات بين النظام وقسد عقيمة لن تثمر لأنها جاءت بمثابة تهديد ولن تصل إلى تطورات جديدة في ظل استمرار الوجود الامريكي شمال شرق سوريا، فهل تصل حدة الخلاف بين قسد والنظام إلى الحسم العسكري، في حال انسحبت قوات التحالف؟