في أقل من أسبوع وقع حادثان متشابهان شكلا مختلفان موضوعا أدى كل منهما إلى وقوع وفيات ؛لكن ربما لتقاربهما الزمني سببا تضارب في مشاعر الشباب العربي الذين نددوا بالهجوم الأول الذي حدث في نيوزيلندا وفرحوا بالآخر الذي حدث في فلسطين.
ذهب البعض الآخر إلى إدانة كلا الهجومين من خلال تبني الفلسفة الغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية التي تستخدم لفظ الإرهاب في وصف افعال المقاومة.وهذا الإطار الإدراكي يتجاهل تماما فكرة تحرير الأرض وصد العدو المحتل،ويذهب بعيدا في الانبطاح والاستسلام لكل أشكال الإعتداء على الفلسطينين،فالحد المسموح لدى الغرب بعد أي عدوان هو مناشدة المحتل الإسرائيلي برفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
مشكلة المصطلح: فدائية أم إرهابية؟
يقول دكتور عبد الوهاب المسيري :”إذا نظرنا إلى أي مصطلح من المصطلحات باعتباره وعاء يوضع فيه مضمون من المضامين وبحسبانه أداه تحمل رسالة(معنى) فسنجد صلاح الكثير من المصطلحات لأداء دور الأوعية والأدوات على اختلاف الأنساق الفكرية والعقائد”.
فحينما يشير الإعلام الصهيوني والغربي إلى “عملية سلفيت” الفدائية باعتبارها إرهابية فإنهم في واقع الأمر يفرضون نموذجهم التفسيري للقضية الفلسطينية على النموذج التفسيري الخاص بالعرب والمسلمين المرتبط بالتاريخ والتراث والهوية.
يستند الوجود الصهيوني في فلسطين إلى العنف إذ يهدف إلى التخلص من أصحاب الأرض وإحلال اليهود محلهم وهي عملية لا تحدث بالوسائل السلمية المعروفة
وهنا يطرح المسيري مشكلة المصطلح المستورد من حضارة لأخرى الذي يحمل وجهة نظر صاحبه حيث يضع نفسه في المركز ويرتب الأشياء حوله ،مثال ذلك “الإرهاب” الذي أصبح لون كاد يكون رديفا للإسلام فقط،في حين أن نسبة الهجمات التي يقوم بها مسلمون ضئيلة إذا ما قورنت بالهجمات الإرهابية الأخرى.
الإحتلال والهجرة
يستند الوجود الصهيوني في فلسطين إلى العنف إذ يهدف إلى التخلص من أصحاب الأرض وإحلال اليهود محلهم وهي عملية لا تحدث بالوسائل السلمية المعروفة.على عكس التواجد العربي أو المسلم في أوروبا الذي يسعى للإندماج داخل المجتمع بصورة سلمية وبشروط الدول المضيفة التي تسعى للإستفادة من تواجدهم بما يخدم مصالحها ،لذا لا أحد يختلف على توصيف “هجوم نيوزيلندا” بالإرهاب لأنه يضر أولا بمصالح الدول المضيفة قبل أن يضر بالمهاجرين.لذلك من الواضح قصور النموذج التحليلي الغربي لأنه يتجاهل خصوصية القضية الفلسطينية وحق الفلسطينين في الدفاع عن احتلال أرضهم.
الفرق بين دوافع عملية سلفيت وهجوم نيوزيلندا
بالنظر للحادثين المشار لهما نجد أن لكل منهما دوافعه ومرجعياته المختلفة،فمهاجم نيوزيلندا محمل بأفكار اليمين المتطرف التي تدعو إلى كراهية الآخر وتدعو إلى استخدام السلاح ضده،وتتسم أفكار اليمين المتطرف بالعنصرية فهم يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض على غيره من الأجناس.
أعلن مهاجم نيوزيلندا في بيان نشره قبل ساعات من تنفيذ هجومه عدة أهداف من بينها الحد من هجرة المسلمين لأوروبا ووقف كل أشكال التغير الحضاري التي طرأت على أوروبا بسبب الهجره
أما ما حدث في سلفيت فالمهاجم شاب فلسطيني نشأ في أرض محتلة،يعامل منذ ولد كإرهابي محتمل، ظل يكابد هو واسرته شتى أنواع المعاناة والمهانة يوميا مرورا بالمعابر المنتشرة في أرجاء وطنه التي فرضها عليه المحتل الإسرائيلي إلى باقي ظروف المعيشة،هذه الأسباب وغيرها جعت الحياة والموت عند الشاب؛ فأخذ على عاتقه دفع هذا الضرر عن بقية أبناء وطنه بالتضحية بنفسه في سبيل القضاء على المحتل ودفعه عن أرضه.
أهداف ومآلات
أعلن مهاجم نيوزيلندا في بيان نشره قبل ساعات من تنفيذ هجومه عدة أهداف من بينها الحد من هجرة المسلمين لأوروبا ووقف كل أشكال التغير الحضاري التي طرأت على أوروبا بسبب الهجره، لكن بعض أهدافه حملت تهديدات لدول خارج أوروبا سعيا للثأر ضد قتلى الغزوات الإسلامية على حد قوله.بشكل عام فالمهاجم يكن العداء للمسلمين كافه.
لم يعلن الشاب الفلسطيني عن أهدافه في بيان كما فعل نظيره،لكن أهداف تلك العمليات الفدائية معلنه منذ بدايتها :”على المحتل أن يرحل عن أرضنا”.
اللافت أن الصراع بين الفلسطيني والإسرائيلي ينحصر داخل حقبة زمنية مرتبطة بفترة مكوث المحتل داخل فلسطين فلا يكن الفلسطينيون العداء لأي طائفة دينية أو عرقية أو اثنية.بخلاف أفكار اليمين المتطرف التي تستدعي صدام شامل ضد طوائف دينية بأكملها لا ينتهي إلى بإبادة حضارات بأكملها من الوجود