تنص معظم دساتير الدول العربية على أن جميع مواطنيها سواسية في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات العامة أمام التشريعات القانونية، ولا فرق بينهم في اللغة أو اللون أو العرق أو الدين، ولكن عندما يتعلق الأمر في الجنس فنبرة الحديث تتغير وتأخذ طابعًا أكثر حدية، وخاصةً في مسألة منح الجنسية، إذ لا تعترف غالبية الدول العربية بحق المرأة العربية المتزوجة من أجنبي في إسناد جنسيتها إلى زوجها وأبنائها، بالرغم من أن أبناء الرجل العربي يحصلون على الجنسية تلقائيًا.
لا تشمل هذه السياسات التمييزية جميع الدول العربية، فهناك بعض الاستثناءات والشروط التي توفرها بعض الحكومات لمنح هذا الحق، إلا أن الكثير منها تعجيزي وغير منطقي، ما يجعل المرأة الأم حبيسة المجتمعات الأبوية السلطوية التي تنقص من انتمائها وتثير العديد من التساؤلات حول هذه القوانين التي لها انعكاسات سلبية على صورة المرأة اجتماعيًا وحياة أبنائها إجمالًا.
استثناءات معدودة
من بين 22 بلدًا عربيًا، نجد بعض الاستثناءات التي نجحت نسائها في اختطاف هذا الحق وممارسته بعدل كالرجل، وذلك مثلما حصل في تونس والسودان والمغرب والجزائر والصومال، وبلدان أخرى كالإمارات والسعودية ولبنان ومصر ولكن بشروط تمييزية وأخرى معقدة. وهذا يخالف الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في مادتها الـ9، البند الثاني، والتي تقول: “تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”.
على أية حال، في عام 1993، كان قانون الجنسية التونسي ينص على أنه “يصبح تونسيًا من ولد خارج تونس من أم تونسية وأب أجنبي على أن يطالب بهذه الصفة بمقتضى تصريح خلال العام السابق على سن الرشد” أي بتصريح مشترك من الوالدين قبل بلوغه سن الـ19. ولكن في عام 2009، أقر البرنامج الرئاسي قانون جديد ينص على منح الجنسية التونسية لكل طفل مولود لأب تونسي ولأم تونسية بصرف النظر عن مكان ولادته.
كما أشار القانون إلى سحب الأحكام والقيود على جميع الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد، وذلك بهدف دعم مكانة المرأة من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين وبالتالي الاندماج مع اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية. علمًا أن هذا التعديل مر في مرحلة أولى عام 2002، عندما أقر التعديل بالاكتفاء بتصريح الأم وحدها في حال فقدان أو وفاة أو غياب الأب أو انعدام أهليته، لكن التغيير القانوني لم يكفل للمرأة حقها الكامل في المواطنة والمساواة، ولذلك اضطرت الحكومة لتعديله مجددًا بعد سنوات معدودة.
في المغرب عام 2005، أصدر الملك محمد السادس قرارًا يمنح الطفل من أم مغربية حق الحصول على الجنسية لضمان مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الطفل والحفاظ على تماسك العائلة وهويتها الوطنية الأصيلة، وبالفعل تم منح الجنسية لأكثر من 33 ألف و500 طفلًا مغربيًا في عام 2015، كما تم منحها إلى مجهولي النسب أيضًا.
جدير بالإشارة إلى أن قانون الجنسية السابق والمعمول به منذ عام 1950، كان يمنح الجنسية للأطفال من أب مغربي ويسقط هذا الحق عن المرأة المغربية ويعتبر ابنها كأي أجنبي آخر يحتاج لتأشيرة دخول وإقامة منتظمة.ولكن بالرغم من نجاح الأم المغربية في اكتساب هذا الحق لأبنائها، إلا أنها لا زالت لا تستطيع مشاركة زوجها الأجنبي بجنسيتها المغربية، ولكن وزارة الأسرة والتنمية الاجتماعية تدرس الموضوع حاليًا.
ربما نمنحك هذا الحق، لكن بشروط عنصرية ومعقدة
في الإمارات عام 2017، عدلت السلطات مرسومًا قانونيًا لسنة 1972 بهدف إكساب حق الجنسية لأبناء المواطنات المتزوجات من أجانب، وينص على أنه “يجوز بمرسوم اتحادي منح الجنسية بالتبعية للمرأة الأجنبية المتزوجة من مواطن، بعد مرور 7 سنوات من تاريخ تقديم الطلب، في حالة وجود مولود أو أكثر”، وقد تزيد هذه المدة إلى 10 سنوات في حالة عدم وجود أبناء، وبشرط أن يكون الزواج مستمرًا، كما تلزم الشروط بلوغ الابن سن التاسعة عشرة، وهي من الحالات التي تعد تعجيزية وتقتضي الكثير من الجهد والوقت لاستحقاقها.
أما لبنان، فعلى الرغم من جميع الحملات التي أطلقتها المنظمات الحقوقية بدايةً من عام 2002 لمنح اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأبنائها، ونجاحها بجعل السلطات التفكير في هذه المبادرة، إلا أنها أخفقت في إزالة آثار العنصرية عن هذا التعديل المحتمل، فبحسب ما تم إعلانه، سيتقدم إعطاء المرأة الحق بمنح الجنسية لأبنائها إذا كانت متزوجة من غير لبناني، باستثناء دول الجوار، أي سوريا وفلسطين، على اعتبار أن الدولة اللبنانية متمسكة بحق العودة للفلسطينيين وإعادة النازحين السوريين.
علمًا أن هناك أكثر من 980 ألف لاجئ سوري في لبنان، وبجانبهم نحو نصف مليون لاجيء فلسطيني، ويوجد بشكل عام، حوالي 70 ألف امرأة متزوجة من جنسيات أجنبية، فضلًا عن أكثر من 100 ألف من أبنائهن، ومن غير المحتمل إضافة تعديلات أخرى على القانون الصادر منذ أيام الانتداب الفرنسي على لبنان عام 1925، بسبب تخوف السلطات من إحداث خلل ديموغرافي لصالح السنة على حساب الطوائف الأخرى، كما يدعي البعض.
وهو ما تكرر حدوثه بشكل مشابه تقريبًا في مصر، فلقد صدر قانون عام 2004 لتعديل قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975، بغرض منح أبناء النساء المصريات المتزوجات من أجانب الجنسية المصرية، وذلك بعد أن كان يمنح هذا الحق حصرًا على الرجل، ومع ذلك لم يخلو القرار من التمييز، فلقد ميز القانون بين الأبناء الذين ولدوا بعد تاريخ العمل بالقانون وأولئك الذين ولدوا قبل تاريخ إقراره ووضع لهم شروط لتمتع بهذا الحق.
عدا عن رفض وزارة الداخلية منح الجنسية لأبناء المصريات من أب فلسطيني، وهو ما تغير جزئيًا في فترة حكم الرئيس السابق، محمد مرسي، والذي سمح للآباء الفلسطينيين بتملك هذا الحق، ولكن بعد 30 يونيو تم إعادة التفكير في هذا الحكم وسحبه من التنفيذ، على أساس أنه يتماشى مع قرار جامعة الدول العربية الذي صدر في عام 1959 بحجة الدفاع والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، والذي يقول: “لا يقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بموافقة حكومته وتزول عنه جنسيته السابقة بعد اكتسابه جنسية جديدة”.
في المقابل، هناك دول أكثر تعقيدًا وانغلاقًا تجاه هذه الفكرة، مثل الأردن التي تحرم أبناء الأمهات اللاتي اخترن الزواج من أجنبي من حقهم في الجنسية والمواطنة، وذلك بنفس دوافع القانون اللبناني الذي يتخوف من تعقيدات التركيبة الديمغرافية في البلاد، فهناك 3 ملايين لاجئ فلسطيني يحملون الجنسية الأردنية، وهناك 3.5 مليون أردني من أصول قبلية، بالإضافة إلى 1.3 مليون سوري قد يتزاوجون من أردنيين ويصبح عددهم أكثر من الأردنيين الأصليين، ومنهم بشكل عام، حوالي 85 ألف أردنية و400 ألف ابن لا يحمل الجنسية.
وبطبيعة الحال، يؤدي المنع والتقييد الشديد على هذا الحق إلى انعكاسات سلبية على الحياة الاجتماعية والعملية للأبناء، فعلى سبيل المثال لا يستطيع غالبيتهم امتلاك العقارات أو فتح شركات وقد لا يسمح لهم في حالات أخرى العمل في مهن معينة كالطب والهندسة، ما يولد مشكلة إضافية لهم في محدودية الوظائف والدخل، وذلك عدا عن حرمانهم من دخول مدارس معينة وإثقالهم بتكاليف مادية مرهقة سواء عند التسجيل في مدارس خاصة أو حين يقتضي الأمر تجديد الأوراق الرسمية والإقامات بشكل متكرر.
يضاف إلى ذلك حرمان كامل من الحقوق المدنية والسياسية مثل حق الإرث والانتخاب والترشح والحماية القانونية، وذلك أجمعه مصدره جزء من الثقافة العربية التي تعتمد في توجهاتها على مبدأ الولاية التي تنظر للمرأة كتابعة لرجل ولسلطته، ما يعطيه صلاحية الوصاية على أبنائه ويحرمها من نقل هذه السلطة لهم باسم القوانين التي سنت قبل مئات السنين.