يدخل الحراك الشعبي في الجزائر اليوم أسبوعه الخامس، ليكون الموعد مع مسيرات الجمعة المليونية التي تأتي هذه المرة في وقت يزداد فيه الداعمون للمطالبين برحيل النظام وعدم تمديد عهدة الرئيس بوتفليقة، حتى من أحزاب السلطة التي أعلنت دعمها للشارع وتخليها ضمنيا عن الرجل الذي حكم البلاد منذ 1999، لكن هذا الدعم فجر خلافات داخل الحزبين الحاكمين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فهل هذا أولى إرهاصات رحيل النظام أم أنه مجرد مناورة لركوب موجة التغيير للحفاظ على موطئ قدم في جزائر ما بعد بوتفليقة؟.
ومع بدء العد التنازلي لانتهاء المدة الدستورية لبقاء بوتفليقة في الحكم في 28 إبريل نيسان الداخل، يتمسك النظام بمقترح التمديد الذي خرجت أولى المسيرات الرافضة له الجمعة الماضية، وتستمر هذه الجمعة للتأكيد على المطلب ذاته، خاصة بعد تصريحات صدرت من قلب السلطة أن البلاد سيرت في السنوات السبع الماضية من قبل قوى غير دستورية.
اعتراف
أحدثت تصريحات البرلماني الصديق شهاب الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول المستقيل أحمد أويحيى هلعا في دواليب النظام، بعد أن كشف أن البلاد سيرت منذ 5 أو 6 أو 7 سنوات من قبل قوى غير دستورية.
يورط هذا التصريح حزب الصديق شهاب أكثر ما ينقذه، بالنظر إلى أن أمين عام الحزب أحمد أويحيى هو من ترأس ديوان رئاسة الجمهورية وحكومة بوتفليقة
وتتطابق هذه المدة مع بداية مرض الرئيس بوتفليقة الذي أصيب في نيسان 2013 بجلطة دماغية جعلت ظهوره نادرا بسبب متاعبه الصحية التي سمحت لأطراف قريبة منه بإدارة البلاد خارج القانون مثلما كانت تقول المعارضة، وهو ما كان يردده معظم الجزائريين، وكانت ترفضه أحزاب السلطة.
وقال الصديق شهاب في لقاء مع قناة “البلاد” “هناك قوى تزعجها الأحزاب، وهي قوى غير مهيكلة يمكننا تسميتها غير دستورية غير منظمة.. موجودة في كل مكان وزمان والجزائر سيّرت من طرف هذه القوى في العهدة الأخيرة منذ 5 أو 6 أو 7 سنوات، وتزعجها أحزاب المعارضة والمولاة لأنها تأخذ منها جزء من الحكم”.
وسبق لرئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الذي يتزعم حزب طلائع الحريات أن كشف عن هذا الواقع، قائلا إن الخلاف الذي كان بينه وبين الرئيس بوتفليقة هو السماح لأطراف غير دستورية بالتدخل في تسيير البلاد.
ووفق ما تناولته الصحف الجزائرية في عدة مرات، فإن هذه القوى غير الدستورية تتمثل في السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس والكارتل المالي الذي يتزعمه رئيس منتدى المؤسسات علي حداد، إضافة إلى أصحاب المصالح غير الظاهرين.
لم تتوقف قنبلة شهاب عند هذا الحد، بل أضاف أن حزبه كان يرفض ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، لكن الفلك والمحيط الذي كان وقتها جعله يقبل بهذا الترشيح من باب التحالفات التي عقدها مع غريمه جبهة التحرير
ويورط هذا التصريح حزب الصديق شهاب أكثر ما ينقذه، بالنظر إلى أن أمين عام الحزب أحمد أويحيى هو من ترأس ديوان رئاسة الجمهورية وحكومة بوتفليقة، وكان على علم بكل ما يحدث في السلطة، وإن صح هذا التصريح فإن الرجل سمح بتوقيع اتفاقات بملايير الدولارات وإمضاء قرارات خارج القانون.
ولم تتوقف قنبلة شهاب عند هذا الحد، بل أضاف أن حزبه كان يرفض ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، لكن الفلك والمحيط الذي كان وقتها جعله يقبل بهذا الترشيح من باب التحالفات التي عقدها مع غريمه جبهة التحرير.
واعتبر شهاب أن ترشيح بوتفليقة كان “مغامرة وفقدان بصيرة وخطأ من قبل التجمع الوطني الديمقراطي”.
لكن قيادة التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي) سارعت إلى التبرؤ مما جاء على لسان شهاب.
وجاء في بيان للحزب وصل “نون بوست” أن شهاب “شارك مساء يوم الثلاثاء 19 مارس 2019، في حوار بثته قناة تلفزيونية وطنية، كان النقاش فيه أحيانا بأسلوب مستفز وموجه أدى بزميلنا إلى الانفعال وفي بعض الأحيان الابتعاد عن المواقف المعروفة للتجمع الوطني الديمقراطي.”
ولا يتمنى الكثيرون من الجزائريين رغم ما اقترفته السلطة تحت غطاء هذا الحزب أن يكون مصيره مثل مصير التجمع الدستوري في تونس
وأضاف البيان أنه “وأمام تساؤلات عدد كبير من مناضلي حزبنا حول هذه الواقعة، يؤكد التجمع الوطني الديمقراطي أنّ موقفه قد بلوره بوضوح في الرسالة التي وجهها أحمد أويحيى، الأمين العام للتجمع، لمناضلي الحزب بتاريخ 17 مارس 2019، سواء ما يتعلق بقراءة التجمع الوطني الديمقراطي لمجريات الوضع السائد على الساحة الوطنية أو فيما يتعلق بتقدير الحزب ووفائه للسيد رئيس الجمهورية، بما في ذلك مضمون رسالتيه الأخيرتين الموجهتين للأمة خلال الشهر الجاري.”
لكن هذا التبرؤ لم يوقف النزيف الذي يعيشه الحزب بعد أن أعلن ألفي عضو عن استقالة جماعية من الحزب احتجاجا على تصريحات أويحيى الأخيرة التي اعتبروها ” لمبادئ العمل السياسي وأخلاقياته”.
وأعلن الأعضاء المستقيلون في بيان أنه “نظرا للحراك الحاصل بالساحة السياسية، وللتصريح الأخير والغريب للأمين العام للحزب أحمد أويحيى والمتنافي لمبادئ العمل السياسي وأخلاقياته، قررنا نحن السيد نعومي الطيب منتخبا عن الحزب بالمجلس الشعبي البلدي لبلدية الجلفة، تقديم استقالتي من الحزب برفقة 2000 مناضل متضامنين مع صوت الشعب الجزائري”.
دعوى
لا يختلف حال حزب الرئيس بوتفليقة جبهة التحرير الوطني عن غريمه الأرندي، فالحزب الحاكم يعيش أصعب أيامه بعد أن عادت مطالب بإرسال هذه التشيكلة السياسية التي خاضت ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي إلى المتحف، والإبقاء على مكانته الرمزية التاريخية بسبب التجاوزات التي ارتكبت باسمه طيلة سنوات خاصة في حقبة نظام بوتفليقة.
من كلام بوشارب، بدا ظاهرا أن القيادة الحالية لجبهة التحرير الوطني شرعت في التخلي عن بوتفليقة
ولا يتمنى الكثيرون من الجزائريين رغم ما اقترفته السلطة تحت غطاء هذا الحزب أن يكون مصيره مثل مصير التجمع الدستوري في تونس.
وبعد أيام من تصريحاته المستفزة مع بداية الحراك الشعبي، عاد منسق القيادة المسيرة لجبهة التحرير الوطني (الأفلان) للظهور ليفاجئ الجزائريين بالقول إن حزبه يدعم الحراك الشعبي ومطالبه بتغيير النظام، لكن هذا الدعم يبقى مزيفا، لأن بوشارب قال في اجتماع لقيادات الحزب إن الرئيس بوتفليقة الذي يطالب الشارع برحيله قد استجاب لمطالب الحراك الشعبي.
وفي تصريح كوميدي، زعم بوشارب أنه لا يمكن تحميل حزبه ما حدث في السنوات الماضية من تجاوزات بالنظر إلى أنه لم يكن يرأس الجهاز التنفيذي، في محاولة لتحميل المسؤولية فقط للتجمع الوطني الديمقراطي الذي كان أمينه العام أحمد أويحيى وزيرا أول، متناسيا أن رأس السلطة التنفيذية في النظام الجزائري هو رئيس الجمهورية.
ومن كلام بوشارب، بدا ظاهرا أن القيادة الحالية لجبهة التحرير الوطني شرعت في التخلي عن بوتفليقة، فقد قال إن الحزب لم يحز على رجل إجماع طيلة 40 سنة الأخيرة منذ رحيل الرئيس الأسبق هواري بومدين، ليُسقط بذلك شعارات التأييد والمدح التي كنت تكتب لمغازلة بوتفليقة.
لكن اللعب على الحبلين الذي ينتهجه بوشارب لم يشفع له في امتصاص حركة التصحيح والانشقاق التي يعرفها حزبه، فقد رفع 30 قياديا شكوى لدى مجلس الدولة لإصدار حكم بعدم شرعية القيادة الحالية للحزب الحاكم.
يعكس هذا التضارب في الأنباء الورطة التي يعيشها نظام بوتفليقة بعد شهر من انطلاق الحراك الرافض له
وقبل ذلك استقال برلمانيون ورؤساء مجلس ولائية وبلدية من الحزب الحاكم وعلقوا نشاطهم السياسي، معلنين في الوقت ذاته التحاقهم بالحراك الشعبي.
حيرة
إلى ذلك، تبقى السلطة في حيرة مما ستفعله مع استمرار الحراك الشعبي الرافض لتمديد بوتفليقة الذي تحدثت وسائل إعلام جزائرية عن مغادرته قصر المرادية في 28 أفريل تاريخ انتهاء ولايته الحالية، لكن نائب الوزير الأول رمطان لعمامرة أشار من ألمانيا إلى ما يفهم إلى أن بوتفليقة ماض في مشروع التمديد، حيث قال إن الرئيس الحالي لن يغادر الرئاسة حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة لتسليم الكرسي لرئيس البلاد القادم.
ويعكس هذا التضارب في الأنباء الورطة التي يعيشها نظام بوتفليقة بعد شهر من انطلاق الحراك الرافض له، فلأول مرة يفشل هذا الجهاز في تشكيل حكومة جعلت الأنباء تتوالى حول إمكانية التخلي عن الوزير الأول نور الدين بدوي الذي رفضت عدة شخصيات ونقابات وتنظيمات مدنية دعوته لمشاورات تشكيل طاقمه الوزاري.
وما يزيد من ورطة السلطة هو الفراغ الدستوري الذي ستعيشه البلاد بعد 28 إبريل سواء بقي بوتفليقة أو رحل، إن لم يتم العثور قبل ذلك على مخرج قانوني للأزمة التي تعيشها البلاد.
وإلى أن يجد النظام حلا لورطته هذه، يتشبث الجزائريون بحراكهم الشعبي، فرغم سوء الطقس المنتظر اليوم الجمعة، أكد الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي الخروج في مسيرات تحت شعار #حراك_22_مارس و#ترحلوا_يعني_ترحلوا و#عار_عليكم_الاستقواء_بالخارج، في إشارة إلى جولة رمطان لعمامرة الخارجية، والتي يبدو أنها باءت بالفشل في ظل تصريحات اجنبية تؤكد على عدم التدخل في الشأن الداخلي للجزائر، خوفا من ردود فعل الجزائريين التي تستهجن أي موقف يأتي من خارج الحدود يتعلق بنضالهم من أجل الديمقراطية.