يُلاحظ المتتبع عن كثب للدراسات الأكاديمية التركية في ميدان الإتصال والإعلام ذاك الإهتمام الذي بدأ يوليه مجموعة من الباحثين الأتراك بجانب العلاقة ما بين الدين وما بين الإعلام بشكل عام أو علاقة الإسلام بالإعلام بشكل خاص ( ما يُسميه البعض ب ” الإعلام الإسلامي ” ) خلال السنوات القليلة الماضية , إذ كان من مظاهر هذا الإهتمام ( كما سبق الإشارة لبعضها في حوار سابق ) تأليف مجموعة من الكتب وتنظيم ندوة خاصة تحت عنوان الإعلام والدين بالإضافة إلى إنشاء مركز خاص يحمل إسم مركز بحث وتطبيق دراسات الدين والإعلام يتبع لكلية الإتصال بجامعة إرجيس التركية .
أما الأن فتباعا لما كنا قد بدأناه في هذه السلسلة وبهدف الحُصول على معلومات أكثر دقة وشمولا حول ” دراسات الدين والإعلام في تركيا ” وما يتعلق بها من قضايا علمية أخرى كموضوع وجود نظرية خاصة بهذا العلم الجديد من عدمه وغيرها الكثير من التفاصيل المهمة فقد وجدنا أنَّ من الضرورة بمكان التواصل مع أحد الأساتذة الأتراك الذي كان له دور كبير جدا في هذا الميدان من خلال توفيره عددا من المراجع والدراسات الخاصة به , وهذا ما حدث بالفعل إذ كان لنا نصيب مُحاورة البرفسور ( ميتيه تشامدارلي ) .
سوف يتناول الحوار مع البرفسور تشامدارلي مجموعة من النقاط الرئيسية الهامة والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي :
البدايات الأولى لظهور ” دراسات الدين والإعلام ” في تركيا.
1- محاولة ايجاد الفارق ما بين “الإعلام الإسلامي” وما بين “الإعلام الديني” بشكل عام .
2- الحديث حول عدم وجود نظرية علمية خاصة تمثل ” الإعلام الإسلامي” .
أما عن تفاصيل الحوار فتجدونها كاملة ضمن ثنايا هذه السطور :
عمر ملكاوي: بدايةً أشكركم جداً على قبولكم إجراء هذا الحوار , حقا شُكراً جزيلاً دكتور .
البرفسور ميتيه تشامدارلي: أنا أشكرك فقد بذلت جُهدا كي تصل إلى هنا , شرّفتني .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : كان لدينا إهتمامات فردية بما يتعلق بالدين والإعلام ولكنا قمنا بتحويل تلك الإهتمامات وإبرازها على نحو أكاديمي بحيث أننا قمنا بجعلها تجتمع وتتحد في إطار أكاديمي
عمر ملكاوي : الآن أريد أن أبدأ بالسؤال على النحو التالي أستاذي , في تركيا وبشكل عام تُعتبر أنت أكثر أستاذ يُبدي إهتماما بميدان الدين والإعلام , هل ترى نفسك خبيرا لهذا الميدان يا ترى ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : أعتقد أنه من الأنسب أن نقول “من مهّد الطريق ” لهذا الميدان وليس خبيرا له , فأنا قطعا لست خبيرا فيه , و أستطيع القول أنني وبرفقة زملائي قد قمنا فقط بتمهيد الطريق وإنشاء منصة لتداول هذا الموضوع , إذ كان قد لفت إنتباهنا واهتمامنا منذ فترة ولكنَّ تناول مثل هذه المواضيع كان فيه إشكالية نوعا ما في تركيا , بحيث كان من الضروري أن تتغير بعض الأشياء عموما وقد تغيرت وبذلك فقد تم تمهيد المسار والطريق له حاليا , لقد كان لدينا إهتمامات فردية بما يتعلق بالدين والإعلام ولكنا قمنا بتحويل تلك الإهتمامات وإبرازها على نحو أكاديمي بحيث أننا قمنا بجعلها تجتمع وتتحد في إطار أكاديمي , واليوم حقا أقول أنه من الجيد أننا قمنا بذلك , فعلى الأقل قد ساهمنا بهذه الطريقة في زيادة الإهتمام به وكنا بمثابة وسيلة تمنح الشجاعة للراغبين البحث والدراسة فيه .
ولكنّي أقول مرة أخرى أنه لا يوجد لدينا أي دراسة دكتوراة في جانب الدين والإعلام , أنا شخصيا لا يوجد لدي ولم أعمل أي رسالة دكتوراة في الموضوع , فقط قمت ببعض الدراسات المتواضعة , فأنا من جانب آخر لدي إهتمامات بحثية أخرى أسعى للبحث فيها وإنجازها , ولكن بهذا الشكل فقد دخل جانب الدين والإعلام إلى الجوانب البحثية الأخرى التي أهتم بها , ولا شك أنني سوف أتابع فيه حتما .الغريب أني ومع مرور الوقت لاحظت فقرا كبيرا وحاجة حقيقية فيما يتعلق به , بحيث أنني ألاحظ تلك الحاجة كلما تم طرح الموضوع والحديث عنه , وأنا بدوري قد سعيت على دعم ومساعدة أي شخص يطلب مني خدمة فيما يتعلق بهذا الميدان وفق ما لدي من معلومات ومقدرة , على سبيل المثال لقد أتيت أنت اليوم أهلا وسهلا بك . ولكن وفقا لما لاحظته فإن هناك أساتذة أكاديميين آخرين يهتمون بالموضوع ويقومون بدراسات جادة وأنا أتابع دراساتهم وأبحاثهم بسعادة .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : في الواقع أنَّ النّدوة التي نظّمناها في عام 2015 كانت ويكأنها أشبه بميلاد جديد , لقد كانت سنة معطاءة في جانب دراسات الدين والإعلا
عمر ملكاوي : حسنا أستاذي متى بدأت الإهتمام بميدان الدين والإعلام , وفي ذات الوقت اسمح لي أن أسألك عن السبب الذي دفعك للإهتمام به ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي: في الحقيقة لقد بدأت الإهتمام على النحو التالي , كما قلت لك قبل قليل لقد كان لدي شعور قد يكون فرديا بوجود نقص وحاجة في ميدان الدين والإعلام , وعندما بدأت الإهتمام به كان هناك مايقارب رسالتي دكتوراة في نطاقه , أظن أنّ إحداها كانت في ميدان علم الإجتماع والأخرى في الإلهيات , وأتمنى أن يكون أصحاب تلك الرسائل قد تابعوا البحث في هذ الميدان .
أما عنّي وكيف بدأت الإهتمام به , لقد تمت دعوتي في أحد الأيام للمشاركة في ورشة عمل بعنوان السيرة والثقافة الشعبية , -مضى ما يقارب سبع أو ثمانية سنوات عليها- , وقد شاركت بتلك الورشة بورقة تجمع علاقة الدين مع الإعلام بشكلها العام من ناحية السيرة , وقد كانت تلك الدراسة حقيقة أول دراسة جعلتني أبدأ الإهتمام بالموضوع على نحو جِدّي , أتذكر جيداً قدر الصعوبة التي واجهتها حتى أنهيت تلك الدراسة ولكنها كانت ممتعة في ذات الوقت , لقد كان ميدانا برّاقا بحق فمهما كنا سنتركه فإنه كان سيدوم ويبقى وأعتقد بأن هذا ما حصل , إذ أنه تم التعامل مع مثل هذه المواضيع المهملة على نحو منهجي في نطاق منصة أكاديمية , فعلى الأقل قد بدأنا التفكير بطرق وأساليب حل المشكلات التي تتعلق بهذا الميدان , وطبعا لم تكن طرق الحل لتخرج مباشرة ولكن بداية التفكير بها كانت خطوة مهمة . بدأت البحث والإهتمام في الموضوع على ذلك النحو , وبعد ذلك تابعت السير في هذا الطريق برفقة زميلاتي” نهال كوجاباي شنار ” و ” بتول أناي دوان “, بدعمهن ومساندتهن تم جمع الدراسات في كتابنا الأول كتاب “الدين والإعلام”
عمر ملكاوي : بعدها وفي عام 2015 تم عقد ندوة في ميدان الدين والإعلام , هل تستطيع أن تحدثنا عنها أيضا أستاذي ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : في الواقع أنَّ النّدوة التي نظّمناها في عام 2015 كانت ويكأنها أشبه بميلاد جديد , لقد كانت سنة معطاءة في جانب دراسات الدين والإعلام حيث كنا نعمل على تحضير كتاب ثاني يجمع بعض الدراسات , كان سيكون اسمه ” الدين الرقمي ” , وكانت طباعته قبل الندوة بحيث أننا تمكنا من عرضه خلالها للمشاركين , لقد كان لقاءا والتقاءا جميلا جدا .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : يكفي أن ندرك أهمية الموضوع وبذلك نجد لغة دينية صحيحة للإعلام والحياة اليومية ولدينا لذلك الدراية والطاقة المناسبة “.
بعدها قمنا بجمع الأوراق البحثية التي شاركت في الندوة وجعلناها في كتاب حمل عنوان “مناقشات الدين والإعلام “, وفي الحقيقة لقد كانت هناك جهود مكثفة لزميلاتي في البحث وفي كل خطوة أخطوها , اعتبارا من 2015 كان في يدينا كتابين بالإضافة إلى كتاب خاص بالندوة , لقد قطعنا شوطا طويلا وكانت سنة جميلة .
بالعودة إلى الندوة مرة أخرى كان عدد المدوعوين 50 شخصا بالإضافة إلى 10 أشخاص كرؤساء للجلسات بمعنى أن المجموع العام كان ما يقارب 60 مشاركا , قدّم كل فرد من المشاركين الذي قبلوا الدعوة وأظهروا حرصا شديدا على المشاركةمعنا أوراقا بحثية ساهمت بشكل كبير في زيادة الفائدة ,لقد حققت الندوة الهدف منها من خلال جهود طلابنا المثيرة للإعجاب أيضا وبميزانية متواضعة , كما أننا شاركنا تقرير النتائج مع الرأي العام في ختامها.
وفي الوقت الذي قلنا فيه لقد قمنا بما يجب علينا أن نقوم به وانتهى الأمر عند هذا الحد ! استمرت الطلبات بالقدوم الينا من أماكن متنوعة , ونحن بدورنا حاولنا دوما أن نعطي رداً إيجابيا على كل الطلبات التي تصل إلينا , فبعضها قمت أنا شخصيا بالمشاركة فيها إذ قُمت مثلاً بإعطاء محاضرات في هذا الميدان – فأنت إذا ما قمت بالبدأ بأمر ما فإنك لا تتمكن من تركه-ولكني في هذا الوقت ومن خلال ما قُمنا وما قمت به فإني أشعر بالراحة وكلما توفرت الإمكانية لي فإني أتابع بشكل أو بآخر من خلال الحديث وإعطاء المحاضرات وغيرها , وما كتاب ” كيف يظهر الدين في الشاشة ” إلا جزء من تلك المساعي أيضا .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : نعم ردود فعل إيجابية لكنها متعبة في الحقيقة ومع ذلك فهي تستحق أن يتعب الشخص من أجلها
عمر ملكاوي : حسنا أستاذي ما هي الرسالة التي حاولتم إيصالها من خلال كتاب ” كيف يظهر الدين في الشاشة ” ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : حقيقة أنا لم أكتب هذا الكتاب هكذا من البداية , بل كما كنت قد أشرت لك فإنّه يجمع عددا من الدراسات التي أُجريت في أوقات متفرقة , ولا بد أن تكون هُناك رسالة جماعية للمتون التي تشكل منها الكتاب وذلك على النحو التالي : ” نحن متأخرون وبطيئون جدا في موضوع دراسات الدين والإعلام , ولكن الآن لا بد من القيام بهذه الدراسات , فبما أننا في عصر الإعلام والإتصال فهذا يعني أننا بحاجة إلى فكرة ترشدنا للطريق ولفقه هذا العصر. ألا نمتلك إمكانية التفكير والفقه ؟ أنا أرى أننا نمتلك , يكفي أن ندرك أهمية الموضوع وبذلك نجد لغة دينية صحيحة للإعلام والحياة اليومية ولدينا لذلك الدراية والطاقة المناسبة “.
لقد أنهيت الكتاب باقتراحات كهذه وطبعا فإن الإجابة على سؤال ( ألم تكن اللغة المستخدمة قبل ذلك صحيحة ؟ ) ليست سهلة ولكنا كمؤمنين بهذا العصر ومن خلال منظور أكاديمي حاولنا تقديم اقتراحات حول الطريقة التي من الممكن تناول القضية من خلالها , على عكس ذلك ومن خلال التحليل النهائي فإن كان هناك من حل فسيكون نحن , لست أنا بل نحن !! .
حاولنا أن نقول هذا من خلال الكتاب ولكنَّ اقتراحاتنا تبقى متواضعة ولكن إذا ما تم الإهتمام بها بشكل أكبر وحتى إن كان بالإمكان أن تجتمع جُهود كل من المتخصصيين في الإلهيات والإتصال وعلم الإجتماع وأيضا من يمثل القسم التقني في الموضوع من مثل المتخصصيين في هندسة الحاسوب فإنه من الممكن أن يتم الوصول إلى حل ما , هذا فقط كل ما حاولنا إيصاله من خلال الكتاب وإن كان هناك من رسائل أخرى بين سطوره لا أعلم فأنا لم أخفي شيئا و أعتقد أنني شرحت كل شيئ بوضوح …
البرفسور ميتيه تشامدارلي : على العموم يتم تناول الموضوع في كليات الإلهيات بشكل أكبر من كليات الإتصال ولكن وعلى كل الأحوال فإنَّ الدراسات في جانب الدين والإعلام تجرى الآن وإن كانت غير كافية فإنّها تدعو للفرح
عمر ملكاوي : يعني بشكل عام بدأتم بالحصول على ردود فعل إيجابية فيما يتعلق بالموضوع , أليس كذلك أستاذي ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : نعم ردود فعل إيجابية لكنها متعبة في الحقيقة ومع ذلك فهي تستحق أن يتعب الشخص من أجلها , على سبيل المثال بدأ الآن تدريس هذا المواضوع في الجامعات كدرس اختياري , بمعنى أننا نسمع أمورا جميلة , أما نحن هنا كنا قد وضعنا درسا اختياريا في الخطة الدراسية قبل بضعة سنوات ولكن لم يكن هناك نصيب في فتح هذا المساق , لكن في جامعة سكاريا فأنا أعلم أنه قد تم إضافة هذا الدرس إلى الخطة الدراسية وأتمنى أن يكون الدرس مستمرا لغاية يومنا هذا , أيضا نستقبل أخبارا أخرى جميلة أحيانا عن طريق البريد الإلكتروني أو أتلقى أنا شخصيا اتصالات هاتفية وتحديدا من طلبة الماجستير والدكتوراة في كليات الإلهيات والإتصال , ومن يرغب بالبحث في جانب الدين والإعلام , وأنا برفقة زملائي نسعى لتقديم الدعم والمساعدة .
على العموم يتم تناول الموضوع في كليات الإلهيات بشكل أكبر من كليات الإتصال ولكن وعلى كل الأحوال فإنَّ الدراسات في جانب الدين والإعلام تجرى الآن وإن كانت غير كافية فإنّها تدعو للفرح ولا شك أن تقديم الدعم لمثل هذه الدراسات يمنح السعادة لنا أيضا .
عمر ملكاوي : كإضافة لما قلناه قبل قليل أستاذي أريد أن أسألك الآن ووفقا لمعلوماتك عن وضع دراسات الدين والإعلام في تركيا بشكل عام ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي: لقد قُلت عبارة قبل قليل , في الحقيقة لا يوجد هناك الكثير لكي يُقال , لكن دعني أوضّح أكثر لأنَّ الموضوع مهم جدا ولا بد من طرحه وتناوله فعلى الأقل أنا مهتم به , ومن أجل ذلك فأنا أقوم بما هو على عاتقي كي يتم طرحه وتناوله دوما في البيئة الأكاديمية , قبل فترة وجيزة أنهى أحد زملائنا رسالته في الدكتوراة من كلية الإتصال وسوف يتبعه اثنين قريبا , بمعنى أنَّ عدد رسائل الدكتوراة في هذا الموضوع ما يزال قليلا , هناك شخصين آخرين أيضا في كلية الإلهيات أنهوا رسائلهم أو أنهم على وشك الإنتهاء قريبا .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : إذا ما قلنا “الإعلام الإسلامي” فإنه يبدو كنمط فكري عائد لصالح المسلمين , تصبح القضية متمثلة في علاقات المسلمين مع الإعلام , أما عندما نقول “الإعلام الديني” فإنه ليس محصورا بالمسلمين فقط بل يُقصد به كافة ما نعرفه عن الدين
وقد يكون هناك من يكتب رسالة دكتوراة في قسم علم الإجتماع لكن إن كان هناك فأنا الآن لا أتذكر , ما أذكره أنّ هناك عدداً من رسائل الماجستير , وإن جُمِعت رسائل الماجستير والدكتوراة جنباً إلى جنب وفقا لما لدي من معلومات فإنها لا تتجاوز أصابع اليد , حتى إنني أستطيع أن أعطيك الأسماء أيضا , ولذلك فإننا نستطيع القول بأنَّ الموضوع لا يُوجد له متخصصون مؤهلون , ولكنَّ الإهتام به يزدادُ يوما بعد يوم في الأوساط الاكاديمية والفكرية .
وفي هذا المقام لا بد أن أتحدث عن موقع الإسلام والإعلام (islamvemedya.com ) , لقد خطر على بالي ومن الجيد أنه خطر على بالي ولو أنني نسيت ذكره لكنت حزنت , لأن هذا الموقع يعكس حصيلة التراكم الأكاديمي وأفكار الباحثين , عنوان فريد شامل لميدان الدين والإعلام في بيئة الإنترنت , ومن ناحية أخرى فإن رئيس تحرير الموقع يتابع دراسة الدكتوراة في هذا الميدان حاليا .
عمر ملكاوي : حسنا أستاذي دعنا الآن نتحدث عن نقطة أخرى إذا سمحت , كما تعلم فإن هناك مصطلحين يبرزان في هذا الجانب ” الإعلام الإسلامي ” و ” الإعلام الديني ” , ما هو الفارق ما بين المصطلحين من وجهة نظرك ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : هناك فرق واضح جدا وذلك على النحو التالي : إذا ما قلنا “الإعلام الإسلامي” فإنه يبدو كنمط فكري عائد لصالح المسلمين , تصبح القضية متمثلة في علاقات المسلمين مع الإعلام , أما عندما نقول “الإعلام الديني” فإنه ليس محصورا بالمسلمين فقط بل يُقصد به كافة ما نعرفه عن الدين , كل ما هو موجود وذو علاقة بالدين دون التمييز ما بين البشري والسماوي يدخل في نطاق الدين , يعني يدخل في هذا النطاق تلك الدراسات التي تتناول العلاقات مع الإعلام بحيث يدخل في نطاق ذلك علاقة كل من المسيحيين , البوذيين , اليهود , أيضا هناك العديد من الطوائف والمعتقدات الدينية من الأشوريين الى الهندوس وما شابه ذلك . على سبيل المثال الأرمن والروم الذي يعيشون في تركيا أو علاقة أي مذهب وطائفة تقع في نطاق الإسلام مع الإعلام , هذا ما يتبادر الى الذهن حين يقال الإعلام الديني .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : دعونا نستخدم ” الديني / الدينية ” للإشارة إلى كل ما دخل للدين ولنقابله مع الإعلام ,وليس ذات الدين الذي لا يمكن لنا محاكمته مع الإعلام
أيضا فإنَّ “الإعلام الديني” أكثر شمولاأما “الإعلام الإسلامي “يتناول فقط علاقة المسلمين مع الإعلام , وعندما يقال “الإعلام الإسلامي” فإنه يتم تناول سلوك المسلمين مع الإعلام , أنماط الإستخدام , المشاكل التي يعايشونها مع الإعلام , نجاحهم وفشلهم في التعامل مع الإعلام وما شابه ذلك من جزئيات , وبشكل عام ومن ناحية تناول كافة تلك الأديان وعلاقتها بالإعلام بشكل شامل فإن استخدام “الإعلام الديني” يبدو أكثر صحة هنا , وهذا قطعا له مشاكله الخاصة , اسمح لي أن أنقل سؤالك الى زاوية اخرى الآن : قد تكون هناك بعض المشاكل في جلب كلمة الدين بجوار الإعلام لنتحدث عنها مقابل السؤال التي طرحته أنت بداية في هذه النقطة.
هناك مشكلة كالتالي , تماما كما يحصل عندما يتم وضع كلمة الإسلامبجوار مثلا , “الإقتصاد الإسلامي , العمارة الإسلامية , الفن الإسلامي , التمويل الإسلامي , النشر الإسلامي ” إنَّ ما يحصل من تمييز وحصر في تلك المواطن للإسلام فإنه وفي المعنى العام ووفق مقياس معين يحصل مثله تماما عندما نضع كلمة الدين مع الإعلام , عندما نضع كلمة الدين في ذات المستوى الذي نضع فيه الإعلام نكون قد قللنا من شأنه , بحيث يتعرض الدين للظلم عندما يتم محاكمته مع الإعلام بهذا الشكل وكأنَّ محاكمته ممكنه مع الإعلام !!هنا دعنا نضع خطا تحت هذه النقطة , إذا كان لا بد من محاكمة الدين مع الإعلام إذا دعنا نقل ” الديني ” وليس”الدين بحد ذاته ” , أعتقد أنّه من خلال منزلة الدين والتفريق ما بينه وما بين الأمور الأخرى التي تعود للدين وامتزجت به , هكذا نستطيع مقابلتها مع الإعلام من خلال وصفها بكونها ” دينية ” وليست ذات الدين , أو حتى وإن أردنا أن نقول الدين , على أقل تقدير لنعلم أنه يتناول الأمور الدينية وليس ذات الدين , فعندما نقول “الإعلام الديني ” لنفهم أنه يشير إلى الإعلام والأمور الدينية وليس ذات الدين كما قلنا , وأعتقد أنّه من المفيد القيام بذلك كي لا يتم المساس بصحة الدين .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : الإعلام عبارة عن وسيلة أما الدين فهو نظام حياة
دعونا نستخدم ” الديني / الدينية ” للإشارة إلى كل ما دخل للدين ولنقابله مع الإعلام ,وليس ذات الدين الذي لا يمكن لنا محاكمته مع الإعلام , أقول هذا من أجل حماية الدين ومن أجل عدم التقليل من قيمة كل ما هو مقدس لكل مؤمن أو منتسب للدين , فنحن عندما نضيف الدين لكل شئ نظلم الدين وإن لم يكن منه , مهما يكن ذلك فأنا قول ذلك مشددا عليه من أجل إظهار الاحترام لذات الدين .
وفي النتيجة فإن الإعلام عبارة عن وسيلة أما الدين فهو نظام حياة , الآن دعنا نسأل سؤالا مهما جدا هنا : أيهما أصبح نظاما للحياة !؟ نحن في الحقيقة نعلم والإجابة واضحة ولكن ألسنتنا لا يسعها قوله , نعم الإعلام كنظام حياة يفسد طقوس الدين , حتى أننا لو قلنا أنّه تقدم على الدين فلا نخطئ في ذلك , وأن نكون أمام وضع وصورة خطيرة كهذه بحيث أننا في ظلال عصر تم ترك العقل والنقل فيه للإعلام وليس للدين !! ,,,
لقد أطلت الاجابة في هذه الجزئية اكتفي بهذا القدر هنا .
عمر ملكاوي : بشكل عام بدأت الدراسات والكتب المتعلقة ب “الإعلام الإسلامي” بالظهور قبل ما يقارب 50 سنة في الدول العربية ولكن ولغاية اللحظة لا توجد هناك نظرية تمثله , هل من الممكن أن يكون هناك نظرية تمثله يا ترى ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : من الممكن , لا يود شيئ اسمه غير ممكن , وفي الأصل فإن قولنا نظرية يعني أنها تمنح الإنسان وجهة نظر معينة , وجهة النظر هذه تكون قلبية وعقلية وتحتوي في جذرها اللغوي على النظر والمتابعة , إن إنتاج نظرية ليس أمرا صعبا إذا ما كنا مهتمين في البحث عن وجهة نظر في جانب ما , حقا ولما لا ؟ خصوصا إذا ما كنا نعتمد على تراكم معرفي , من أرسطو و الفارابي وابن سينا وصولا إلى الغزالي , لدينا أرضية معرفية عظيمة جدا , ورصيد معرفي كبير بين أيدينا . نحن نستفيد تلقائيا من نظريات الإتصال التي نعرفها , فالرصيد النظري المعرفي ليس عقيما ويساهم في تمهيد الطريق لنا , نستطيع الإستفادة مما هو متوفر حاليا وكلها بين أيدينا , سواء تلك المناهج والنظريات المتعلقة بالدين أو تلك التي تتعلق بالإتصال , فعلى الأقل نستطيع تقييم نظريات الإتصال كنظريات للدين والإعلام , بمعنى نظريات الإتصال والإعلام وفي الوقت ذاته نظريات “الدين / الديني” والإعلام .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : لا يمكن أن تكون هناك استجابة سريعة وفورية بشكل مباشر من أجل تطبيق دراسات وأبحاث الدين والإعلام
بالإضافة إلى ذلك لا توجد هناك إلزامية في إيجاد نظرية جديدة فالنظريات يُمكن بناءها واختبارها واستخدامها حسب الحاجة . فنحن نستطيع الإستفادة من سلسة النظريات في دراسات الدين والإعلام من مثل نظرية الإستخدامات والإشباعات , دوامة الصمت , ترتيب الأولويات , ربما وبخصوص دراسات الدين والإعلام ( من ناحية إيجاد وجهات نظر جديدة ) فإنّه من الضروري التفكير في اللغة المعرفية والميتافيزيقيا بشكل أكثر دقة في نطاق ما هو موجود من النظريات , فبدون وضع إطار منهجي ومعرفي سيكون عرض وتقديم منهج نظري ضربا من الخيال . بحيث أنه إذا ما كان بحوزتك ميتافيزيقيا مع المصطلحات وإذا ما كان ليدك مناخ تأملي ومعرفي تتمكن من الإتكاء عليه فإنك سوف تستطيعوضع الخطوط الأولية للنظرية , ما زال هناك طريق طويل جدا لقطعه .
عمر ملكاوي : كل ما تناولناه لغاية هذه النقطة كان حول الدين والإعلام من الناحية الأكاديمية , ولكنّا لم نتحدث كثيراً عن الناحية التطبيقية , ما الذي تود قوله في هذ الجانب أستاذي ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : لا يمكن أن تكون هناك استجابة سريعة وفورية بشكل مباشر من أجل تطبيق دراسات وأبحاث الدين والإعلام , عندما يكون هناك حاجة يتم النظر للأبحاث واستخدامها , تتعارض الفعاليات التجارية مع المصلحة العامة أحيانا , ومن الضرورة بمكان أيضا أن لا يتم الحاق الضرر بالأولويات التجارية , ولهذا السبب لست متأكدا إن كانت القنوات التجارية تأخذ الأبحاث وتدرسها ثم تقوم بتطبيقها وفقا لمبادئها !! وبناء على ذلك فإنه قد يكون من الضرورة بمكان على ناشري الخدمة العامة الإنتباه بشكل أكثر لمثل هذا الجانب , ويبدو أنَّ هذا الذي يحدث . ويبدو أيضا أنَّ مثل هذه القضايا تتم مناقشتها بشكل أكثر في بعض المجالات المتخصصة في مجال الدين كما أنه من الأصح القول بأن الأبحاث تتواجد في البيئة الأكاديمية أكثر من المؤسسات
ومع الزمن تقوم المؤسسات بإجراء الدراسات , على سبيل المثال علمنا بأن وزارة الشؤون الدينية تقوم بمثل هذه الدراسات , ولكن من الصعب تثبيت فيما إذا كان الإعلام يستفيد من تلك الدراسات ويستخلص دروسا ويطبقها , ولكن الذي يبدو أنه لو تم تطبيقها لما كنا الآن نتحدث عن هذه المشاكل ولما كنا نقوم بتقييمات للإعلام في دراساتنا .
تركيا حاليا تتوفر لها الإمكانية لعمل شئ في هذا الجانب , فهناك أكاديمييون لديهم القدرة على عمل دراسات وهناك أيضًا مفكرون قادرون على إنتاج أفكار حول هذا الموضوع
هل الإعلام لا يقوم بما هو على عاتقه والمؤسسات هي التي تقوم به ؟! طبعا لا , لا يبدو أنه من الممكن إعطاء إجابة إيجابية على هذا السؤال , يُترك حل المشاكل للجهود الشخصية . الإعلام الإجتماعي , الإعلام الجديد . الإنترنت , الواقعية , مثل هذه السلسلة تنتظر تفكير المؤسسات واهتمامها , لسنا نحن فقط من يقول بضرورة وجود فقه للإنترنت .
لقد وصلنا إلى وضعية بات فيها من الضروري أن تُثير هذه القضية الإهتمام بشكل كبير , لأن الجهود ليست كافية ونحن نزيد من عدد الفرص الضائعة ونضيع الوقت مرة أخرى , وكما أننا تأخرنا كثيرا في العديد من المبتكرات فإننا لا نتمكن من مُلاحظة جهود مؤسسية كي نتمكن من معرفة ما الذي يجب فعله أثناء التعامل مع الإنترنت مع الأسف , إنَّ الموضوع بحق مرتبط بمصير الجنس البشري كما أن الآراء التي يتعين طرحها حول هذه المسألة حيوية للغاية بحيث يجب على المؤسسات أن تفهم الأهمية الحيوية لذلك ، وعندئذ فقط تظل محاولة حل هذه المشكلة .
أعتقد أن هناك مشكلة في فهم الأهمية الحيوية لهذه القضية , وإذا نلاحظ فإنَّ تركيا حاليا تتوفر لها الإمكانية لعمل شئ في هذا الجانب , فهناك أكاديمييون لديهم القدرة على عمل دراسات وهناك أيضًا مفكرون قادرون على إنتاج أفكار حول هذا الموضوع . ولكن دعونا نعترف في قرارة أنفسنا بهذا الأمر : لغاية الآن لا يوجد لدينا حتى برنامج ماجستير , وهذا عيب لنا وعيب أكاديمي , لم نتمكن بعد من إنشاء أرضية دراسات عليا مختلطة تجمع متخصيين في الإتصال والإلهيات وعلم الإجتماع , ولكن قد يقوم مركز بحث وتطبيق دراسات الدين والإعلام في قيصري بذلك .
عمر ملكاوي : أستاذي على مستوى الجامعات فإنَّ أوّل جامعة اتخذت خطوة في جانب الدين والإعلام هي جامعة إرجيس , أليس كذلك ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : نعم هو كذلك , على الأقل هناك عنوان أكاديمي في ميدان الدين والإعلام , ونتمنى أن يزداد العدد .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : إن المشاكل التي تظهر في علاقة الدين مع الإعلام ليست مشكلة جغرافيا أو دولة أو مرجعية دينية بحد ذاتها , بل هي مشكلة البشرية المشتركة
عمر ملكاوي: هل هناك شيئ آخر ترغب في إضافته قبل أن ننهي أستاذي ؟
البرفسور ميتيه تشامدارلي : إنهاء الكلام في هذا الموضوع ليس سهلا ولكن دعني أنهي كلامي على النحو التالي : ألم نتعب بعد من الخسارة منذ سنوات , ألم نتعب بعد من الخسارة كبشر ! نحن نخسر , الإنسانية تخسر ! الكل يُحاول أن يُنقذ ويحابي نفسه , ما أردت قوله التالي : عندما نقول “الإعلام والإسلام” فإننا نقول دعونا ننقذ المسلمين وهذا لا يصح لأن الهم قد يكون إنقاذ المسلمين نعم ولكنَّ همَّ المُسلم هو إنقاذ البشرية وذلك بسبب المسؤولية التي على عاتقه ما بين الأرض والعرش . إذا كنت محصورا في نطاق مشاكلك الخاصة فهذا يعني أنك دفنت نفسك في نطاقها فقط ولا تعير أي اهتمام لغيرها , يجب أن يفهم ويدرك أولئك الذين يسعون إلى حل مشاكل البشرية أنهم يستطيعون التخلص من مشاكلهم الشخصية أيضا من خلال إنقاذ البشرية كاملة .
إن المشاكل التي تظهر في علاقة الدين مع الإعلام ليست مشكلة جغرافيا أو دولة أو مرجعية دينية بحد ذاتها , بل هي مشكلة البشرية المشتركة , بحيث إذا ما أردنا الحصول على نتيجةٍ فينبغي السعي لحل مشاكل هذه المعمورة ولا شك أنَّ حل مشاكل علاقة الدين مع الاعلام يكمن بحد كبيرا في ذاك النطاق .
عمر ملكاوي: ختاما أشكرك من جديد أستاذي الغالي , جزاكم الله خيرا على الدوام يا رب .
البرفسور ميتيه تشامدارلي : وجزاك ربي خيرا حبيبي ملكاوي , أنا أشكرك أيضا.