رغم أن القانون المغربي المتعلق بالصيدلة والأدوية يلزم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتوفير كافة الأدوية الضرورية لمرضى المملكة، ويشدد قانون 17.04 المتعلق بمدونة الصيدلة والأدوية على حماية صحة المرضى من خلال ضمان مخزون استراتيجي يكفي لثلاثة أشهر على الأقل، إلا أن الجهات المسؤولة عن تطبيق هذه التشريعات لم تلتزم بتنفيذها بالشكل المطلوب.
لم تلتزم السلطات المغربية بتطبيق القوانين التي وضعتها لحماية المرضى وضمان العيش الكريم للمواطنين، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها نقص التمويل اللازم لتوفير وتصنيع الأدوية، لكن في المقابل، خصصت السلطات جزءًا كبيرًا من مواردها نحو شراء الأسلحة وتخزينها، لمواجهة ما وصفه البعض بـ”عدو وهمي”.
أدوية مفقودة
يشهد المغرب أزمة خانقة في قطاع الصحة، حيث تعاني الصيدليات العامة والخاصة من نقص حاد في الأدوية الأساسية، مما يضطر المرضى إلى بذل جهود مضنية في البحث عنها.
ويثير هذا الوضع قلقًا كبيرًا، خاصة لدى الفئات البسيطة من المواطنين، الذين أصبحوا يخشون تفاقم الأزمة، نظرًا لتأثيرها المباشر على صحتهم، مع استمرار غياب أصناف حيوية من الأدوية في صيدليات المستشفيات الحكومية وحتى الخاصة، ما دفعهم إلى توجيه نداءات استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي للمغاربة القانطين في الخارج من أجل مساعدتهم في توفير بعض أنواع الأدوية المفقودة داخل المملكة.
الإعلانات المتداولة تكشف حدة أزمة نقص الأدوية في المغرب، حيث إن العديد من الأدوية الأساسية إما مفقودة أو متوفرة بكميات محدودة تُباع عبر الوساطات، هذه الأزمة تهدد صحة المواطنين بشكل مباشر، في ظل صمت النظام وعدم اتخاذ أي خطوات جادة لحل المشكلة.
ويعتبر أصحاب الأمراض المزمنة الأكثر تضررًا من أزمة نقص الأدوية في المغرب، حيث اختفت العديد من الأدوية الأساسية التي يعتمد عليها مرضى القلب والقصور الكلوي، مثل دواء “ألداكتون 50 مليغرام” لمرضى القلب، و”ألفاكالسيدول 1 ميكروغرام”، و”تامبوكور 100 مليغرام”، ما يفاقم معاناتهم ويهدد حياتهم، كما يشمل هذا النقص أدوية أساسية مثل علاجات السرطان والفشل الكلوي وداء السل، وبعض الأمراض البسيطة.
ووفق ما رصده “نون بوست” فإن دواء “ألداكتون 50 ميلغرام” مفقود من الصيدليات المغربية منذ أكثر من شهرين، ويعتبر هذا الدواء مهمًا لمرضى القلب والضغط الدموي، إلا أن السلطات لم تحرك ساكنًا إلى الآن.
أزمة نقص الأدوية في المغرب ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة أزمات سابقة ضربت قطاع الصحة، ففي مايو/أيار الماضي وقبلها بفترة وجيزة، شهد المغرب نقصًا كبيرًا في الأدوية، ما عرض حياة المواطنين للخطر، خاصة مع غياب الدولة واختيارها الصمت على التدخل لإنقاذ الوضع.
ويعكس الوضع الراهن في الصيدليات والمستشفيات فشل السلطات في اتخاذ التدابير الفعّالة اللازمة لتعزيز الأمن الدوائي في المملكة وضمان توافر العلاجات الأساسية بشكل دائم.
ويفاقم الوضع ارتفاع أسعار الأدوية بشكل مبالغ فيه، حيث تباع بأسعار مرتفعة، وفق تصريح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، الذي أكد خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، أن بعض الأدوية تُباع بأسعار تفوق ثلاثة إلى خمسة أضعاف مثيلاتها في الدول الأخرى.
تقصير رسمي
ينص التشريع المغربي على ضرورة ضمان الدولة مراقبة وتتبع أوضاع السوق الدوائية سواء من حيث التصنيع أو المخزون أو الاستيراد، لكن الواقع يثبت فشل النظام في توفير مخزون كافٍ من الأدوية يجنبها هذا الانقطاع المتكرر في عدد منها رغم ادعائها محاولة القيام بذلك.
ويعود سبب هذا النقص في جزء منه إلى ارتهان الصيدليات المغربية إلى مختبرات التصنيع وشركات الأدوية العالمية وعدم قدرتها إلى اليوم على ضمان التزود الكافي بأنواع كثيرة من الأدوية.
ويعود عجز السلطات المغربية عن توفير الأدوية الأساسية والضرورية لصحة المواطنين، إلى الإهمال الواضح وعدم إيلاء هذا الملف الاهتمام الكافي، بالإضافة إلى ضعف تخصيص الاعتمادات المالية اللازمة لضمان توافر هذه الأدوية في السوق الوطنية.
وقبل أيام جددت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، دعوتها للحكومة لإيجاد حلول عاجلة لأزمة الانقطاع المتكرر للأدوية والذي يؤثر على الصيدليات والمواطنين على حد سواء.
وتبلغ الميزانية الإجمالية المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية في المغرب للسنة الحالية 3 مليارات دولار على أن يتم رفعها في السنة المقبلة إلى 3.25 مليارات دولار، أي ما يمثل نحو 4.5 % من الميزانية العامة المقدرة بـ72 مليار دولار، لكن هذه الأموال المخصصة من الميزانية لا يمكن أن تعالج النقص الحاصلة في القطاع الصحي بالمغرب.
إلى جانب النقص الحاد في الأدوية، تعاني المستشفيات المغربية من عجز كبير في عدد الأسرة والموارد البشرية، بما في ذلك الأطباء والممرضون، مما يؤدي إلى تأجيل مواعيد العمليات الجراحية في القطاع العام لفترات تتجاوز ثلاثة أشهر، وقد تصل إلى ستة أشهر في بعض الحالات.
ونفذت 8 نقابات بقطاع الصحة المغربي مطلع الشهر الحالي إضرابًا لمدة يومين، في جميع المؤسسات الصحية الاستشفائية والوقائية والإدارية باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش، بسبب نقض الحكومة لكل التزاماتها الموقعة مع النقابات الممثلة في القطاع في اتفاق 23 يوليو/تموز الماضي.
وتشمل هذه النقابات “التنسيق النقابي الوطني لقطاع الصحة” الذي يضم ست نقابات، و”النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام” و”اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين”.
التركيز على التسليح
تُرجع الحكومة المغربية فشلها في تنفيذ الإصلاحات اللازمة في قطاع الصحة إلى نقص الموارد المالية بسبب الأزمات الاقتصادية التي مرت بها المملكة في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، فإن مراجعة الموازنة العامة تكشف أن هذه الموارد متاحة لقطاعات أخرى، أبرزها الدفاع.
فعلى الرغم من العجز في تمويل قطاع الصحة وشراء الأدوية الأساسية، خصصت الحكومة ميزانية ضخمة بلغت 13.5 مليار دولار لسنة 2025 لاقتناء وإصلاح المعدات العسكرية ودعم تطوير صناعة الدفاع، بزيادة تُقارب 900 مليون دولار مقارنة بالسنة الماضية، وارتفاع يتجاوز 3.5 مليارات دولار مقارنة بعام 2019، ما يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي.
ووفقا للأرقام السابقة يستحوذ قطاع الدفاع على حوالي 18% من الموازنة العامة في المملكة، وهو مستوى يضع المغرب ضمن البلدان الأكثر إنفاقًا على جيوشها، حيث حل المغرب في المرتبة الـ29 عالميًا ضمن قائمة أكبر مستوردي الأسلحة في العالم خلال الفترة ما بين 2019-2023، وفق تقرير صادر عن معهد إستوكهولم الدولي للأبحاث والسلام.
ووفق هذا التقرير الذي يحمل عنوان “الاتجاهات العالمية لعمليات نقل السلاح”، فقد استورد المغرب 0.8% من إجمالي الأسلحة التي تم بيعها خلال الفترة ما بين 2019 و2023.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وقّع المغرب صفقة أسلحة اشترى بمقتضاها 40 صاروخًا موجهًا من طراز “AGM-154C JSOW” لزيادة تجهيزات طائرات إف -16 التابعة للقوات المسلحة الملكية المغربية.
وتصل القيمة الإجمالية للصفقة 250 مليون دولار، وتشمل شراء الصواريخ والتدريب على تخزين الذخيرة والسلامة، وتطوير برامج تشغيل الأسلحة البرمجية وخدمات الدعم الهندسي واللوجستي.
كما أبرمت المغرب صفقة أسلحة في يونيو/حزيران الماضي تعدّ الأكبر في تاريخها تتمثل في شراء 131 طائرة مقاتلة من طراز F-16 Block المعروفة باسم “الأفعى” من شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
ويرتقب أن يتحصل المغرب قريبًا على 18 قاذفة صواريخ “هيمارس” من طراز “إم 142” إلى جانب تسع مركبات ذات عجلات متعددة الأغراض من طراز “إم -1154 أيه 1″، وأجهزة راديو، و18 مركبة إمداد من طراز “إف إم تي في”، إضافة إلى شاحنات ومعدات أخرى على غرار الذخيرة، في صفقة بلغت 524 مليون دولار.
إضافة إلى تسلم الجيش المغربي نهاية السنة الحالية 200 مدرعة عسكرية تركية من نوع “كوبرا 2″، قيمتها تناهز 136 مليون دولار، فضلًا عن اقتناء قطع الغيار وآلات الصيانة من تركيا، وتوفير التدريب على استعمال هذه المدرعات لفائدة عناصر القوات المسلحة المغربية.
ويعود سبب تخصيص المغرب لهذه الأموال الطائلة لقطاع التسليح إلى رغبته في تعزيز قوة الردع العسكري والحفاظ على التوازن الإستراتيجي مع القوى الإقليمية، خاصة في ظل سباق التسليح مع جارته الجزائر التي يعتبرها العدو المباشر.
في المحصلة، يظهر جليًا أن السلطات المغربية تولي أولوية لشراء الأسلحة تحسبًا لتهديدات خارجية يمكن أن تحدث أو لا، بينما تتجاهل توفير الأدوية اللازمة، تاركة المغاربة يواجهون مخاطر صحية حقيقية تهدد حياتهم بشكل مباشر.