“بعد 52 سنة، حان الوقت للولايات المتحدة للاعتراف الكامل بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان التي تتسم بأهمية إستراتيجية وأمنية بالغة لدولة “إسرائيل” والاستقرار الإقليمي”، بهذه الكلمات ينهي السمسار الأمريكي ترامب صفقة بيع الجولان بشكل نهائي من سوريا إلى اليهود، هذه الصفقة التي بدأها حافظ الأسد والآن يكمل بيعها وريثه القاصر بشار بعد أن باع تقريبًا كل سوريا للمستعمرين وذلك بموافقات دولية غير مباشرة ومن تحت الطاولة التي عوّدنا عليها المجتمع الدولي، فعن ماذا يتحدث ترامب؟ وبماذا يريد أن يعترف بعد كل تلك السنين التي بقيت بها الجولان حبيسة السجون اليهودية؟
دعونا نلخّص في سطور تاريخ بيع الجولان ولو أن الأغلبية يعرفون تفاصيلها ولكن للتاريخ ولتعلم الأجيال القادمة كيف تم خيانة آبائهم، ففي 21 من مايو/أيار 1967 اخترق الطيران اليهودي سماء دمشق لأول مرة بعد حرب 1948، فصرح بعدها حافظ الأسد الذي كان وزيرًا للدفاع في ذلك الزمان: “قواتنا جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان بل للمبادرة لعملية التحرير”، ولكن في 5 من يونيو/حزيران 1967 دمر الطيران الصهيوني أكثر من 300 طائرة مصرية على أرض المطارات، بذات التوقيت رفض حافظ أسد طلب القيادة المشتركة بدء الهجوم على طبريا للتخفيف على الجبهتين المصرية والأردنية في خيانة واضحة وطعن في الظهر من حافظ الأسد للمصريين.
سقطت القنيطرة والجولان بعد 48 ساعة من إعلان بيان حافظ الكاذب، وتمت عملية البيع بعد اتفاقية مفادها عدم مؤازرة المصريين والأردنيين مقابل عدم وصول اليهود إلى دمشق وبقاء حافظ الأسد حاكم وخادم وحامٍ لحدود اليهود
في 10 من يونيو/حزيران 1967 طلب حافظ أسد من محمد الزعبي وزير الإعلام السوري وقتها إذاعة البيان 66 الذي ينص على إعلان سقوط القنيطرة مع هضبة الجولان، في حين كانت القوات السورية تتمركز على بعد 25 كيلومترًا عن القنيطرة، ولم تغادر القوات إلا بعد عشر ساعات بعد البيان وقيل ثلاث ساعات، في حين بقي بعض الضباط الشرفاء يقاتلون لآخر رمق ومنهم النقيب محمد سعيد يونس الذي بقي في المنصورة يقاوم حتى ظهيرة اليوم التالي، واستشهد مع جنوده، أيضًا الملازم أول احتياط رفيق سكاف بقي في تل الفرس واستشهد مع جنوده، أما النقيب أسعد بدران فقد قاوم مع جنوده في الخشينة حتى أصيب وحوكم لاحقًا بتهمة عصيان الأوامر بالانسحاب.
أما الخونة الذين شاركوا بالخيانة فكان أحدهم كركوز عملية البيع وهو قائد الجبهة اللواء أحمد المير الذي هرب على ظهر حمار متنكرًا بملابس فلاح وكوفئ لاحقًا بتعيينه في القيادة القطرية للحزب، أما عظام رقبة حافظ الأسد كالمقدم رئيف علواني والنقيب رفعت أسد فقد انسحبا إلى دمشق لحضور اجتماع حزبي مهم، كان أهم من الجولان والقنيطرة ومن كل سوريا.
عام 1973 قدم حافظ الأسد عرضه العسكري الذي انتحل من خلاله صفة (بطل التشرينين) ليزيل عنه صفة بائع الجولان وليثبّت نفسه بالحكم ويعقد اتفاقية في عام 1974 مقابل مبلغ 500 مليون دولار كما تواردت الأنباء
سقطت القنيطرة والجولان بعد 48 ساعة من إعلان بيان حافظ الكاذب، وتمت عملية البيع بعد اتفاقية مفادها عدم مؤازرة المصريين والأردنيين مقابل عدم وصول اليهود إلى دمشق وبقاء حافظ الأسد حاكم وخادم وحامٍ لحدود اليهود، في ذات الوقت قيل إنه تم تهريب الذهب الموجود في البنك المركزي السوري إلى القرداحة مسقط رأس المقبور حافظ، وعلى الرغم من أن أي عسكري مبتدئ يعرف أن طبيعة الأرض في الجولان تسمح للجيش السوري أن يصمد لأشهر، فقد سقطت بساعات.
مجلة التايم الأمريكية نشرت تقريرًا تعقيبًا على هذا الموضوع تقول فيه: “خان راديو دمشق جيشه بإعلان سقوط مدينة القنيطرة قبل ثلاث ساعات من سقوطها، ذلك التقرير المتحدث عن استسلام مركز قيادتهم حطم معنويات الجنود السوريين الذين بقوا في منطقة الجولان”، وقصدت المجلة عدم قول إن حافظ الأسد هو الذي خان جيشه لأنهم يعرفون أنهم عميلهم وعميل أسيادهم اليهود.
في عام 1973 قدم حافظ الأسد عرضه العسكري الذي انتحل من خلاله صفة (بطل التشرينين) ليزيل عنه صفة بائع الجولان وليثبّت نفسه بالحكم ويعقد اتفاقية في عام 1974 مقابل مبلغ 500 مليون دولار كما تواردت الأنباء، إضافة إلى قسم من مدينة القنيطرة كان مدمرًا، تم الاتفاق على هذه الصفقة في مدريد بشكل سري وفي العلن تم وضع الجولان تحت المراقبة الدولية، في عام 1981 أعلن اليهود ضمها من جديد، فاحتجت بعض الدول وقتها كما يُحتج اليوم، ورفع بعدها حافظ الأسد شعاره الرنّان “الأرض مقابل السلام”، لكن الأصح الذي تم تطبيقه هو أن “الأرض السورية والسلام لليهود مقابل الحكم والمال لآل الأسد”.
أقول لمن يدّعي وقوفه مع الحق وأنه مع الشعب السوري ومع القانون الدولي الذي وضع لمآرب اليهود، أن الشعب السوري الثائر عارف لكل مؤامراتكم ومتاجرتكم بقضيته
أرى أن طرح قضية الجولان حاليًا ما هو إلا بروباغندا إعلامية يتم من خلالها إيهام الشعب من جديد أنّ بشار الأسد مقاوم وممانع ولكن ذلك كُشف زيفه على مدى سنين الثورة الثمانية، والأمر الثاني من خلال وقوف الدول الرافضة لهذا القرار الأمريكي مع القاتل بشار ولو بشكل غير علني، فكما فعل المجتمع الدولي سابقًا مع حافظ الأسد وأعيد تأهيله بعد هزيمة 1967 يتم الآن إعادة تأهيل بشار ليبقى حاكمًا وخادمًا وحاميًا لحدود اليهود ويبقى الوضع كما هو عليه منذ أكثر من نصف قرن ويبقى اليهود يسيطرون على الجولان وما زالوا يسيطرون والشعوب يُضحك عليها بمسخرة القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والمعاهدات الخُلبية، والأمر الآخر هو دعم ترامب لنتنياهو بالانتخابات القادمة.
أقول لمن يدّعي وقوفه مع الحق وأنه مع الشعب السوري ومع القانون الدولي الذي وضع لمآرب اليهود، أن الشعب السوري الثائر عارف لكل مؤامراتكم ومتاجرتكم بقضيته، فإن كانت نيتكم غير ذلك وكنتم صادقين بأقوالكم فسمّوا الأمور بمسمياتها واعترفوا أن بشار ونظامه المجرم وداعميه هم من نكّلوا وقتلوا وشردوا الشعب السوري وباعوا أراضي سوريا للمستعمرين والمغتصبين، وافضحوا هذه الصفقات أمام الشعوب، وقفوا موقفًا شريفًا يحفظ ماء وجوهكم.