اقتحمت التكنولوجيا حياتنا إلى غير رجعة، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي كينونة أساسية في حياتنا وعلاقتنا بالآخرين، وأصبحت علاقات الصداقة والتعارف مرتبطة بهذه الوسائل، فبدلًا من تبادل أرقام الهواتف أو عنوان المنزل والتواصل عبرها، وجدنا أنه يمكن أن تكون علاقات السوشيال ميديا بديلًا حيويًا، فقد تطورت التكنولوجيا عن هذا الحد وأصبحت مكانًا مهمًا ورئيسيًا لتسجيل ذكرياتنا وأحلامنا وحتى أسرارنا، وأصبحت غرفنا المكتبية وأدواتنا الحياتية إلكترونية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعد أن كان لكل شيء وجودًا واقعيًا في حياتنا، وهذا هو ما قدمه فيلم Searching، فقد قدم انعكاسًا سينمائيًا واقعيًا لحياة الأسر المعاصرة.
تتحدث قصة الفيلم الذي هو بطولة جون شو وديبرا ميسينج وإخراج أنيش شاجانتيه، عن قصة من قصص الخطف التقليدية، لها أسبابها ودوافعها ولها مغزاها الأخلاقي كذلك، وعلى الرغم من أن الموضوع ليس إبداعيًا في فكرته أو جاء لأول مرة، فإن تطبيقه جاء بطريقة أكثر ذكاءً وواقعية، فقد كان العنصر الأبرز في الفيلم هو التكنولوجيا وكل ما يتعلق بها من ارتباطات في الحياة الواقعية.
الفيلم عكس لنا حياتنا بشكل أكثر صدقًا وواقعية، لأن حياتنا بالفعل مليئة بالأدوار الرئيسية للهواتف المحمولة والحواسيب، وننظر في كل تفصيلة في حياتنا في هذه الشاشات
بداية الفيلم كانت عبارة عن نافذة كمبيوتر تظهر صور للعائلة الصغيرة المكونة من أب وأم وطفلة، ومن خلال الفيديوهات والصور تعرفنا على جزء كبير من حياة هذه العائلة، أي يشاهد بطل الفيلم شاشة الكمبيوتر ونشاهد نحن معه، وكأننا مشتركون في التحكم في الحاسوب، ونتعرف على مراحل نمو الطفلة وتغير شكلها ودخولها المدرسة، ونتعرف على قصة مرض الأم وصراعها معه ثم وفاتها وكيف انعكس ذلك على حياة الأسرة المكونة من طفلة وأبيها، كل ذلك من خلال شاشة الكمبيوتر فقط.
الفيلم عكس لنا حياتنا بشكل أكثر صدقًا وواقعية، لأن حياتنا بالفعل مليئة بالأدوار الرئيسية للهواتف المحمولة والحواسيب، وننظر في كل تفصيلة في حياتنا في هذه الشاشات، ورغم أن الأفلام الحديثة جسدت، في كثير منها، استخدامات الأجهزة الحديثة وأدوارها الفعالة، لم يوجد فيلم سينمائي واحد تعمق في علاقتنا التكنولوجية لهذه الدرجة، ليس فقط لمجرد التصوير، ولكن القضية الحساسة التي تعامل معها الفيلم أنتجت لنا موضوعًا عبقريًا مجسدًا في فيلم سينيمائي تكنولوجي.
محور الفيلم الرئيسي هو اختفاء ابنة بطل الفيلم بعد فترة من وجودها في درس خصوصي مع أصدقائها، وبعد قلق الأب عليها واكتشافه أنه قد تم اختطافها، تبدأ أحداث الفيلم الجوهرية وتزداد الاستخدامات التكنولوجية في التعمق والظهور، فنجد أن الأب لم يبرح منزله أغلب الوقت وكانت أغلب مراسلاته وتواصلاته عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
فتح لنا الفيلم آفاقًا جديدة تنطلق من هذه النقطة، منها بُعد تربوي وهو جهل الأب لأبنته وحياتها وعدم معرفته أي شيء عن حياتها الخاصة، فلا يعرف أصدقاءها ولا اهتمامتها، فقد كانت علاقتهما سطحية رغم الحب الكبير بينهما، والجانب الآخر أنه بمساعدة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يمكنك التعرف على حياة أي شخص من بدايتها حتى اللحظة التي يعيش فيها، وهذا ما شاهدناه مع رحلة تتبع الأب لحسابات ابنته على مواقع التواصل الاجتماعي، على اختلافها وتنوعها، إلا أن كل موقع منهم كان يخفي شيئًا جديدًا ويقدم معلومة جديدة، تمكن من التعرف على ابنته الحقيقية من خلالها، وعرف كيف قصر في حقها وتجاهل الكثير من الأمور التي لا ينبغي أن يغفل عنها، بل وتمكن من التعرف على أحد خيوط الجريمة ثم وصل على أرض الواقع ليباشر العملية بنفسه.
بوستر فيلم “searching”
وعلى الرغم من كل التعقيدات وانحسار الفيلم في اتجاه واحد ينكشف لنا نوع جديد من الشخصيات المرتبطة بالفيلم، وهي الشخصيات المحبة للظهور في الميديا، التي تستغل أي ترند وتتصدر المشهد، وهو ما حدث مع صديقة الفتاة التي حاول الأب الحصول على أي معلومة منها وتجاهلته، ولكن عند تحول الموضوع لقضية شهيرة بدأت باستغلال الموقف وادعت صداقتها الحميمة وعلاقتها القوية بها، وهذه نوعية موجودة وحقيقية في عصر التكنولوجيا الرقمية الحاليّ.
لن أحرق تفاصيل الفيلم أو مغزاه التربوي الذي حتمًا ستكتشفوه عند مشاهدته، ولكن علاقتنا اللصيقة بالتكنولوجيا أثرت على حياتنا بشكل معقد، وليس بالضرورة أن يكون كل ذلك سيئًا، وبالتأكيد نحن حصدنا ثمارًا كثيرة نتيجة هذه التقدمات والتطورات، وجنينا ثمارًا سيئة كذلك، وعلى الرغم من كل هذا فإن هذه العلاقة تستحق التأمل حتى نعرف ما لنا وما علينا.