ترجمة حفصة جودة
في يوم الخميس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي عبر حسابه على تويتر صدمة جديدة للشرق الأوسط حيث قال إن الولايات المتحدة تعترف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان المحتل.
وعلى خلاف 6 عقود من سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، قال ترامب إن هذه الخطوة ذات أهمية إستراتيجية وأمنية حاسمة لدولة “إسرائيل” واستقرار المنطقة، ومما لا يثير الدهشة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه معركة انتخابية صعبة في غضون أسابيع أعرب عن تقديره الشديد لدعم ترامب وشكره بعد الإعلان مباشرة.
يقول نتنياهو: “لقد صنع الرئيس ترامب التاريخ، وقد تحدثت إليه وشكرته نيابة عن شعب “إسرائيل”، لقد فعلها مرة أخرى”، لكن في الوقت نفسه ما زال السكان المحليون في هضبة الجولان المحتل غير مبالين بإعلان ترامب.
شعر وسام شرف – 25 عامًا – خريج القانون الذي يعيش في هضبة الجولان بالصدمة لأول وهلة بعد سماع الخبر، لكنه أدرك بعد ذلك أن هذه التغريدة لن تغير من جنسيته السورية، يقول وسام: “لقد كان تعليقي الأول على الخبر: يا إلهي هذا الأمر سيكون مروعًا لنا، ثم أدركت بعد ذلك من الناحية العملية أنه لن يؤثر على حياتنا”.
ولد وسام ونشأ في قرية عين قنية في هضبة الجولان، مما يعني أن هويته السورية عميقة الجذور، يقول وسام: “نحن من نقرر هويتنا، لسنا بحاجة لرئيس أمريكي – الذي أنا متأكد بأنه لم يسمع عن هضبة الجولان حتى الأسبوع الماضي – لأن يقرر بالنيابة عنا”.
يقول وائل طربيه مدير برنامج الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المرصد – منظمة حقوق إنسان سورية – إنه كان يتوقع مثل هذا الإعلان من ترامب في مرحلة ما، ويضيف: “لقد كان الجانب الإسرائيلي يعمل بجد للحصول على مثل هذا الإعلان من إدارة الولايات المتحدة، هذه التغريدة تتحدث عن الإدارة الأمريكية أكثر مما تتحدث عنا وعن قضيتنا، إنها تتعارض مع جميع قرارات وأحكام الأمم المتحدة”.
هذا القرار لا علاقة له بالوضع، فالاعتراف بالسيادة يتطلب إجماعًا دوليًا
فبحسب قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 242، فإن احتلال هضبة الجولان غير قانوني، وبموجب هذا القرار فإن الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حرب 1967 غير معترف بها ولا بد من احترام السيادة السورية على هضبة الجولان.
ترى أرام أبو صالح – طالبة وناشطة، 22 عامًا – أن جميع قرارات “إسرائيل” التي تنتهك القانون الدولي تحصل على دعم الولايات المتحدة، وتضيف: “من المزعج أن يجلس شخص ما على الجانب الآخر من العالم ليتحدث عن مصيرك ويقرره”.
دعم انتخاب نتنياهو
يعتقد سكان هضبة الجولان أن إعلان ترامب جاء لدعم نتنياهو للفوز بفترة أخرى في الانتخابات القادمة يوم 9 من أبريل، وتقول أبو صالح من قرية مجدل شمس أحد آخر القرى السورية المتبقية في الجولان المحتل: “هذا الإعلان يمنحه المزيد من النقاط، فهو يدفع العالم للاعتراف بسيطرة “إسرائيل” على الأراضي المحتلة، وهذا أمر جيد بالنسبة للشعب الإسرائيلي”.
مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، حصلت الأحزاب اليمينية على دعم السكان المحليين، حيث إنهم يحاولون إظهار مدى التزامهم بفكرة الدولة، وأوضح طربيه أن الأحزاب السياسية تستغل اهتمام العامة بتأمين بقاء “إسرائيل”، يقول طربيه: “سيحاول كل حزب إظهار أنه أكثر التزامًا من الآخرين بالحفاظ على الجولان”.
تكرار سيناريو القدس
أشار شرف إلى أنه عندما أعلن ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس العام الماضي – في انتهاك صارخ للقانون الدولي وعلى خلاف السياسة الأمريكية السابقة – عارض غالبية المجتمع الدولي هذا القرار.
يقول شرف: “هذا ما يحدث الآن في الجولان أيضًا، فقد أعلنت روسيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي معارضتهم لهذا القرار وهم يرون أن الجولان أرض سورية، هذا القرار لا علاقة له بالوضع، فالاعتراف بالسيادة يتطلب إجماعًا دوليًا، إنه يعزل الولايات المتحدة فقط في هذا الشأن عن بقية العالم”.
يتفق طربيه مع هذا الرأي ويؤكد أن قرار ترامب لن يغير من وضع هضبة الجولان حتى تلك اللحظة، يقول طربيه: “لا يمكن لدونالد ترامب ولا لأي شخص أن يقرر بنفسه مصير هضبة الجولان بتلك الطريقة السهلة عبر تويتر”.
ورغم أن السوريين في هضبة الجولان يستطيعون الحصول على الجنسية الإسرائيلية وجواز السفر الإسرائيلي، فإن غالبيتهم استمروا في رفض هذا العرض، لكن خطوة إعلان ترامب السيادة الإسرائيلية على المنطقة قد يؤدي إلى انخفاض الآمال بعودة المنطقة في أيدي السوريين.
ترى أبو صالح أنه لا أمل في تغير أي شيء بالنسبة للجولان، لكنها واثقة بأنه لن يقبل أي أحد الحصول على الجنسية الإسرائيلية بسبب إعلان ترامب، وتقول: “لا أعتقد أن أحدهم يأخذ هذا الإعلان على محمل الجد، إنه مجرد إعلان وليس خطوة عملية وحياتنا لن تتغير الآن”.
السياسة فوق الأمن
بعد استمرار “إسرائيل” في الحديث عن هضبة الجولان كمنطقة عازلة حاسمة تحمي من تهديدات النشاط الإيراني في سوريا، قال ترامب في تغريدته إن المنطقة ذات أهمية إستراتيجية وأمنية حاسمة لدولة “إسرائيل” واستقرار المنطقة.
أعرب شرف بصراحة عن عدم فهمه للخطاب وقال: “نحن هنا نتحدث عن دولة تقتل الناس يوميًا في المناطق التي تسيطر عليها عسكريًا – في إشارة لقتل الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية – لذا فإن أمن “إسرائيل” يتجاهل أمن سكان المنطقة”.
طالما كانت سوريا تحت حكم الأسد فلن يحصل أي أحد على حريته، لا الجولان ولا أي سوري آخر
يقول شرف إنه خلال 25 عامًا عاشها في هضبة الجولان لم يحدث أن انطلقت رصاصة واحدة في أي اتجاه بالقرب من المنطقة معزولة السلاح بين هضبة الجولان وسوريا، ويعتقد شرف أن الأسباب سياسية أكثر منها أمنية.
الاستفادة من الحرب السورية
يرى طربيه أن “إسرائيل” تحاول الاستفادة من الحرب بالوكالة المشتعلة في سوريا منذ سنوات وتستمر في برنامجها الاستيطاني اليهودي وسياسات الاحتلال في مرتفعات الجولان، ويعتقد أن السياسات الإسرائيلية على أرض الجولان أكثر أهمية من تغريدة ترامب.
يقول طربيه: “الأخطر من ذلك هو سياسة الأمر الواقع على الأرض، مثل المشروع الإسرائيلي الجديد بجلب 100 ألف مستوطن جديد إلى الجولان ما بين الخمس والعشر سنوات القادمة”، كما أشار إلى استمرار استغلال الموارد وإنشاء مزارع رياح على أراضٍ زراعية سورية أصلية، ونظرًا لعدم الاستقرار الحاليّ في سوريا، فإن أي أي أمل بعودة هضبة الجولان إلى سوريا قريبًا أصبح ضعيفًا.
يرى طربيه أن هضبة الجولان قد تعود إلى سوريا بناءً على شرط واحد، حيث يقول: “قد يصبح الأمر ممكنًا وربما حقيقيًا إذا أصبح هناك دولة ديموقراطية وحكومة في سوريا، فالدولة الديموقراطية وحدها ستعمل على استعادة الأرض المحتلة”.
ونظرًا لاستعادة الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته على معظم الأراضي السورية بعد 8 سنوات من الاحتجاجات ضده لإزاحته من السلطة، فإن الديموقراطية تبدو بعيدة المنال، وتشير أبو صالح إلى أنه ليس الأسد فقط بل كذلك والده الذي حكم سوريا لمدة 30 عامًا قبل بشار، لم يهتم مطلقًا بشأن احتلال “إسرائيل” لهضبة الجولان.
تقول أبو صالح: “إنهم يستخدمونها فقط في الدعاية، لكنهم لم يفعلوا أبدًا أي شيء حقيقي يساعدنا ضد الاحتلال، أعتقد أنه طالما كانت سوريا تحت حكم الأسد فلن يحصل أي أحد على حريته، لا الجولان ولا أي سوري آخر”.
المصدر: ميدل إيست آي