“أنا لو أقدر أمنع الفاسد إنه يتولى أمركم كنت منعته، وأنا عارف الفاسدين، عارفهم كويس، لكن لأمانة المسؤلية اللي هيقرَّب من الفاسدين يحذر مني، أنا مش هبقى حكر عليكم، لكن فيه ناس لن أسمح لهم بالاقتراب من الكرسي ده، يبقى أنا عارف إنه كان حرامى وفاسد وأسيبه ربنا يحاسبنى، مش انتوا اللى تحاسبونى، لكن ناس أفاضل تختاروا منهم ربنا يوفقهم”.
“مصر أعز وأشرف وأكبر من أن يتولاها ناس فاسدين”، كان ذلك تهديدًا واضحًا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرئيس هيئة أركان الجيش المصري سابقًا سامي عنان بعد يوم واحد من إعلان الأخير ترشحه لانتخابات الرئاسة، حينها انفعل السيسي مستحضرًا العقاب الإلهي الذي لم يغب عن حيثه خلال مؤتمر “حكاية وطن”، الذي أعلن في ختامه ترشحه لانتخابات 2018، قائلاً: “لا تعطوا صوتكم إلا لمن ترون أنه يستحق أن يتولى أمركم”.
“فساد للرُّكب”
مثل سابقيه، جعل السيسي منذ توليه الحكم من “محاربة الفساد” محط تركيز مبكر لرئاسته كجزء من مشروعه الرئاسي على الرغم من أنه جاء من صميم “الدولة العميقة”، أكد السيسي محاربة الفساد وقدم نفسه كمصلح على عكس مبارك الذي فقد مصداقيته، وشدَّد في كثير من الأحيان على الحاجة إلى بذل جهد شامل كامل للقضاء على الفساد.
في ديسمبر/كانون الأول 2014، وبعد 7 أشهر من توليه منصبه، أطلق السيسي في اليوم العالمي لمكافحة الفساد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد غسيل الأموال وتحسين أداء الجهاز الإداري بالدولة، تنفيذًا لوعود مصر لصندوق النقد الدولي حتى تحصل على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وهي خطة مشتركة بين عدد من الجهات مدتها 4 سنوات (2014-2018)، وكان الهدف من الاستراتيجية هو “خلق ثقافة ترفض الفساد وتحتضن العدالة والنزاهة والولاء”.
تمهيدًا لفرض السيطرة على الهيئة التي ذاع صيتها، أصدر السيسى في يوليو 2015 قرارًا بقانون رقم 89 لسنة 2015، بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم
لكن الحكومة ذاتها في إستراتيجيتها الصادرة بمناسبة مرور 50 عامًا، ذكرت صراحة أن من أهم المعوقات المؤسسية لمكافحة الفساد هو “افتقار أعضاء الأجهزة الرقابية إلى الحصانات الكافية للقيام بدورهم”، بالإضافة إلى “تبعية بعض الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد في مصر للسلطة التنفيذية بما قد يؤثر في استقلاليتها”.
وتمثل الخطة الرباعية الثانية (2019-2022)، التي تم الإعلان عنها في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ، “رؤيتها” لمجتمع يعترف بمخاطر الفساد ويرفضها بدعم من هيئة إدارية تدعم قيم الشفافية والنزاهة وتعترف بالكفاءة والفعالية، لكن التدابير القمعية التي أشرف عليها السيسي – تشديد سيطرة النظام على وسائل الإعلام والقضاء والمجتمع المدني ومعاقية منتقدي الحكومة والأصوات المعارضة – يقوض بشكل مباشر الشفافية والنزاهة.
تعامل نظام السيسي مع العديد من قضايا الفساد المهمة لكبار المسؤولين في نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك من خلال إبرام “صفقات مصالحة” غير شفافة نجا فيها المدَّعى عليهم من الملاحقة الجنائية بدفع مبالغ مالية للدولة، وبدلاً من ذلك، اقتصر نهج السيسي في “محاربة الفساد” على تمكين سلطة مكافحة الفساد في بعض الأنشطة.
عمل جهاز الرقابة الإدارية، وسلطت عليه الآلة الإعلامية المصرية ولا تزال الضوء ببطولاته لمحاربة الفساد اليومي، والكشف عن بعض الوزراء والمحافظين ورؤساء الأحياء وغيرهم من كبار موظفي الدولة من المرتشين، وحتى الآن، حدثت اعتقالات في 9 وزارات على الأقل و138 جهة حكومية و 6 محافظات.
وتمهيدًا لفرض السيطرة على الهيئة التي ذاع صيتها، أصدر السيسى في يوليو 2015 قرارًا بقانون رقم 89 لسنة 2015، بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وهو القانون الذي جاء مقتضبًا جدًّا، حيث يتكون من مادة واحدة ولا يرتبط بأي قوانين أخرى مما يجعله واحدًا من أقصر القوانين المصرية.
الأمر الذي يرفع العديد من علامات الاستفهام حول ظروف صدوره بهذا الشكل في هذا التوقيت، وعن نوايا مؤسسة الرئاسة التي قررت أن تعطي نفسها مثل هذه الصلاحية المهمة في هذا الوقت، وهي الصلاحية التي تؤدي إلى المزيد من الترسيخ لصلاحيات السلطة التنفيذية على العموم ومؤسسة الرئاسة تحديدًا،
بموجب التعديلات الحكومية التي أدخلها السيسي أصبحت الهيئة تتبع رئاسة الجمهورية بعد أن كانت مستقلة
وهو أيضًا ما يضر بمبدأ الفصل بين السلطات وجهود مكافحة الفساد وتعزيز أطر الحوكمة الرشيدة، وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي تلقت القانون بمزيد من القلق، فإن غياب استقلال تلك الأجهزة والهيئات وخضوعها المباشر والمتزايد للسلطة التنفيذية يؤثر بالقطع في عملها على مكافحة الفساد.
ويؤكد هذا على أن القانون الصادر أخيرًا لا يعبر فقط عن تضارب تشريعي وانتكاسة لجهود مكافحة الفساد، ولكنه يعبر أيضًا عن تضارب داخل أروقة اتخاذ القرار، وعدم وضوح الرؤية الخاصة بإستراتيجيات مكافحة الفساد، فنرى الحكومة تقوم بإصدار العديد من المبادئ الخاصة بمكافحة الفساد وتكون هي أول من ينتهك تلك المبادئ بشكل واضح.
فوق الدولة
نواب غائبون، ومقاعد خاوية، وانعقاد باطل قانونيًا، وتصويت مخالف للدستور، مشاهد باتت معتادة خلال جلسات البرلمان المصري، والذي وافق، في يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017، بصفة نهائية، على تعديلات قانون هيئة الرقابة الإدارية، المعدة من الحكومة، ورفعها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي للتصديق عليها من دون عرضها على مجلس الدولة للمراجعة.
بموجب التعديلات الحكومية التي أدخلها السيسي أصبحت الهيئة تتبع رئاسة الجمهورية بعد أن كانت مستقلة، كما تقضي التعديلات بتعيين رئيس الهيئة بقرار من السيسي، بعد موافقة مجلس النواب، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ومعاملته المعاملة المقررة للوزراء، وتعيين نائب رئيس الهيئة، وكامل أعضائها، بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح رئيس الهيئة.
إضافة إلى تكليف هيئة الرقابة الإدارية بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، منح السيسي هيئة الرقابة الإدارية دروًا في ما لا يقل عن 16 لجنة رسمية وإدارية في وزارات مختلفة تتعامل مع العديد من القضايا المختلفة
من هنا بدأت هيئة الرقابة الإدارية مساعدة النظام في السيطرة على المؤسسات المدنية، حيث منحت هذه التعديلات للهيئة حق الاستعانة برجال الشرطة، وبغيرهم من رجال الضبطية القضائية، وذوي الخبرة، من دون الإخلال بقواعد الإجراءات والضمانات المتعلقة بالضبط أو القبض أو التفتيش المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، مع جواز تعيين أعضائها عن طريق النقل من أجهزة الدولة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، وفقًا لاحتياجات الهيئة.
في أواخر عام 2017، أنشأ السيسي مركزًا متخصصًا تحت اسم “الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد”، وتتبع هيئة الرقابة الإدارية، وتعتبر أحد قطاعات الهيئة، وبحسب ما هو معلن، يتمثل دورها في عقد دورات تدريبية لأعضاء الهيئة وفق خطط وبرامج سنوية، وعقد دورات ومؤتمرات وندوات وحلقات نقاش في مجال نشر قيم النزاهة والشفافية والنوعية بمخاطر الفساد وسبل مكافحته.
وكانت الخطوة الأكبر في العام 2017 حين أصدر السيسي القانون رقم 207 لإضافة اختصاصات أخرى لعمل هيئة الرقابة الإدارية منها مكافحة الاتجار في البشر، والأعضاء البشرية، لكن اللافت أن هذا القانون أضاف اختصاصًا جديدًا ومهمًا لعمل الهيئة جعلها قريبة الشبه من بعض اختصاصات جهاز المخابرات العامة تحديدًا؛ حين شرّع التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والوثائق والمعلومات مع الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بمكافحة الفساد في الخارج، وبهذا توسّعت صلاحيات الهيئة من مراقبة ومكافحة الفساد في الداخل إلى كل ما يخص الجهاز الإداري للدولة المصرية ولو كان خارجًا.
وإضافة إلى تكليف هيئة الرقابة الإدارية بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، منح السيسي هيئة الرقابة الإدارية دروًا في ما لا يقل عن 16 لجنة رسمية وإدارية في وزارات مختلفة تتعامل مع العديد من القضايا المختلفة، منها: اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية واللجنة العليا للإصلاح التشريعي واللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للأجور والمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
السيسي يجتمع مع رئيس هيئة الرقايبة الإدارية الحالي شريف سيف الدين في أغسطس 2018
وتشير مشاركة هيئة الرقابة الإدارية في مثل هذا النطاق الواسع من مجالات الحكم إلى المدى المحتمل للفساد وسوء الإدارة ومدفوعات التسهيل والرشوة والاختلاس والاحتيال في جميع أنحاء الدولة، وقد يشير ذلك إلى أن السيسي يريد من الهيئة الخاضعة تحت سيطرته مباشرة أن تدخل في جميع هذه القضايا، لكن من غير الواضح مدى نشاط هذه اللجان، ومع مرور الوقت تختص الهيئة بتحديد هامش الفساد وسوء الإدارة في كل من هذه الجهات لتشكل ما يشبه أذراعًا رقابية في كل مكان، وتمنح هذه السيطرة رأس السلطة الإدارية نفوذًا مباشرًا على مراقبي الفساد ومن ثمَّ حمى نفسه وحلفاؤه.
كما قام السيسي بتكليف هيئة الرقابة بالعديد من الأدوار الأخرى، مثل المساعدة في جذب الاستثمار الأجنبي ومكافحة الهجرة غير الشرعية، كما أجرى موظفو الهيئة دورات تدريبية للمسؤولين من الوزارات وأجهزة الدولة والمحافظات والجامعات في مجال مكافحة الفساد، بالإضافة إلى ذلك، كلفت حكومته بإنشاء برنامج السجل الوطني الموحد ومشروع الباحثين الاجتماعيين، الذي المفترض أن يساعد في تبسيط برامج الرعاية الاجتماعية في مصر وإصلاح نظام الدعم الغذائي، والإصلاحات التي يشجعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ويبدو أن العديد من هذه الأدوار تتجاوز قدرة هيئة الرقابة الإدارية، إن لم يكن سلطتها، حيث لاحظ تحليل لوزارة الخارجية الأمريكية، أن هيئة الرقابة الإدارية “عادة ما يتم تكليفها بعمل لا تقوم به عادة وكالة إنفاذ القانون”، حتى لو كانت هيئة الرقابة تتحمل فوق طاقتها إلا أنها مفيدة للسيسي من الناحية السياسية بعدة طرق، إذ يمكن تُظهر التحقيقات والاعتقالات التي يقوم بها وكأنه يقود حملة لقمع الفساد على عكس تقاعس مبارك، حتى لو كان نظامه يواصل العديد من الممارسات الفاسدة في عهد مبارك ويعزز ممارسات جديدة.
يمكن أن تساعد هيئة الرقابة أيضًا لتلميع صورة مصر وتحسين موقفها في الاستبيانات العالمية وعلى مؤشر مدركات الفساد، من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. في الواقع، كان المسؤولون المصريون صريحين أن أحد الأسباب الرئيسية لتنفيذ إصلاحات مكافحة الفساد هو تحسين صورة مصر، وقد عمدوا إلى استخدم النظام ضبطيات هيئة الرقابة الإدارية لهذا الغرض.
بحسب تقرير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوات ليست جزءًا من حملة حقيقية للقضاء على الفسادـ إنما استخدم السيسي هيئة الرقابة الإدارية لدعم نظامه
علاوة على ذلك، فإن إعادة هيئة الرقابة للأموال العامة المنهوبة إلى خزائن الدولة يمكن أن يسمح للسيسي بالادعاء بأنه يكافح هدر الحكومة حتى عندما يوجَّه الدولة لتنفيذ “مشاريع عملاقة” ذات أهمية مشكوك فيها، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي يتم بناؤها خارج القاهرة، ويقوم بعمليات شراء ضخمة للأسلحة من الخارج.
وبحسب تقرير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوات ليست جزءًا من حملة حقيقية للقضاء على الفسادـ إنما استخدم السيسي هيئة الرقابة الإدارية لدعم نظامه، بسبب عدم استيفاء هيئة الرقابة الإدارية الحد الأدنى من الاستقلال السياسي والشفافية والمساءلة، فإن التعامل معها باعتبارها المحور الأساسي لحملة حقيقية لمحاربة الفساد أمر مضلل”.
جمهورية الضباط
منذ نشأتها يُعيَّن رئيس الهيئة وكبار مسؤوليها من أعضاء القوات المسلحة ويرأس أقسامها التنفيذية وفروعها خليط من ضباط الجيش والشرطة، وعلى هذه الخلفية، اتخذ السيسي العديد من التدابير لضمان وتعزيز سيطرته على هيئة الرقابة.
في أبريل/نيسان 2015، عيِّن السيسي زميل دفعته في الكلية الحربية اللواء محمد عرفان رئيسًا للهيئة، وفي عهده توسِّعت في أدوارها ولمعت إعلاميًا، وكثيرًا ما شوهد إلى جانب السيسي أثناء افتتاح المشروعات الحكومية، حيث كان يمدح الرئيس ويصرِّح بأن إصلاحاته الإدارية كانت تنقذ مليارات الدولارات، لكن دون تفسير عام أقاله بالمخالفة للدستور.
بسبب غموض النظام وزوال وسائل الإعلام المستقلة داخل مصر، من الصعب معرفة ما يكمن وراء إطلاق هذه التعديلات المفاجئة؛ فبعض الحكام الاستبداديين يقومون بإقصاء أو تدوير الأشخاص الذين يشغلون مناصب أمنية حساسة بحيث لا يمكن للمتحدرين المحتملين بناء قاعدة سلطة مستقلة.
في عام 2017، خلف عرفان اللواء شريف سيف الدين الرئيس الذي يأتي مباشرة من الجيش، في حين عُيّن للمفارقة اللواء اللواء محمد فريد التهامي، رئيس هيئة الرقابة الإدارية الأسبق، والمتهم بالفساد في منصب رئيس المخابرات العامة ثم إقالته بعد ذلك، واللافت أن مبارك جدّد للتهامي 4 مرات منذ أن انتهى تعيينه الأصلي في العام 2008، كان آخرها من جانب المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة في ديسمبر/كانون الأول 2011.
لأن السيسي يسيطر على الهيئة، يمكنه الإشراف على الشخص المستهدف للاعتقال أو التخويف، بينما يحمي نفسه وحلفائه من التدقيق
كما عيَّن ابنه مصطفي ضابطًا في الهيئة بعد تخرجة في الكلية الحربية، وأبرزت بعض التقارير الصحفية والبيانات الرسمية دورًا له في ضبطيات الهيئة، كما أنه على الجانب الآخر وبحسب “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” الإسرائيلي فإن السيسي من خلال نجله الآخر محمود الذي أصبح الرجل الثاني بعد عباس كامل في قيادة المخابرات العامة والذي تورّط بحسب عدة مصادر في إقالة اللواء خالد فوزي المدير السابق للمخابرات، أصبح السيسي من خلال نجليه محمود ومصطفى يسيطر على أهم الأجهزة المعلوماتية والرقابية في مصر.
ومع وجود هذا الكم من الهائل من العسكريين على رأس هيئة الرقابة الإدارية يصبح لدىها وظيفة في إعادة بناء نظام السيسي، حيث تلعب المؤسسات الأمنية – لا سيما الجيش – تحت قيادة السيسي الدور الرئيسي في إدارة علاقات النظام مع الهيئات الإدارية والبيروقراطية للدولة، لتحل محل شبكات مبارك التي كان يديرها قادة الحزب الوطني ورجال الأعمال المرتبطون بمبارك وابنه جمال.
كما يعد توسيع دور هيئة الرقابة في إطار السيسي جزءً من جهد أوسع لتحقيق لجعل الجيش يراقب أداء مؤسسات الدولة، وبأخذ ذلك في الاعتبار، يمكن أن تساعد هيئة الرقابة في أزالة العقبات التي تواجه المبادرات الرئيسية وتنظيم شبكات المحسوبية، ولأن السيسي يسيطر على الهيئة، يمكنه الإشراف على الشخص المستهدف للاعتقال أو التخويف، بينما يحمي نفسه وحلفائه من التدقيق.
توضح الصورة تعيين رئيس الهيئة وكبار مسؤوليها من أعضاء القوات المسلحة منذ عهد جمال عبدالناصر إلى السيسي
ربما هذا ما حدث حين كان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة يردَّد كثيرًا عبارة “الفساد للرُّكَب”؛ لوصف حجم الفساد المستشري في الأجهزة السيادية ووزارة الداخلية والجيش، لكن سير الأحداث أثبت أن جنينة كان مستهدفًا من دبابير الفساد المنتشرة التي أعادت إنتاج نفسها بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي عام 2013، خصوصًا بعد أن رفض الرجل أن يصمت أو يجاري رموز هذا الفساد ومن يحميهم.
وحين صرَّح جنينة بأن المبالغ المفقودة بسبب الفساد بلغت نحو 600 مليار جنيه مصري ما بين 2012 و2015، شكِّل السيسي لجنة من رئاسة الجمهورية للتحقيق في هذه التصريحات، وأدَّعت اللجنة أن جنينة “ضلل الشعب المصرى، وأعطى أرقامًا غير حقيقية”.
وعندما حاول جنينة تقديم الدليل على ما قاله، قام نظام السيسي بحظر نشر أدلته، ثم فوجئ الجميع بإحالته إلى نيابة أمن الدولة العليا، ثم عُزل خلال ساعات بقرار جمهوري أصدره السيسي، رغم أن المادة 216 في الدستور الذي أُقر عام 2014 بعد الانقلاب على مرسي لا يسمح بإقالة رئيس الجهاز المركزي من منصبه، وهو ما يتوافق مع نص المادة 20 من قانون الجهاز المركزي.
في دراسة لمركز “كارنيغي” للشرق الأوسط أشار الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية يزيد صايغ إلى أن هيئة الرقابة الإدارية عملت في ظل حكم مبارك كوسيلة لترهيب المعارضين ومعاقبتهم، والسيطرة على مؤيّدي النظام، وكان بالإمكان أيضًا كبح جماحها عندما تُهدّد تحقيقاتها السياسيين أو رجال الأعمال المقربين من الرئيس، لكن يبدو السيسي أبشع ديكتاتورية من مبارك، بحسب وصف مجلة “فورين بوليسي”.