بعد ثلاثة أيام من اختفائه الغامض في الإمارات العربية المتحدة، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، صباح اليوم الأحد، العثور على جثة الحاخام المفقود تسيفي كوغان (28 عامًا) في مدينة العين بإمارة أبو ظبي.
واعتبرت الوزارة، في بيانٍ مشترك مع مكتب رئيس وزراء الاحتلال: أنّ “مقتل تسيفي كوغان حادث إرهابي إجرامي، ومعادٍ للسامية”، مشيرةً إلى أنّ “إسرائيل” ستتحرك بكل الوسائل وستقدم المجرمين المسؤولين عن مقتله إلى العدالة.
Joint statement from the Prime Minister’s Office and the Ministry of Foreign Affairs:
The intelligence and security authorities in the United Arab Emirates have located the body of Tzvi Kogan, who had been missing since Thursday, November 21, 2024.
The Israeli mission in Abu… pic.twitter.com/Kat4z3npy4
— Israel ישראל (@Israel) November 24, 2024
ما القصة؟
كان كوغان (28 عامًا)، الضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي وأحد ممثلي حركة “حباد” اليهودية، يقيم في الإمارات بشكل رسمي بصفته مساعدًا للحاخام اليهودي الأكبر في أبو ظبي ليفي دوشمان، قبل أن ينقطع الاتصال به، وسط شكوك في تعرضه للخطف من قبل جهة معادية.
وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن كوغان شوهد آخر مرة في دبي، ظهر يوم الخميس الماضي، ولم يحضر الاجتماعات المقررة التي كان يعقدها خلال النهار، وبعد تغيبه اتصلت زوجته بالمنظمة التي اتصلت بدورها بالسلطات الإماراتية.
اختفاء كوغان بقي طي الكتمان حتى أمس السبت، عندما نقلت وسائل إعلام أن “الموساد وأجهزة الاستخبارات في الإمارات يحققون في اختفاء أحد مبعوثي حركة حباد في الإمارات ويشتبهون أنه قد اختُطف أو قُتل على يد جهات إرهابية”.
وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بيانًا قال فيه إن “تسفي كوغان، وهو إسرائيلي – مولدوفي، مفقود منذ ظهر الخميس”، مؤكدًا أن “أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية تعمل بلا كلل، بسبب قلقها على سلامة تسفي كوغان”
ورغم أن الرد الإماراتي لم يتأخر بعد البيان الإسرائيلي، إلا أنه اعتبر أن المواطن المختفي يحمل الجنسية المالدوفية دون أي ذكر جنسيته الإسرائيلية.
وجاء في البيان أن “ماجد المنصوري، مدير إدارة رعايا الأجانب في وزارة الخارجية، يتابع عن كثب قضية تغيب المواطن من الجنسية المالدوفية زفي كوغان، وأنها على تواصل مع أسرته، وتقدم كافة أشكال الدعم اللازمة لها. كما أشار إلى أن الوزارة تتواصل بشكل مستمر مع سفارة مالدوفا في أبو ظبي في هذا الصدد”.
كما أصدرت وزارة الداخلية الإماراتية بيانًا لم يختلف كثيرًا عما أدلى به المنصوري، إذ أعلنت ورود بلاغ من عائلة شخص من (الجنسية المولدوفية) يدعى زفي كوغان تفيد بتغيبه وانقطاع الاتصال به منذ يوم الخميس الماضي.
UAE Ministry of Foreign Affairs is Closely Monitoring the Case of Missing Moldovan Citizenhttps://t.co/ncl5jF86hQ pic.twitter.com/1ArAqPn33r
— MoFA وزارة الخارجية (@mofauae) November 23, 2024
وأكدت الوزارة في بيانها الذي نشرته على صفحتها الرسمية بمنصة إكس أن “الأجهزة المختصة وفور ورود البلاغ بدأت بعمليات البحث والتحري، كما تدعو الجمهور إلى استقاء المعلومات من المصادر الرسمية وعدم الانسياق وراء الشائعات المغرضة والأخبار المضللة التي تهدف إلى إثارة البلبلة في المجتمع”.
في صباح الأحد، أعلن مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجيّة في “إسرائيل”، عثور السلطات الإماراتيّة على جثة الحاخام الإسرائيلي مقتولًا.
The Prime Minister’s Office and the Ministry of Foreign Affairs:
The UAE intelligence and security authorities have located the body of Zvi Kogan, who has been missing since Thursday, 21 November 2024.
— Prime Minister of Israel (@IsraeliPM) November 24, 2024
وقالت وسائل إعلام عبرية، إن آثار عنف ظهرت على جسد الحاخام، ووجدت “آثار صراع” في سيارته، مشيرة إلى أنّ مصادر التحقيقات تؤكد وجود آثار عنف على الجثة، ودلائل على حدوث عراك خلف بعض الدماء في السيارة التي عُثر عليها في مدينة العين على بعد ساعة ونصف عن دبي.
ووفقًا للمصادر السابقة كان هاتف الحاخام مغلقًا منذ اختفائه، ويشتبه في أنّ ثلاثة أشخاص من الجنسية الأوزبكية تعقّبوه بعد أن غادر متجر طعام يهودي في دبي وقاد سيارته إلى (العين)، واختطفوه وقتلوه، وهربوا إلى تركيا، وسط شكوك بأن لإيران علاقة في الحادثة.
وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” فتح تحقيقًا “مكثفًا” في الحادثة.
منظمة متطرفة
كان من اللافت أن الحاخام الإسرائيلي ينتمي إلى منظمة “حاباد” أو “شاباد” اليهودية، والتي برزت خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من عام.
وتعد منظمة “حاباد”، من المنظمات المتطرفة التي لا تؤمن بوجود الفلسطينيين، وتدعو للتخلص منهم وطردهم من فلسطين المحتلة، وتعارض أي اتفاق يمكن أن يمنحهم جزءًا من أراضيهم، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن سماح السلطات الإماراتية لهذا الحاخام المتطرف بالإقامة بها رسميًا، رغم أن الإمارات تزعم أنها تؤيد حلًا سلميًا للصراع وتؤمن بإمكانية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تسيطر المنظمة على منطقة تدعى كفار حاباد، وهي الضاحية الملاصقة لمطار بن غوريون على أراضي يافا المحتلة، والتي يقدر عدد قاطنيها بأكثر من 7 آلاف نسمة، وهم من أتباعها، كما أن لهم وجودًا في صفد، منذ تسلل اليهود من أوروبا الشرقية إلى فلسطين المحتلة، ما بين 1777- 1840، وأنشأوا مجتمعًا خاصًا بهم، ومعابد ومحاولات استيطانية مبكرة عبر الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين.
نشطت المنظمة منذ بدء العدوان على غزة، عبر دعم جيش الاحتلال بالتجهيزات اللوجستية للجنود، وجمع التبرعات لتوفير احتياجاته، حيث شكلت حضورًا واسعًا لمساندة جرائم الاحتلال عبر تنظيم العديد من الفعاليات، تدعو عبرها إلى عودة الاستيطان لقطاع غزة، فضلًا عن توسيع استيلاء وضم الأراضي في الضفة الغربية لصالح المستوطنين.
وقام عدد من جنود الاحتلال، في بداية العدوان، برفع لافتة على أحد منازل بيت حانون شمال غزة، وأطلقوا عليه اسم “أول بيت حاباد” في غزة، وأقاموا فيه احتفالًا بعيد “الحانوكاه اليهودي”، قبل أن ينسحبوا على وقع ضربات المقاومة ويدمروا المنطقة.
وفي يوليو/تموز الماضي ظهر علم “حاباد” باللون الأصفر على إحدى دبابات الاحتلال، التي دمرها مقاتل من كتائب القسام، بواسطة عبوة ناسفة في تل السلطان برفح.
العلم الأصفر على الدبابة في قطاع غزة تتخذه منظمة حباد رمزاً لها.. ما حكايته؟ pic.twitter.com/Re2wR02wsa
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) November 23, 2024
ويظهر على العلم الملون بالأصفر، تاج أزرق، وتحته بالعبرية عبارة “مشيح” أو مسيح، ويقصد بها المسيح المخلص الذي سيأتي في آخر الزمان ليقود اليهود، وفقًا لمعتقدات الطائفة.
هل تتضرر العلاقات؟
شهدت العلاقة بين إسرائيل والإمارات تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام في سبتمبر 2020، التي أسست لعلاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، وأدت إلى تطبيع العلاقات في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية.
ومنذ حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة برز الدور الإماراتي كشريك في آلة القتل الإسرائيلية من خلال الدعم الاقتصادي عبر تضاعف حجم التجارة بين الطرفين.
ومنذ تواتر الأنباء عن اختفاء الحاخام بشكل غامض سيطرت حالة من الارتباك على أبو ظبي، وسط مخاوف إماراتية من علاقة القضية بالتوترات الإقليمية المتزايدة ومن تضرر صورتها بوصفها الوجهة الأفضل والأكثر أمانًا للاستثمار والسياحة في المنطقة.
الارتباك الإماراتي بدا واضحًا في البيانين الصادرين عن وزارتي الداخلية والخارجية في البلاد، إذ جاء فيهما أن السلطات تتابع قضية اختفاء المواطن من “الجنسية المالدوفية” زفي كوغان، مع تحاشي ذكر جنسيته الإسرائيلية، والاكتفاء بذكر جنسيته المولدوفية.
في المقابل كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية أكثر صراحة، إذ قالت هيئة البث الإسرائيلية إنّ الاتصال انقطع مع الحاخام يوم الخميس، وأنه من بين الشكوك أن يكون قد اختُطف أو اغتيل على يد جهات “إرهابية”، وأن أجهزة الأمن الإسرائيلية تشارك في التحقيقات حول الحادثة.
ومن اللافت كذلك أن الإعلان عن خبر مقتل الحاخام اقتصر على الجانب الإسرائيلي فحسب، رغم أن الحادثة وقعت في الإمارات، حيث لم تنشر وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية أي تحديث حتى إعداد التقرير، فآخر مادة متعلقة بالحادثة هي البيان شبه المتطابق لوزارتي الداخلية والخارجية في أبو ظبي.
وعقب الحادثة دارت تساؤلات حول مصير العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال، خاصة وأن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أصدر تحذيرًا إلى الإسرائيليين من المستوى الثالث، يشمل الإمارات العربية المتحدة، بسبب وجود أنشطة لعناصر إرهابية تشكل خطرًا حقيقيًا على الإسرائيليين المقيمين أو الزائرين في الدولة.
وأوضح أن التحذير لا يشمل حالات الترانزيت (الرحلات التي تتضمن توقفًا قصيرًا) في الدولة، لكن يُوصى بالبقاء ضمن حدود المطار حتى موعد الرحلة التالية.
إلا أن نتنياهو أكد في كلمة له، اليوم، على التعاون مع أبو ظبي في التحقيق في جريمة القتل، و”العمل على تعزيز الروابط بيننا على وجه التحديد في مواجهة محاولات محور الشر للإضرار بالعلاقات السلمية بيننا”.
كما أكد الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أن “هذا الهجوم المروع هو تذكير بوحشية أعداء الشعب اليهودي. لكن مثل هذه الأفعال لن تردعنا عن الاستمرار في بناء مجتمعات يهودية مزدهرة في الإمارات أو أي مكان آخر”.
وخلال الساعات الماضية سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على الحالة الأمنية، حيث قالت صحيفة “معاريف” نقلًا عن أحد الإسرائيليين في الإمارات، إن “طفلي يتجول مرتديًا القلنسوة ولم نواجه أي مشكلة أبدًا. خاصة بعد السابع من أكتوبر” مؤكدًا عدم عودته إلى إسرائيل بعد اغتيال كوغان.
كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن أحد أصدقاء الحاخام المقتول، قوله: “هناك إسرائيليون يعتبرون دبي بمثابة منزلهم الثاني، سواء للأعمال التجارية أو العائلة والأصدقاء، رغم جميع تحذيرات السفر. بالنسبة لي، هذا هو المكان الأكثر أمانًا، مكان هادئ وملاذ للسلام”.
ويعكس الارتباك الإماراتي في التعامل مع الحادثة حالة الصدمة التي تمر بها أبو ظبي، إذ تشكل الواقعة ضربة كبيرة لسمعة الدولة الخليجية التي لطالما استثمرت في الترويج لنفسها وجهةً وملاذًا آمنًا للاستثمار والسياحة خاصة للإسرائيليين، فحكومة أبو ظبي تجاهلت وتحدت كل المحاذير الأمنية بعد طوفان الأقصى، حيث ضاعفت عدد رحلات الطيران من وإلى تل أبيب عبر ناقلاتها الجوية في وقت ألغت فيه العديد من الشركات العالمية رحلاتها أو قلّصتها على أقل تقدير.
وكان لافتًا في هذا الصدد انتقاد عضو الكونغرس الأمريكي المؤيد للاحتلال، ريتشي توريس، تعليق شركات الطيران الأمريكية والعالمية رحلاتها إلى تل أبيب في الوقت الذي يواصل فيه الطيران الإماراتي العمل مع دولة الاحتلال.
وصرّح توريس، الذي تلقى تبرعات كبيرة من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، قائلًا: “كيف يمكن أن يكون من الخطير للغاية لشركات مثل “أمريكان إيرلاينز” و”دلتا” و”يونايتد” أن تلغي رحلاتها إلى “إسرائيل”، في الوقت الذي تستمر فيه شركات الطيران الإماراتية مثل الاتحاد وفلاي دبي وويز إير أبو ظبي في تشغيل رحلاتها إلى تل أبيب؟
SCOOP @J_Insider via @emilyfjacobs: “Rep. Torres accuses U.S. airlines of practically boycotting Israel”
“Torres: ‘To unilaterally suspend air travel indefinitely until mid-2025, as American Airlines has done, has the practical effect of a boycott’”https://t.co/7MO0JKY9rH
— Josh Kraushaar (@JoshKraushaar) August 28, 2024