ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، قام المدعون العامون الفيدراليون بتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب ضد 34 متطرفا يمينيا فقط، مقابل أكثر من 500 متهم في قضايا الإرهاب الدولي.
في أحد شوارع مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، دعس جيمس أليكس فيلدز العشرات من الناس الذين كانوا يسيرون أمامه. وقد جاءت هذه الحشود للاحتجاج ضد فيلدز وأمثاله من مئات المتعصبين من مناصري تفوق البيض الذين تجمّعوا بدورهم في هذه المدينة الجنوبية، من أجل المطالبة “بتوحيد اليمين” في آب/ أغسطس سنة 2017. وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل هيذر هاير، البالغة من العمر 32 سنة وإصابة ما لا يقل عن 19 آخرين.
كان فيلدز من ولاية أوهايو والبالغ من العمر 20 سنة، الذي عُرف بآرائه العنصرية، قد شارك في مسيرة بولاية فرجينيا مع مجموعة “فانغارد أمريكا” للقوميين البيض. وقد أدانته محكمة ولاية فرجينيا بالقتل، كما وجهت له المحكمة الفيدرالية تهما على خلفية تورطه في جرائم كراهية. وعلى الرغم من وصف المدعي العام آنذاك، جيف سيشنز، لهجوم شارلوتسفيل بأنه يستجيب تماما لتعريف “الإرهاب المحلي”، إلا أن فيلدز لم يُوصف قط بالإرهابي. وبعد مرور 10 أشهر، عند إعلان لائحة التهم الفيدرالية الموجهة لفيلدز، تجنّب سيشنز استخدام كلمة “إرهاب” زاعما، عوضا عن ذلك، أن وزارة العدل لا تزال “مصممة على أن الإيديولوجيات التي تشجع على الكره لن تكون لها الكلمة الفصل، وأن أتباعها لن يفلتوا من جرائم العنف ضد الآخرين”.
أقرّ مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن المدعين الفيدراليين يتهمون العديد من المتطرفين المحليين العنيفين بارتكاب جرائم حيث يتغاضون عن تصنيفها ضمن الأعمال الإرهابية، مشيرين إلى أن الاتهامات الأكثر بساطة غالبًا ما تكون أكثر فعالية في حالات مماثلة
في الأثناء، توصّل تحليل قام به موقع “ذي إنترسبت” حول المحاكمات الفيدرالية منذ 11 أيلول/ سبتمبر، إلى أن وزارة العدل امتنعت باستمرار عن إدانة المتطرفين اليمينيين بالإرهاب حتى حين تُجسّد جرائمهم التعريف القانوني للإرهاب المحلي المتمثل في أعمال نابعة عن دوافع أيديولوجية ضارة بحياة الإنسان، التي تهدف إلى تخويف المدنيين، والتأثير على السياسة، أو تغيير إجراءات الحكومة.
في المقابل، وفي حال كان فيلدز مسلما متحالفا مع جماعة إرهابية دولية، فمن المؤكد أن وزارة العدل كانت ستتعامل مع قضيته بطريقة مختلفة. ووفقًا لمراجعة قام بها الموقع، ثبت تورط حوالي 268 متطرف يميني مثلوا أمام المحكمة الفيدرالية منذ 11 أيلول/ سبتمبر، في جرائم تندرج في إطار الإرهاب المحلي. مع ذلك، طبقت وزارة العدل قوانين مكافحة الإرهاب ضد 34 فقط، من بين أكثر من 500 إرهابي دولي مزعوم.
أقرّ مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن المدعين الفيدراليين يتهمون العديد من المتطرفين المحليين العنيفين بارتكاب جرائم حيث يتغاضون عن تصنيفها ضمن الأعمال الإرهابية، مشيرين إلى أن الاتهامات الأكثر بساطة غالبًا ما تكون أكثر فعالية في حالات مماثلة. مع ذلك، تعتبر العواقب المنجرّة عن معالجة الإرهاب المحلي والدولي بشكل مختلف واسعة النطاق وعميقة.
قال البروفيسور المختص في العدالة الجنائية بجامعة نيويورك الحكومية في فريدونيا، جيسي نوريس: “تشكل هذه المعايير المزدوجة في تصنيف العنف الدولي على أنه إرهاب والتغاضي عن الإرهاب المحلي، مشكلة عويصة”.
في هذا الصدد، قال البروفيسور المختص في العدالة الجنائية بجامعة نيويورك الحكومية في فريدونيا، جيسي نوريس، إن “الإرهاب يعتبر من أهم أنواع الجرائم نظرا لأنه لا يصنف على أنه جريمة ضد البعض، بل ضد الجميع. وحين تتعامل مع هذه المسألة من هذا المنطلق، يتسنى لك إيلاء أهمية أكبر لهذه القضية، فضلا عن ضمان تعامل الناس مع هذه الجرائم بجدية أكبر. نتيجة لذلك، تشكل هذه المعايير المزدوجة في تصنيف العنف الدولي على أنه إرهاب والتغاضي عن الإرهاب المحلي، مشكلة عويصة”.
في سياق متصل، نذكر قضية المهاجر الأوزبكي، سيفولو سايبوف، الذي قاد شاحنة مستأجرة عبر ممر للدراجات في مانهاتن السفلى بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على هجوم شارلوتسفيل، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص. وكان سايبوف، الذي أصيب في الهجوم، فخورا للغاية بولائه المتشدد لدرجة أنه طلب من العملاء الفيدراليين ما إذا كان بإمكانه تعليق علم تنظيم الدولة الأسود في غرفته بالمستشفى. في الواقع، تتشابه جريمة سايبوف مع جرائم فيلدز، غير أن سيشنز وصف هجوم الأزبكي بأنه “عمل إرهابي مدبّر وسط إحدى مدننا العظيمة”. وقد مثل سايبوف أمام محكمة فيدرالية اتهمته بارتكاب جريمة قتل وتقديم الدعم المادي لتنظيم الدولة.
الشرطة تحقق في تحطم شاحنة “هوم ديبوت” في نيويورك في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017.
صورة لمنفذ الهجوم، سيفولو سايبوف، في مؤتمر صحفي في نيويورك في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017.
على ضوء تصدّر سلسلة من الهجمات المميتة والمؤامرات التي شنها الإرهابيون المحليون عناوين الصحف خلال الأشهر الأخيرة، هناك بعض الأدلة على أن المدعين العامين الفدراليين والمسؤولين عن تطبيق القانون قد يغيّرون توجههم الحالي. الجدير بالذكر أن المسؤولين استخدموا مرارًا مصطلح “إرهابي محلي” لوصف كريستوفر هاسون، وهو ملازم في خفر السواحل الأمريكي الذي يعترف بكونه مناصرا لمبدأ “القومية البيضاء”.
أُعتقل هاسون الشهر الماضي بتهمة التآمر بهدف اغتيال سياسيين وصحفيين، بينما كان من الضروري أن يُدان بتهمة ارتكاب جريمة إرهابية. بناء على ذلك، شرع المسؤولون الحاليون والسابقون بوزارة العدل في الحديث بانفتاح أكبر عن الإرهاب المحلي باعتباره شاغلا ملحًا. مع ذلك، ما يزال التباين في كيفية معالجة هذين النوعين من العنف النابع من دوافع أيديولوجية، قائما. ولطالما تعلّق الإرهاب بالبنيان السياسي للدولة، بيد أن تعريفه القانوني في الولايات المتحدة يعود إلى سنة 1986، حين جرّم كل من قانون الأمن الدبلوماسي وقانون مكافحة الإرهاب الهجمات الإرهابية ضد الدبلوماسيين الأمريكيين أو مواطني الولايات المتحدة بالخارج.
خلال تسعينيات القرن الماضي، وصف كل من قانون حظر استخدام الأسلحة البيولوجية وقانون مكافحة الإرهاب، الأفعال الإرهابية التي تُرتكب داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك تلك المستوحاة من الإيديولوجيات المحلية، بالجرائم الفيدرالية. وأثارت هذه القوانين تساؤلات وانتقادات بين الباحثين في مجال القانون والحريات المدنية حول ما إذا كانت الصعوبة الكامنة في تعريف الإرهاب تتسبب بشكل أساسي في ارتكاب انتهاكات من قبل النيابة العامة.
يسمح البند الآخر من قانون الدعم المادي لوزارة العدل بمقاضاة المشتبه بهم بسبب دورهم في دعم الممارسات المحظورة، بما في ذلك قصف المباني الحكومية، وقتل الموظفيين الحكوميين، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، واحتجاز الرهائن
من جانبها، حدّدت وزارة الخارجية قائمة بالمنظمات الإرهابية الأجنبية، ويمكن إسناد تهمة ارتكاب جرائم متعلقة بالإرهاب لأي شخص يثبُت تورطه في دعم إحدى هذه الجماعات. في الواقع، يتمتع المشتبه بهم في جرائم الإرهاب المحلي بحماية قانونية خلافا لأولئك المتهمين بارتباطهم بالإرهاب الدولي. وبفضل التعديل الأول للدستور الذي يمنع الجماعات الإرهابية المحلية من تجريم الأفكار والأيديولوجيات التي تتبناها الأقلية، يصبح من الصعب تطبيق الملاحقات القضائية التعسفية ذاتها المتبعة لاستهداف الإرهابيين الدوليين، لملاحقة الجهات الفاعلة المحلية. في المقابل، يظل لدى المدعين الفيدراليين العديد من الوسائل القانونية المتاحة التي تخول لهم ملاحقة المتطرفين المحليين المزعومين.
من بين هذه الوسائل؛ قانون يمنع تقديم الدعم المادي للإرهابيين، حيث يتضمن بندين اثنين، يحظر أحدهما أي نوع من الدعم للمنظمات المدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية لوزارة الخارجية، وقد استخدمه المدعون على نطاق واسع ومثير للجدل بهدف الادعاء بأن بعض النشاطات السياسية أو الخيرية السلمية تمثل شكلا من أشكال الإرهاب الدولي. ويسمح البند الآخر من قانون الدعم المادي لوزارة العدل بمقاضاة المشتبه بهم بسبب دورهم في دعم الممارسات المحظورة، بما في ذلك قصف المباني الحكومية، وقتل الموظفيين الحكوميين، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، واحتجاز الرهائن.
الرئيس جورج بوش الابن أثناء إلقائه خطابا قبل التوقيع على قانون “باتريوت آكت” في البيت الأبيض في 26 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2001.
الإرهاب بالأرقام
نتج عن مئات المحاكمات للمسلمين المتهمين بارتكاب ممارسات إرهابية في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، تصوّر بأن الإرهاب الدولي يشكّل تهديدًا أكثر خطورة وتجذّرا في الولايات المتحدة مقارنة بالتطرف المحلي اليميني. خلافا لذلك، أشارت بعض الدراسات، التي أجراها مجموعة من الأكاديميين وخلايا التفكير وحركات الحقوق المدنية ووكالات الأنباء، إلى أن الإرهاب اليميني يشكل تهديدا أكبر.
وفقا لتقرير صادر عن مكتب محاسبة الحكومة الأمريكي لسنة 2017، حول أعمال العنف الإرهابية في الفترة الممتدة بين 12 أيلول/ سبتمبر 2001 و31 كانون الأول/ ديسمبر 2016، تبيّن أن المتطرفين التابعين للتيار اليميني كانوا مسؤولين عن أعمال عنف تفوق بثلاثة أضعاف الأعمال المرتكبة من قبل المتطرفين المسلمين. وقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها رابطة مكافحة التشهير استنادا إلى 573 حالة وفاة مرتبطة بالمتطرفين في الفترة ما بين 2002 و2018، أن 80 بالمئة من الضحايا قُتلوا على أيدي متطرفين يمينيين.
أفاد بريندان ماكغواير، المدعي العام السابق الذي شغل منصب رئيس قسم الإرهاب بمكتب المدعي العام للولايات المتحدة في المنطقة الجنوبية من مدينة نيويورك، أنه “من الواضح أن الجماعات الإرهابية المحلية موجودة بالفعل في الولايات المتحدة، إلا أننا لا ندعوهم بالمجموعات الإرهابية”
من الجلي أنه من خلال التركيز على توجيه الاتهامات للمتطرفين الدوليين فقط، تقوم وزارة العدل بتضخيم التهديد الذي تشكله هذه الأطراف، مقارنة بأولئك المتطرفين المحليين ذوي الأيديولوجيات اليمينية. وقد عززت الصحافة هذه الفكرة، حيث كشفت دراسة حديثة لجامعة ألاباما أن الهجمات الإرهابية التي يشنها المتطرفون المسلمون تتلقى تغطية إعلامية بنسبة 357 بالمئة أكثر من الهجمات التي يرتكبها غير المسلمين. وتسببت هذه المعايير المزدوجة في التأثير بشدة على كيفية تخصيص مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات تطبيق القانون الأخرى الموارد لمكافحة الإرهاب، حيث غالبا ما يتم إيلاء الأولوية القصوى للتهديدات الدولية على حساب التهديدات المحلية.
من جهته، أفاد بريندان ماكغواير، المدعي العام السابق الذي شغل منصب رئيس قسم الإرهاب بمكتب المدعي العام للولايات المتحدة في المنطقة الجنوبية من مدينة نيويورك، أنه “من الواضح أن الجماعات الإرهابية المحلية موجودة بالفعل في الولايات المتحدة، إلا أننا لا ندعوهم بالمجموعات الإرهابية. عموما، لا تزال التحديات داخل الحكومة حول إسناد مصطلح “الإرهاب” للممارسات المحلية البحتة، قائمة. نحن فقط نتصرف براحة أكبر عند التعامل مع الإرهاب على أنه أمر يتأتى من الخارج فقط”.
في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أضاء الحاخام، إيلي ويلانسكي، شمعة بعد عملية إطلاق نار جماعي على كنيس” ذا تري أوف لايف” في بيتسبرغ
مبادئ توجيهية غامضة وقوانين غير مستغلة بشكل كافي
يعتبر الإرهاب غير موضوعي، ذلك أنه في نظر المدعين العامين الفيدراليين، يُعد، على سبيل المثال، أحد مواليد الولايات المتحدة الذي يتعاطف مع تنظيم الدولة، والذي لم يلتقِ قط داعما آخر للتنظيم، إرهابيا طالما أنه يرتكب عملا من أعمال العنف وينسبه إلى المنظمة الإرهابية. في المقابل، قد يكون أحد المُتبنّين لفكر تفوق البيض الذي يتواطأ مع غيره ممن يعتنقون هذا الفكر العنصري ويفجر مسجدا، إرهابيا لكنه غالبا ما يُتهم بحيازة المتفجرات واستخدامها فقط.
في هذا الصدد، صرح مايكل جرمان، العميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يعمل حاليا زميلا في مركز برينان للعدالة التابع لكلية الحقوق بجامعة نيويورك، أنه “على غرار جزء كبير من خطاب مكافحة الإرهاب، فهو يعتمد على مشاعرنا بشأن طريقة حدوث الأمور عوضا عن البيانات. وبالعودة إلى تسعينات القرن الماضي، كان لفظ الإرهاب أداة بلاغية لوصف نوع سيء للغاية من العنف. لكن من خلال إدخال لفظ تحقيري من قبيل “الإرهاب” إلى المحكمة، فأنت بذلك تُسيّس المحاكمة”.
استخدم موظفون من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الظهور الجديد للتطرّف اليميني في الآونة الأخيرة للمطالبة بسنّ قانون جديد للإرهاب المحلي، في أعقاب ما حدث بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر
وفقا للمدعي العام الفيدرالي السابق، هنري هوكيمير جونيور، تعتبر توجيهات وزارة العدل غامضة لدرجة أن المدعين العامين غالبا ما يضعون معاييرهم الخاصة لتحديد إدراج تهمة تتعلق بالإرهاب في قضايا التطرف الداخلي. في هذا الإطار، قال هوكيمير جونيور إنه “يجب أن تسأل نفسك: هل يهدف الهجوم إلى التسبب في خسائر كبيرة في الأرواح؟ أم أنه يستهدف منطقة معينة من أجل قتل شخص أو اثنين؟ يجب عليك النظر في النتيجة النهائية لذلك”.
من جانبهم، استخدم موظفون من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الظهور الجديد للتطرّف اليميني في الآونة الأخيرة للمطالبة بسنّ قانون جديد للإرهاب المحلي، في أعقاب ما حدث بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. لكن، هل هناك حاجة إلى قانون جديد عدواني عندما يكون لدى المدعين العامين بالفعل قوانين قوية ومثيرة للجدل لمكافحة الإرهاب، التي نادرا ما اختاروا استخدامها ضد المتطرفين اليمينيين؟
من بين عدد قليل نسبيا من المُدّعَى عليهم من اليمينيين المتطرفين الذين يواجهون تهما تتعلق بأسلحة الدمار الشامل منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر؛ نجد المتطرف المناهض للحكومة، جيري دريك فارنيل. الجدير بالذكر أن عميلا من مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يتظاهر بأنه رفيق متطرف مناهض للحكومة، زوّد فارنيل بشاحنة محملة بقنبلة مزيفة، التي حاول فارنيل لاحقا تفجيرها بجانب أحد البنوك في مدينة أوكلاهوما سيتي. وقد أتُهم وأُدين بارتكاب العديد من الجرائم، بما في ذلك محاولة استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهي تهمة تُطبق عالميا تقريبا على المسلمين الذين يتورطون في عمليات إرهابية مشابهة لتلك التي قام بها فارنيل.
في السادس من كانون الثاني/ يناير 2015، ضباط شرطة يحققون في موقع انفجار في مبنى في كولورادو سبرينغس في كولورادو، الذي ضمّ محل حلاقة والفرع المحلي للجمعية الوطنية للنهوض بالملونين
مهّد الاستخدام النادر والأقل أهمية لقوانين مكافحة الإرهاب في قضايا اليمين المتطرف، الطريق أمام المطالب بضرورة وجود قوانين جديدة لمكافحة الإرهابيين المحليين. في هذا السياق، جادل توماس برزوزوفسكي، مسؤول سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يعمل الآن مستشارا في الإرهاب المحلي في وزارة العدل، بأن القوانين الحالية تحد من قدرة المدعين العامين على توجيه الاتهام إلى الإرهابيين المحليين ووصفهم. وقد انضم إلى برزوزوفسكي مجموعة من المسؤولين الحاليين والسابقين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
فخلال الشهر الماضي، كتب توماس كولين، المحامي الأمريكي في المقاطعة الغربية في فرجينيا، مقال رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” يدعو إلى سنّ قانون للإرهاب المحلي. أما توماس أوكونور، العميل في مكافحة الإرهاب في واشنطن، فقد قدّم طلبا مماثلا في صحيفة “ذا هيل”. في هذا السياق، وعلى الرغم من أن جريمة “الإرهاب الدولي” غير موجودة أيضا، إلا أن مئات الأشخاص الذي لديهم صلات مزعومة بجماعات أجنبية أتُّهموا بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.
منذ استقالتها بعد فترة وجيزة من تنصيب ترامب، عملت ماري ماكورد، المسؤولة السابقة في قسم الأمن القومي بوزارة العدل، على تقديم حجة علنية ومماثلة لتلك التي قدمها كل من برزوزوفسكي وكولين وأوكونور
وحتى عندما يرفض المدعون العامون توجيه جرائم تتعلق بالإرهاب للمدعى عليهم، فلديهم فرصة للمطالبة بما يسمى “تعديل الإرهاب” عند إصدار الحكم، الذي ينجر عنه فترات سجن أطول إذا وافق القاضي على أن الجريمة تستجيب لتعريف الإرهاب المحلي. لكن وفق تحليل موقع “ذي إنترسبت”، لم يطلب المدعون العامون مثل هذه التحسينات سوى في عدد قليل للغاية من القضايا اليمينية.
تمثلت إحدى هذه القضايا في قضية وايد لين كورت، المتبنّي لفكر تفوّق البيض في واشنطن والذي أدانته هيئة للمحلّفين لانتهاكه قانون الأسلحة النارية، على الرغم من أن تسجيلاته أشارت إلى أنه كان يخطط لهجوم إرهابي يسمى “الحل النهائي” الذي تضمن مؤامرة لقتل الرئيس باراك أوباما آنذاك. من جانبها، ومنذ استقالتها بعد فترة وجيزة من تنصيب ترامب، عملت ماري ماكورد، المسؤولة السابقة في قسم الأمن القومي بوزارة العدل، على تقديم حجة علنية ومماثلة لتلك التي قدمها كل من برزوزوفسكي وكولين وأوكونور.
صورة للمساعدة السابقة للنائب العام، ماري ماكورد، في فناء وزارة العدل في العاصمة واشنطن في 10 أيار/ مايو 2017
عندما سُألت عن سبب دعمها لوضع قانون جديد للإرهاب الداخلي في حين يمكن للمدعين العامين استخدام القوانين الموجودة في الكتب بالفعل، على غرار ذلك الذي يحظر تقديم الدعم المادي للإرهابيين، صرحت ماكورد لموقع “”ذي إنترسبت” أن قانون الدعم المادي يتطلب “مكوّنًا دوليًا”. في الواقع، لم يُستخدم بند الدعم المادي ضد المتطرفين المحليين سوى ثلاث مرات.
انعدام الشفافية
لا تتعقب الحكومة الأمريكية أعمال الإرهاب المحلي أو الملاحقات القضائية الفيدرالية بأي طريقة منهجية، تاركة وزارة العدل عاجزة عن تحديد ما إن كانت التهديدات المتطرفة الداخلية في ازدياد أم لا، في زمن تغذّي فيه خطابات ترامب المعادية للمهاجرين كره المتشدّدين البيض.
وفي إفادة له أمام لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر وراي، إن “الحركات المتطرفة المحلية تشكل معا تهديدًا مستمرًا بالعنف والأضرار الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة”. في المقابل، رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي تقديم أي معلومات تتعلّق بعدد العملاء القائمين بهذه الحالات، مبينا أنه “بينما لا يمكننا التعليق على وجه التحديد على هذا الوضع، تظل الأولوية القصوى لمكتب التحقيقات الفيدرالي حماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية، الدولية منها والمحلية”.
لقطة شاشة من التسجيل الذي قدمته القناة التلفزية “دبليو.بي.إل.جي”، تظهر عملاء “إف بي آي” وهم يرافقون سيزار سايوك، الذي يلبس قميصا بلا أكمام، في ميرامار فلوريدا، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
الايجابيات الزائفة
يكشف نظام إدارة القضايا الداخلي بوزارة العدل أنه غير موضوعي وفي بعض الأحيان سخيف خلال تصنيف أعمال الإرهاب. ويستخدم المدعون الفيدراليون في كامل البلاد نظامًا داخليًا يسمى نظام شبكة مكتب المعلومات القانونية، الذي يخزن البيانات المتعلقة بالقضايا. ولكن كجزء من مراجعته للملاحقات القضائية الفيدرالية وبالعمل مع قاعدة بيانات أخرى يحتفظ بها مسؤولو المحاكم الفيدرالية، كشف موقع “ذي إنترسبت” عن وجود 752 قضية إرهاب محلي مزعوم، وهو ما يمثل حوالي نصف الحالات المصنفة تحت عنوان الإرهاب المحلي، التي أعلن عنها نظام شبكة مكتب المعلومات القانونية.
تشير البيانات إلى أنه على الرغم من التعريف الدقيق للإرهاب المحلي الذي تتّبعه وزارة العدل، إلا أن المدعين العامين يتبنون وجهة نظر موسّعة وأحيانًا غير متناسقة مع هذا التعريف، إذ يعمدون إلى تصنيف المئات من الحالات ضمن قضايا الإرهاب المحلي حتى في ظل غياب الحقائق اللازمة لدعم ذلك. ومن بين هذه الحالات، بدى أن 15 حالة فقط تفي بالتعريف القانوني الفيدرالي للإرهاب المحلي، الذي يتطلب أن يكون الدافع متعلقا بأيديولوجية محلية.
تضمنت الغالبية الكبرى، أي أكثر من 700 قضية، حالات لا تتطابق مع التعريف القانوني للإرهاب على الإطلاق
لقد تضمنت بعض القضايا أعمال عنف استوفت على الأغلب تعريف الإرهاب المحلي، لكنها تفتقر لأي دلالة عن وجود دافع أيديولوجي فعلي. ومن جهة أخرى، صُنّفت القضايا الأخرى ضمن قضايا الإرهاب الدولي، التي تشمل المتهمين بدعم حماس، والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، وتنظيم الدولة، وغيرها.
في المقابل، تضمنت الغالبية الكبرى، أي أكثر من 700 قضية، حالات لا تتطابق مع التعريف القانوني للإرهاب على الإطلاق، على غرار الرجل الذي يعيش في ولاية كونيتيكت، والذي بعث رسالة تهديد إلى المذيعين الرياضيين في “إي إس بي إن” بسبب غضب شخصي. وقد صنّف الادعاء قضية الرجل الذي يعيش في ألاباما ضمن قضايا الإرهاب المحلي، بسبب إطلاقه النار على منشأة للطاقة، رغم غياب أي دوافع أيديولوجية.
التهديد المتزايد
وفقا للشهادة التي قدّمها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، كريستوفر وراي، فقد سجل المكتب 176 عملية اعتقال في حالات الإرهاب المحلي بين أيلول/ سبتمبر 2016 وأيلول/ سبتمبر 2017. ويعدّ هذا الرقم أعلى بكثير مما ورد في تقارير وسائل الإعلام وبيانات وزارة العدل والشرطة المحلية خلال تلك الفترة.
نشر سيزار سايوك، وهو مستخدم نشط على تويتر، نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، وأرسل رسائل تهديد لمعارضي ترامب على غرار نائب الرئيس السابق جو بايدن مع صورة لتمساح يأكل رجل
في الواقع، يستحيل تحديد مدى فعالية مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات إنفاذ القانون الأخرى في إحباط المتطرفين اليمينيين قبل أن يحولوا كراهيتهم إلى عنف، فقط من خلال الاطلاع على المعلومات العلنية والأرقام الإجمالية المسرّبة التي قدمتها صحيفة “واشنطن بوست”. ولكن يبدو أن عددًا كبيرًا من المتطرفين العنيفين يتسللون عبر مكتب التحقيقات الفيدرالي.
لقد نشر سيزار سايوك، وهو مستخدم نشط على تويتر، نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، وأرسل رسائل تهديد لمعارضي ترامب على غرار نائب الرئيس السابق جو بايدن مع صورة لتمساح يأكل رجل. ولكن، لم يكن مكتب التحقيقات الفيدرالي على علم بسايوك إلى حدود تشرين الأول/ أكتوبر 2018، عندما أُرسلت أكثر من 12 قنبلة أنبوبية إلى منازل ومكاتب قادة الحزب الديمقراطي ونقاد ترامب.
سيزار سايوك، يقف في أقصى اليمين خلال تجمّع لداعمي الرئيس دونالد ترامب في مطار أورلاندو ملبورن الدولي في ملبورن فلوريدا، في 18 شباط/ فبراير 2017
في البداية، اتهمت محكمة المقاطعة الأمريكية سايوك بإرسال متفجرات عبر البريد، والتهديد، والاعتداء على الضباط الفدراليين، لكن لم تنسب إليه تهمة الإرهاب على الرغم من أن جرائمه المزعومة تستوفي على الأغلب التعريف القانوني الأمريكي للإرهاب المحلي. وعلى إثر إصدار النيابة العامة للائحة الاتهام ووسط تغطية إعلامية لم يسبق لها مثيل ونقاش عام حول آفة الإرهاب المحلي اليميني، حاولت وزارة العدل تغيير مواقفها. ونتيجة لذلك، وصف المدعون العامون الفيدراليون هذه الجرائم بأنها “هجوم إرهابي محلي يستهدف ما لا يقل عن 15 ضحية” شنّه سايوك كجزء من “حملة إرهابية”.
في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أي بعد أسبوعين من اعتقال سايوك، أصدر المدعون في نيويورك لائحة اتهام جديدة وجهوا من خلالها 30 تهمة ضد سايوك، الذي أقر يوم الخميس بأنه مذنب في 65 تهمة من بينها 35 تهمة جديدة. وبالتالي يواجه سايوك احتمال السجن المؤبد، وهي عقوبة قاسية إلا أنها رسالة تبرز مدى جدّية مجتمعنا في التعامل مع مثل هذه الجرائم. لكن ما يعدّ غير اعتيادي هو أن هذا الحكم يطبّق في الواقع على شخص لا ينتمي لأي جماعة إرهابية دولية.
لكن يختلف الوضع بالنسبة لكريستوفر هاسون، وهو ضابط في خفر السواحل الأمريكي من ولاية ماريلاند، قام بتخبئة كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر وجهّز قائمة قتل تضمّ أسماء بعض الشخصيات السياسية والإعلامية. وينتمي هاسون إلى المجموعة العنصرية المسماة “المتفوقين البيض”. وعلى الرغم من أن المدعين أعلنوا أنهم سيوجهون له تهمة الإرهاب، إلا أنهم لم يقدموا أي دعوى بعد. وهذه هي حال العديد من المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة: إذ يوصفون بالإرهابيين، لكنهم لا يحاكمون على هذا الأساس.
المصدر: ذي إنترسبت