ترجمة وتحرير: نون بوست
دفعت حملة القمع التي تشنها إسرائيل منذ سنة ضد المواطنين الفلسطينيين الذين يجاهرون بمعارضتهم للحرب على غزة العديد منهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية خوفًا من السجن والمزيد من التهميش في المجتمع، بينما لا يزال البعض يجدون طرقًا للمعارضة ولكن بحذر.
لقد انقلبت حياة أحمد خليفة رأسًا على عقب بعد اتهامه بالتحريض على الإرهاب بسبب ترديده هتافًا تضامنًا مع غزة في مظاهرة مناهضة للحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويقول المحامي وعضو مجلس المدينة من وسط إسرائيل إنه قضى ثلاثة أشهر صعبة في السجن تلتها ستة أشهر قيد الإقامة الجبرية في إحدى الشقق. ومن غير الواضح متى سيحصل على حكم نهائي بشأن براءته أو إدانته. وحتى ذلك الحين، يُمنع من مغادرة منزله من الغروب إلى الفجر.
وخليفة هو واحد من أكثر من 400 مواطن فلسطيني في إسرائيل الذين تم التحقيق معهم منذ بداية الحرب على غزة من قبل الشرطة بتهمة “التحريض على الإرهاب” أو “التحريض على العنف”، وفقًا لمنظمة عدالة، وهي منظمة حقوقية قانونية تهتم بحقوق الأقليات. كما تم توجيه تهم جنائية لأكثر من نصف من تم التحقيق معهم أو اعتقالهم، بحسب مركز عدالة.
وقال خليفة في مقابلة أجريت معه في مقهى في مسقط رأسه في أم الفحم، ثاني أكبر المدن الفلسطينية في إسرائيل: “لقد أوضحت إسرائيل أنها تنظر إلينا كأعداء أكثر من كوننا مواطنين”.
ويوجد في إسرائيل حوالي 2 مليون مواطن فلسطيني، بقيت عائلاتهم داخل حدود ما أصبح متعرف عليه أنه إسرائيل سنة 1948. ومن بينهم مسلمون ومسيحيون، وهم يحتفظون بروابط عائلية وثقافية مع غزة والضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل سنة 1967.
وتقول إسرائيل إن مواطنيها الفلسطينيين يتمتعون بحقوق متساوية، بما في ذلك الحق في التصويت، وهم ممثلون بشكل جيد في العديد من المهن. ومع ذلك، يتعرض الفلسطينيون للتمييز على نطاق واسع في مجالات مثل الإسكان وسوق العمل.
وفتحت السلطات الإسرائيلية قضايا تحريض ضد المواطنين الفلسطينيين خلال الحرب على غزة أكثر من السنوات الخمس السابقة مجتمعة، بحسب سجلات مركز عدالة. ولم تذكر السلطات الإسرائيلية عدد القضايا التي انتهت بإدانات وسجن، وقالت وزارة العدل إنها لا تملك إحصاءات عن تلك الإدانات.
إن مجرد توجيه تهمة التحريض على الإرهاب أو التعاطف مع جماعة إرهابية يمكن أن يؤدي إلى احتجاز المشتبه به إلى حين صدور الحكم عليه، بموجب أحكام قانون صدر سنة 2016.
وبالإضافة إلى اتهامهم كمجرمين، فإن الفلسطينيين من مواطني إسرائيل – الذين يشكلون حوالي 20 بالمائة من سكان البلاد – فقدوا وظائفهم وتم فصلهم من المدارس وواجهوا استجوابات الشرطة بسبب نشر منشورات على الإنترنت أو التظاهر، كما يقول النشطاء والمراقبون الحقوقيون، وهو ما كان له تأثير مرعب.
وقالت أمية جبارين، التي سُجن ابنها لمدة ثمانية أشهر بعد مظاهرة مناهضة للحرب: “كل من يحاول التحدث عن الحرب سيُسجن ويتعرض للمضايفة في عمله وتعليمه. إن الناس هنا جميعهم خائفون، خائفون من قول لا لهذه الحرب”.
كان جبارين من بين مئات الفلسطينيين الذين ملأوا شوارع أم الفحم في وقت سابق من هذا الشهر وهو يحملون اللافتات ويرددون شعارات سياسية، وبدا أنها أكبر مظاهرة مناهضة للحرب في إسرائيل منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن الإقبال كان منخفضًا، وكانت الأعلام الفلسطينية والرموز الوطنية الأخرى غائبة بشكل واضح، وقد كانت بعض الاحتجاجات في السنوات التي سبقت الحرب تجتذب عشرات الآلاف من الفلسطينيين في إسرائيل.
وتسامحت السلطات مع المسيرة الاحتجاجية الأخيرة، ولكن أبقتها تحت رقابة مشددة؛ حيث حلقت طائرات الهليكوبتر في سماء المكان، بينما كانت الشرطة ببنادقها وغازها المسيل للدموع تهرول إلى جانب الحشد الذي تفرق دون وقوع حوادث بعد ساعتين، وقال خليفة إنه اختار عدم الحضور.
بعد فترة وجيزة من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحركت الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل بسرعة لتنشيط فرقة عمل اتهمت المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بـ”دعم الإرهاب” بسبب نشرهم منشورات على الإنترنت أو الاحتجاج ضد الحرب، وفي الوقت نفسه، عدّل المشرعون مشروع قانون أمني لزيادة مراقبة نشاط الفلسطينيين في إسرائيل على الإنترنت، بحسب نديم ناشف، مدير مجموعة الحقوق الرقمية “حملة”، الذي قال إن هذه الخطوات منحت السلطات المزيد من الصلاحيات لتقييد حرية التعبير وتكثيف حملات الاعتقال.
ويقود فرقة العمل إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المتشدد الذي يشرف على الشرطة، وقال مكتبه إن فرقة العمل رصدت آلاف المنشورات التي يُزعم أنها تعبر عن دعم المنظمات الإرهابية وأن الشرطة اعتقلت “المئات من مؤيدي الإرهاب”، بما في ذلك قادة الرأي العام والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والشخصيات الدينية والمعلمين وغيرهم.
وقال مكتبه في بيان له: “حرية التعبير ليست حرية التحريض التي تضر بالسلامة العامة وبأمننا”.
لكن النشطاء والجماعات الحقوقية يقولون إن الحكومة وسّعت تعريفها للتحريض أكثر مما ينبغي، مستهدفة الآراء المشروعة التي هي من صميم حرية التعبير.
وقالت ميسانة موراني، المحامية الحقوقية في مركز عدالة، إن مواطنين فلسطينيين اتُهموا بسبب أمور تبدو غير ضارة مثل إرسال صورة ساخرة لدبابة إسرائيلية في غزة في دردشة جماعية خاصة على تطبيق واتساب، كما اتُهم شخص آخر لنشره مجموعة من صور الأطفال مع تعليق باللغتين العربية والإنجليزية: “أين كان الناس الذين كانوا ينادون بالإنسانية عندما قُتلنا؟”.
وقالت مجموعة “كيان” الناشطة في المجال النسوي إن أكثر من 600 امرأة اتصلت بالخط الساخن التابع لها بسبب ردود الفعل العنيفة في مكان العمل بسبب التحدث ضد الحرب أو مجرد ذكرها بشكل غير إيجابي.
وعلى مدار الصيف، لم يُسمح لأكثر من عشرين متظاهرًا مناهضًا للحرب في مدينة حيفا الساحلية سوى بإكمال ثلاثة هتافات قبل أن تفرق الشرطة التجمع بالقوة في الليل، إلا أن الإسرائيليين اليهود الذين يطالبون بصفقة إطلاق سراح الرهائن استمروا في الاحتجاج بانتظام، وقد جذبت أكبر احتجاجاتهم مئات الآلاف إلى شوارع تل أبيب.
ويرى خليفة، مستشار المدينة، أن حملة القمع على حرية التعبير لن تنتهي، حتى لو انتهت الحرب في نهاية المطاف، وقال إن ممثلي الادعاء الإسرائيليين اعترضوا على الشعارات التي أشادت على نطاق واسع بالمقاومة وحثت غزة على أن تكون قوية، ولكنها لم تذكر العنف أو أي جماعات مسلحة، وقال إن الحكومة تحاول لهذا السبب شطب اسمه من سجل النقابة، وهو يواجه عقوبة تصل إلى ثماني سنوات في السجن.
وقال خليفة: “لقد أرادوا أن يجعلونا ندفع ثمن التحدث بحرية”.
المصدر: أسوشيتد برس