لكن هل سبق لك أن سمعت بتجارة الكربون؟
يتصدر هذا المصطلح، عناوين الأخبار، منذ اليوم الأول لانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 29” بأذربيجان، في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقد أثار الكثير من الجدل بشأن أسواق الكربون ودورها في حماية الكوكب من الآثار السلبية لتغير المناخ، فما الذي يُباع في هذه الأسواق؟ وكيف تعمل؟ وهل تمثل حلًا فعالًا لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري؟
جدل “المادة 6”.. الحق في بيع التلوث وشرائه
بعد ما يقرب من عقد من المفاوضات المعقدة، وافق قادة وممثلو الدول المجتمعون على شواطئ بحر قزوين على بعض القواعد الأساسية الحاسمة لنقطة الخلاف المثيرة للجدل، التي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون وغيرها من غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة المنزلية والصناعية للشركات وغيرها.
للحد من هذه الانبعاثات، تم تحديد كمية الغازات المسموح إنتاجها في كل بلد، حيث تكتسب البلدان التي تمكنت من خفض إنتاجها أرصدة كربونية بإمكانها منحها أو بيعها للدول الأخرى التي لم تتمكن من تحقيق ذلك، فيما يسمى بـ”سوق الكربون”، وهو نظام تجاري ما زال قيد التجربة، وأهم مرجع له حتى الآن “المادة 6“.
ظهرت هذه المادة لأول مرة في محادثات المناخ في باريس عام 2015، حيث اتفق زعماء العالم على محاولة إبقاء الاحتباس الحراري أقل من 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة، والهدف من ذلك هو أن تجد البلدان والشركات أرخص طريقة لخفض الانبعاثات التي تصل إلى الغلاف الجوي.
لكن “المادة 6” لطالما أثارت الجدل، ما أدى إلى سنوات من التأخير، ففي مؤتمر “كوب 28” بدبي على سبيل المثال، رفض الاتحاد الأوروبي والدول النامية محاولة سابقة للأمم المتحدة لتنظيم أسواق الكربون، لكونها متساهلة للغاية، وانهارت المفاوضات بعد خلافات بشأن الشفافية والقواعد المتعلقة بالأرصدة التي يمكن تداولها.
وأخيرًا، في وقت متأخر من اليوم الافتتاحي لمحادثات المناخ في العاصمة الأذرية باكو، تم تمرير هذه المادة التي يمثل نظام تداول أرصدة الكربون عالية الجودة جزءًا منها، ما يسمح للدول – وخاصة الملوثين الأثرياء – بالتعويض عن بعض التلوث الذي ينتجونه عن طريق شراء أرصدة الكربون من البلدان الأقل تلويثًا، بحيث يمكن للدول المشترية بعد ذلك توجيهها نحو تحقيق أهداف المناخ الموعودة في خططها الوطنية، لكن كيف يمكن لذلك أن يحدث؟
لنفترض أن الدولة “أ” تجاوزت نسبة الانبعاثات التي طمحت للالتزام بها، بينما الدولة “ب” استبدلت سياراتها التي تعتمد على البنزين بسيارات كهربائية، ونجحت في خفض انبعاثاتها لتكتسب لقاء ذلك أرصدة كربونية.
يمكن للدولة “أ” أن تشتري أرصدة من الدولة “ب”، وتدفع لها لبناء مزارع للطاقة الهوائية بدلًا من مصانع الفحم، فيتم تقليل الانبعاثات، وتستفيد الدولة “ب” من الطاقة النظيفة، وتحصل الدولة “أ” على الفضل في خفض الانبعاثات، لكن يحدث أحيانًا أن تتدخل الشركة “ج”، وتشتري الأرصدة الكربونية من الدولة “ب” رغم أنها ليست بحاجة لها، لتبيعها بسعر أغلى للدولة “أ” لجني الأرباح.
وتقدم “المادة 6” طريقتين للدول للقيام بذلك، الأولى هي أن تحدد دولتان قواعدهما ومعاييرهما الخاصة لتداول أرصدة الكربون، وقد وقَّعت بعض الدول بالفعل على اتفاقيات للقيام بذلك خلال “كوب 29″، بينما يخلق الخيار الثاني سوقًا دولية تحكمها الأمم المتحدة ويمكن لأي شخص شراء أرصدة من خلالها للمساعدة في تلبية أهداف المناخ.
ومن خلال تداول أرصدة الكربون، فإن ذلك يجعل خفض التلوث العالمي أرخص وأكثر كفاءة، ولكن بعض المراقبين أبدوا استياءهم من أن القرار الذي اُتخذ في باكو لم يحل جوانب أخرى راسخة وحاسمة من آلية الأرصدة الأوسع نطاقًا، ويأملون أن يتغير هذا، على الرغم من أن هذا الأمر أصبح أكثر تعقيدًا بسبب انتخاب دونالد ترامب.
تجارة مليارية لم تثبت جداوها على المناخ
تشير فكرة أرصدة الكربون إلى أن الجهة التي تصدر انبعاثات الكربون – سواء الشركات أم الدول – تستطيع شراء شهادات الكربون، ما يسمح لها بإطلاق كمية معينة من الكربون أو غازات الدفيئة الأخرى، في حين تذهب الأموال الناتجة عن الرصيد إلى المشروعات المحلية.
ومن المقرر أن تكون الشركات الملوثة للبيئة من العملاء المهمين، فعلى سبيل المثال، يمكن لشركة طيران أن تعوض انبعاثاتها الخاصة من خلال تمويل مشروع يحمي الأشجار أو تزرع أشجارًا جديدة، وقد تم اعتماد هذه المشروعات من منظمات معنية بمعايير ممارسات المناخ والتنمية المستدامة مثل “فيرا” و”جولد ستاندرد”.
تسهِّل أسواق الكربون تداول الأرصدة، حيث يعادل كل رصيد كربوني واحد قابل للتداول طنًا من ثاني أكسيد الكربون أو ما يكافئه من غازات الدفيئة الأخرى التي تم تخفيضها أو إزالتها باستخدام الطاقات الخضراء.
وتنتج الشركات هذه الأرصدة من خلال تنفيذها لمجموعة واسعة من الأنشطة والمشروعات الصديقة للبيئة التي تقلل أو تتجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، مثل التشجير أو استخدام وقود طهي نظيف أو حماية الغابات أو غيرها من المشروعات التي تتجنب أن تصدر انبعاثات باستخدام تقنيات مستدامة، أو تساهم في إزالة الكربون من الغلاف الجوي.
وهناك نوعان رئيسيان من أسواق الكربون: سوق الامتثال التي تفرضها الجهات الحكومية أو الدول على الشركات العاملة فيها، ليكون لها حد أقصى للتعامل مع انبعاثات الكربون الناتجة منها، وسوق الكربون الطوعية التي لا تخضع للتنظيم من جانب الحكومات، حيث تقوم الشركات الكبرى بشراء ما يسمى بـ”شهادات الكربون” بشكل طوعي لتعويض ما تخرجه من انبعاثات كربونية أو حتى لزيادة حصتها فيما يتعلق بالاستثمار في الكربون أو مشتقاته.
وعلى مستوى العالم، تبلغ قيمة هذه السوق نحو ملياري دولار سنويًا، مدفوعة في المقام الأول بالتوجهات المتعلقة بالدول والمؤسسات التي تسعى إلى تعويض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من خلال شراء أرصدة الكربون.
أخذت هذه السوق في التنامي بشكل لافت منذ عام 2020، لكن شهدت حالة من التباطؤ إلى أن أصبح التباطؤ حادًا في عام 2023، وأصبحت قيمة السوق أقل من مليار دولار، ولكن وفقًا لشركة “ماكينزي” الاستشارية، فإن هذه الأموال لديها القدرة على توفير تدفق ثابت من الدخل الذي يتجاوز 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.
وحتى اليوم، ما زالت آليات وطرق تسعير الكربون غير واضحة، فـ75% من الانبعاثات محددة السعر بأقل من 10 دولارات للطن من خلال العرض والطلب فقط. وبالمقارنة، تتراوح أسعار الكربون حاليًا في نظام الاتحاد الأوروبي حول 90 دولارًا للطن، ومن المرجح أن ترتفع إلى مستويات أعلى كثيرًا، وبالتالي يُتوقع أن تزيد المشروعات الخضراء التي يمكن أن تدرها الأرصدة الجديدة، لذلك، كان العالم يعقد آمالًا كبيرة على مؤتمر “كوب 29” لتنظيم الأسواق الكربونية.
ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر سوق للكربون في العالم، ففي عام 2005، أطلق الأوروبيون “الاتحاد الأوروبي للإتجار بالانبعاثات” للمساهمة في مكافحة الاحتباس الحراري، ما يؤهل أوروبا لتصبح أول قارة في العالم تحيد أثر الكربون بحلول عام 2050، خصوصًا إذا نجحت في خفض انبعاثاتها إلى 55% بحلول عام 2030.
ووفقًا للبنك الدولي هناك نحو 40 دولة، وأكثر من 20 مدينة وولاية ومقاطعة تستخدم الآن أو تخطط لاستخدام أسواق الكربون، وفي الآونة الأخيرة، شهدت هذه الأسواق انتعاشًا مع تسابق الشركات على الالتزام بخفض الانبعاثات إلى الصفر، وارتفعت قيمة السوق الطوعية غير المنظمة خلال جائحة كورونا مع شراء الشركات الكبرى لأرصدة الكربون.
ربما هناك شركات لديها الكثير من التحفظات بشأن التأثيرات البيئية للتداول المتعلق بأرصدة الكربون الطوعية، ولكن البنك الدولي يقول إن إجمالي ما تم جمعه في عام 2023 من إيرادات التسعير المتعلقة بالكربون بلغ 104 مليارات دولار، لكن هذه الإيرادات لا تغطي سوى 24% فقط من إجمالي الانبعاثات الكربونية.
وهذا هو السبب وراء تعليق العديد من خبراء المناخ آمالهم على أسواق الكربون العالمية في “كوب 29″، لتوفير التمويل اللازم لوقف إزالة الغابات، بل وحتى عكس مسارها في البلدان الأكثر ضعفًا، ولكن هذا لا يعني أن السوق موجودة بالفعل، فالحكومات لم تستكمل بعد قواعدها المعقدة، ووفقًا للخبراء، هناك المزيد من الضمانات والأسئلة عن الحوكمة لا تزال بلا إجابة.
ووفقًا للرابطة الدولية لتجارة الانبعاثات (IETA)، فإن التوصل إلى سوق تديرها الأمم المتحدة، يُتوقع أن يوفر 250 مليار دولار سنويًا يمكن إنفاقها على المشروعات المتعلقة بالمناخ، كما سيخفض ذلك 5 مليارات طن مترى من الانبعاثات سنويًا، في إشارة إلى أن هذه السوق ستكون ضرورية في توفير التمويل اللازم للتعامل مع المناخ، الذي تقدره الأمم المتحدة بـ2.4 تريليون دولار سنويًا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2030.
لكن المشكلة الكبرى هي أن أرصدة الكربون لم تحقق حتى الآن أفضل سجل، فعلى مدى ما يقرب من عقدين من الزمان كانت هناك حالات لا حصر لها من الممارسات الفاضحة مثل مشروعات لم تكن موجودة أبدًا، وغابات جرى قطعها، وأشجار ماتت أو تم إحصاؤها مرتين أو عدة مرات، إلى جانب ممارسات قانونية ولكنها مخزية، مثل الشركات التي تعيد بيع التعويضات باهظة الثمن واعتمادات الكربون الممنوحة مجانًا تقريبًا من قبل الحكومات.
عالم تعويض الكربون المظلم
من الناحية النظرية، يمكن أن تساعد تجارة الكربون الدولية البلدان على خفض الانبعاثات بأسرع ما يمكن وبأقل تكلفة، على سبيل المثال، إذا كان أحد الملوثين الرئيسيين مثل الصين أو الهند أو الولايات المتحدة يكافح لخفض الانبعاثات بالوتيرة المطلوبة، فيمكنه دفع تكاليف إعادة التشجير أو مشروعات الطاقة المتجددة في نيجيريا أو هندوراس مثلًا، وبالتالي المساهمة في الحد من تغير المناخ، وتحقيق بعض الفوائد للمجتمعات المحلية.
لكن المنتقدين يتساءلون عما إذا كان هذا سيكون فعالًا من الناحية العملية، ويخشون أن يؤدي إلى مشكلات مماثلة لتلك التي شهدها “بروتوكول كيوتو”، وهو اتفاق أُبرم في عام 1997، ويتيح للدول الصناعية تحقيق التزاماتها بخفض الانبعاثات عن طريق شراء حصة من الانبعاثات التي يتم تخفيضها فى الدول النامية.
لكن النظام انهار بسبب انخفاض الأسعار، ووجود أدلة على أن العديد من المخططات لم يكن لها أي تأثير على إبطاء تغير المناخ، وتلقى الاتفاق ضربة قوية عندما انسحبت منه الولايات المتحدة، أكبر ملوث في العالم آنذاك.
تاريخيًا، كان الاحتيال والنتائج السيئة من أسباب اكتساب أسواق الكربون سمعة سيئة، فقد كانت الشركات التي ترغب في تعويض انبعاثاتها وتقديم ادعاءات الحياد الكربوني، من المشترين الرئيسيين لأرصدة الكربون التي يتم شراؤها وتبادلها، ولكنها تفتقر إلى المعايير المشتركة.
واهتزت أسواق الكربون الطوعية في السنوات الأخيرة بسبب سلسلة من الفضائح، وسط اتهامات بأن بعض أرصدة الكربون المباعة لم تقلل الانبعاثات كما وعدت، أو أن المشروعات استغلت المجتمعات المحلية، وتواجه فكرة التعويض ككل تشككًا عميقًا.
وقبل أيام فقط من انطلاق “كوب 29″، حدث أحد أكثر التطورات دراماتيكية، فقد اتهمت السلطات الفيدرالية الأمريكية الرئيس التنفيذي السابق لشركة “سي كويست كابيتال”، كينيث نيوكومب، بالاحتيال والتلاعب بالمعلومات عن تأثير مشروعات مواقد الطهي في المناطق الريفية بإفريقيا وجنوب شرق آسيا لجعلها تبدو أكثر نجاحًا في تقليل الانبعاثات مما كانت عليه في الواقع، كما استخدم الأرقام لجذب استثمارات تزيد على 100 مليون دولار من أرصدة الكربون عديمة القيمة.
في فضيحة أخرى هزت أسواق الكربون، كشف تحقيق نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، في يناير/كانون الثاني 2023، أن تعويضات الكربون في الغابات التي أقرتها منظمة “فيرا”، أكبر جهة إصدار شهادات الكربون في العالم، لا قيمة لها إلى حد كبير، وقد تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
ووجد البحث في المنظمة، التي تمثل المعيار الكربوني الرائد في العالم لسوق التعويضات الطوعية التي تنمو بسرعة، أنه بناءً على تحليل نسبة كبيرة من مشروعات الغابات المطيرة، فإن 94% من تعويضات الكربون من المرجح أن تكون “أرصدة وهمية” ولا تمثل تخفيضات حقيقية للكربون.
ويثير التحليل تساؤلات بشأن الأرصدة التي اشترتها عدد من الشركات ذات الشهرة العالمية مثل ديزني وشل وغوتشي وغيرها، التي تعتمد على التعويضات كجزء من استراتيجياتها الصافية الصفرية، والتي وصفت منتجاتها بأنها “محايدة الكربون”، ولكن الشكوك أثيرت مرارًا وتكرارًا حول ما إذا كانت فعالة حقًا.
وبشكل منفصل، وجدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2022 أن عددًا قليلًا فقط من مشروعات الغابات المطيرة الطوعية أظهر أدلة على انخفاض تدهور الغابات وإزالتها في المناطق الاستوائية الرطبة، وبتحليل هذه النتائج مرة أخرى، وجد الفريق أن السيناريوهات الأساسية لفقدان الغابات بدت مبالغًا فيها بنحو 400% في المتوسط لمشروعات “فيرا”.
ومع قلة الأموال التي تتدفق من العالم المتقدم إلى العالم النامي للتكيف مع أزمة المناخ، تفتح مخططات أرصدة الكربون قناة جديدة للإيرادات للدول الغنية بالغابات، التي تخزن نحو 400 جيجا طن من الكربون، وبالتالي يمثل إزالتها أو تدهورها ما لا يقل عن 12% من الانبعاثات العالمية المسببة للاحتباس الحراري، ولكن فكرة إنشاء أرصدة كربون قابلة للتداول مقابل عدم قطع الغابات تعرضت لانتقادات واسعة النطاق باعتبارها مشكلة.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح تمامًا أن التعويضات القائمة على التنوع البيولوجي تعاني من مشكلات كبيرة تجعلها عديمة الفائدة أو حتى غير منتجة وضارة بالبيئة، وتبين أن بعض أكبر الشركات في العالم التي تصدر شهادات أرصدة الكربون تستخدم أساليب للمبالغة في تقدير المساهمة الحقيقية لمشروعها في التخفيف من تغير المناخ.
على سبيل المثال، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تنحى رجل الأعمال السويسري رينات هيوبرغر عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة “ساوث بول”، إحدى شركات تداول أرصدة الكربون الكبرى في العالم، بعد أن وجدت تقارير إعلامية أن الشركة بالغت في تقدير الفوائد المناخية لأرصدة الكربون التي تكمن في مشروع كاريبا لحماية الغابات في زيمبابوي، بـ5 أضعاف، في حين ذهبت الأموال إلى المطورين وليس المجتمعات المحلية المكلفة فعليًا بالحد من إزالة الغابات.
هل نحن أمام غسيل أخضر؟
رغم اعتبار الكثيرين أسواق الكربون خطوة مهمة نحو خفض الانبعاثات، فإن المنتقدين يرونها شكلًا من أشكال “الغسيل الأخضر” للسمعة في بعض الدول، وهو ما يشير إلى استخدام أرصدة الكربون بشكل مضلل دون اتخاذ إجراءات مناخية ذات مغزى.
ويعبر البعض عن قلقهم من أن الاتفاق يقوض أهداف اتفاق باريس بدلًا من دعمها، ويرون أنه قد يسمح لتجارة الكربون بأن تحل محل الالتزامات المالية المناخية الحقيقية والضرورية، أي أنها يمكن أن تجعل الدول الصناعية تقتصر على شراء أرصدة الكربون من بلدان أخرى بدلًا من تقليلها.
ووفقًا لأستاذ الطاقة وتغير المناخ في جامعة مانشستر، كيفن أندرسون، فإن التعويضات، حتى تلك التي يُفترض أنها جيدة، هي من منظور المناخ أسوأ من عدم القيام بها، فإذا اعتقد الناس أن أنشطتهم المسببة للكربون مغطاة بالتعويضات، فإنهم لا يملكون أي حافز لتقليل انبعاثاتهم، وهذا يشجع على استمرار وحتى توسيع الأنشطة عالية الكربون.
وهناك معضلة أخرى تتعلق بالفارق الزمني بين الانبعاثات وتأثير التعويض، فالأشجار مثلًا لا تمتص الكثير من ثاني أكسيد الكربون فور زراعتها، بل تستغرق عدة عقود لتنمو، وهذا يمثل مشكلة في ظل مواجهة الاحترار السريع الذي يؤدي إلى اشتعال حرائق غابات أقوى، وهذا من شأنه أن يمحو ملايين الأطنان من التعويضات في غضون ساعات، كما يمكن أن يؤدي الجفاف والآفات إلى إتلاف الغابات.
وقد تتهاون الشركات في خفض انبعاثاتها، وتشتري بدلًا من ذلك الأرصدة لتزعم أنها “محايدة كربونيًا”، أو تقنع المستهلكين زورًا بأن الأنشطة غير المستدامة يمكن تعويضها بثمن بخس، ومن المرجح أن تؤدي إعادة تشجير أو الحفاظ على مواقع محددة، دون معالجة الأسباب الجذرية لإزالة الغابات – مثل الطلب المتزايد على اللحوم والأعلاف الحيوانية والوقود الحيوي – إلى إزاحة أنشطة الزراعة وتربية الماشية في أماكن أخرى.
وتقول جماعات العدالة المناخية إن أسواق الكربون تسمح للملوثين الرئيسيين بالاستمرار في الانبعاثات على حساب الناس والبيئة، وهناك أيضًا الكثير من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان كتلك التي تحدث عندما لا يكون للمجتمعات المحلية رأي في المشروع، وقد يُستبعدون من المناطق التي اعتمدوا عليها في الحصول على الغذاء والحطب، ولا يحصلون سوى على القليل من المدفوعات.
وتشكل حقوق الأراضي مصدر قلق خطير آخر يهز الثقة في أرصدة الكربون، ففي بعض الحالات، يتم إجلاء أصحاب الأراضي الأصليين لإفساح الطريق لصالح مخططات أرصدة الكربون مثل زراعة الأشجار على الأراضي الأصلية المأهولة بالسكان الذين شهدوا تحول منازلهم، التي كانت تعتبر ذات يوم عديمة القيمة تقريبًا، إلى مشروعات مدرَّة للأموال للشركات والبلدان الملوثة.
وأصبحت عمليات الإخلاء هذه أكثر شيوعًا في بعض الدول الإفريقية منذ بدأت في تخصيص الأراضي لأرصدة الكربون، حيث يكسب أصحاب السيطرة على الغابات في القارة الكثير من المال، وتسعى الشركات إلى التنافس عليها من جديد، وفي الوقت نفسه، تستمر مثل هذه المشروعات في اتباع نهج استعماري لطرد المجتمعات التي تعرف أفضل طريقة للحفاظ على غاباتها.
لنأخذ مثالًا على ذلك، دولة الإمارات التي انخرطت في صفقات تعويض الكربون الموسعة في الأراضي الإفريقية عبر شركة “بلو كاربون” التي تتخذ من دبي مقرًا لها، ويرأسها أحمد دلموك آل مكتوم، قريب حاكم دبي، ونجحت في تأمين أراضٍ تعادل تقريبًا حجم المملكة المتحدة في 5 دول إفريقية لتنفيذ مشروعات للحفاظ على الغابات التي قد يتم قطعها، من بينها السيطرة على مساحة كبيرة في زيمبابوي تصل إلى يقرب من 20% من أراضي البلاد في الأشهر التي سبقت استضافة قمة المناخ “كوب 28” في أواخر العام الماضي.
عرض هذا المنشور على Instagram
ووفقًا للعديد من المحللين والمدافعين عن المناخ، فإن هذه الصفقات كانت أحدث محاولة من الدولة النفطية لاستخدام المبادرات الخضراء كستار لخططها لمواصلة ضخ الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه، قالت الإمارات إنها تخطط لاستخراج آخر برميل نفط لديها بعد 50 عامًا من الآن، وهو الموعد الذي من المتوقع أن تنضب فيه احتياطياتها، أي بعد عقود من الموعد الذي يقول العلماء إن المجتمع يحتاج فيه إلى الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
ورغم أن مؤتمرات المناخ السابقة اتفقت على أهمية التحول عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، شهد العام الماضي زيادة غير مسبوقة في استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري، ما جعل من الصعب في قمة المناخ الأخيرة تحديد جداول زمنية دقيقة للتخلي عنه، وبالتالي لا يمكن لأثمان الكربون أن تساعد في تحقيق أهداف انبعاثات وحماية المناخ.