بعد أقل من 48 ساعة على تسليم روبرت مولر، تقريره بشأن احتمال حصول تواطؤ بين حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية وروسيا خلال انتخابات 2016 الرئاسية، نشر وزير العدل الأمريكي وليام بار، ملخصًا عن التقرير المقدم الذي استمر الإعداد له قرابة 625 يومًا.
الملخص المنشور جاء عكس الكثير من التوقعات التي ذهبت إلى تضمينه لائحة اتهام مباشرة لترامب وفريقه وفق العديد من الأدلة التي كشفها مولر خلال فترة التحقيقات التي شهدت الكثير من التلاسن والتراشق الإعلامي والسياسي بين الرئيس وقائد فريق التحقيق.
التقرير وإن خلص إلى وجود أدلة بشأن تدخل روسي في العملية الانتخابية إلا أنه لم يتطرق إلى دور مباشر لحملة الرئيس في هذا التدخل، وهو الأمر الذي ربما ينعكس بشكل أو بآخر على مستقبل دونالد ترامب السياسي خاصة أن هذه القضية كانت على قائمة القضايا التي ساهمت في تراجع شعبيته خلال الفترة الأخيرة.
لا تواطؤ ولا تبرئة
“نون بوست” قبل يومين وفي تحليل له أشار إلى أن تقرير مولر بصيغته المقدمة للمدعي العام الأمريكي أثار حالة من الارتباك أكثر منه توضيح، خاصة أنه فتح الباب أمام التأويلات المختلفة، فكل فريق كان يفسر مضمونه وفق مصالحه وأهدافه، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الديمقراطيين إلى الكشف عن تفاصيل التقرير كاملة وعرضها على الكونغرس.
تلك الأجواء الملبدة بعدم الوضوح جعلت الجميع في حالة ترقب انتظارًا لما سيخرج من مكتب وزير العدل الذي تعهد بتقديم ملخص للتقرير في أقرب وقت، وبالفعل في غضون أقل من يومين جاء الملخص، إلا أنه لم يجب عن الكثير من علامات الاستفهام التي كانت في انتظار الإجابة.
التقرير خلص إلى أن هناك أدلة قاطعة بشأن تدخل روسيا في الانتخابات من خلال حملة منظمة للتضليل، إضافة إلى قرصنة رسائل بريد إلكتروني تعود إلى الفريق الانتخابي للمرشحة الديمقراطية لانتخابات 2016 الرئاسية هيلاري كلينتون، وذلك بحسب وزير العدل وليار بار.
بار – الذي عينه ترامب – في رسالته المقدمة للكونغرس قال إن مولر اكتشف أنه كانت هناك “عروض عديدة من شخصيات مرتبطة بروسيا لمساعدة حملة ترامب”، مضيفًا أن التحقيق “لم يتوصل إلى أن أعضاء في حملة ترامب تآمروا أو نسقوا مع الحكومة الروسية في نشاطاتها للتدخل في الانتخابات” مقتبسًا تلك الفقرة مباشرة من التقرير.
البعض يتوقع أن بتقرير مولر وملخص بار تكون القضية قد انتهت وأسدل الستار عليها، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك، فهناك إرهاصات معركة سياسية قادمة بين الديمقراطيين والجمهوريين
جزء كبير من الاتهامات التي وجهت لترامب على مدار العامين الماضيين منذ فتح التحقيق في هذه القضية، تمحور حول احتمالية اتهامه بعرقلة سير العدالة، وخاصة بسبب طرده مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي الذي كان يقود التحقيق قبل مولر، إلا أن بار قال في ملخصه إن المبين في التقرير “ليس كافيًا للتأسيس عليه بأن الرئيس ارتكب جرم إعاقة سير العدالة”، مضيفًا “وفي تعداد لأفعال الرئيس التي حدث العديد منها أمام أنظار الرأي العام، لا يحدد التقرير أي أفعال تشكل سلوكًا معرقلاً للعدالة”.
ورغم استنتاج بار أن ترامب لم يعرقل العدالة إذ إن “المدعي الخاص لم يصل بطريقة أو بأخرى إلى نتيجة عما إذا كان السلوك الذي يخضع للفحص يشكل إعاقة للعدالة”، إلا أنه في الوقت ذاته لم يشر إلى أن هذا يعد دليلاً للبراءة، مضيفًا “يبين المدعي الخاص أنه على الرغم من أن هذا التقرير لا يخلص إلى أن الرئيس قد ارتكب أي جريمة، فإنه أيضًا لا يبرئه”.
وزير العدل في ختام رسالته المقدمة إلى رئيسي لجنتي العدل في مجلسي الشيوخ والنواب أفاد بأن “التقرير لا يوصي بتوجيه أي اتهامات أخرى، وكذلك ليس لدى المدعي الخاص اتهامات طي الكتمان تنتظر إعلانها للرأي العام”، علمًا بأنه قد سبق لمولر أن وجه اتهامات إلى 34 شخصًا في هذا التحقيق، بينهم مستشار ترامب السابق للأمن القومي مايك فلين ومحاميه السابق مايكل كوهين ومدير حملته بول مانافورت، لكن – وفقًا لبار – فإنه لن يكون هناك مزيد من توجيه الاتهامات.
READ: Attorney General William Barr's letter to Congress summarizing special counsel Robert Mueller's report. https://t.co/sIdGW97Jn4 pic.twitter.com/UmmsvoSkU8
— NPR Politics (@nprpolitics) March 24, 2019
ترامب يعلن انتصاره
لا شك أن ترامب وفريقه بهذا التقرير ربما تخلصوا بصورة كبيرة من صداع طالما أرق مضاجعهم خلال الـ22 شهرًا الماضية، فرغم التزام الرئيس الصمت مع الإعلان عن انتهاء التقرير وتسليمه الجمعة الماضية إلا أنه خرج عن صمته بعد رسالة وزير العدل أمس التي فسرها ترامب أنها جاءت لصالحه.
ترامب وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عقب نشر بار موجزه، أعلن أن التقرير “برأه بشكل كامل”، وهو الأمر الذي شكك فيه خصومه الديمقراطيون الذين طالبوا بنشر التقرير “كاملاً” قائلاً: “لا تواطؤ، لا عرقلة، تبرئة كاملة وشاملة، فلنبق أمريكا عظيمة”.
وفي تصريح أدلى به للصحفيين بعد ساعات من رسالة وزير العدل قبيل مغادرته فلوريدا على متن طائرته الرئاسية اعتبر” أنه من المعيب أن يكون رئيس الولايات المتحدة قد اضطر للخضوع لتحقيق بشأن احتمال حصول تواطؤ بين فريق حملته الانتخابية وروسيا، أو احتمال سعيه لعرقة العدالة”، قائلاً “بصراحة، من المعيب أن يكون رئيسكم قد اضطر للخضوع لهذا الأمر الذي بدأ حتى قبل انتخابي”، وأضاف أن التحقيق “محاولة تدميرية غير شرعية فشلت”.
فيما قال محامي الرئيس رودي جولياني، إن تقرير مولر أكثر إيجابية مما توقع، مضيفًا أنه سيصدر قريبًا بيانًا بهذا الشأن، في الوقت الذي أكدت فيه المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن مولر لم يتوصل لأي تواطؤ أو عرقلة للعدالة، كاشفة أن هذا يعد “تبرئة كاملة للرئيس ترامب”.
No Collusion, No Obstruction, Complete and Total EXONERATION. KEEP AMERICA GREAT!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) March 24, 2019
معركة سياسية قادمة
البعض يتوقع أن بتقرير مولر وملخص بار تكون القضية قد انتهت وأسدل الستار عليها، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك، فهناك إرهاصات معركة سياسية قادمة بين الديمقراطيين والجمهوريين، تتمثل في الخطوات المزمع اتخاذها من أنصار الفريق الداعم لفكرة تورط الرئيس في التدخل الروسي في الانتخابات.
تمسك الديمقراطيين بنشر التقرير كاملاً في مقابل اكتفاء ترامب وفريقه بالنتائج المعلنة كتبرير لتأكيداته شبه اليومية بأنه ضحية “حملة اضطهاد” خيمت لفترة طويلة على رئاسته، يشي إلى أن واشنطن خلال الأيام القادمة ستشهد سجالاً سياسيًا ساخنًا، ربما يتجاوز ذلك إلى احتمالية نشوب أزمة دستورية.
في استطلاع رأي أجرته قناة “سكاي نيوز” الأمريكية على موقعها الإلكتروني كشف أن 52% من المتفاعلين عن سؤال ما إذا كان ترامب قد حاول التدخل في التقرير الذي أتمه مولر أخيرًا أجابوا بالإيجاب، بينما عارض ذلك ما نسبته 36%
جيرالد نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي قال إنه ستتم دعوة وزير العدل للإدلاء بشهادته لشرح التباينات المثيرة للقلق في ملخص تقرير مولر، موضحًا أن المؤسسة الوحيدة في الولايات المتحدة القادرة على محاسبة الرئيس هي الكونغرس، وقال في مقابلة مع شبكة “إن بي سي” إن عجز الكونغرس عن القيام بدوره يعني أن الرئيس فوق القانون.
زعيما الديموقراطيين في الكونغرس الأمريكي، نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، وتشاك تشومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، طالبا، مساء الأحد، بنشر تحقيق مولر “كاملاً”، معتبرين أن وزير العدل وليام بار الذي نشر خلاصة هذا التحقيق ليس “مراقبًا محايدًا”.
وفي بيان مشترك لهما قالا: “رسالة وزير العدل بار تطرح أسئلة بقدر ما تقدم أجوبة”، مضيفًا “من الملح أن ينشر التقرير كاملاً وكل الوثائق المتعلقة به”، كاشفين أن مولر لم يبرئ الرئيس دونالد ترامب بصورة واضحة من تهمة عرقلة سير العدالة، وهو نفس ما ذهب إليه بار في تعليقه.
وزير العدل الأمريكي وليام بار
ماذا عن مستقبل ترامب؟
لا شك أن الملخص بصيغته الحاليّة يأتي بصورة كبيرة في صالح ترامب، الأمر الذي لن يمر مرور الكرام بالنسبة لفريقه، خاصة بعد الثمن الذي دفعه جراء تلك الاتهامات التي لاحقته منذ دخوله البيت الأبيض، وأثرت بشكل كبير على شعبيته وصورته أمام الجماهير الأمريكية، مؤيديه ومعارضيه.
إبداء فريق المحامين الخاص بالرئيس سعادتهم عن التحقيقات وما خلصت إليها والتأكيد على أنها فاقت توقعاتهم ستكون نواة حقيقة يمكن توظيفها خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، هذا بخلاف ما يمكن أن تحدثه من تحسين صورة ترامب وعلاج بعض الشروخات التي لحقت بها جراء سياساته الحمائية التي أفقدت أمريكا الكثير من حلفائها وعرضت مصالحها للخطر.
لكن يبدو أن الأمور لن تسير بهذه الصيرورة التي يتوقعها البعض، ففي استطلاع رأي أجرته قناة “سكاي نيوز” الأمريكية على موقعها الإلكتروني كشف أن 52% من المتفاعلين عن سؤال ما إذا كان ترامب قد حاول التدخل في التقرير الذي أتمه مولر أخيرًا أجابوا بالإيجاب، بينما عارض ذلك ما نسبته 36%.
معركة تقرير مولر لم تنته بعد وإن كانت النقاط – حتى كتابة هذه السطور – في صالح ترامب رغم التضخيم الإعلامي الذي رافق التحقيقات خلال الأشهر 22 الماضية، الأمر الذي من المرجح أن يشعل الأجواء بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونغرس وخارجه
في المقابل، رأى 44% من المستطلعة آراؤهم من الأمريكيين أن ترامب نسق مع الحكومة الروسية خلال حملته الرئاسية، بينما لم يؤيد ذلك 42% من المشاركين، غير أن 41% من المشاركين قالوا إنه لا يمكن أن يغير تقرير مولر آراءهم عن ترامب، بينما أقر 50% منهم بأن ثمة فرصة ضئيلة لأن تتغير آراؤهم بالرئيس وفقًا لنتائج التقرير.
يذكر أن ثماني استطلاعات رأي أجريت خلال الآونة الأخيرة لقياس شعبية ترامب توصلت جميعها أنها تراجعت بصورة كبيرة وصلت إلى أدنى مستوى لها في 6 أشهر، الأمر الذي يعرض مستقبل الرئيس السياسي للخطر وفق الجهات التي استطلعت رأي الأمريكان.
أعطت الجهات الثمانية التي أجرت استطلاع الرأي وهي “أي بي سي/واشنطن بوست” و”سي إن إن” و”غالوب” و”آي بي دي/تي آي بي بي” و”كايزر فاميلي فاوندايشن” وجامعة “كوينيبياك” و”غرينل كولدج/سيلزر أند كو” وجامعة “سوفولك” تأييدًا شعبيًا للرئيس بمعدل 38% وهو هبوط بنحو 3 نقاط عن الاستطلاعات ما قبل الأخيرة.
وفي المجمل.. فإن معركة تقرير مولر لم تنته بعد وإن كانت النقاط – حتى كتابة هذه السطور – في صالح ترامب رغم التضخيم الإعلامي الذي رافق التحقيقات خلال الأشهر الـ22 الماضية، الأمر الذي من المرجح أن يشعل الأجواء بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونغرس وخارجه، لا سيما في ظل ترجيح الآراء التي تشير بعدم قبول وزارة العدل نشر التقرير كاملاً في ظل عدم ارتقاء الأدلة المقدمة لتكوين لائحة اتهام.