في يوليو/تموز الماضي، التقى رئيس الوزراء الإثيوبي المنتخب حديثا وقتها، آبي أحمد، بالروبوت “صوفيا” وتحدث معه بقليل من اللغة الأمهرية، مبديا إعجابه الشديد وتقديره لهذا الجهد المبذول في مجال التكنولوجيا، وبقدر ما كان الأمر دعاية كبيرة للروبوت إلا أنه في الوقت ذاته كان مؤشرًا على اهتمام رئيس الحكومة الجديد بتطوير هذا القطاع.
تغيرت نظرة العالم خلال السنوات القليلة الماضية إلى إثيوبيا من دولة تعاني من الفقر والاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي وتعدد جبهات الخلاف مع جيرانها وأبناء قارتها، إلى دولة قادمة، تخطو خطوات كبيرة نحو مستقبل أكثر إشراقا، في ظل إرادة حكومية ووعي شعبي منقطع النظير.
وعلى هامش القمة الثانية والثلاثين للاتحاد الأفريقي التي عقدت في أديس أبابا فبراير الماضي، وقفت الشابة الأثيوبية سلام وندِم (29عامًا) في غرفةٍ مكتظةٍ بالحضور من ساسةٍ بارزين ومديرين تنفيذيين مرموقين لتقول: “أنا شابةٌ طموحةٌ وعلى استعداد لتغيير وجه بلادي أثيوبيا”.
تحدثت وندم أمام هذا التجمع كواحدة من أصحاب المشاريع في مجال التكنولوجيا. وكانت تأمل في اغتنام هذه الفرصة لإقناع حكومات القارة بدعم النظم التكنولوجية الصديقة للبيئة، معربة عن أملها في أن تصبح بلادها قبلة للمبتكرين في مجال التكنولوجيا على مستوى دول القارة الثمانية والخمسين.
إفريقيا والتكنولوجيا
نجحت القارة الإفريقية خلال السنوات الماضية في اتخاذ خطوات حثيثة لسد الفجوة الرقمية بينها وبين دول أوروبا، حيث استطاعت تحقيق طفرة كبيرة في توظيف التكنولوجيا المستخدمة وتوفير بيئاتها المتنوعة بما جعلها في وقت قصير علامة فارقة في قائمة الكيانات الأكثر تقدما في مجال التكنولوجيا.
وتتعدد الاستخدامات الخاصة بالتكنولوجيا في القارة لتشمل تبسيط العمليات الحكومية ومكافحة الجريمة وصولًا إلى تحسين الرعاية الطبية ومساعدة صغار المزارعين في الحصول على أفضل الأسعار لمحاصيلهم، وغير ذلك من المناقب الأخرى التي نجحت في تحقيق العديد من النجاحات فيها عبر هذه التقنية.
وعلى سبيل المثال على تعدد استخدامات التكنولوجيا في القارة، وصف بحث أجراه ستيفن ليفينغستون لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية كيف بدأت تترسخ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المشهد الأمني في أفريقيا، قائلا: “إن التوسع السريع وسهولة الوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات النقالة في أفريقيا ساهما في خلق فرص جديدة لمكافحة الجريمة وتقوية مساءلة قوات الشرطة”، مضيفًا أن رسم الخرائط وإرسال التحذيرات عبر الهاتف النقال ساعدت وبشكل كبير قوات الشرطة في جمع المعلومات.
التكنولوجيا تُستخدم في الدول المتقدمة لتوفير الراحة والرفاهية، لكنها في أثيوبيا توفر الضروريات نفسها
وفي تقرير نشره الموقع الإلكتروني InternetMatters.co.za حول الفوائد الاقتصادية للإنترنت في جنوب أفريقيا، كشف كيف تزدهر شركات الأعمال التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالمقارنة مع تلك التي لا تفعل ذلك- وكيف أن الشركات التي تفعل ذلك تنمي الناتج المحلي الإجمالي في دولة جنوب أفريقيا.
يذكر أن أربعة دول إفريقية فقط تسيطر على نصف مراكز التكنولوجيا في القارة السمراء، هي كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا، وتوفر هذه الدول 75 %تقريباً من تمويل الشركات الناشئة، وهو تمويلٌ يتزايد بوتيرةٍ متسارعةٍ بفعل تدفق المستثمرين على أفريقيا، وفي عام 2018 وحده، ازداد ذلك التمويل بواقع أربعة أضعاف مُقارنةً بالعام السابق.
خطوات ناجحة قطعتها قارة إفريقيا في التقدم التكنولوجي
ضرورة لا رفاهية
لم تعد التكنولوجيا نوعا من الرفاهية في حياة الإثيوبيين كما كانت قبل سنوات، بل تحولت إلى ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، هذا ما أكده يقول بيتلهم داسي، وهو معلمٌ في مجال التكنولوجيا بمؤسسة “آي كوغ لابس” التي تعد أكبر مركز للذكاء الاصطناعي في البلاد، بقوله إن “التكنولوجيا تُستخدم في الدول المتقدمة لتوفير الراحة والرفاهية، لكنها في أثيوبيا توفر الضروريات نفسها”.
اهتمام كبير بالتكنولوجيا بدأ الشباب الأثيوبيون يولونه في محاولة للتغلب على العقبات التي تواجه حياتهم، وهو ما تعكسه عشرات التجارب الناجحة في هذا المضمار، إذ تقول إيليني غابر-مادين، مُؤسسة “بلو موون”، وهي واحدة من المراكز الكثيرة المعنية برعاية المواهب والابتكارات في أديس أبابا، إن “الأفكار العظيمة تشكل بالأساس حلولاً للمشكلات. وإذا كان هناك ما يوجد لدينا، فهو الكثير من المشاكل”.
نجحت إثيوبيا في أن تضع أقدامها على أول طريق التطور في مضمار التقدم التكنولوجي معبدة طريقها نحو ريادة القارة أو الوصول إلى المربع الذهبي المسيطر على هذا القطاع، وذلك بفضل العديد من المقومات.
هناك كذلك شركة “فلويس” المتخصصة في صناعة مواسير المياه بتقنيات متطورة وأسعار معقولة، وبحسب ماركوس ليما، أحد مؤسسيها، فإن: “هناك الكثيرون ممن يسيرون لمسافاتٍ طويلةٍ للعثور على المياه. نريد ابتكاراً من النوع الذي يكون ذا مغزى في السياق المجتمعي من أجل إيجاد حلولٍ محليةٍ للمشكلات” الموجودة في المجتمع المحلي.”
تغول التكنولوجيا في إثيوبيا لم يقتصر على الجوانب التقنية فحسب، بل تجاوز ذلك بمراحل، وصولا إلى العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع الإثيوبي، ومن امثلة ذلك استخدام التكنولوجيا في تدشين وعاء إدخاري يشترك فيه عدد من الأشخاص بمبلغ ثابت شهريًا على أن يتقاضاه كل فرد أول كل شهر وهكذا حتى ينتهي الجميع، هذا الأمر الذي يطلق في بعض البلدان العربية باسم “الجمعية”.
ففي الأونة الأخيرة تم تطوير تطبيق يُستخدم عبر الهواتف الذكية من أجل إضفاء الطابع الرقمي على طريقة ادخار تقليديةٍ شائعةٍ بين الأثيوبيين، تقوم على وضع الأقارب والأصدقاء لمبالغ مالية بشكلٍ منتظمٍ في وعاءٍ مشتركٍ للادخار، على أن يتقاض من يحل دوره منهم إجمالي ما في الوعاء شهرياً.
خلال استقبال رئيس وزراء إثيوبيا للروبوت “صوفيا”
إثيوبيا على طريق المنافسة
نجحت إثيوبيا في أن تضع أقدامها على أول طريق التطور في مضمار التقدم التكنولوجي معبدة طريقها نحو ريادة القارة أو الوصول إلى المربع الذهبي المسيطر على هذا القطاع، وذلك بفضل العديد من المقومات.
سياسيًا.. سرعان ما كان لرئيس الوزراء الشاب ذو الـ 42 عامًا بصمات واضحة في مجالات عدة القيام بسلسلةٍ من الإصلاحات الشاملة، وهو ما تضمن – مثلاً – إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين، وإعادة الاستقرار للمناخ السياسي الداخلي، وتخفيف منابع النزاع بين القوى السياسية المعارضة.
كذلك أدخل الرجل العديد من التغييرات في قطاعات التعليم والاتصالات وغيرها من القطاعات وثيقة الصلة بالتكنولوجيا والاتصالات، علاوة على قدرته على تخفيف حدة التوتر مع دول القارة على رأسعا إريتريا التي استأنف علاقته الدبلوماسية معها بعد سنوات من القطيعة وتحسين علاقته بمصر وغيرها من الدول التي كانت تعاني علاقات بلاده بها ببعض التوترات.
رغم النجاحات التي حققتها أديس أبابا في هذا المجال الذي يحتاج إلى بيئة استثمارية من طراز خاص تفتح أبوابها أمام كافة المبادرات والتجارب النجاحة إلا أن هذه البيئة ظلت لعقودٍ تتسم بطابعٍ بيروقراطيٍ ومحافظ
اقتصاديًا.. ويأتي الاقتصاد الإثيوبي في مصاف الاقتصادات الأسرع نموا بالعالم، ويُعد من ناحية أخرى الأسرع نموا على مستوى القارة الإفريقية، كما بلغ الناتج القومي غير الصافي 79.9 مليار دولار حسب معطيات صندوق النقد الدولي للعام 2017، بمعدل 850 دولارا للفرد.
علاة على ذلك فإن التزايد الكبير في قدرة الأثيوبيين على الاتصال بشبكة الإنترنت، يشكل أحد العوامل الرئيسية التي أدت لحدوث هذا التغير، ففي عام 2011 لم تكن نسبة القادرين على الوصول إلى الشبكة العنكبوتية في أثيوبيا تتجاوز واحد في المئة من السكان، أما الآن فقد وصلت إلى أكثر من 15 في المئة.
هذا النمو الاقتصادي ساعد الحكومة في تقديم العديد من المزايا الاستثمارية المحفزة لنمو قطاع التكنولوجيا حتى باتت أديس أبابا قبلة للباحثين عن التميز والابتكار في مجال التكنولوجيا المتطورة، وهو ما لاح في الأفق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على وجه التحديد، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود العديد من التحديات التي ربما تعوق تحقيق الإثيوبيين لحلمهم.
رغم النجاحات التي حققتها أديس أبابا في هذا المجال الذي يحتاج إلى بيئة استثمارية من طراز خاص تفتح أبوابها أمام كافة المبادرات والتجارب النجاحة إلا أن هذه البيئة ظلت لعقودٍ تتسم بطابعٍ بيروقراطيٍ ومحافظ، فالإجراءات الإدارية واللائحية الخاصة ببدء نشاط أو إغلاق أخر تعاني من طول الوقت وتكلفة عالية، وهو ما يتناقض مع توجهات تشجيع ظهور الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
البعض يعول على حزمة من الإصلاحات تلوح في الأفق، تستهدف تقليص تلك العراقيل، وتعيد تشكيل المنظومة الإدارية برمتها، وهو التحرك الذي يعتبره محللون الضوء الأخضر الذي يفتح المجال أمام ريادة إثيوبيا لسوق الابتكارات التكنولوجيا خلال سنوات