أكد الخبير الاقتصادي الدكتور رضا شكندالي، أن صندوق النقد الدولي لا يغير سياساته وشروطه مع كل الدول، لكن الحكومة التونسية التي تتفاوض معه ضعيفة، وشدد على أن الدولة مطالبة بتشجيع الاستثمار، والعمل على إعادة نسق الإنتاج والتصدير إلى مستوياته الطبيعية بهدف تجاوز الأزمة الاقتصادية القائمة في تونس.
وأشار شكندالي في مقابلة مع “نون بوست” إلى أن القول بأن الهدف الرئيسي للترفيع في نسبة الفائدة من طرف البنك المركزي هو محاربة التضخم المالي والحرص على تماسك المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، لا يستند إلى مرتكزات علمية دقيقة، بما يفهم أن الغاية من وراء ذلك هو ضمان الربحية للبنوك وتأمين الموارد المالية لتمويل عجز موازنة الدولة.
شدد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي على أن اتفاق “الأليكا” الذي تنوي الحكومة توقيعه قريبًا، لم يحن وقته بعد، لأن شروط المنافسة الحقيقة بين الفلاح التونسي ونظيره الأوروبي غير متوافرة حاليًّا
أما عن خروج تونس من قائمة البلدان غير المتعاونة في المادة الجبائية، فقد أوضح الخبير الاقتصادي التونسي أنه لا يمكن معرفة فوائد ذلك إلا بعد مرور سنتين على الأقل على هذا القرار الخاص بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، حاثًا الحكومة التونسية على متابعة ذلك بقرارات وإجراءات أخرى تشجع على الاستثمار الأجنبي، وأساسًا الاستثمار المحلي.
وشدد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي على أن اتفاق “الأليكا” الذي تنوي الحكومة توقيعه قريبًا، لم يحن وقته بعد، لأن شروط المنافسة الحقيقة بين الفلاح التونسي ونظيره الأوروبي غير متوافرة حاليًّا، مؤكدًا أن هذا الاتفاق سيكون له تأثير سلبي على المنتج الفلاحي التونسي.
وأبرز الخبير الاقتصادي التونسي أن التكامل العربي على المستوى الاقتصادي لا يمكن أن يتم إلا إذا تكاتفت الجهود لإنتاج بعض المواد التي تتطلب مواد أولية متوافرة في الإنتاج الداخلي للدول العربية، كخطوة أولى.
وفيما يلي نص الحوار كاملًا:
رضا شكندالي: “يجب العمل على إعادة التصدير إلى نسقه العادي، وهذا مرتبط بسياسة الدولة تجاه الاستثمار التي تبقى في حاجة إلى قوانين وتشريعات جديدة محفزة”
نون بوست: تعيش تونس وضعًا اقتصاديًا صعبًا كان له تأثير كبير على العملة المحلية، الدينار، الذي تدهورت قيمته إلى مستويات قياسية، فما أسباب ذلك؟ وما الحلول الممكنة لتجاوز هذا التدهور؟
رضا شكندالي: قيمة الدينار التونسي مرتبطة أساسًا بالعجز التجاري والمدخرات التونسية والعملة الصعبة، أما عن الحلول فهي تكمن في إيجاد السبل لتطوير هذه المصادر القادرة على توفير عملة صعبة إضافية، وخاصة ما يتوافر في السوق الموازية، وذلك بحلول توافقية، لأن هناك من يقترح قانونًا للعفو عن جرائم الصرف وإدماج هذه المبالغ في المسالك المنظمة، وهذا يمكن أن يكون حلًا ناجعًا يساهم في تماسك الدينار التونسي من خلال الترفيع في قيمة الاحتياطي من العملة الصعبة.
هناك حلول أخرى تتمثل في مطالبة الشركات المصدرة بالاحتفاظ بمبالغ العملة الصعبة الناتجة عن عملية التصدير لتوريد المواد الأولية ونصف المصنعة، ويمكن للبنك المركزي أن يلجأ إلى قانون يفرض على هذه الشركات المصدرة الاحتفاظ بنسبة تتراوح بين 20 و30%من مدخراتها من العملة الصعبة لضخها في البنك المركزي.
لا بد من العمل كذلك على أن يعود التصدير إلى نسقه العادي، وهذا مرتبط بسياسة الدولة تجاه الاستثمار، فالاستثمار الخاص هو الضامن لعودة الصادرات إلى سالف نسقها، ولكن ما نلاحظه الآن أن الاستثمار متوقف تقريبًا، وسياسات الدولة لا تشجع على الاستثمار الخاص، فقانون المالية 2019 شهد ترفيعًا في نسب الأداء، وارتفع الضغط الجبائي بثلاث نقاط كاملة من 2010 إلى 2018، كما أن ارتفاع نسبة الفائدة يثقل من كلفة الاستثمار الخاص.
وقد يحمل “قانون الأفقي للاستثمار” الذي تتحدث عنه الحكومة بين طياته، تجاوزًا لكل العقبات التي يعاني منها الاستثمار الخاص في تونس.
شكندالي: “تحميل كل المسؤولية في تفاقم العجز التجاري لاستهلاك العائلات التونسية مجانب للحقيقة واستعمال أدوات السياسة النقدية للتقليص فيه مضر بالنشاط الاقتصادي”
نون بوست: قرر البنك المركزي التونسي، أخيرًا، رفع نسبة الفائدة المديرية، وذلك لوضع حد لارتفاع نسبة التضخم التي تجاوزت 7%، وفق محافظ البنك المركزي، هل برأيك، يمثل هذا القرار السلاح الأمثل لتقليص معدلات التضخم المالي في تونس؟ وما تأثير ذلك على المؤسسات الاقتصادية؟
رضا شكندالي: منذ يناير 2013، رفع البنك المركزي التونسي تسع مرات متتالية نسبة الفائدة المديرية دون أن يكون لهذا القرار أي انعكاس على التضخم المالي، بل زاد هذا الإجراء الطين بلة وتسارعت وتيرة التضخم المالي في تونس إلى أن وصلت إلى مستويات قياسية أثرت سلبًا على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وعلى تنافسية المؤسسات التونسية.
وقد شهدت البنوك التجارية طفرة مالية كبيرة خلال السنتين الأخيريين، حيث تطور الناتج الصافي البنكي للعديد من البنوك التجارية بصفة ملحوظة تزامنت مع رفع نسبة الفائدة المديرية تسع مرات متتالية منذ يناير 2013 وخاصة خلال سنة 2018 مما يجعل من إقراض الدولة عن طريق شراء سنداتها أمرًا يدر على البنوك التجارية أموالاً طائلة دون مخاطر تذكر عوضًا عن المخاطرة بها في استثمارات خاصة غير مضمونة خاصة أن نسبة المخاطر عالية في هذه الفترة الحساسة من الانتقال الديمقراطي التي تتميز بعدم استقرار المشهد السياسي والاجتماعي علاوة على السياسات الاقتصادية غير المشجعة على الاستثمار من زيادة في الضغط الجبائي بثلاث نقاط كاملة منذ 2010 ورفع نسبة الفائدة المديرية وتراجع قيمة الدينار ومراجعات متتالية في أسعار الوقود مما يجعل من الاستثمار الخاص مغامرة محفوفة المخاطر ومن تمويله رميًا بالأموال في سلة المهملات، فمن مصلحة البنوك التونسية استثمار أموالها في عمليات مربحة لا تحتمل المخاطرة.
القول بأن الهدف الرئيسي لرفع نسبة الفائدة هو محاربة التضخم المالي والحرص على تماسك المقدرة الشرائية للمواطن التونسي لا يستند إلى مرتكزات علمية دقيقة بما يفهم أن الغاية من وراء ذلك هو ضمان الربحية للبنوك
كما أن تحميل كل المسؤولية في تفاقم العجز التجاري لاستهلاك العائلات التونسية مجانب للحقيقة واستعمال أدوات السياسة النقدية للتقليص فيه مضر بالنشاط الاقتصادي، حيث يمثل هذا العامل المحرك الأساسي للاقتصاد التونسي بعد الانكماش الملحوظ للاستثمار وتراجع نسق نمو الصادرات، فرفع معدل نسبة الفائدة سيزيد في كلفة القروض البنكية المثقلة على العائلات والمؤسسات الاقتصادية ويدفعها إلى الإحجام عن طلب قروض جديدة مما يؤدي إلى تراجع كل محركات النمو الاقتصادي من استثمار وتصدير واستهلاك.
القول بأن الهدف الرئيسي لرفع نسبة الفائدة هو محاربة التضخم المالي والحرص على تماسك المقدرة الشرائية للمواطن التونسي لا يستند إلى مرتكزات علمية دقيقة بما يفهم أن الغاية من وراء ذلك هو ضمان الربحية للبنوك وتأمين الموارد المالية لتمويل عجز موازنة الدولة.
نون بوست: كشف المعهد الوطني للإحصاء (فبراير 2019) أن عجز الميزان التجاري للسلع مع بعض البلدان كالصين وتركيا والجزائر وروسيا وإيطاليا، المُسجل على المستوى الجملي للمبادلات لشهر يناير 2019 المنقضي بلغ 1568.3 مليون دينار، فكيف يمكن تجاوز هذا العجز التجاري؟
رضا شكندالي: السبب الرئيسي لهذا العجز هو التوريد الكبير للطاقة، كما أن اقتصادنا مرتبط بالخارج، وهو لا ينتج التكنولوجيا، ولا يمكن له ذلك إلا بتوريد المواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز، وذلك يعود إلى تراجع قيمة الدينار التونسي، لأن قيمة الواردات ارتفعت.
شكندالي: “خروج تونس من قائمة البلدان غير المتعاونة في المادة الجبائية غير كافٍ، وعلى تونس أن تتبعها بقرارات وإجراءات أخرى تشجع على الاستثمار الأجنبي”
نون بوست: أخيرًا، تونس تخرج من قائمة البلدان غير المتعاونة في المادة الجبائية، ما فائدة ذلك؟ وكيف أدخلت تونس إلى هذه القائمة؟ وكيف خرجت منها؟
رضا شكندالي: هناك قائمتان، الأولى للاتحاد الأوروبي، وهو للجنات الضريبية، والثانية لمجموعة العمل المالي ( GAFI)، وهي القائمة السوداء لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، وتونس ما زالت في القائمة الثانية، وخرجنا قبل أيام من قائمة الاتحاد الأوروبي للبلدان غير المتعاونة جبائيًا، والاتحاد الأوروبي لا يرغب في أن تكون الشركات الأوروبية غير متساوية في مجال الجباية، بمعنى أن بعض الشركات الأوروبية تفضل الذهاب إلى بعض الدول (الجنات الضريبية) للاستثمار والتمتع بأفضلية مقارنة بما تتمتع به الشركات الأخرى، وهذا ما يرفضه الاتحاد الأوروبي لأن خروجها يكون له انعكاسات سيئة على مستوى الاقتصاد الأوروبي لأنه يقلص من النمو والاستثمار، ويخلق بالتالي البطالة، وقد رفعت تونس في قانون المالية 2019 في نسبة الأداء على الأرباح على المؤسسات المصدرة من 10 إلى 13%، وهناك إجراءات أخرى أكثر دقة على مستوى المحاسبة.
أما عن انعكاس ذلك على الاقتصاد التونسي، فلا يمكن معرفة ذلك إلا بعد مرور سنتين على الأقل على هذا القرار الخاص بالاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وعلى تونس ألا تقتصر على الخروج من القائمة السوداء، بل عليها أن تتبعها بقرارات وإجراءات أخرى تشجع على الاستثمار الأجنبي، وقد يكون “القانون الأفقي لتحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وبرنامج العمل 2020” حلًا مساهمًا في عودة الاستثمار إلى تونس، والانطلاقة تكون بتشجيع الاستثمار المحلي، أولًا.
نون بوست: لكن هناك من يتحدث عن ضغوط سياسية من الاتحاد الأوروبي!
رضا شكندالي: نعم، وفي قراءة سياسية، هناك من ربط هذا الأمر بهذه القائمة والضغوطات التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على تونس بهدف التوقيع على اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق “الأليكا”، ولكنني أعتبرها قراءة للنوايا التي يحللها أساسًا السياسيون، لأن خبراء الاقتصاد يعتمدون على تحليل النتائج لا قراءة النوايا.
شكندالي: “إمضاء اتفاقية “الأليكا” مع الاتحاد الأوروبي سيدمر القطاع الفلاحي التونسي، مثلما سبق أن دمر القطاع الصناعي منذ 1995″
نون بوست: يرفض العديد من الخبراء الاقتصاديين التونسيين، اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق “الأليكا”، المزمع إمضاؤها هذا العام مع الاتحاد الأوروبي، ما التأثيرات السلبية لهذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي؟
رضا شكندالي: “الأليكا” تقترح شروط منافسة عادلة على المستوى الدولي، ولكن ما أثار القلق والرفض في تونس هو التأثير الكبير للقطاع الفلاحي الحساس الذي يحقق نسب نمو عالية، ولولاه لكان النمو الاقتصادي سالبًا بعد الثورة، حيث ستكون المنافسة مباشرة بين الفلاح التونسي والفلاح الأوروبي، بينما هما لا يتمتعان بنفس الشروط والامتيازات والتكوين والإحاطة، والفلاح الأوروبي يحصل على دعم لا يقارن بالدعم الذي يحصل عليه الفلاح التونسي، كما أنه يشتري مستلزماته من أوروبا بتحويل الدينار المنهار إلى عملة أوروبية، وبالتالي فإن كل المؤشرات تؤكد أن المنافسة الحقيقية والعادلة غير متوافرة.
كما أن 95%من الفلاحين التونسيين تتجاوز أعمارهم 60 سنة وهو ما يعني أنه لا يمكن اعتماد التكنولوجيا المتطورة التي تمكننا من تحسين الإنتاج والإنتاجية لمجابهة الفلاح الأوروبي في السوق الأوروبية، إلى جانب المستوى التعليمي البسيط للفلاح التونسي، هذه العوامل لا يمكن لها أن توفر شروط منافسة حقيقية بين الفلاح التونسي ونظيره الأوروبي، وبالتالي إذا وافقنا على اتفاقية “الأليكا”، فإن الفلاحة التونسية ستندثر، كما اندثرت الصناعات التقليدية في تونس بعد فتح النسيج التونسي للمنافسة.
وكانت تونس قد وقعت اتفاق شراكة في القطاع الصناعي مع الاتحاد الأوروبي في 1995، وهو ما ساهم في تدمير النسيج الصناعي في تونس، وإذا وقعنا اتفاقية “الأليكا” الآن، لا يمكننا أن نجد منتجات فلاحية تونسية بعد 3 أو 4 سنوات، وبالتالي أعتقد أن اتفاقية “الأليكا” سابقة لأوانها، فلا بد من مرحلة للتأهيل وإعادة الهيكلة للقطاع الفلاحي تمتد من 5 إلى 10 سنوات، يدمج فيها الشباب وخاصة أصحاب حاملي الشهادات العليا، ويتم منحهم أراضٍ فلاحية، وتقدم لهم تشجيعات كبيرة، وبعد هذه المرحلة يمكن الحديث عن إمضاء اتفاقية “الأليكا” مع الاتحاد الأوروبي.
رضا شكندالي: البنوك التجارية وجدت لنفسها الحل وهو الاستثمار في الأنشطة عديمة المخاطر، وتتمثل في شراء رقاع الخزينة وتمويل ميزانية الدولة
نون بوست: البنوك التونسية تحقق أرباحًا كبيرة فاقت 1166 مليون دينار في 2018، في الوقت الذي تعاني فيه تونس من أزمة اقتصادية، كيف نفهم هذا التناقض؟
رضا شكندالي: البنوك التجارية وجدت لنفسها الحل وهو الاستثمار في الأنشطة عديمة المخاطر، وتتمثل في شراء رقاع الخزينة وتمويل ميزانية الدولة، هذه البنوك استفادت كثيرًا من الزيادات المتواصل في نسبة الفائدة، كما أن أموالًا أخرى تم توجيهها لتمويل القطاع الموازي، كما يؤكد البعض.
نون بوست: خلال الملتقى التونسي الليبي الأول لمقاومة الفساد (19 و20 فبراير 2019) طلبت الهيئة الليبية لمكافحة الفساد من نظيرتها التونسية، معطيات عن 121 شركة ليبية ناشطة في تونس، قالت إنها تشتبه في تورطها في عمليات تبييض أموال، فهل تحولت تونس فعلًا إلى وكر لتبييض الأموال؟
رضا شكندالي: نعم، بما أن تونس إلى حد الآن ما زالت في القائمة السوداء لتمويل الإرهاب وتبييض الفساد “GAFI” ، فإن الاحتمالات قائمة، رغم أنه ليس لدي معطيات مؤكدة.
وكانت مجموعة العمل المالي (غافي)، عندما رسمت تونس ضمن القائمة السوداء، لاحظت أنه من بين 28 ألف مصدرة كليًا في تونس هناك 22 ألف شركة وهمية.
نون بوست: هل الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تشهدها تونس في السنوات الأخيرة سببها ارتهان تونس إلى صندوق النقد الدولي، مثلما يؤكد على ذلك العديد من السياسيين والمنظمات التونسية، وقد طالب بعض خبراء الاقتصاد بإعادة تقييم توصيات صندوق النقد الدولي. إلى أي حد يبدو ذلك سببًا وجيهًا؟
شكندالي: الذهاب إلى الخصخصة، في الوقت الحاليّ، لا يتوازى مع ارتفاع الدخل، فنحن ما زالنا نحتاج إلى دولة اجتماعية توفر لمواطنيها الخدمات الاجتماعية المختلفة من صحة وتعليم وغيره
رضا شكندالي: أنا لست من الرافضين للتعامل مع صندوق النقد الدولي لأن هناك دولًا تعاملت معه، ونجحت، والإشكال في الحكومة وليس في التعامل مع هذه المؤسسة المالية الدولية، فالصندوق يقترح نفس السياسات، في أي زمن، ومع أي دولة، وبالتالي فإن الحكومة التونسية التي تتفاوض معه ضعيفة في هذا الجانب، لأنها تركز أساسًا على تمويل الميزانية، وليس على السياسات والشروط التي يفرضها الصندوق.
نون بوست: ارتفعت في السنوات الأخيرة وتيرة هجرة الكوادر التونسية من مهندسين وأطباء والأساتذة والباحثين، وغيرهم، فما تأثير ذلك، وما الحلول الكفيلة للحد من هذه الهجرة؟
رضا شكندالي: التأثير سلبي بالتأكيد، فالمستشفيات والجامعات التونسية أفرغت تقريبًا من إطاراتها وكوادرها، ما أثمر خدمات اجتماعية متدنية، وحاولت الحكومة قبل أيام تمرير قانون لتشجيع القطاع الخاص على مستوى التعليم العالي، إلى جانب العمل على تسريح الموظفين، وبالتالي فهي لا تثمن الخدمات الصحية العمومية، وهي تشجع على الخصخصة.
والذهاب إلى الخصخصة في الوقت الحاليّ، لا يتوازى مع ارتفاع الدخل، فنحن ما زالنا نحتاج إلى دولة اجتماعية توفر لمواطنيها الخدمات الاجتماعية المختلفة من صحة وتعليم وغيره، لأن المواطن، بمتوسط دخله الحاليّ، غير قادر على مجابهة التعامل مع المؤسسات الخدمية الخاصة.
نون بوست: تشير مؤشرات التنافسية على المستوى الاقتصادي إلى اتساع الفجوة بين اقتصادات الدول العربية، كيف يمكن خلق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية؟
رضا شكندالي: تتوافر ثلاث مجموعات اقتصادية فيها من التشريعات والمؤسسات والقوانين، ما يمكنها من خلق تكامل اقتصادي عربي، فهناك مجموعة مجلس التعاون الخليجي ومجموعة دول المغرب العربي ومجموعة الدول الموقعة على اتفاقية أغادير، وهي تونس ومصر والمغرب والأردن.
شكندالي: هناك تنافس كبير بين فرنسا وإيطاليا على إعادة إعمار ليبيا، وبالتالي فإن توجيه اللوم أو الاتهام من إيطاليا إلى فرنسا ليس حبًا في البلدان الإفريقية بل تعمل على أن يكون لها دور ومكان في إفريقيا
على المستوى العربي، لا تتجاوز التجارة البينية 13% بالنسبة للواردات، و10% بالنسبة للصادرات، وما يمكن ملاحظته أن مجموعة مجلس التعاون الخليجي تتوافر فيها الشروط التي تجعل منها قادرة على خلق التكامل، حيث التجارة البينية، فيما بينها، مرتفعة جدًا، أما المجموعة الأضعف رغم قربها، وبها مؤسسة عريقة، هي مجموعة اتحاد المغرب العربي، فإن التجارة البينية بين مكوناتها لا تتجاوز 5%، وشروط التكامل العربي غير متوفرة إلى حد الآن، وما يجب فعله هو التكامل على مستوى إنتاج بعض المواد التي تستعمل لإنتاجها مادة الفوسفات والكبريت التي تتوافر في البترول، وهي مواد يمكن أن ننتج منها المواد المصنعة التي تستهلكها الحيوانات، فمثلًا، تونس والمغرب تنتجان الفوسفات، بينما الجزائر وليبيا تنتجان البترول، وبالتالي فالتكامل يمكن أن يكون بإنتاج مادة تستغني هذه الدول عن استيرادها من الخارج بأسعار عالية، وهو ما يؤثر على أسعار اللحوم التي تنخفض بالضرورة أسعارها، فيستفيد الفلاح، ويستفيد المستهلك.
وبالتالي إذا تكاتفت الجهود لإنتاج بعض المواد التي تتطلب مواد أولية متوفرة في الإنتاج الداخلي للدول العربية، يمكن أن نبني التكامل العربي مرحلة بعد أخرى حتى تحقيق تكامل اقتصادي تام يكون له أحسن الأثر على الشعوب العربية.
نون بوست: إيطاليا تتهم فرنسا بنهب خيرات الدول الإفريقية، فقد قال نائب رئيس الوزراء الإيطالي في إطار التنافس: “فرنسا غنية بسبب استعمارها لإفريقيا”، فما رأيك؟
رضا شكندالي: هناك تنافس كبير بين فرنسا وإيطاليا على إعادة إعمار ليبيا، وبالتالي فإن توجيه اللوم أو الاتهام من إيطاليا إلى فرنسا ليس حبًا في البلدان الإفريقية بل تعمل على أن يكون لها دور ومكان في إفريقيا مثل فرنسا، وهي تتوجه إليها، كفاك ما نهبت من خيرات إفريقيا، اتركي لي المجال الآن.