ترجمة حفصة جودة
تتميز إسطنبول بمعالمها التاريخية التي تعود للعصر البيزنطي والعثماني، وحياتها الثقافية الغنية المتنوعة التي تضم عددًا لا نهائي من الجماعات العرقية المختلفة، ومطبخها المذهل، وكذلك مشكلة المرور سيئة السمعة.
ربما يعبر 16 مليون مواطن في إسطنبول عن وجهات نظر مختلفة بشأن مباهجها، لكن مشكلة المرور تأتي في المقدمة عندما يتعلق الأمر بسلبيات إسطنبول، فوفقًا لتقرير خدمة معلومات المرور “INRIX” فإن إسطنبول ثاني أكثر المدن ازدحامًا في العالم بعد موسكو.
وبحسب إحصاءات المرور لشركة “TomTom” فإن الرحلة الطبيعية التي تستغرق 60 دقيقة في إسطنبول تصل في وقت الذروة إلى 106 دقيقة، مما يعني أن هناك 46 دقيقة إضافية أي 175 ساعة ضائعة سنويًا بالإضافة إلى التوتر.
وإدراكًا للوضع أطلق حزب العدالة والتنمية الحاكم لقب “ملك الشوارع” على مرشحه لمنصب عمدة المدينة في الانتخابات المحلية التي تبدأ الأحد القادم، يقول بن علي يلدرم – رئيس الوزراء السابق ووزير النقل -: “النقل مهنتي والمرور مهنتي، لقد تمكنت من حل تلك المشكلة في تركيا بأكملها وأستطيع حلها في إسطنبول أيضًا”.
في الوقت نفسه وبعد خسارة آخر معركتين في إسطنبول، يحاول حزب الشعب الجمهوري – حزب المعارضة الرئيسي – الحصول على فرصته مع رئيس بلدية متواضع، يقول إكرم إمام أوغلو – 49 عامًا – الذي قضى 5 سنوات رئيسًا لبلدية بيليك دوزو في إسطنبول: “سوف تشاهدون ما سيحدث في 5 سنوات، سنقدم تخفيفًا هائلًا في حركة مرور إسطنبول”.
أفضل خسارة المال
رغم تلك الوعود فإن يوسف – 29 عامًا – الذي يعمل محررًا في دار نشر لا يستطيع أن يرى أي طرق هادئة في المستقبل القريب، يقول يوسف: “إنني أقضي 3 ساعات يوميًا في حركة المرور، يبعد مكتبي 20 كيلومترًا عن الحي الذي أسكن فيه، وهذا الازدحام يستهلك طاقتي ويمنعني من التركيز في عملي”.
ويضيف يوسف: “قبل 4 أشهر حصلت على عرض عمل أفضل من عملي الحاليّ لكنني رفضته لأنه كان يستلزم إضافة 90 دقيقة إلى عذاب المرور اليومي الذي أعانيه، تعد الانتخابات بحل أزمة المرور وهو أمر مثير، فالجميع يتفقون على أن إسطنبول بحاجة إلى المزيد من خطوط المترو، لكن الحلول التي يقدمونها ليست حقيقية لأن جذور المشكلة أعمق بكثير”، ولأنه يعاني من أزمة المرور منذ فترة طويلة فهو يتحدث كخبير ويقول إن إسطنبول بحاجة إلى الكثير والكثير من خطوط المترو.
الازدحام يجعلنا منفعلين
تصف بوسي سيتنكايا – 30 عامًا – التي تعمل مستشارة في شركة سيارات كبرى روتينها اليومي قائلة: “أقضي ساعة يوميًا في الذهاب إلى العمل كل صباح، بينما يستغرق طريق العودة إلى المنزل ساعتين ونصف، هذا يعني أن هناك 3 أو 4 ساعات ضائعة يوميًا، هذا الوقت الضائع لا يؤثر على نفسيتي فقط بل يؤثر على جسدي أيضًا، فأنا أشعر بالمزيد من التعب عما أنا عليه في الواقع”.
يقول يوسف إن شبكة المواصلات لا تلبي احتياجات هذا العدد الكبير من السكان
تشعر سيتنكايا بالملل حتى من الحديث عن الموضوع حيث تقول: “الازدحام يجعلنا نفقد صبرنا تجاه بعضنا البعض، ويجعلنا نفقد تسامحنا واحترامنا”، وتضيف: “بسبب عملي اضطر للسفر إلى مدينة شتوتغارت في ألمانيا كل أسبوعين – وبحسب تقرير “INRIX” فإن شتوتغارات تقع في ذيل قائمة المدن المزدحمة عالميًا في المرتبة 102 – لقد لاحظت أن الناس هناك أكثر سعادةً وسلامًا من هنا، ربما لا أستطيع أن أعدد الأسباب لكنني أعتقد أن أحد أهم الأسباب هو الازدحام المروري”.
وبينما تعاني شتوتغارت من الازدحام المروري في ساعات الذروة فقط، فإن إسطنبول تعاني منه كل لحظة في اليوم، فساعات التعرض للازدحام تستهلك الأرواح والأجساد، تقول سيتنكايا: “إنها تجعلنا منفعلين وعصبيين، لأننا لا نستطيع توفير الوقت لأنفسنا”.
فيما يتعلق بالحل فإن سيتنكايا متعصبة، فهي لا تعتقد أن المرشحين قادرين على حل أزمة المرور ما لم تغير الحكومة والناس من وجهة نظرهم بشكل جذري، تقول سيتنكايا: “تقيم الحكومة مشاريع ضخمة مثل الجسر الثالث على مضيق البسفور أو نفق تحت الماء، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التفاصيل، إنهم بحاجة للتركيز على التفاصيل المتعلقة بالعقبات الصغيرة مثل مفترق الطرق أو الطرق المصممة بشكل خاطئ”.
جودة الحياة
يقول محمد – 25 عامًا ومسؤول مالي رفيع المستوى -: “لقد نقلت مكتبي من الجانب الأوروبي إلى الجانب الأناضولي، ساهم ذلك في خفض وقت مواصلاتي اليومية من 4.5 ساعة إلى ساعة ونصف فقط، والآن أستطيع أن أتناول العشاء وأتنزه قليلاً وينتهي ذلك في الوقت الذي كنت أصل فيه إلى البيت سابقًا”.
تقول بوسي إن الحكومة بحاجة إلى التركيز على العقبات الصغيرة
يضيف محمد: “وكشخص يعمل في جو من التوتر والانشغال فإن أي فرصة لتوفير الوقت لنفسي يمثل أهمية كبيرة في تحسين جودة الحياة”، ويرى أن أحد أسباب التوتر العصبي في المرور يرجع إلى السائقين غير المتعلمين والمتوترين وغير الصبورين.
أما سيزاير دوغان مدير تحرير “راديو المرور” فيقول: “لا شك أن الازدحام المروري أول مشكلة في إسطنبول، والناس يتابعون المشاريع المتعلقة بالموضوع عن كثب لكنني لا أرى أن كلمة “الحل” هي الكلمة الصحيحة بل الأفضل كلمة “المرور المحتمل”، فلا يوجد أي مكان في العالم لا يعاني من أزمة مرور لذا لا يمكن أن نتوقع إسطنبول بلا أزمة مرور تمامًا، لكننا نستطيع أن نتصور حركة مرور محتملة”.
ويضيف دوغان: “لقد استعد المرشحون جيدًا لتلك المعركة ووعدوا بالمزيد من خطوط المترو والمزيد من الطرق المناسبة للدراجات وطرق للنقل العام وطرق أخرى ذكية، وكما أرى فإن الناخبين متفائلون بشأن مشاريعهم”.
يصر دوغان أن من واجب الحكومة التركيز على المراقبة والتعليم والتنسيق مثلما تفعل مع مشاريع البنية التحتية الكبرى، وكانت إذاعة المرور قد نشرت مقابلة مع بن علي يلدرم وإمام أوغلو والعديد من المرشحين الآخرين وتمت مناقشة قضية المرور بشكل ساخن.
أردوغان يسعى للفوز الـ13 في الانتخابات
تعد الانتخابات المحلية في إسطنبول النقطة التي بدأ منها كل شيء بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد كان سباق انتخابات 1994 أول خطوة في سلم الفوز بالنسبة له، وكان أردوغان قد قال عام 2014 في آخر حملة انتخابات محلية: “من يملك إسطنبول يملك تركيا بأكملها، وقد اتضح بعد ذلك مدى دقة كلامه”.
يعد الازدحام المروري على قائمة سلبيات إسطنبول
على مدار 25 عامًا لم تتمكن الأحزاب المعارضة من الوصول إلى نهاية سعيدة في إسطنبول، وفي الوقت نفسه تمكن أردوغان من الفوز في 3 انتخابات محلية و5 انتخابات عامة و3 استفتاءات وانتخابات رئاسية واحدة، ويسعى أردوغان للفوز الـ13 في سلسلة انتصارات، فهو يعقد بنفسه الاجتماعات الانتخابية.
وفي جو من تباطؤ اقتصاد تركيا وانخفاض قيمة الليرة وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، كان خطاب أردوغان يحتوي على العديد من المواضيع المتنوعة ومن بينها الحادث الإرهابي في نيوزيلندا والفظائع الإسرائيلية في غزة.
لكنه تمكن كذلك من جذب انتباه جمهوره بالإشارة إلى استثمارات بقيمة مليارات الدولارات مثل مطار إسطنبول الجديد الذي يهدف لأن يكون أكثر المطارات الأوروبية ازدحامًا وخط القطار الجديد الذي يبلغ طوله 63 كيلومترًا، ومستشفيات المدينة ومسجد تشامليجا الذي يتسع لأكثر من 60 ألف شخص.
تجري انتخابات المحليات على خلفية تباطؤ الاقتصاد وانخفاض الليرة
انظر في المرآة واعتدل
من ناحية المعارضة، يسعى إمام أوغلو إلى إبعاد نفسه عن حزب الشعب الجمهوري حيث يواجه الحزب أزمة ترشيح وقيادة، وفي محاولة لفصل نفسه عن نزاعات الحزب حاول إمام أوغلو جذب متابعين جدد وذلك بإلقاء القرآن في ذكرى ضاحيا هجوم نيوزيلندا الإرهابي رغم خلفية حزبه العلمانية.
وبطريقة حازمة مثل أي سياسي، يقول إمام أوغلو إنه سيفوز بالسباق وهذا النصر سيجبر حزب التنمية والعدالة الحاكم على النظر في المرآة والاعتدال، لكن بغض النظر عمن سيفوز فإن يوسف لا يأمل في أي علاج لأزمة المرور بإسطنبول ولا يرى أن هناك حلاً في المستقبل القريب.
يقول يوسف: “عدد السكان ضخم في إسطنبول ونظام المواصلات والطرق لا يلبي الاحتياجات، وكلما تم تطوير أنظمة الطرق والمواصلات تم بناء المزيد من المباني، مما يوفر فرصة لقدوم المزيد من الناس”.
المصدر: ميدل إيست آي