تتجه دائرة مساندي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى التقلص شيء فشيء، يوما بعد يوم، حتى أن الجيش الذي كان داعما رئيسيا له في كامل مشواه منذ توليه الحكم سنة 1999، وخلال هذه الاحتجاجات التي طالبه فيها الشعب بالابتعاد عن قصر المرادية، قد قرر أخيرا التخلي عنه، في أحدث تطور يشهده هذا البلد النفطي.
تطبيق المادة 102
طالب الفريق قايد صالح، نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري برحيل الرئيس بوتفليقة الذي يعاني من أزمة صحية حادة ألزمته الكرسي منذ سنوات عدة، كحل للأزمة الراهنة التي تعرفها البلاد منذ أكثر من شهر. ودعا الفريق صالح، إلى تطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على شغور منصب رئيس البلاد كحل “توافقي يحفظ سيادة الدولة ويستجيب لمطالب الشعب”.
وقال قائد الأركان -خلال كلمة بثها التلفزيون الحكومي الجزائري- إنه “يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري.. وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102”.
وتنص المادة 102 من الدستور الجزائري على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع”.
تخلي الجيش عن بوتفليقة، يأتي بعد تطورات كبيرة شهدها خطاب الجيش منذ بداية الحراك الشعبي في البلاد في الـ16 من شهر فبراير/شباط الماضي بمدينة خراطة
يعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبيّة ثلثي أعضائه، ويكلّف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها 45 يوما رئيس مجلس الأمة. وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوما، يُعلَن الشغور بالاستقالة وجوبا، ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسيّة. ولا يحق لرئيس الدولة المعين –وفق نفس المادة- بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
وتعد تصريحات قائد الجيش دعوة إلى المجلس الدستوري للاجتماع من أجل النظر في شغور منصب الرئيس أو انتظار وصول إعلان استقالة من بوتفليقة الذي تنتهي ولايته، في 28 أبريل/ نيسان القادم، لمباشرة إجراءات خلافته.
تطورات كبيرة في موقف الجيش
تخلي الجيش عن بوتفليقة، يأتي بعد تطورات كبيرة شهدها خطاب الجيش منذ بداية الحراك الشعبي في البلاد في الـ16 من شهر فبراير/شباط الماضي بمدينة خراطة، الرافض لإصرار السلطات الحاكمة فرض عبد العزيز بوتفليقة “القعيد” لخمس سنوات أخرى على كرسي الرئاسة.
وكان أول تعليق للجيش على الاحتجاجات الرافضة لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، معارضا للاحتجاجات فقد وصف نائب وزير الدفاع الوطني، قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، دعوات الخروج إلى الشارع بـ”النداءات المشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية”.
وتساءل قائد أركان الجيش في كلمة توجيهية مع إطارات وأفراد الناحية العسكرية السادسة بتمنراست: “هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة بل غير مؤمنة العواقب، مسالك لا تؤدي لخدمة مصلحة الجزائر ولا تحقيق مستقبلها المزدهر؟”.
فُهم من حديث قايد صالح حينها، وجود مباركة من الجيش للرئيس بوتفليقة ونيته الترشح لولاية رئاسية خامسة تمكن النظام القائم من الاستمرار لفترة أخرى، في الوقت الذي كان فيه الشعب ينتظر من الجيش أن يصطف إلى صفه أو يختار الحياد.
في الـ5 من مارس/آذار، رجع قايد صالح للغة التهديد مجددًا، محذِرًا من وجود “أطراف تريد أن تعيد الجزائر إلى سنوات الألم والجمر”، مضيفًا أن على الجزائريين أن يعرفوا كيف يتعاملون مع ظروف وطنهم وشعبهم وأن يكونوا حصنًا منيعًا لصد كل ما من شأنه تعريض الجزائر لأخطار غير محسوبة العواقب.
لطالما كانت منظمة المجاهدين (رفقاء بوتفليقة في السلاح) داعمة لكل قرارات الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999
قال قايد صالح في خطاب أدلى به في الأكاديمية العسكرية في شرشال: “بعض الأطراف (…) يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر التي عايش خلالها الشعب الجزائري كل أشكال المعاناة، وقدم خلالها ثمنًا غاليًا”، في إشارة إلى العشرية السوداء في الجزائر (1992).
بعد يوم، أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية بيانًا، أبزرت فيه تأكيد قائد الأركان على أن “الجيش سيعرف كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بها في الظروف كافة”، مؤكدًا “الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها”، وهو ما اعتبر محاولة لتدارك ما بدر من قايد صالح في سابق الأيام.
عاد الجيش إلى الصمت مجددًا، في ظل تواصل المظاهرات وارتفاع حدتها وانضمام أطراف أخرى لها، حتى جاء يوم 18 من مارس/آذار الذي خرج فيه الفريق قايد صالح ممتدحًا “حس الوطنية” و”المواطَنة” لدى الشعب الجزائري، من دون أن يذكر الرئيس بوتفليقة بالاسم.
حلفاء الأمس يتخلون عن الرئيس
يعتبر الجيش، أخر المتخلين عن الرئيس بوتفليقة، وق سبق أن سحب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم دعمه لبوتفليقة، وأعلن عن مساندة “مطلقة” للحراك الشعبي في الجزائر، كما صرح بذلك معاذ بوشارب، منسق هيئة تسيير الحزب لوكالة الأنباء الجزائرية.
وإلى جانب هذا الدعم دعا الحزب الحاكم كما جاء على لسان بوشارب إلى “ضرورة العمل بإخلاص والجلوس معا إلى طاولة حوار واحدة للوصول إلى الأهداف المرجوة وفق خريطة طريق واضحة لبناء جزائر جديدة لا تهمش ولا تقصي أحدا”.
وكان بوتفليقة قد أعلن في 11 مارس/ آذار الجاري، سحب ترشحه لولاية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة إلى جانب عقد مؤتمر للحوار لصياغة دستور جديد قبل تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة لن يترشح فيها، وذلك على وقع حراك شعبي رافض لاستمراره في الحكم، أن قوبل بالرفض من قبل المعارضة.
اتساع الاحتجاجات المناهضة لبوفليقة
قبل ذلك أعلنت منظمة المجاهدين (قدامى المحاربين ضد الاحتلال الفرنسي) دعمها للحراك الشعبي، وأكدت أن ما عاشته البلاد خلال السنوات العشرين الماضية يستدعي تغييرا في النظام والإنصات لصوت الشعب. ولطالما كانت منظمة المجاهدين (رفقاء بوتفليقة في السلاح) داعمة لكل قرارات الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999، ويتشكل أغلب أعضائها من مناضلين في حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
ولحقت بهذا القرار جمعية قدماء وزارة التسليح والاستعلامات العامة خلال الثورة “المالغ ” (رجال المخابرات خلال الثورة التحريرية) التي يرأسها وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية التي أعلنت تخليها عن مساندة بوتفليقة والالتحاق بالداعمين للحراك الشعبي.
كما أعلنت عديد النقابات العمالية في وقت سابق وقوفها إلى جانب الحراك الشعبي، ودعمت بوتفليقة الذي يرأس البلاد من 20 سنة إلى التخلي عن الحكم، والانسحاب من الحياة السياسية، وترك الفرصة للشعب.