20 عامًا مرت على تولي عبد العزيز بوتفليقة الحكم في الجزائر، واليوم، ومن الناحية العسكرية الرابعة بورقلة، ينهي الفريق قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني، مهام الرئيس ويعلن انقضاء عهدته قبل شهر من نهايتها، مستندًا إلى المادة 102 من الدستور الجزائري التي تنص على شغور منصب الرئيس.
وتطبق المادة 102 إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، فيجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع، ويعلن البرلمان في جلسة مشتركة لغرفتيه ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يومًا رئيس مجلس الأمة الذي هو في هذه الحالة عبد القادر بن صالح، وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يومًا، يعلن شغور منصب رئاسة الجمهورية بالاستقالة وجوبًا، وفي حالة استقالة الرئيس أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية.
عُزل بوتفليقة اليوم من المشهد السياسي أو بمعنى أدق عُزل السعيد بوتفليقة (قائد جناح الرئاسة) وعُين عبد القادر بن صالح الذي ينتقد البعض جنسيته نظرًا للعلاقة الحساسة بين المغرب والجزائر (ولد بالمغرب وجنس بعد الاستقلال)
وتبلغ فورًا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبًا، ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية، ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
هكذا عُزِل بوتفليقة اليوم من المشهد السياسي أو بمعنى أدق عُزِل السعيد بوتفليقة (قائد جناح الرئاسة) وعُيِن عبد القادر بن صالح الذي ينتقد البعض جنسيته نظرًا للعلاقة الحساسة بين المغرب والجزائر (ولد بالمغرب وجنس بعد الاستقلال)، رئيسًا لمجلس الأمة، على رأس السلطة لتسيير هذه المرحلة الانتقالية تطبيقًا للمادة 102 وهي مدة 45 يومًا في حالة الشغور الظرفي وإن استمر العجز والمرض للرئيس وبقي الشغور قائمًا فيقع الاجتماع من جديد وتقع استقالة بوتفليقة التلقائية فتنضاف 45 يومًا أخرى، بعد إقرار البرلمان بغرفتيه وبأغلية الثلثين، حتى تجرى الانتخابات الرئاسية، وقد تم عقد اجتماع طارئ لتدارس القرار وتبعاته دستوريًا وشكليًا.
المعلوم أن في العهدة الأولى والثانية أن الحكم كان لعبد العزيز بوتفليقة ولكن في كلٍ من العهدتين المواليتين فإن الحكم كان لسعيد بوتفليقة، مسيطرًا على الجيش ومؤسسات الجمهورية، وتفعيل المادة 102 بهذه السرعة من طرف المؤسسة العسكرية مثير للجدل، فكيف يتم تفعيلها دون رئيس للحكومة ولجنة مستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات الرئاسية، فالسلطة في مأزق دون حل حتى دستوريًا.
وحتى لو اجتمع البرلمان المنقسم على إثر الحراك بين السلطة والشعب، الذي يبقى دائمًا خاضعًا للسلطة القائمة (جيش أو رئيس أو محيط الرئيس) الذي من فائدته الاجتماع لضمان استمرارية شرعيته بعد أن رفعت مطالب منادية بحله وتفعيل المادة 102 وإعلان حالة الشغور، فعبد القادر بن صالح سيكون أمام حكومة معاقة مشكلة من شخصين رمطان العمامرة وبدوي وهو مأزق ثان.
لعل أخطر تحدٍ تواجهه الجزائر اليوم هو بلوغ مرحلة “اللااعتراف” لا بالبرلمان ولا بالحكومة ولا بأي من مؤسسات الدولة وهذا ما سيجعل الدولة تهتز مع احتمال دخول البلاد في فوضى عارمة
بالاضافة إلى ذلك، ففي صورة عدم استجابة المجلس الدستوري وتفاهمه مع مخرجات الجيش التي جاءت على لسان قيادة الأركان فإن الخلاف سيوصل البلاد إلى تجميد الدستور، وبالتالي أزمة أشد خطورة على الجزائر مما حصل عام 1992، أما في حال وجود خلاف بين المجلس الدستوري وقيادة الأركان، فهذا قد يفضي إلى طريق مسدود، وفي هذه الحالة لا يوجد حل قانوني، وستذهب البلاد للخيار السياسي والأمر غاية في الخطورة في ظل عدم وجود حكومة ودستور شبه مجمد.
ولعل أخطر تحد تواجهه الجزائر اليوم هو بلوغ مرحلة “اللااعتراف” لا بالبرلمان ولا بالحكومة ولا بأي من مؤسسات الدولة وهذا ما سيجعل الدولة تهتز مع احتمال دخول البلاد في فوضى عارمة وأن تطبيق المادة 106 التي تنص على إعلان الحصار والطوارئ حيث تصبح غير ممكنة لأن هذين الأمرين يعلنهما الرئيس.
فاللجوء إلى الدستور في الوقت الراهن لم يعد أمرًا مجديًا بالنظر إلى أن حراك الشارع تجاوز الجميع بما في ذلك الدستور، والحلول الممكنة حاليًّا هي سياسية، فكان يجدر أن تطبق المادة 88 التي تسمى اليوم بـ102 بعد التعديلات، عندما كان بوتفليقة في حالة حرجة في المستشفى العسكري الفرنسي، أما الآن فقد تجاوزها، فلو طبقت في 2013 أو 2014 أو حتى قبل حراك 22 من فبراير 2019 لكان من الممكن أن تقرأ إيجابيًا، ولكن بعد ثورة الشعب الجزائري وتعنت الحكومة أصبح هذا النصف حلاً غير مجدٍ.
ولعل كل هذه القرارات وما يحدث مؤخرًا من تفاعلات سياسية يمكن أن تدفعنا إلى القول بأن 90 يومًا مدة كافية حتى يقع التنسيق مع القوى الخارجية وعلى رأسهم الإمارات التي تلعب دورًا رئيسيًا في كواليس السياسة الجزائرية حتى يجدد النظام نفسه ويربح مزيدًا من الوقت، فالسلطة ترسم لنفسها مسارًا آخر يضمن بقاءها، والمادة 102 لا تشير إلا لرئيس الجمهورية وتستثني كما تطرح الشخصيات الأخرى، وخروج القايد صالح اليوم وإعلان المؤسسة العسكرية عن منصب الشغور ليس فقط تدخل في السياسة وحيادًا عن المهام بل أمر مستراب كذلك.
ما نستنتجه أن عملية تفعيل المادة الدستورية قبل تعيين رئيس للحكومة وحكومة ولجنة للانتخابات هو مأزق دستوري مقصود ونظام يجدد نفسه ومحاولة لكبح جماح الثورة بتعلات قانونية
فقد كان من المفروض أن يصدر هذا القرار عن المجلس الدستوري أو في أقل الحالات عن رئيس الحكومة، أما أن يعلنه نائب رئيس الدفاع، الجنرال، فهذا تثبيت علنيٌ بأن الحكم عسكري وأنه قلب السلطة، ولعل هذا الخيار المتسرع غير المدروس دستوريًا وقانونيًا، يجعلنا نطرح عدة استفهامات أهمها مسألة التوقيت.
فالمفروض أن يتم التوافق أولاً على تعيين رئيس للحكومة وحكومة مصغرة تحظى بإجماع ورضا شعبي من تكنوقراط مستقلين لتنظيم الانتخابات، ثم تأسيس اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات وانتخاب أعضائها ومن بعد إعلان حالة الشغور باستقالة الرئيس بوتفليقة حسب المادة 102 من الدستور.
وما نستنتجه أن عملية تفعيل المادة الدستورية قبل تعيين رئيس للحكومة وحكومة ولجنة للانتخابات هو مأزق دستوري مقصود ونظام يجدد نفسه ومحاولة لكبح جماح الثورة بتعلات قانونية ومقترح المؤسسة العسكرية ليس إلا التفاف على إرادة الشعب التي طالبت النظام الحاليّ بالرحيل بكل رموزه.
فالمطالب الشعبية تنادي بتغيير جوهري شامل للنظام في سياسته وشخصياته وإعادة الحراك إلى مربع البداية لن يكون سهلاً ولا مقبولاً، فمن المتوقع استمرار الحراك حتى إن قبل قلة بأنصاف الحلول المقترحة، فالاكتفاء بتطبيق المادة 102 من الدستور لا يُتيح تحقيق الإصلاحات بعد الشروع في تطبيقها ولا يسمح بتحقيق الانتقال الديمقراطي والانتخابات الحرة والنزيهة.
تتبدى حقيقة مفترق الطرق الذي تقف في مواجهته الجزائر، إنه امتحان تاريخي ينتظرها شعبًا ونظامًا
وبصرف النظر عن نوايا الجيش التي يمكن أن تكون تلبية لمطالب الشعب، فقد تكون أيضًا في إطار الصراع بين الأجهزة، فالصراع بين جناح التوفيق والقايد صالح ما زال قائمًا وربما كان قراره بتفعيل المادة 102 هو تسابق نحو إرضاء الشعب.
وتفيد مصادرنا أن الحالة الصحية لبوتفليقة حرجة للغاية وسعيد بوتفليقة قد رتب مع القايد صالح قرار تفعيل المادة 102 حتى يتسنى له ترتيب الأمور الداخلية لقصر المرادية وضمان مصالحه ومصالح مقربيه، خاصة مع ارتفاع نسق الحراك الشعبي مؤخرًا، وهذا القرار كان قد اتخذ منذ مدة، فبقاء بوتفليقة إلى حد الآن ليس إلا شماعة لكسب مزيد من الوقت.
تتبدى حقيقة مفترق الطرق الذي تقف في مواجهته الجزائر، إنه امتحان تاريخي ينتظرها شعبًا ونظامًا، امتحان تاريخي نتيجة الإشكالات الدستورية التي تطرحها المؤسسة العسكرية، في محاولة لتمديد استمرار النظام نفسه وحتى يتمكن من إعادة ترتيب أوضاعه.