لا يزال الغبار والركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، طوال الـ24 ساعة الماضية، شاهدًا على جولة تصعيد ساخنة كانت للمقاومة الفلسطينية الكلمة الأقوى والأخيرة فيها، رغم حجم الدمار الكبير الذي خلفه العدوان الإسرائيلي.
قصف للمنازل وتدمير كامل لبعض المؤسسات والهيئات الخيرية وحرق للمقار الأمنية والمواقع التابعة للمقاومة وإصابة 10 فلسطينيين بجراح مختلفة، كان ذلك حصيلة أكثر من 70 غارة شنتها طائرات الاحتلال على قطاع غزة، في تفاصيل تشابهت كثيرًا مع المقدمات التي خرجت قبل حرب 2014.
مقدمات وتداعيات وخلفيات وحتى قوة التصعيد العسكري الأخير على غزة ورد المقاومة على العدوان الإسرائيلي، أعاد ذاكرة الغزيين لمرحلة قاسية وصعبة عاشوا تفاصيلها المريرة طوال 51 يومًا كان الموت هو المتحكم فيها، ولسان حالهم يقول “هل دخلنا في الحرب الرابعة؟”.
“الحرب على غزة تقترب يومًا بعد يوم من حدودها، وتنتظر فقط إطلاق صافرتها النهائية لإشعال نيرانها الأولى
الحرب القادمة على غزة تقترب يومًا بعد يوم من حدودها، وتنتظر فقط إطلاق صافرتها النهائية لإشعال نيرانها الأولى، خاصة في ظل الضغوطات الكبيرة التي يعاني منها رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو، والدعوات الكبيرة التي تطالبه بشن حرب “طاحنة” على غزة والقضاء على المقاومة وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
معادلة المقاومة الجديدة
لكن يبقى السؤال الأبرز الذي يقلق تفكير كل إسرائيلي: هل الحكومة قادرة على التصدي لصواريخ المقاومة في غزة التي كان آخرها الصاروخ الذي أصابهم بحالة رعب وقلق كبيرين بعد أن سقط في “تل أبيب” وأحرق منزلاً بالكامل وأصاب أكثر من 5 مستوطنين بينهم حالة خطرة؟
الإجابة عن هذا السؤال المحير جاءت من المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي تساحي دبوش، حين قال: “يد المقاومة في غزة باتت هي العليا، وحكومة نتنياهو فقدت قوة الردع والسيطرة”.
ودعم الإجابة عن خسارة “إسرائيل” في جولة التصعيد الأخيرة، وقوة ردع المقاومة وصلابتها وفرضها المعادلة الجديدة وهي “الالتزام مقابل الالتزام”، الحديث الذي صدر عن وزيرة الخارجية الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان حين قال: “رد إسرائيل على قصف تل أبيب، لم ينتج عنه إصابة أي فلسطيني”.
قال الضابط في جيش الاحتياط بدولة الاحتلال تسفيكا فوغل، إن استمرار عجز القيادة في “إسرائيل” سيعجل بقدوم اليوم الذي ستقوم به حركة حماس بتدمير دولة “إسرائيل”
واعتبر أن رد الاحتلال كان جزءًا من قواعد اللعبة التي قبلتها حكومة نتنياهو ووسائل إعلام الاحتلال، ورأى أن معايير الرد الإسرائيلي على غزة هي “إفلاس أمني وأخلاقي“.
كما قال الضابط في جيش الاحتياط بدولة الاحتلال تسفيكا فوغل، إن استمرار عجز القيادة في “إسرائيل” سيعجل بقدوم اليوم الذي ستقوم به حركة حماس بتدمير دولة “إسرائيل”، مضيفًا في مقال له بصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، أن “إسرائيل” فقدت منذ فترة طويلة روح القتال وفقدت أيضًا الشجاعة لتحقيق الانتصار في المعارك.
ويقول الضابط: “حركة حماس تعي جيدًا أن القبة الحديدية لا تنجح بشكل كامل في إسقاط الصواريخ، ولذلك تفاجئ إسرائيل دائمًا تحت مبرر أن الصواريخ أطلقت عن طريق الخطأ”.
دمار خلفه القصف الإسرائيلي على غزة
وأمام هذا التخبط الإسرائيلي والخلاف الداخلي العميق الذي تسببه قوة ردع المقاومة وتطور أساليبها العسكرية وصواريخها، يقول حازم قاسم المتحدث باسم حركة حماس، إن غزة ومقاومتها ستبقى عصية على الانكسار وستفرض إرادتها على المحتل في كل مرة، وستنتزع حقها بالعيش بحرية وكرامة وستكسر الحصار عن نفسها.
ويضيف أن المقاومة تمارس حقها في الدفاع عن شعبها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وستمارس هذا الحق والواجب في كل مرة يعتدي المحتل على شعبنا الفلسطيني، مبينًا أن الأداء الموحد للمقاومة في مواجهة العدوان على غزة، يؤكد مرة أخرى أن وحدتنا في الميدان هي أحد عوامل صمود شعبنا وانتصار مقاومته.
وأكد أن الالتفاف الشعبي حول المقاومة، يشكل الدرع الحامي والسند والظهير لهذه المقاومة، وهي تواجه الاحتلال.
بدوره قال جميل عليان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي: “المقاومة الفلسطينية أفشلت خطط نتنياهو، وأساءت وجهه وحرمته فرحته بإعلان الجولان”، مضيفًا المقاومة أساءت وجه نتنياهو والمؤسسة الأمنية والعسكرية وقادة الأحزاب الصهيونية، كما أفشلت خطط نتنياهو أن تكون وقود قاطرته الانتخابية فذهب بعيدًا يطلب مساعدة أحمق البيت الأبيض، حتى حرم من الفرح بإعلان ترامب المشؤوم عن الجولان”.
جيش الاحتلال شنّ عدة غارات على أهداف تابعة لحركة “حماس” في أرجاء قطاع غزة وأخرى مدنية وزراعية
وشدد على أن المقاومة أثبتت أن قوة ردع العدو التي أخاف بها بعض قادة المنطقة ليس لها مكان أمام المقاومة، لافتًا إلى أن المقاومة عمقت الأزمة بين الأحزاب والقيادات الصهيونية وحشرتهم في نفق الانقسام السياسي، وتابع: “المقاومة أبطلت حرمة الجغرافيا عند دولة العدو وأجبرته أن يتعامل مع قصف المركز كقصف الغلاف، حيث أكدت المقاومة بصمودها وصمود شعبنا أنها أقوى من الحصار والعقوبات والمؤمرات”.
الجدير ذكره أن جيش الاحتلال شنّ عدة غارات على أهداف تابعة لحركة حماس في أرجاء قطاع غزة وأخرى مدنية وزراعية، ومن بين الأهداف التي قصفها الاحتلال قبل دخول التهدئة حيز التنفيذ شركة الملتزم للتأمين ومكتب إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومقر حكومي ومدرسة لتعليم قيادة السيارات ومنزل، بالإضافة إلى ميناء خان يونس ومرصد للمقاومة وسبع أراضٍ زراعية وثلاثة مواقع للمقاومة ومجموعتان للمواطنين الفلسطينيين.
حشود عسكرية إسرائيلية حول قطاع غزة تجهيزًا للهجوم القادم
وعلى مدار الـ12 عامًا المنصرمة، تعرض قطاع غزة لثلاث حروب إسرائيلية مدمرة، ارتقى خلالها الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمرت البنى التحتية بالكامل، حيث ما زال السكان يعانون من ويلات تلك الحروب، إلا أن الصمود سيد الموقف.
هل اقتربت الحرب الرابعة؟
ورغم الحديث عن التهدئة هشة في غزة، بعد فشل الوسيط المصري في التهدئة الأولى التي كانت مقررة في العاشرة من ليلة الإثنين، فإن الاحتلال يواصل تهديده ووعديه لسكان القطاع بحرب رابعة أكثر قسوة وخطورة.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي: “موجة الغارات التي تشنها الطائرات الحربية على قطاع غزة مساء اليوم الإثنين ليست سوى المرحلة الأولى لعملية واسعة النطاق”، وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، قال البرغادير جنرال رونين مانيليس بالجيش الإسرائيلي: “نحن فقط في البداية”.
لم يختلف المحللون والساسة والمراقبون، على أن قطاع غزة شهد ليلةً قاسيةً من القصف على أهداف ومنشآت مدنية، ويعتبر الخبير العسكري والأمني اللواء المتقاعد واصف عريقات، أن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال مستمرة ضد الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أم الضفة المحتلة أم القدس، وفي كل مكان، فالشعب الفلسطيني يخوض حرب شاملة من الإسرائيليين.
عريقات أوضح أن الأهداف الآن هي قصف معركة انتخابية فهناك من يريد أن يجر نتنياهو إلى حرب استعادة قوة الردع عند جيش الاحتلال، وهذا يعني عدوان واسع ربما يستخدم قوات برية
وعن طبيعة الضربات الجوية للأهداف التي تم استهدافها، قال عريقات: “واضح أن العدو الإسرائيلي يُحاول أن يكون قاسيًا في قصفه على قطاع غزة وباستخدام الطائرات، ولكنه في نفس الوقت يريد أن يبقي المعركة محسوبة أي لا تتوسع من قبل الرد الفلسطيني”.
واستدرك “لكن الاحتلال حتى الآن قام باعتداءات قاسية من هدم منازل، وشركات واستهداف بنايات، لكن في نفس الوقت يحاول ألا ينجر إلى ردود قاسية من الفلسطيني، لأن هناك حسابات دقيقة، كون هناك بازار انتخابي ومعركة انتخابية إسرائيلية ومزايدات بين نتنياهو وخصومه السياسيين”.
وبيّن عريقات أن الضربات محسوبة فهو لا يريد أن ينجر لتوسيع عدوانه، فإذا وسع عدوانه فسيكون هناك قصف فلسطيني أوسع منه، لافتًا إلى التصريحات الفلسطينية قالت: “إن زدتم زدنا”، وهذا يعني أنه في حال زاد الاحتلال في قصفه وتوسع ستطال الصواريخ كل الجبهة الداخلية “الإسرائيلية”، وأوضح، أن الأهداف الآن هي قصف معركة انتخابية فهناك من يريد أن يجر نتنياهو إلى حرب استعادة قوة الردع عند جيش الاحتلال، وهذا يعني عدوان واسع ربما يستخدم قوات برية.
وتابع “نحن الآن في المنطقة الرمادية، فنتنياهو أجل عودته “لإسرائيل” من الولايات المتحدة، فهو يريد استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، دون أن يذهب لعدوان واسع”.
المشهد المخيم على قطاع غزة ضبابي ومشحون بالكثير من التناقضات السياسية والعسكرية
وفي سؤال عما الذي يمنع نتنياهو من الدخول في حرب شاملة؟ تساءل عريقات: “هل يستطيع نتنياهو إظهار قوته في قطاع غزة، وقد جرب غزة في حروب عدة؟ لكن هناك تصريح له من الولايات المتحدة، وهو لن نسمح بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة وهذا يدلل على أنه تحدث مع ترامب عن الأمر، إذًا أُعطي له الضوء الأخضر لعدوان شامل”، وتابع “موقف نتنياهو يتعلق بموقفه الانتخابي، فإذا شعر أنه لن يكسب الانتخابات فسيذهب لحرب واسعة وبرية، خاصة مع وجود جنرالات تزايد عليه بأن “إسرائيل” فقدت قوة الردع في فترته”.
ويبقى المشهد المخيم على قطاع غزة ضبابي ومشحون بالكثير من التناقضات السياسية والعسكرية، في الوقت الذي تتجهز فيه المقاومة وتعلن النفير للدفاع عن شعبها بكل ما أوتيت من قوة، فهل سيقدر نتنياهو على الحرب الرابعة أم أن خوفه على كرسي الحكم سيبقيه ضعيفًا وجبانًا في نظر شعبه؟