تتغنى حكومة النظام بوحدة الوطن (سوريا) بشكل مستمر، وفق دوافع تعتبرها وطنية غير مساوم بها، كما تصر على عدم العبث بالأراضي السورية وحتى المحتل منها، رافضةً كل التدخلات الخارجية ما عدا التدخلات الروسية والإيرانية، مصممة على أن الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد هو من أنشأ سوريا الحديثة ومنقذها، متبعةً ذلك من خلال خطة عمل مسيسة ومدروسة ومقدسة لدى حزب البعث في تعليم السوريين بدءًا من نعومة أظافرهم وصولًا إلى كبار السن منهم، أن سوريا هي ملك لآل الأسد لا غير، وأنتم العبيد لا أكثر، وقد تظن أن حكومة الأسد على حق لكنك لست على دراية تامة أنها من أنتجت الوضع السوري بشكل عام ووضعته في أسوأ حال، وفقًا للوضع الحاليّ الذي وصلت إليه.
قضية الجولان المحتل لم تغلق لدى السوريين خلال سنوات الاحتلال لكنها أغلقت لدى حكومة الأسد بشكل كامل منذ عهد الأسد الأب الذي اتهمه السوريون ببيعها للاحتلال الاسرائيلي وقبض ثمنها، وموضوع تحريرها من الاحتلال وعودتها إلى الوطن الأم سوريا بدا موضوعًا مستهلكًا كاذبًا تستمر حكومة الأسد بالتغني به بين السوريين عبر حزب البعث بشكل علني في الداخل السوري وفي الإعلام العربي والعالمي، كاسترضاء يبعد الشبهات عن الجاني الذي تسبب باستمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان.
لم تمضِ أيام على تغريدة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، الخميس 21 من مارس/آذار التي قال بها: “الوقت حان للولايات المتحدة لأن تعترف تمامًا بسيادة إسرائيل على الجولان”، ليصبح الأمر حقيقةً باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأن الجولان جزء من دولة “إسرائيل”، وفق إعلانه بشكل رسمي الإثنين 25 من مارس/آذار، وسبقها العام الماضي نقل سفارته إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لـ”إسرائيل”، ولن يشكل الاعتراف الحاليّ أي تغيرات من جانب حكومة الأسد سوى الأكاذيب والادعاءات بتحرير الجولان.
ما موقف حكومة الأسد من اعتراف واشنطن بسيادة “إسرائيل” على الجولان؟
فور اعتراف واشنطن بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان السوري المحتل، ردت حكومة الأسد ردًا ناريًا بأسلوب فايسبوكي، يحمل أقوال الأسد البالية، أثار سخرية واسعة بين موالي النظام ومعارضيه، دون الرجوع إلى بيانات استنكار أو دفاع عن حقوق وإنما بات كتحفظ بالرد مثل الاعتداءات السابقة.
ونشرت صفحة رئاسة الجمهورية العربية السورية التابعة للقصر الجمهوري، قبل ساعات من اعتراف ترامب بشكل رسمي بسيادة “إسرائيل” على الجولان صورة جندي سوري على مشارف منطقة الجولان المحتل، وعلقت رئاسة الجمهورية بكلمة ألقاها بشار الأسد عام 2009: “الحق الذي يغتصب يحرر”، وعلق ناشطون أن هذا الشعار ليس إلا واحدًا من الشعارات والمقولات التي ملأت جدران مؤسسات النظام وشوارع المدن والقرى السورية منذ عهد حافظ الأسد الذي باع الجولان وسلمها دون حرب.
قال الأسد خلال كلمته في 2009: “نؤكد في سوريا على أن السلام لن يتحقق إلا بعودة الجولان كاملًا حتى خط الرابع من حزيران العام 1967، كما أن المماطلة الإسرائيلية لن تجلب شروطًا أفضل لها ولن تجعلنا نتنازل عن شبر أو حق”، وكعادتها حكومة الأسد تستمر في التهديدات والتحفظ بحق الرد إلى وقت آخر، ووصفها معارضون أنها مجرد كلمات يتفوه بها الأسد لكسب الموالين إلى صفه، وهذا ما يعرف بالظاهر للإعلام بينما تخفى الكثير من الاتفاقيات تحت الطاولة.
كما تداول ناشطون صورًا لصواريخ من نوع سكود متعارف عليها لدى قوات النظام بـ”جولان 2″، لسحق العدو، حسب زعمهم، الأمر الذي أثار سخرية واسعة لدى رواد التواصل الاجتماعي، بينما تداولت صفحات موالية مقطعًا مصورًا يظهر فيها سهيل الحسن قائد ميليشيا النمر في طائرة الهليكوبتر، ويستمع لأغنية “نعم يا حماة الوطن”، وبحسب مصدر الفيديو فإن الطائرة تحوم فوق مناطق سورية قرب محافظة حماة، وسخر رواد التواصل الاجتماعي من الفيديو ودعوه للتوجه إلى الجولان وتحريرها بدلاً من هدم المدن السورية فوق سكانها.
خارجية النظام.. اعتراف واشنطن سيؤثر على عزلتها
قال وزير خارجية النظام وليد المعلم في اتصال أجراه مع قناة سوريا الفضائية الثلاثاء 26 من مارس/آذار: “القرار الأمريكي لن يؤثر إلا على عزلة أمريكا والجولان محصن بمجموعة من القرارات الدولية التي تمثل الشرعية الدولية وبأهالي الجولان المحتل الذين برهنوا عن روحهم الوطنية العالية ومحصن أيضًا بشعبنا وصموده وبقواتنا المسلحة الباسلة وبالتالي هذا القرار لن يؤثر إطلاقًا”.
وأضاف المعلم “ترامب بدأ بالقدس وتهويدها لكنه في الجولان لن يستطيع أن يفعل شيئًا، فالأرض ملك لشعبها ولا يستطيع أحد مهما مرت السنوات أن يغير هذا الواقع بشيء”، من جانبها وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا أكدت خلال بيان لها رفضها المطلق والقاطع لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الصهيوني، لافتة إلى أنه يمثل أعلى درجات الازدراء للشرعية الدولية وصفعة مهينة للمجتمع الدولي.
وتعتبر التصريحات التي أدلى بها المعلم غير مجدية نظرًا للوضع الأمني والعسكري الذي وصلت إليه سوريا، إضافة إلى دخول أكثر من دولة خارجية إلى الأراضي السورية، فأي سيادة يتحدثون عنها طالما أنها استباحت منذ بيعهم للجولان السوري في 1967، وتسيطر حكومة الأسد على شريحة واسعة من المجتمع السوري المقيم في مناطقها، وبإمكانها أن تعتبره نصرًا بينما تفقد الأراضي السورية أجزاءً منها بشكل متتالي.
حزب البعث شعارات رنانة لا تجدي نفعًا.. الخبز والغاز أفضل!
الشعارات الرنانة التي تصدح في الأرجاء وتحافظ من منظورها على عائلة آل الأسد التي باعت الجولان قبل أكثر من 52 عامًا، أخذت تقل تدريجيًا، نظرًا للتدهور الأمني والانهيار في الاقتصاد السوري، حيث فشلت فروع حزب البعث خلال اليومين الماضيين بإقامة وقفات احتجاجية استنكارًا لاعتراف واشنطن بسيادة “إسرائيل” على الجولان المحتل.
ودعت فروع الحزب في كل المحافظات السورية الأعضاء وأمناء الشعب للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية، مصرين على وحدة سوريا، ومعبرين عن غضبهم إيذاء قضية الجولان المحتل، وكعادة الحزب فقد رسم فكرة الاحتجاجات واعتبرها خطوة أولى نحو الحفاظ على السيادة الوطنية، لكنه فوجئ بالأعداد القليلة المبعثرة.
وتدل الصور التي نشرتها صفحات فروع الحزب من مختلف المحافظات السورية، على فشل الحزب في ضم أكبر عدد من الناس في الاحتجاجات، حيث اقتصرت على الأعضاء الفعليين، ويعود ذلك لانشغال الأهالي في مناطق سيطرة النظام في عملهم وإعالة أسرهم، وبدت طوابير الغاز والمحروقات والخبز في مدينة حلب على سبيل المثال أكثر عددًا من المحتجين ضد اعتراف واشنطن.
كيف ردت المعارضة السورية على اعتراف واشنطن بسيادة “إسرائيل” على الجولان؟
اتخذت المعارضة السورية موقف استنكار لما ادعته واشنطن بخصوص سيادة “إسرائيل” على الجولان السوري المحتل، رافضين السياسة الأمريكية في هذا الاتجاه الذي سيشعل منطقة الشرق الاوسط من جديد، وقال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عبد الرحمن مصطفى خلال مقابلة له مع وكالة الأناضول: “نؤكد دائمًا على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وأن الجولان جزء من سوريا، وأرض محتلة من الاحتلال الإسرائيلي، وهناك قرارات دولية واضحة بهذا الشأن”.
وأضاف “التصريحات الأمريكية هي خرق لتلك القرارات الدولية، والشعب السوري يريد الحفاظ على الأرض السورية، وسنحافظ على سيادة سوريا على أراضيها كافة، وأشار إلى أن الموقف الأمريكي لن يساهم في جلب الأمن والسلام والاستقرار للمنطقة وستستمر الفوضى، والتراجع عن هذا المسار ضروري جدًا، فهو خرق للقوانين الدولية”.
من جانبه المجلس السوري الإسلامي حمّل آل الأسد مسؤولية تسليم الجولان لـ”إسرائيل” خلال حرب 1967، خلال بيان نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك، وجاء في البيان: “نحمل النظام المجرم المسؤولية، فحافظ الأسد هو من سلم الجولان لـ”إسرائيل”دون قتال حين كان وزيرًا للدفاع”.
لطالما حافظ الأسد الأب الرعيل الأول لـ”إسرائيل” على الحدود ومنع السوريين من المطالبة بحقوقهم وحقوق أهلهم في الجولان المحتل، فإن الموضوع منتهي قبل سنوات طويلة، لكنها الآن بدت بشكل رسمي وأوضح، ومن ناحية المعارضة فيجب عليها تحقيق أمن مناطقها ثم السيطرة على المناطق التي خسرتها لتصل إلى الجولان المحتل، فالتغني بالحقوق لا يكفي طالما أن الفعل غير موجود
واعتبر المجلس أن حافظ الأسد المشؤوم كان الحارس الأمين للكيان المحتل، فلم يطلق طلقة واحدة تجاهه، ولم يقم بأي عمل لتحرير الجولان، وأكد أن الولايات المتحدة تضع المنطقة والعالم على حافة الفوضى والحروب، وتشجع الطامعين على الاعتداء بدافع فائض القوة، وعلى الرغم من البيانات التي أصدرتها المعارضة السورية لا تبدو ذات أهمية أمام السياسة الامريكية التي تستغل الشرق الأوسط لإعادة هيكلته من جديد على حساب شعوب المنطقة.
وفي السياق ذاته أصدرت الجبهة الوطنية للتحرير بيانًا تندد فيه بقرار واشنطن باعترافها بسيادة “إسرائيل” على الجولان، وقالت الجبهة في بيانها الثلاثاء: “الاعتراف الأمريكي بتبعية الجولان لـ”إسرائيل” باطل، ويمثل انتهاكًا صارخًا لمواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، كما حمّلت الأسد الأب مسؤولية تسليم الجولان المحتل لـ”إسرائيل” قبل أكثر من عقود.
كثرة بيانات الاستنكار للسياسة الأمريكية وفق قرارها الأخير لا تجدي نفعًا على الإطلاق ولن تغير منها شيئًا، فإنها من الخطط المدروسة بشكل أضخم مما نتوقع، ولطالما حافظ الأسد الأب الرعيل الأول لـ”إسرائيل” على الحدود ومنع السوريين من المطالبة بحقوقهم وحقوق أهلهم في الجولان المحتل، فالموضوع منتهي قبل سنوات طويلة، لكنها الآن بدت بشكل رسمي وأوضح، ومن ناحية المعارضة فيجب عليها تحقيق أمن مناطقها ثم السيطرة على المناطق التي خسرتها لتصل إلى الجولان المحتل، فالتغني بالحقوق لا يكفي طالما أن الفعل غير موجود.