عارضت وحذرت الكثير من الدول من تداعيات اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا في مشهد استعراضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسيادة دولة الاحتلال على مرتفعات الجولان في سوريا التي احتلتها عام 1967، وهو قرار لا يحظى بتأييد دولي، حيث إنه يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الذي يعتبر الجولان أرضًا محتلة بما في ذلك الوضع القانوني لها كأرض محتلة.
وقد رفض ذلك كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمات حقوقية ودولية عديدة إضافة لدول مهمة على الساحة الدولية، وتقريبًا رفضته كل دول المنطقة بما فيها الدول المختلفة التي تعيش العلاقات فيما بينها حالة توتر كبيرة كالسعودية وتركيا ومصر وقطر وغيرها.
فقد رفضت كل دول المنطقة ومؤسساتها الرسمية القرار من عدة اعتبارات، فعلى سبيل المثال اعتبرت تركيا أن القرار مظهر من مظاهر عقلية المواجهة ومناهضة السلام وأن سياسة الاحتلال غير شرعية مهما كان داعمها وأن هذه خطوة أحادية الجانب ستقوض مساعي إحلال السلام في الشرق الأوسط، وستزيد من التوتر في المنطقة، كما عبرت عن استعدادها للقيام بما يلزم مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة ضد قرار ترامب، وكان موقف الأردن وقطر والكويت وموريتانيا موقفًا مشابهًا في بيانات وتصريحات صادرة عنها.
ما تميز به الموقف التركي هو تصدير موقف رافض من الرئيس مباشرة
أما السعودية فقد رفضت الأمر أيضًا، ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية فإن الرياض في بيانها أعربت عن رفضها التام واستنكارها للإعلان الذي أصدرته الإدارة الأمريكية بالاعتراف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان السورية المحتلة، وجاء في البيان “أكدت المملكة العربية السعودية على موقفها الثابت والمبدئي من هضبة الجولان وأنها أرض عربية سورية محتلة وفق القرارات الدولية ذات الصلة”، وأن اعتراف ترامب بالجولان أرضًا إسرائيلية “ستكون له آثار سلبية كبيرة على مسيرة السلام في الشرق الأوسط وأمن واستقرار المنطقة”، كما دعت الأطراف كافة إلى احترام مقررات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
الموقف التركي
ما تميز به الموقف التركي هو تصدير موقف رافض من الرئيس مباشرة، ففي الوقت الذي اكتفت أغلب الدول ببيانات أو تصريحات لناطقين، تحدث الرئيس التركي بنفسه عن رفض قرار ترامب بشرعنة الاحتلال في الجولان، ففي لقاء له بمدينة قونيا وبعد وقت قصير من تغريدة ترامب قال أردوغان “على السيد ترامب أن يراجع التاريخ وسوف نتابع قضية الجولان للنهاية”.
أما الأمر الآخر فقد انتقل أردوغان إلى خطوة عملية من خلال الوعد بنقل الملف إلى الأمم المتحدة، حيث قال أردوغان في مقابلة مع قناة قناة تي جي آر تي: “سنحيل موضوع الجولان للأمم المتحدة ومن غير الممكن أن يصادق مجلس الأمن الدولي على قرار يعترف بسيادة “إسرائيل” على الجولان”، مضيفًا “قرار الأمم المتحدة ينص بشكل قطعي على أنه لا علاقة لـ”إسرائيل” بهضبة الجولان بأي شكل من الأشكال”.
في ذات السياق وجدنا أن عددًا آخر من المسؤولين في الدولة التركية على رأسهم وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالن والمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيلك تناولوا الموضوع بالرفض القاطع في أكثر من مناسبة.
يربط الموقف التركي بين الانتخابات الإسرائيلية والموقف الأمريكي الأخير من الجولان، حيث يعتبر أن القرار هدية لنتنياهو في الانتخابات القادمة في أبريل/نيسان 2019 بسبب وضعه المأزوم بسبب اتهامات الفساد
كما أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا وصفت فيه قرار واشنطن الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان المحتلة بـ”الباطل”، وقالت الخارجية التركية، في بيان، الإثنين: “القرار المذكور باطل بالنسبة لبلادنا التي تولي أهمية لوحدة تراب سوريا وجميع بلدان المنطقة، وبالنسبة للدول الأعضاء التي تتحلى بالمسؤولية في المجتمع الدولي، ندين بشدة ونأسف لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967″، واعتبرت الخارجية التركية أن القرار “يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وعلى الأخص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 “،1981 ولفتت إلى أن الإدارة الأمريكية أظهرت موقفًا جعلها جزءًا من المشكلة وليس الحل في الشرق الأوسط”.
وأشارت إلى أن من مسؤوليات جميع أعضاء المجتمع الدولي مراعاة المبادئ الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، عوضًا عن المحاولات العبثية لشرعنة حملات “إسرائيل” المخالفة للقانون الدولي.
يربط الموقف التركي بين الانتخابات الإسرائيلية والموقف الأمريكي الأخير من الجولان، حيث يعتبر أن القرار هدية لنتنياهو في الانتخابات القادمة في أبريل/نيسان 2019 بسبب وضعه المأزوم بسبب اتهامات الفساد ووجود جبهة قوية ضده في الانتخابات، وقد أكد الرئيس التركي ذلك بقوله “أعتزم عقد لقاء مع ترامب لأؤكد له أنه يرتكب خطأ كبيرًا من خلال تقديم هضبة الجولان إلى نتنياهو كهدية على طبق من ذهب عشية الانتخابات في إسرائيل“، مضيفًا: “للأسف الولايات المتحدة هي من تقود حملة نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية”.
وفي سياق السياسة الداخلية تربط تركيا قرار ترامب بشأن الجولان، بأهميته بالنسبة للسياسة الأمريكية أيضًا، حيث يرغب الرئيس الأمريكي بكسب اللوبي اليهودي المقرب من الديمقراطيين، محاولاً بذلك تقوية قبضته في الكونغرس، والقيام بالتحضيرات اللازمة للحيلولة دون محاكمة محتملة له، وذلك وفقًا لما أشار له برهان الدين ضوران في صحيفة صباح.
السعودية وقطر والإمارات ومصر وتركيا والجزائر وموريتانيا، وحتى حركتي حماس وفتح، كل هذه الأطراف رفضت القرار واعتبرته انتهاكًا صارخًا وقرارًا غير مشروع
لكن الأخطر الذي تراه تركيا ليس فقط السياسات الداخلية بل محاولة تقويض الإطار الدولي لحل القضية الفلسطينية بدءًا بالاعتراف بالقدس عاصمة ومن ثم شرعنة احتلال الجولان.
الدول الأخرى
نجد أمامنا خريطة المنطقة كلها تقريبًا رافضة علنًا لقرار ترامب الذي يكرس احتلال الجولان ويعطيه شرعية لا تقبلها دول المنطقة من اليمن إلى موريتانيا، وليس ذلك فحسب بل إن روسيا والاتحاد الأوروبي رفضت ذلك، كما أن الصين دعت إلى الالتزام بقوانين وقرارات مجلس الأمن.
السعودية وقطر والإمارات ومصر وتركيا والجزائر وموريتانيا، وحتى حماس وفتح، كل هذه الأطراف رفضت القرار واعتبرته انتهاكًا صارخًا وقرارًا غير مشروع، هذه الأطراف كانت في مواجهة بعضها البعض في مواجهة داخلية وخلافات بشأن السياسات والمواقف والتدخلات والربيع العربي والحركات الإسلامية وجريمة خاشقجي والتلاسنات المتبادلة ووصل الأمر إلى أن أولوية الخلاف صعدت إلى درجات غير مسبوقة بل وارتكبت بعض الدول أخطاءً إستراتيجية وصلت إلى حد القبول بالتحالف مع “إسرائيل” لتحقيق مصالح محتملة.
لن يعيد قرار ترامب حالة المنطقة إلى عام 1967 حين احتلت “إسرائيل” الجولان وكانت الدول العربية رافضة للتطبيع والتفاوض والصلح مع الاحتلال، لكن هذا القرار يمكن أن يكون إشارة لكل دول المنطقة للعقلية التي تتعامل بها واشنطن في تجاوز القانون الدولي لصالح “إسرائيل”
السؤال الرئيسي هنا: هل يمكن لقرار ترامب بشرعنة الاحتلال الاسرائيلي للجولان أن يحرك شيئًا ما في المنطقة؟ لقد حرك قراره بالانسحاب من شمال سوريا الذي لم يتم حتى الآن حالة أخرى من الحركة ورأينا حالة اهتمام عربي وخليجي خوفًا من أي دور محتمل لتركيا شمال سوريا رغم تأكيد تركيا على وحدة وسلامة أراضي سوريا، وقد قال وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إن بلاده ترفض إقامة تركيا لمنطقة عازلة شرقي سوريا، مطالبًا بحماية الكرد السوريين، وفيما كان هناك بيان لمجلس التعاون وبيانات منفصلة لكل من السعودية وقطر والكويت لم نجد بيانًا للإمارات بشأن رفض قرار ترامب.
بالتأكيد لن يعيد قرار ترامب حالة المنطقة إلى عام 1967 حين احتلت “إسرائيل” الجولان وكانت الدول العربية رافضة للتطبيع والتفاوض والصلح مع الاحتلال، لكن هذا القرار يمكن أن يكون إشارة لكل دول المنطقة للعقلية التي تتعامل بها واشنطن في تجاوز القانون الدولي لصالح “إسرائيل” في قضية واضحة وضوح الشمس وفي مخالفة للإجماع الدولي كله، هذا قد ينطبق يومًا على هذه الدول عليها وليس لها بمجرد انتهاء المصلحة معها أو بروز مصلحة أخرى أكبر منها وخاصة أن عددًا من هذه الدول تعتمد اعتمادًا كاملاً على الإدارة الأمريكية لحمايتها، في حين أن العامل الثابت الذي يستحق الدعم من وجهة نظر الإدارة الأمريكية هو “إسرائيل”، ولكن معظم الدول لا تريد أن تدرك هذا أو تتعامل على أساسه.
يختار نتنياهو الجدول الزمني لخطواته من لقاءاته بالقادة الخليجيين في وارسو أو زيارته لعمان ثم قرار ترامب بشرعنة الوجود الصهيوني في الجولان لمصالح وتقديرات متعددة منها مصالح تتعلق بفوزه بالانتخابات ومنها ما يتعلق بتوقع ردة الفعل القادمة
لعل من الأفضل ألا نعود إلى الوراء كثيرًا، ففي 6 من ديسمبر/كانون أول 2017، أعلن ترامب القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لـ”إسرائيل” التي تحتل المدينة الفلسطينية منذ 1967، في وضع لا يعترف به كذلك المجتمع الدولي، وقد رفضت كل هذه الدول أيضًا القرار، بعضها بشكل واضح كتركيا وبعضها على استحياء ودون موقف صارم، ولكن هذا الرفض المشترك لقرار القدس لم يكن عاملاً لإيجاد تحرك مشترك لهذه الدول مع بعضها البعض لإيجاد شيء عملي ضد دولة الاحتلال، بل وربما وهو المشهد الأكثر سوداية وربما واقعية أن بعض هذه الدول لا مشكلة لديها في الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
يختار نتنياهو الجدول الزمني لخطواته من لقاءاته بالقادة الخليجيين في وارسو أو زيارته لعمان ثم قرار ترامب بشرعنة الوجود الصهيوني في الجولان لمصالح وتقديرات متعددة منها مصالح تتعلق بفوزه بالانتخابات ومنها ما يتعلق بتوقع ردة الفعل القادمة، فبالتأكيد بني التصور الإسرائيلي على ردة باهتة وربما على تفاهمات سرية وفيما يبقى صوت تركيا مزعجًا لهذه التطورات التي تستفيد منها “إسرائيل”، فإن تركيا لا تستطيع أن تقدم شيئًا وحدها ما لم تكن هناك حركة مبنية على شعور مشترك بالتهديد من دول المنطقة كافة.