ضمن قرار جديد وإجراءات أكثر تشديدًا على الأشخاص المرتبطين بالأذرع الولائية الإيرانية، لا سيما “حزب الله” اللبناني، فرضت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري قرارًا خاصًّا، يتضمن شرط الإبلاغ الأمني عن عقود إيجار العقارات.
ونصَّ القرار الذي حمل الرقم 2110، على إلزامية تسجيل العقود، حيث يجبر المؤجرين تسجيل عقود الإيجار المتعلقة بالعقارات المخصصة للسكن أو العمل التجاري أو الصناعي أو الفكري لدى الوحدات الإدارية المختصة أو مراكز خدمة المواطن، إضافة إلى إلزام المؤجرين بإبلاغ الوحدة الشرطية المختصة في المنطقة التي يقع فيها العقار المؤجر، مع إرسال نسختَين من عقد الإيجار الموثق لديهما، على أن تتحقق مخابرات النظام والشرطة من شغل العقارات والتعامل مع الشواغل.
وممّا جاء في القرار أيضًا، فرض ملء استمارة إعلام عن العقود، وفق نموذج خاص معتمد من وزارة الداخلية، تتضمن تفاصيل شاغلي العقار، بما في ذلك إثباتات الهوية الشخصية، وتتركز التعديلات على الإخطار الأمني بهوية المستأجر، على أن تتكفل الجهات الأمنية المختصة بالتأكد من صحّة البيانات المرسلة، وتقوم بزيارة العقار للتحقق من شغله بصورة قانونية، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال وجود مخالفات.
ويشير القرار إلى أنه في حال تبيّن وجود استخدام للعقار بشكل غير قانوني أو يعرّض الأمن العامّ للخطر، يتم اتخاذ إجراءات فورية، بما فيها الإخلاء القسري خلال مدة أقصاها 30 يومًا.
باب جديد للابتزاز
في عام 2015 أصدر النظام القانون رقم 20، والذي تطرّق لمسألة إيجار بعض أنواع العقارات في سوريا، منظمًا بعض المسائل التي تحكم هذا النوع من العقود، إلا أن شرط الحصول على الموافقات الأمنية المطلوبة لتنظيم عقود الإيجار كان أبرز المشاكل التي عانى منها المدنيون.
حسب تقرير أصدرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، فإن الموافقة الأمنية لم تكن إجراءً روتينيًا، بل كانت شرطًا معطّلًا لإنجاز العقد، وبالتالي كانت تعطّل بنود القانون وإمكانية تسجيل عقود الإيجار التي تتم بناء على إرادة المتعاقدين.
وبالتالي، فإن كل عقد إيجار ينظَّم لدى الجهة الإدارية يتم تحويله إلى الجهات الأمنية المختصة لإعطاء الموافقة عليه أو رفضه، وغالبًا ما ترفض الجهة الأمنية طلب الموافقة على عقد الإيجار إذا كان أحد الطرفين -سواء مؤجر أو مستأجر- مطلوبًا أمنيًا أو قضائيًا أو مطلوبًا للخدمة الإلزامية في الجيش.
ويبدو أن القرار الجديد يحمل في طياته الكثير من التضييقات التي تخنق السوريين، باعتبار أنه سيمنح الأجهزة الأمنية (الشرطة) صلاحيات واسعة قضائية، ويطلق أيديها مثل التوقيف ومراقبة العقارات المؤجرة عبر المخبرين، وإخلاء المنزل دون الحاجة إلى العودة للقضاء، وهو ما يفتح الباب على عمليات ابتزاز واسعة ستكون نتائجها كارثية على المؤجرين وأصحاب العقارات.
في حديثه لـ”نون بوست”، يشير الباحث في مركز حرمون للدراسات، يمان زباد، إلى أنه منذ إقرار القانون رقم 20 لعام 2015، يلاحَظ أن النظام كان يحاول أن يجعل من قانون الإيجارات أداة لتقديم ميزات لموظفيه وعناصر أجهزته الأمنية، على حساب باقي فئات المجتمع المضطرين لدفع الأموال اتّقاء شرّ تلك الأجهزة من جهة، وتأكيدًا لسلطة النظام الأمنية وتحكمها بمفاصل الحياة الاجتماعية من جهة أخرى.
ضبط وجود أذرع إيران
القرار الجديد لا سيما البند المتعلق بمنح الوحدات الشرطية صلاحية إخلاء العقارات السكنية في حال شغلها شخص ملاحق جزائيًا، أو شكّل خطورة على الأمن والنظام العام، يوجّه الأنظار إلى محاولات ضبط تأجير العقارات للإيرانيين والمرتبطين بهم من الميليشيات العراقية و”حزب الله” اللبناني، ومراقبة تحركاتهم وأماكن تمركزهم، خاصة بعد التذمر المحلي وإطلاق دعوات شعبية لعدم تأجيرهم خشية الاستهدافات الإسرائيلية التي تطالهم، وهو ما تسبّب في تدمير أو إحداث أضرار كبيرة في عقارات السوريين المستأجرة أو المباني المجاورة، وبالتالي إيقاع ضحايا مدنيين سوريين.
وخلال الأسابيع الماضية، شنّت “إسرائيل” غارات جوية استهدفت مناطق تُعتبر راقية في سوريا، كان أبرزها حي المزة وكفرسوسة في دمشق وضاحية قدسيا، راح ضحيتها عدد من المدنيين إلى جانب قياديين في “حزب الله” وفصائل فلسطينية.
وكان أكبر استهداف شنّه سلاح الجو الإسرائيلي على الأراضي السورية منذ عام 2011، في تدمر بريف حمص، حيث قتل ما لا يقلّ عن 100 مسلح موالٍ لإيران ممّن يحملون الجنسية السورية والعراقية واللبنانية.
ويرى الباحث في مركز حرمون أن “توقيت قرار وزارة داخلية يأتي بالتزامن مع قدوم اللبنانيين والسوريين، وارتفاع وتيرة الاغتيالات الاسرائيلية للعناصر الايرانية أو اللبنانية أو الفلسطينية عبر قصفها مواقع سكنهم المدروس”.
وأضاف أن النظام يحاول معرفة أماكن وجود السوريين العائدين، إما لملاحقتهم أمنيًا في وقت لاحق وإما ابتزازهم، بالإضافة إلى تتبُّع اللبنانيين القادمين لمعرفة أماكن تواجدهم، وأيضًا الإيرانيين والعراقيين الموجودين في سوريا تحسُّبًا لأي تنازل يقدّمه ضمن المبادرة العربية المطروحة عليه لتقليص دور إيران في سوريا.
لكن زباد اعتبر أن العناصر الإيرانية واللبنانية باتت تلجأ إلى السكن في منازل تسجّل الإيجارات فيها بأسماء سوريين، وذلك خوفًا من استهدافهم إما محليًا وإما عبر القصف الإسرائيلي.
من جانبه، يرى الباحث السياسي نادر الخليل أن القرار موجّه بالفعل ضد المستأجرين الإيرانيين، أو الذين لهم علاقة بـ”حزب الله”، ولا يمكن فهمه إلا في سياق ما يعتقد أنه محاولة الظهور من جانب النظام لأخذ مسافة عن إيران، في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الراهن.
واعتبر الخليل في حديث لـ”نون بوست”، أن هدف النظام هو الحدّ من الاستهدافات الإسرائيلية لأحياء سكنية بذريعة وجود كوادر من “حزب الله” أو من الحرس الثوري الإيراني، ومحاولة النظام أن يوحي بأن لديه رغبة في تقليص الوجود الإيراني وذاك المرتبط بـ”حزب الله” في المناطق الخاضعة لسيطرته.
أهمية القرار الجديد
منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، تجاوز عدد الوافدين من لبنان إلى سوريا الـ 479 ألفًا بين لبناني وسوري، وصلوا من المعابر الحدودية في ريف دمشق وحمص وطرطوس.
هذه الأعداد أدّت إلى زيادة الطلب على العقارات وارتفاع أسعار الإيجارات مقارنة بالعام الماضي، لما “تزيد نسبته على 300% نتيجة التضخم”، لا سيما في الأحياء الراقية، حسب تقرير لموقع “الشرق الأوسط”، مضيفًا أنه بعد الضربات الإسرائيلية تراجع العرض بسبب خشية المدنيين على أرواحهم وممتلكاتهم.
لا بدَّ من الإشارة إلى أنه وهربًا من شرط الموافقة الأمنية، كان عناصر من ميليشيات محلية تابعة لإيران أو عناصر أمن، يمارسون ضغوطًا كبيرة على أصحاب العقارات لتأجيرها للإيرانيين أو لعناصر من “حزب الله” والميليشيات العراقية، متجاهلين موافقة أجهزة النظام، إضافة إلى التحايُل بتسجيل حالات استئجار لإيرانيين عبر وسطاء سوريين يسجّلون العقود بأسمائهم، ليشغلها فعليًا إيرانيون، أو عناصر من جنسيات أخرى، وعند كشف التحايُل يصعب فضّ العقد وإخلاء المنزل.
وحسب ما وثّق “المرصد السوري”، فإن إيران وأذرعها أقدمت على شراء عشرات الشقق السكنية من السوريين، كما وثّق المرصد مقتل 14 مدنيًا بينهم إعلامية وطبيبة وعائلة يمنية، بـ 3 ضربات إسرائيلية استهدفت مباني سكنية في أقل من 10 أيام، كان الهدف الرئيسي منها قيادات تابعة لإيران و”حزب الل”ه.
فيما يشير تقرير سابق نشره “نون بوست”، إلى أن قيادات الميليشيات الموالية لإيران تلجأ إلى تغيير أماكن سكنها والسكن بين المدنيين، بعد سلسلة من الاختراقات الأمنية التي كشفت من خلالها “إسرائيل” أماكن سكنها، إضافة إلى عدم ثقة المستشارين الإيرانيين وقيادات الميليشيات التابعة لها بالنظام السوري، الذي يقوم بتسريب هذه المعلومات وإعطاء الإحداثيات للجانب الإسرائيلي.
ويرى الخليل أن النظام يحاول الإيحاء بأن للقرار أهمية كبيرة لعدة أسباب، الأول هو رغبة النظام بإرسال رسائل يظهر من خلالها أن لديه رغبة في تعزيز الأمن الداخلي، ومنع أي تهديدات محتملة قد تنجم عن وجود عناصر غير مرغوب فيها.
أما السبب الثاني يعود إلى إظهار أن القرار جزء من جهود النظام ومحاولاته لإظهار قوته وسيطرته على الأوضاع الداخلية، خاصة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية، يضاف إلى ذلك محاولات إظهار توجُّه النظام نحو تعزيز التعاون مع حلفائه الإقليميين والدوليين، من خلال اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة التهديدات الأمنية.
كما يمكن أن يكون القرار كجزء من محاولات النظام إرسال رسائل إلى المجتمع الدولي، بأنه ملتزم بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.
ختامًا، تبقى الأنظار متوجّهة إلى الميليشيات الموالية لإيران، فيما إذا كانت تلك الضغوط في المنطقة ستؤثر بالفعل على وجودها في الأراضي السورية أم أنها ستكون مؤقتة، إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الوجود العسكري والاقتصادي والديني الإيراني، والذي بُني أصلًا على الاستدامة خاصةً في تلك المدن والمناطق التي جرفَ سكانها الأصليين وغدَت مستعمرات لتلك الميليشيات المتشعّبة في المجتمع السوري.