في ظل التصعيد العسكري والسياسي في السودان، واتهامات الحكومة السودانية للإمارات بدعم ميليشيا الدعم السريع، قام وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، شخبوط بن نهيان آل نهيان، بجولة إلى دول جوار السودان شملت جنوب السودان، تشاد، إفريقيا الوسطى وأوغندا.
تأتي هذه الزيارة في وقت حسّاس، حيث يواجه السودان أزمة إنسانية وعسكرية عميقة، بينما تواجه الإمارات ضغوطًا دولية، لا سيما من الكونغرس الأمريكي الذي يدرس فرض عقوبات تتعلق بدورها المزعوم في الصراع السوداني.
ورغم تأكيد الخارجية الإماراتية أن الزيارة جاءت لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع دول الجوار السوداني، يرى مراقبون أن توقيتها يحمل إشارات إلى احتمالية وجود أهداف غير معلنة، قد تشمل ترتيبات لتصعيد عسكري أو إعادة تموضع في ظل تعقيدات الصراع السوداني.
وتتهم الحكومة السودانية الإمارات بتقديم دعم عسكري ولوجستي لميليشيا الدعم السريع، التي تسعى للسيطرة على مناطق استراتيجية في البلاد، أبرزها مدينة الفاشر أهم حواضر إقليم دارفور. وتشير تقارير ميدانية إلى العثور على أسلحة ومركبات ذات علامات إماراتية بحوزة هذه القوات.
وبحسب تقرير لصحيفة “سودان تربيون“، هددت الإمارات بوقف دعمها إذا لم تتمكن قوات الدعم السريع من تحقيق اختراق ميداني في الفاشر، الخاضعة لسيطرة الجيش والتي تخضع لحصار منذ مايو/ أيار الماضي، فيما تسعى الميليشيا شبه العسكرية إلى تعزيز إمكانياتها من خلال مقايضة الذهب بالأسلحة، مستغلة نشاطًا متجددًا في منجم سينقو بجنوب دارفور.
في هذا السياق، تلعب تشاد دورًا لوجستيًا مهمًّا، إذ يعتقد أنها تستخدم كمعبر لنقل الإمدادات إلى قوات الدعم السريع، وهو ما دفع بالحكومة السودانية لتقديم شكوى للاتحاد الإفريقي ضد تشاد، متهمة إياها بدعم هذه القوات، وهو ما تنفيه نجامينا بشدة.
نزاع الموانئ
ويرى محلّلون أن التحركات الإماراتية في السودان والمنطقة تهدف إلى تحقيق مصالح استراتيجية طويلة الأمد تتضمن الموانئ والذهب.
ومؤخرًا، ألغت الحكومة السودانية اتفاقية مع الإمارات كانت تمنحها حق إنشاء وإدارة ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، بعد تصاعُد التوترات بين الخرطوم وأبوظبي، على خلفية اتهامات السودان للإمارات بدعم الميليشيا. وصرّح وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، أن السودان “لن يمنحها سنتيمترًا واحدًا من أرضه”، مشيرًا إلى أن المشروع كان قائمًا على مذكرة تفاهم غير ملزمة.
الاتفاق، الذي تم توقيعه في أغسطس/ آب 2022، شمل تطوير ميناء جديد باستثمارات قُدّرت بـ 6 مليارات دولار، إضافة إلى إنشاء منطقة اقتصادية وصناعية وسياحية.
وفي سياق متصل، تواجه الميليشيا اتهامات متزايدة بتهريب الذهب على نطاق واسع من السودان، حيث تعتبر الإمارات واحدة من الوجهات الرئيسية لهذا الذهب. ووفقًا لتقارير غربية، أصبح الذهب السوداني مصدرًا رئيسيًا لتمويل روسيا في حربها على أوكرانيا، وذلك عبر سلسلة من العمليات التي تشمل تهريب كمّيات ضخمة منه إلى الأسواق الإماراتية، ومن ثم تصديرها إلى وجهات أخرى.
تحقيقات صحفية كشفت عن طرق معقدة تستخدمها المليشيات لتهريب الذهب، بدءًا من مناجم دارفور وصولًا إلى مطارات سرّية، وسط تورُّط شبكات دولية تتعاون في إخفاء مصادر هذا الذهب.
ويعتقد المحلل السياسي محمد عبد الرحمن، أن الإمارات تنظر إلى السودان كأولوية استراتيجية لأسباب اقتصادية وأمنية، من ضمنها الموانئ المطلة على البحر الأحمر ومعدن الذهب.
ويقول عبد الرحمن لـ”نون بوست” إن قوات الدعم السريع تمثل أداة لتأمين الوصول إلى الموارد السودانية، خصوصًا الذهب والموانئ الحيوية، مضيفًا أن تحذير الإمارات لميليشيا الدعم السريع يعكس رغبتها في تقليل التكاليف السياسية والعسكرية لدعم هذه القوات، مع الاحتفاظ بنفوذها في النزاع.
في المقابل، يرى الخبير في العلاقات الدولية أحمد الطيب، أن الإمارات ليست معنية بتصعيد الأزمة، بل تسعى إلى احتواء تداعياتها من خلال إعادة التموضع دبلوماسيًا واقتصاديًا.
ويشير الطيب في حديثه مع “نون بوست” إلى أن الجولة الأخيرة للمسؤول الإماراتي قد تكون محاولة للتواصل مع أطراف النزاع بطريقة غير مباشرة، والبحث عن حلول توازن بين مصالح الإمارات واستقرار المنطقة.
أهداف اقتصادية أم سياسية؟
رغم أن زيارة شخبوط بن نهيان آل نهيان إلى دول جوار السودان ركّزت ظاهريًا على التعاون الاقتصادي، إلا أنها تحمل تداعيات مباشرة وغير مباشرة على النزاع السوداني.
وتتمتع دول الجوار بموارد اقتصادية مهمة ومواقع استراتيجية. من جنوب السودان الذي يملك احتياطات نفطية كبيرة، إلى تشاد وإفريقيا الوسطى التي تعتبر بوابة للنفوذ في وسط إفريقيا، وتسعى الإمارات لتعزيز حضورها الإقليمي، سواء عبر استثمارات اقتصادية أو تحركات سياسية تهدف إلى تحقيق الاستقرار بما يخدم مصالحها.
لكنّ مراقبين يرون أن تركيز الزيارة على الأبعاد الاقتصادية لا ينفي احتمال وجود أهداف سياسية وأمنية، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى محاولات لتأمين خطوط إمداد جديدة لميليشيا الدعم السريع عبر هذه الدول.
ورغم أن الهدف من الزيارة لم يتضح بشكل كامل حتى الآن سواء إن كان تهدئة الأوضاع أم ترتيب أوراق جديدة في النزاع السوداني، إلا أن جولة شخبوط بن نهيان قد ترسم مشهدا مغايرا في الملف السوداني.
وفي ظل استمرار التوترات بين الخرطوم وأبو ظبي، ستحدد التطورات القادمة مستقبل الدور الإماراتي في الأزمة السودانية.
كما أن نجاح الجولة في تحسين العلاقات مع دول الجوار أو تقليل الانتقادات الدولية، سيظهر قدرة الإمارات على التفاعل بفعالية مع هذا الملف الشائك، بينما قد يؤدي تعميق الشكوك حول نواياها إلى تصعيد جديد يزيد من تعقيد النزاع.
وفي حال استمرار الاتهامات الموجهة للإمارات بدعم قوات الدعم السريع، قد تتفاقم الشكوك الإقليمية حول نواياها، ما يؤدي إلى مزيد من العزلة الدبلوماسية وزيادة الضغوط الدولية عليها، لا سيما أن زيارة شخبوط تتزامن مع تصعيد عسكري كبير في السودان، حيث شملت التطورات الأخيرة استخدام الطائرات المسيّرة لشنّ هجمات على المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية. كما سُجّل مقتل مرتزقة من جنسيات أوروبية ولاتينية في المعارك، وسط اتهامات متواصلة للإمارات بتجنيد مرتزقة وإرسالهم للقتال إلى جانب الميليشيا.
من جهة أخرى، إذا تمكنت الإمارات من إظهار نفسها كطرف محايد يسعى إلى تعزيز الاستقرار، فقد تساعد هذه الجولة في تهدئة الأوضاع وفتح قنوات للحوار بين الأطراف المتصارعة.
وفي دارفور التي يحاول الدعم السريع إخضاع حاضرتها الفاشر لتكوين حكومة على غرار ما جرى في ليبيا، لا يزال الوضع متوترًا، حيث تشهد الفاشر معارك مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع خسائر فادحة لكلا الطرفَين.
وتثير هذه التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت الإمارات ستعيد النظر في دعمها لميليشيا الدعم السريع، خاصة مع تقارير تشير إلى تقليصها للإنفاق العسكري على هذه القوات.