ترجمة حفصة جودة
يوم الثلاثاء في البرلمان البريطاني طرحت إيميلي ثورنبيري وزيرة خارجية الظل من حزب العمال سؤالاً عاجلاً عن المزاعم التي تقول إن القوات البريطانية تحارب سرًا في اليمن وتدعم قوات التحالف بقيادة السعودية.
فقد ورد في تقرير بصحيفة “دايلي ميل” أن 5 جنود من القوات الخاصة البريطانية من خدمة القوارب الخاصة “SBS” أصيبوا في أثناء تقديمهم المشورة للسعودية بشأن حملتها القاتلة في اليمن، كان الجنود قد أصيبوا في قتال بالأسلحة النارية كجزء من حملة سرية، وتقول تقارير أخرى إن بعض الجنود البريطانيين قتلوا في معارك مماثلة.
تقول التقارير إن جنود من القوات الجوية الخاصة “SAS” شاركوا سرًا في الحرب وكانوا يرتدون ملابس عربية، وردًا على تساؤلات حزب العمال قال مارك فيلد وزير الدولة في وزارة الخارجية إنه سيسعى للوصول إلى أصل هذه المزاعم الخطيرة التي تدعمها مصادر جيدة.
وجود القوات البريطانية سرًا في اليمن لتشارك في حرب جلبت الموت والمجاعة والدمار لملايين المدنيين الأبرياء، يثير تساؤلاً: لماذا تدعم السياسة الخارجية البريطانية الديكتاتوريات في الشرق الأوسط وانتهاكات حقوق الإنسان وتضع أولويتها قوة بريطانيا؟
من السهل أن نقول ببساطة إن السبب الجغرافيا السياسية والنفط والمصالح التجارية، لكن هناك تفسير أعمق: بريطانيا – البعيدة عن الديموقراطية الحقيقية – في الواقع عبارة عن حكم أقلية تعزز من مصالح نخبتها المحلية الثرية، وفكرة أن ويستمنستر هي “أم البرلمانات” وأنها تمثل النموذج الديموقراطي في العالم مجرد خرافة.
تملك المملكة المتحدة نظامًا قضائيًا مستقلاً ولديها انتخابات كل خمس سنوات، وحرية تعبير وإقامة جمعيات وقانون قوي يحمي قيم المساواة بين جميع المواطنين ويحمي الحريات المدنية، لكن القوة الحقيقية تقع في قبضة نخبة قليلة تتحكم في مؤسسات صناعة السياسات والأفكار السائدة في المجتمع.
أي شخص يطالب الحكومة بحرية تقديم المعلومات سيتم رفض طلبه بشكل روتيني بحجة “حماية الأمن القومي”
إن صناعة السياسة الخارجية البريطانية مركزية للغاية حتى إنها تشبه النظم الاستبدادية، فرئيس الوزراء يستطيع إرسال قوات للحرب دون مناقشة البرلمان، وبالفعل تحارب بريطانيا الآن في عدة حروب سرية دون إذن البرلمان أو مناقشته، فبعيدًا عن اليمن، هناك قوات خاصة تشارك على الأرض في سوريا رغم أن البرلمان وافق فقط على القيام بضربات جوية ضد داعش، هذه الحرب البريطانية السرية في سوريا بدأت منذ 2011 دون أي نقاش مع النواب المنتخبين.
في عام 1976 وصف اللورد هيلشام المملكة المتحدة بأنها “ديكتاتورية اختيارية” لأن الحكومة تسيطر بسهولة على البرلمان الذي يواجه عدة قيود في سلطاته، لكن ذلك كان قبل أن تقوم رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر باتخاذ القرارات بشكل مركزي، حيث قامت بانتظام بتجاوز مجلس الوزراء واعتمدت على مجموعة صغيرة من المستشارين، وهي الإستراتيجية التي انتهجها توني بلير مما أدى إلى غزو العراق الكارثي.
وبينما تقول الحكومة إنها ستبحث في دور بريطانيا العسكري في اليمن، فإن الإجابة المعتادة للأسئلة البرلمانية التي تتعلق بالعمل السري البريطاني تكون: “لأسباب تتعلق بالأمن القومي” هذه هي السياسية التي تلتزم بها الحكومات البريطانية المتعاقبة وهو عدم التعليق على أي عمليات استخباراتية حساسة.
حتى في المعلومات الثانوية تقوم الحكومة بحجبها بوصفها “حساسة”، فعندما سأل النائب أليكس سوبيل الحكومة الشهر الماضي عن كمية الأموال التي تدفعها أمريكا لبريطانيا مقابل شرطة وزارة الدفاع في قاعدة تجسس مينويث هيل في يوركشاير، رفض وزير الحكومة الرد.
وعند طرح أي أسئلة برلمانية عن السياسة الخارجية العلنية يكون الرد الوزاري مبسطًا وغالبًا يكون مضللاً وخادعًا، وأي شخص يطالب الحكومة بحرية تقديم المعلومات سيتم رفض طلبه بشكل روتيني بحجة “حماية الأمن القومي”.
انعدام المساءلة
لم يحاسب توني بلير أو ديفيد كاميرون على أي من كوارثهما في العراق وليبيا، فالنظام السياسي البريطاني متطرف للغاية ولم يحدث أن حاسبوا أي وزير على جرائم خارجية رغم الحروب الكثيرة والعمليات السرية والانقلابات والمشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان، ففي اليمن تورط المملكة المتحدة في دعم القوات العسكرية السعودية لمدة 4 سنوات يعد جريمة حرب، لكن وزراء بريطانيا يتصرفون دون الخوف من أي عقاب.
رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير يتحدث في لندن
من المفترض أن تدقق اللجان البرلمانية التي تشارك فيها كل الأحزاب في سياسات الحكومة، لكنهم نادرًا ما يحاسبون الحكومة، فهم دائمًا ما يكونوا محاطين بداعمي الحكومة الذين يفشلون في التحقيق في السياسات الرئيسية أو استجواب الوزراء.
تضخيم وسائل الإعلام السائدة
عادة لا تغطي وسائل الإعلام السائدة في بريطانيا جميع السياسات الخارجية البريطانية، هناك فقط العديد من المقالات التي تتحدث عن دعم المملكة المتحدة الواسع لـ”إسرائيل” أو لنظام السيسي في مصر.
حتى الحرب في اليمن قليلاً ما يتم تغطيتها، وهناك انتقادات لصادرات السلاح في المملكة المتحدة لكنها لم تذكر القوات الجوية التي تحافظ على طائرات السعودية وتخزن وتطلق القنابل من أجلهم، كانت صحيفة “دايلي ميل” قد أصدرت تقريرًا يغطي العمل السري البريطاني في اليمن، مما يعتبر كشفًا جزئيًا لأن مثل هذه التغطية نادرة للغاية.
ورغم أن المقالات السائدة تتحدث عن بعض جوانب السياسات الخارجية فعادة ما تقوم تلك المقالات بتضخيم سياسات الدولة ونشر معلومات مضللة، فالإعلام ينشر معلومات مضللة مثل أن سياسات المملكة المتحدة في الشرق الأوسط تقوم على دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
كان انقلاب الأنجلو الأمريكي في إيران عام 1953 يتعلق بالحفاظ على مصالح شركات النفط ومن بينها شركة النفط الأنجلوإيرانية التي تسمى الآن “بريتيش بتروليوم”، وبعد 50 عامًا من ذلك كان غزو العراق عام 2003 بشأن النفط وكذلك الحرب الليبية عام 2011.
يبدو أن دعم المملكة المتحدة لنظام السيسي يتعلق بشكل أساسي بمصالح النفط والغاز في مصر، أما علاقتها الخاصة مع السعودية فتسعى لتعزيز شركة ” BAE Systems” وغيرها من شركات الأسلحة الكبرى.
بشكل ما تشبه بريطانيا النوادي الخاصة أكثر من كونها دولة
إن علاقة الباب الدوار بين الحكومة والشركات تلعب دورًا رئيسيًا في ضمان توافق مصالح النخبة، فعلى سبيل المثال ذهب ديفيد أوماند مدير مكتب الاتصالات الحكومية البريطانية “GCHQ” السابق للعمل لدى شركة الأسلحة “Babcock”، أما الجنرال ديفيد ريتشارد رئيس أركان سابق في الجيش فقد تم تعيينه في منصب رئيس المجلس الاستشاري لشركة الأسلحة الأمريكية “DynCorp”، أما جون سواريز مدير جهاز الاستخبارات البريطانية “MI6” السابق فقط أصبح مديرًا غير تنفيذي لشركة “BP”.
نادٍ أكثر منه دولة
بشكل ما تشبه بريطانيا النوادي الخاصة أكثر من كونها دولة، يقول المؤلف آدم رامزي إن 5 جامعات بريطانية فقط تخرج منها رؤساء وزارة، وأكثر من الضعف ذهبوا إلى كلية “إيتون” (كلية داخلية) كمدرسة غير مدفوعة الأجر.
من اللافت للنظر أن القليل من المخبرين يكشفون عن أسرار السياسة الخارجية البريطانية، وذلك لأن المسموح لهم بالوصول إلى النخبة عادة ما يكونون من نفس الدائرة ويمكن الاعتماد عليهم ليكونوا أحد الأذرع المساعدة للأبد.
يتم نشر قمة النظام الممتاز في المملكة المتحدة – وهم أفراد العائلة المالكة – من خلال مكتب الخارجية ووزارة الدفاع لدعم سياسات المملكة المتحدة ومصالحها العسكرية في الخارج، تساعد الزيارات الملكية في بناء العلاقات مع الأنظمة الرئيسية وبيع المزيد من الأسلحة للشرق الأوسط، يقوم هذا النظام برعاية مجلس اللوردات وهو مجلس من العصور الوسطى تم تعيينه بالكامل من الحكومة.
هناك القليل من العلامات التي تدل على أن حكم الأقلية في بريطانيا قد يتغير، فالحكومة الدائمة في وايت هول راسخة بعمق، والمحارب الرئيسي لسياسات المملكة المتحدة التقليدية في الخارج جيرمي كوربين، تمت مهاجمته وتقويضه من جميع الجوانب، لكنه حتى لم يكن واضحًا أن كوربين ينوي تحدي حكم الأقلية البريطانية.
هناك حاجة حقيقية للتحول عن المركزية والحكومة التي لا يمكن محاسبتها إلى نظام أكثر مشاركة يمكن فيه للمواطنين أن يكونوا ذوي سلطة وعلى علم بما يحدث، فهذا من شأنه أن يغير السياسات الداخلية والخارجية، ولن تعود فائده فقط على البريطانيين بل الشرق الأوسط الذي يتلقى في النهاية سياسات بريطانيا.
المصدر: ميدل إيست آي