تحتضن العاصمة التونسية هذه الأيام الأشغال التحضيرية للقمة العربية المرتقبة، قمة عربية تأتي في سياق إقليمي متحرك يتسم بالانقسام، فلم نعد نتحدث عن كتلة عربية واحدة بل على جبهات وتحالفات يسعى كل طرف فيها إلى تزعم المنطقة وإقصاء الثاني، فهل تكشف قمة تونس هذا الانقسام أم أنها ستخفيه؟
مظاهر الانقسام
يظهر الانقسام العربي في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، أبرزها القضية الفلسطينية وفق قول الصحفية التونسية شذى الحاج مبارك، وتقول شذى في تصريح لنون بوست: “الانقسام واضح ومكشوف للعيان، خاصة بشأن القضية الفلسطينية، فهناك من يهرول للتطبيع ويخدم مصالح كيان الاحتلال ومن يرفضه وما يجري في الخفاء ليس كما يظهر في العلن”.
تضيف الصحفية التونسية “يظهر الانقسام أيضًا في خصوص الشأن السوري الذي سيكون ولا شك من أبرز الملفات المطروحة في أشغال القمة المرتقبة، وهذا الانقسام بين من يدعم النظام السوري بقيادة بشار الأسد ومن يدعم فصائل المقاومة وينادي برحيل الأسد عاجلاً من السلطة”.
تتابع “عودة سوريا إلى الجامعة العربية هي محل خلاف كذلك ففي ظل الأزمة السورية من سيمثل سوريا، هناك دول تدعم عودة نظام بشار إلى مقاعد الجامعة وقد بادرت إلى إعادة فتح سفاراتها بدمشق وطبعت العلاقات الدبلوماسية مع نظامه، وهناك دول ترفض قطعًا عودة بشار تحت أي مسمى”.
تحرص تونس على إيجاد أرضية للتوافق بين مختلف الفرقاء في القمة العربية المرتقبة، حتى تضمن نحاج القمة
“في اليمن يتجلى انقسام الدول العربية بين من يدعم تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات ومن يدعم الحوثيين هناك”، وفق شذى، وتتابع، “تنقسم الدول العربية أيضًا في الشأن الليبي طبقًا للانقسام الحاصل داخل الدولة إلى شقين شق يدعم حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج المعترف بها دوليا وشق يدعم جيش حفتر”.
وتقول شذى الحاج مبارك: “الملف المصري بدوره محل انقسام بين الدول العربية حيث تمضي بعض الدول في مساندة نظام السيسي ولو كلفها ذلك التغاضي عما يرتكبه من انتهاكات، بينما تقف دول أخرى على مسافة من نظام العسكر الذي حكم مصر بعيد الإطاحة بنظام منتخب”.
يتواصل غياب سوريا عن الجامعة العربية
ترى الحاج مبارك أن “الانقسام الموجود اليوم بين الدول العربية بسبب انتفاضات 2011 وضعنا أمام طرفين: طرف يؤمن بالانتقال الديمقراطي وبقوة إرادة الشعوب ورغبتها في التغيير والتخلص من أنظمة حكم ديكتاتورية وطرف آخر يخشى أن تمتد الانتفاضات إلى مجاله الجغرافي”.
وتؤكد الصحفية التونسية أن “الأزمة الخليجية هي ترجمة لعمق تلك الانقسامات التي تعيشها الدول العربية، فقد برزت هذه الأزمة، بسبب الاصطفاف خلف أنظمة الحكم في الدول التي تشهد تغيرات كبرى كسوريا ومصر وغيرها”، وتضيف “التحالفات العربية تأسست قديمًا على أساس رد العدوان كالموقف من العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، لكنها اليوم تشرذمت بسبب الاصطفاف خلف لوبيات جديدة تحكم العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا”.
مجرد وعاء لحمل بعض الهموم العربية دون أي تغيير
تسارع الأحداث السياسية العربية والعالمية في الفترة الأخيرة، جعل من الجامعة العربية، وفق الصحفية التونسية عائشة الغربي “مجرد وعاء لحمل بعض الهموم العربية دون أي تغيير وترك البعض الآخر تخوفًا أو لعدم القدرة على التعامل معه”.
تقول عائشة في تصريح لنون بوست: “قمة تونس لن تخلو من اختلافات جوهرية بين القادة العرب، بل ستمثل انعكاسًا واضحًا لانقساماتهم وارتباكهم في التعامل مع العديد من الملفات التي جمدت أو تم تغييبها، على غرار ملف الصحراء المغربية والأزمة الخليجية بعد الحصار الذي فرض على قطر، وأيضًا الوضع الجزائري، مع بقاء كرسي سوريا شاغرًا في الجامعة العربية بعد تعليق حضورها”.
الانقسام العربي الذي يطغى على أشغال قمة تونس، لم يكن وليد اللحظة ولا هو “استثناء”، بل إنه قدر العرب الذي لا يبتعد عنهم
تضيف “تأتي القمة العادية الثلاثون في ظل انقسام فلسطيني حاد بين حركتي فتح وحماس، وانقسام ليبي بين حكومة الوفاق الليبية والحكومة المؤقتة مع غياب تصور لحلحلة الوضع الليبي في ظل التصدع بين شقي النزاع وفشل الأطراف الأممية في زعزعتها.
“وأكد القائمون على القمة على انعقاد جلسة خاصة لتناول الوضع الليبي إلا أنها ستظل عاجزة عن إرساء قرارات لبداية حل الأزمة مع ما تعرفه البلاد من تدخلات خارجية وضعف الحلول الراهنة”، وفق قوله عائشة الغربي.
حبر على ورق
تحرص تونس على إيجاد أرضية للتوافق بين مختلف الفرقاء في القمة العربية المرتقبة، حتى تضمن نحاج القمة، إلا أن العديد من المتابعين للشأن العام العربي يرون استحالة إخفاء هذه الانقسامات لحدتها وتباين الرؤى حولها، وتقول شذى الحاج مبارك في هذا الشأن “حسب اعتقادي الانقسام لن يؤثر في مخرجات القمة، بقدر ما سيؤثر على أشغالها، فقد تعودنا أن تطالعنا الجامعة ببيانات خشبية ليس لها ما تضيف وحقيقة ذاك يطرح سؤالاً متواترًا عن الدور الذي تلعبه الجامعة”.
وختمت شذى حديثها لنون بوست: “أعتقد أن أشغال هذه الدورة ستركز على إدانة مشاريع دونالد ترامب في الشرق الأوسط وستجدد تمسكها بالقدس عاصمة لفلسطين مع رفض خطة ترمب بخصوص منح الجولان للكيان الإسرائيلي”.
من جهته يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك، أن “قمة تونس تنعقد في ظروف تكاد تكون مختلفة بعض الشيء عن الظروف التي عقدت في مناخها العديد من القمم السابقة من حيث بعض الجزئيات، فهذه القمة تنعقد مثلاً في ظل انهيار كبير للصورة السعودية التي تتزعم حاليًّا قيادة الإقليم بسبب الكوارث الإنسانية التي تسببت بها حربها على اليمن أو بسبب مخلفات جريمة اغتيال الصحفي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول”.
ستناقش القمة ملفات عربية عديدة
يضيف مبارك “السعودية تبحث عن مناسبة لترميم صورتها، وهذه القمة هي مناسبة من هذا القبيل”، واستدرك أستاذ العلوم السياسية بقوله “في المقابل فإن ما تسببت به السياسات الإقليمية للسعودية أضعفت النظام الإقليمي العربي وجعلته عرضة تفاعلات غير مسبوقة من قبل تفاعلات القوى الإقليمية المجاورة بالإضافة إلى تفاعلات قوى النظام الدولي”.
و”المحصلة في مثل هذه الحالات ستكون للقوة الأكثر تأثيرًا وهي في كل الأحوال ليست القوة السعودية، لذلك فإن قدرتها على التأثير في مخرجات القمة وفق رغباتها ستكون ضعيفة، وفي أحسن الأحوال فإن ما ستخرج به من توافقات سوف تبقى حبرًا على ورق”.
ويختم هاني مبارك حديثه بقوله: “على المستوى الظاهري ستستخدم السعودية كل نفوذها وخاصة المالي لمحاولة إخفاء مظاهر الانقسام وبالتالي ستتحول مخرجات القمة كما سابقاتها مجرد حبر على ورق، وبالتالي ستكون قراراتها عادية إلا إذا كانت هناك نية لجر القمة إلى اتخاذ مواقف واضحة في ملف حساسة مثل الملف الفلسطيني وهذا صعب، لأنه سيؤدي إلى رفض فلسطيني يحرج كل الأطراف خاصة السعودية ومصر والإمارات”.
هذا الانقسام العربي الذي يطغى على أشغال قمة تونس، لم يكن وليد اللحظة ولا هو “استثناء”، بل إنه قدر العرب الذي لا يبتعد عنهم، فقد اتفق العرب على أن لا يتفقوا، أمام أي قضية مهما كانت أهميتها لدى الشعوب العربية.