ترجمة وتحرير: نون بوست
وقّعت الصين مع إيطاليا مذكّرة تفاهم بشأن مبادرة “الحزام والطريق”، لتصبح بذلك إيطاليا أول دولة في مجموعة الدول الصناعية السبع التي انضمت إلى فكرة التكامل الاقتصادي الأوروبي الآسيوي التي تروج لها بكين بنشاط. وعلى الرغم من أن الاتفاقات غير رسمية، إلا أن هذا المشروع يعتبر إنجازا كبيرا بالنسبة للصين تجاهله الغرب. وبالنظر إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في أوروبا، قد يتغير كل شيء.
العولمة الخفية
ربما يعتبر توقيع مذكّرة تفاهم بين بكين وروما خطوة هامة لنجاح مبادرة “الحزام والطريق”. وفي الواقع، تمكنت بكين من خلال اتخاذ هذه الخطوة من الحصول على شريك قوي في أوروبا الغربية، وعقد شراكة مع أحد أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع. ولا يزال حجم المعاملات غير معروف بدقة، ولكن تشير البيانات إلى أنها قد تتراوح في البداية بين خمسة وسبعة مليارات دولار.
تعتبر الصين من الدول الغنية وهي على استعداد لتسخير الأموال لتطوير البنية التحتية وتوفير العديد من الموارد لإنجاح هذا المشروع
في السنوات الأخيرة، مثل مشروع “حزام واحد طريق واحد” مبادرة السياسة الخارجية الرئيسية بالنسبة للصين. ويهدف هذا المشروع إلى خلق طرق تجارية برية وبحرية، قادرة على تغطية كامل منطقة أوراسيا وأفريقيا بقنوات لتزويد البضائع الصينية.
عموما، تعتبر الصين من الدول الغنية وهي على استعداد لتسخير الأموال لتطوير البنية التحتية وتوفير العديد من الموارد لإنجاح هذا المشروع. ويتوقع محللو مؤسسة “مورغان ستانلي” أنه يمكن للمصارف الصينية الشريكة مع الدولة، بحلول سنة 2027، أن تخصص 1.3 تريليون دولار بشروط تفضيلية لكل البلدان والشركات الراغبة في المشاركة في المشاريع التي تندرج ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
ترمي هذه المبادرة الاقتصادية الصينية إلى ربط اقتصادات البلدان الأوروبية والآسيوية والأفريقية بالصين، وهو ما يرسخ نوعا من العولمة الخفية وغير المزعجة، نظرا لأنها خالية من أي عنصر أو دافع أيديولوجي. والمثير للاهتمام أن الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيا هو صاحب هذه المبادرة، لذلك يولي اهتماما كبيرا لهذا المشروع.
المصالح الإيطالية
ما هي مصلحة إيطاليا من هذه الصفقة المصحوبة بضجة غير مسبوقة، علما وأن الفوائد الاقتصادية لإيطاليا من هذا المشروع لا تزال محدودة جدا؟ تقتصر مشاريع البنية التحتية على مدينتي جنوة وترييستي، ومن المقرر أن تفتح الصين سوقها المحلي للفواكه الإيطالية.
أثار انضمام إيطاليا إلى مبادرة التجارة الأوروبية الآسيوية ضجة غير مسبوقة داخل البلاد وخارجها
لكن حتى إذا كان حجم التعاون الصيني الإيطالي غير واضح من وجهة نظر تكتيكية، فإنه يعتبر خطوة ثورية بالنسبة لروما التي يعاني اقتصادها ركودا يصعب الخروج منه، بينما تغرق البلاد في الديون. كما تعاني البنية التحتية الإيطالية من مشاكل عديدة، ما يجعلها غير مناسبة للمعايير الأوروبية، ولعل أبرز مظاهر ذلك الانهيار الأخير لجسر جنوة. وبناء على ذلك، قد توفر الأموال الصينية فرصة لتحسين الأوضاع المتردية في إيطاليا.
الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا والرئيس الصيني شي جين بينغ في مؤتمر صحفي في قصر كويرينال في روما، إيطاليا
في الواقع، قد يعتبر تقارب إيطاليا مع الصين وسيلة للضغط على جيرانها، وربما يعد ذلك السبب الرئيسي. ففي السنوات الأخيرة، لم تحظ إيطاليا بسمعة طيبة بين أهم الدول الأوروبية التي تمثل جوهر الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا. وقد أثرت الحالة الاقتصادية والديون ومشاكل البنوك على مكانة روما بين الدول الأوروبية.
كما أن انتصار التحالف الشعبوي سنة 2018 جعل العلاقات بين إيطاليا وقادة الاتحاد الأوروبي أكثر برودا. ومن الواضح أن الخلاف حول العجز في الميزانية الذي استمر لأكثر من نصف سنة وانتهى بفرض عقوبات، ليس نهاية المواجهة بين روما من جهة وبروكسل وباريس وبرلين من جهة أخرى.
الرفض الأوروبي
أثار انضمام إيطاليا إلى مبادرة التجارة الأوروبية الآسيوية ضجة غير مسبوقة داخل البلاد وخارجها. ومن بين الداعمين الرئيسيين لهذا المشروع أعضاء “حركة النجوم الخمسة”، أما حزب “رابطة الشمال” الذي يعتبر شريكا للحكومة فقد تعامل مع هذه الاتفاقية بهدوء، بينما أكد الشعبويون واليمينيون أنهم مستعدون للتعاون مع بكين فقط في ظل ظروف معينة.
في أوروبا، كان حجم الاستياء أكثر حدة. فمن جانبه، حذر رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إيطاليا من السذاجة السياسية، ذلك أن بكين باستخدام مثل هذه الاتفاقات تعزز مصالحها الوطنية الخاصة في أوروبا. في المقابل، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبي جان كلود جونكر للقاء الوفد الصيني في قصر الإليزيه. ومن الواضح أن القائد الفرنسي يقبل بناء علاقات مع الصين لكن في إطار سياسة أوروبية واحدة وليس فقط مع الإيطاليين الضعفاء.
رئيس الوزراء الهولندي مارك روته
في أوائل شهر آذار/ مارس، وصفت المفوضية الأوروبية الصين بمنافس النظام، وهددت بروكسل بتشديد قواعد الأنشطة الاستثمارية للشركات الصينية. ومن النادر توافق وجهات النظر بشأن السياسة الاقتصادية العالمية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي كانت منذ عدة أشهر تخوض حربا تجارية كاملة ضد الصين.
مع ذلك، لا يملك الاتحاد الأوروبي الذي يمر بأوقات عصيبة الكثير من الأدوات السياسية لفرض تدابير صارمة ضد الدول الأوروبية التي تتعاون مع الصين. وبغض النظر عن موقف بروكسل، تستمر الدول الأوروبية في التفاعل مع هذه القوة الشرقية (الصين).
في الخلف
سنة 2018، بلغت استثمارات الصين في الاقتصاد الأوروبي حوالي 250 مليار دولار، لكن ذلك أقل مما كان عليه حجم الاستثمارات في الولايات المتحدة. وبالمقارنة مع بلدان أمريكا وآسيا، لا يعتبر الاتحاد الأوروبي هدفا رئيسيا للاستثمار الصيني. وحسب بلومبيرغ إل بي، تحتل إيطاليا المرتبة الأولى في الدول الأوروبية فيما يتعلق بحجم الاستثمارات الصينية، مستأثرة بما يربو عن 31 مليار دولار. وسنة 2015، اشترى الصينيون شركة بيريللي لصناعة الإطارات مقابل سبعة مليارات دولار.
إلى جانب ذلك، انخرط رجال الأعمال الصينيون في عالم كرة القدم الإيطالية، إذ يملكون أشهر النوادي الإيطالية في كرة القدم. ويعتبر النشاط الاستثماري للصين في ألمانيا طموحا. فمنذ سنة 2008، أبرمت شركات صينية أكثر من 200 صفقة في ألمانيا.
إطارات بيريللي في كأس العالم 2018، سباق الجائزة الكبرى الإيطالي
في فرنسا، تتعاون الشركات الصينية بنشاط مع شركة النفط والغاز إنجي. وفي السويد، اشترت مجموعة جيلي القابضة الصينية شركة فولفو المملوكة من قبل شركة فورد الأمريكية، التي تعد من أفضل الشركات المتخصصة في صناعة السيارات. كما أبرمت بكين صفقات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات مع بنلوكس وإسبانيا والبرتغال.
إن الموقف السلبي لزعماء أوروبا تجاه مشروع “حزام واحد طريق واحد”، لن يؤثر على إمكانيات الشركات الصينية ويمنعها من اكتساح أوروبا
في الوقت الراهن، تعتبر الصين أن أوروبا الشرقية حليف ضعيف، إذ لا تتجاوز قيمة الاستثمارات في هذه المنطقة المليار دولار، علما وأن الصين تعتبر المجر واليونان حلفاء لها في المنطقة. ولكن الأمر الأكثر وضوحا هو أن بلدان هذه المنطقة ليست غنية وتحتاج إلى تمويل. إلى جانب ذلك، لا توجد في هذه الدول خطابات قومية تحذر من احتمال اختراق الصين للاقتصاد المحلي. ومن المغري بالنسبة لزعماء دول أوروبا الشرقية توسيع التعاون مع الصين، للرد على الانتقادات المتزايدة من قبل بروكسل. ويتمثل الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يعيق التقارب بين الصين وأوروبا الشرقية هو صداقة هذه الدول مع الولايات المتحدة.
عموما، إن الموقف السلبي لزعماء أوروبا تجاه مشروع “حزام واحد طريق واحد”، لن يؤثر على إمكانيات الشركات الصينية ويمنعها من اكتساح أوروبا. وفي المستقبل، ستستمر الصين في زيادة حجم استثماراتها في أوروبا، مما يعني أن تصرفات الولايات المتحدة لن تزيد بكين إلا إصرارا على إنشاء المزيد من التحالفات.
المصدر: إيزفيتسيا