حلّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، مساء أمس الخميس بتونس، على رأس وفد رفيع المستوى يتكون من ثمانية أمراء و11 وزيرا وأكثر من ألف مرافق، وسيسلم خلال زيارته -التي تتواصل إلى يوم السبت- الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي رئاسة الدورة الـ30 للقمة العربية.
زيارة إلى تونس يبحث من خلالها العاهل السعودي، زعامة عربية فقدها نتيجة قرارات المملكة ومواقفها المناهضة للإرادة العربية، كما يسعى من خلالها وفق العديد من المتابعين إلى ترميم صورته “المشوهة” في مهد الثورات العربية تونس وفي منطقة المغرب العربي عموما.
تراجع كبير نتيجة السياسات الخاطئة
في السنوات الأخيرة، خاصة منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم سنة 2015، عرفت السياسة السعودية تجاه جيرانها وحلفائها تغيرات كبرى، حتى أنها خرجت عن المألوف، ما جعل مكانتها في العالم العربي والإسلامي تتراجع بصفة ملحوظة لصالح دول أخرى، حتى أنها أصبحت باتت لزعزعة استقرار المنطقة بعد عقود من النظر إليها على أنها رمز الاستقرار والسياسة المحافظة.
وساهم تقلّد محمد بن سلمان لمنصب ولي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز في يوليو 2017، في تسريع هذه التحولات الكبرى التي تعرفها المملكة، كما ساهم في تزايد عدد الأخطاء الفادحة للسلطات السعودية، ولعلّ من بينها حادثة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وشكّل اغتيال خاشقجي- وفق مراقبين- صفعة مدوية للأعراف الدبلوماسية بتحويل القنصليات إلى ساحات للقتل، كما أن بشاعة الجريمة شكلت استهتارًا حتى بالشريعة الإسلامية التي تقول السعودية إنها مصدر التشريع فيها، فضلاً عن الفضيحة الدولية والسمعة السيئة التي لحقت بالمملكة.
أبرز الأسباب التي أوصلت السعودية إلى هذه الحالة، فهي قطعها العلاقات مع قطر وحصار الدوحة في يونيو 2017 بسبب مزاعم دعم الإرهاب
كما تميّزت السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية، بدعم الثورات المضادة في العديد من الدول التي عرفت ثورات في المنطقة العربية، على غرار مصر وتونس وليبيا أيضا، فقد ساهمت السعودية بتأجيج الوضع في هذه الدول ودعمت جماعة الثورات المضادة فيها.
ويرى العديد من الخبراء، أن ولي العهد يسعى لضرب المنطقة العربية على الرغم من إرادة الشعوب، ما خلق كمّ هائل من الأعداء (أعداء من الداخل والخارج) لسياسة المملكة، الأمر الذي أثر على مكانتها باعتبارها زعيمة المنطقة العربية.
وكان قرار شنّ حرب اليمن أحد أبرز القرارات التي ساهمت في زعزعة مكانة السعودية إقليميا، فالحرب التي بدأتها السعودية ضمن تحالف عربي ( لم يبقى منه إلا القليل)، لقتال الحوثيين لم تنتج سوى الدمار لليمن، فبسبب عمليات الرياض وأبوظبي العسكرية، أصبح اليمن يعاني وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وصحياً سيئاً، فضلاً عن تسجيل مجاعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
ساهمت السعودية في تدمير اليمن
أما أبرز الأسباب التي أوصلت السعودية إلى هذه الحالة، فهي قطعها العلاقات مع قطر وحصار الدوحة في يونيو 2017 بسبب مزاعم دعم الإرهاب، التي تنفيها قطر، وتقول قطر إن المقاطعة تستهدف سيادتها، وإن الحصار أضر بالأمن الإقليمي وأضعف مجلس التعاون.
كما حاولت “مملكة سلمان” زعزعة استقرار لبنان عندما احتجزت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري داخل المملكة في نوفمبر 2017، وأجبرته السعودية حينها على تقديم استقالته، لكن بعد عودته لبلاده مع تدخل قوى خارجية، عدل عن قراره.
تعزيز مكانتها الإقليمية
وصول الملك سلمان إلى تونس قبل ثلاثة أيام من انعقاد القمة العربية العادية في دورتها الثلاثين، مرفقا بهذا العدد الكبير من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، يسعى من خلاله العاهل السعودي إلى استعادة مكانة المملكة في محيطها العربي بعد الهزات الكبيرة التي شهدتها مكانة بلاده الإقليمية.
وتتنزّل هذه الزيارة وفق الصحفية التونسية شذى الحاج مبارك في إطار سعي المملكة للتموقع من جديد. وتقول شذى “السعودية تنتهج سياسة شاملة من أجل التموقع بشكل جيد في خارطة السياسة العربية وحتى العالمية.“
وتؤكّد الصحفية التونسية في تصريح لنون بوست، أن هذه السياسة انطلقت منذ فترة تزامنا مع تراجع مكانة البلاد، وذلك بمواجهة سيل الانتقادات بخصوص التضييق على حقوق مواطنيها فانفتحت على الترفيه من بابه الواسع، وأقرّت بعض الإصلاحات لكن تبقى دون المأمول.
واعتبر الحاج مبارك، أن “السياسة التي انتهجتها المملكة في اليمن وفي داخل المملكة وفي بعض الدول العربية الأخرى عقب تولي بسلمان الحكم شوهت أرض الرسالة المحمدية، وجعلت مكانتها في تراجع متواصل بين أشقائها العرب وبين دول الجوار الإقليمي.”
يرى التونسيون أن السلطات السعودية، انحازت لقوى الثورة المضادة وحاربت الثورة في بلادهم، مما ساهم في عرقلة الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد
تقول شذى “أمام كل الفضائح التي تتوالى على المملكة وهروب مواطنيها المتواصل وطلبهم اللجوء في المطارات الدولية بسبب التضييقات والقمع، سعت السعودية إلى تبييض صورتها واندفعت في تسيير برامج تروج صورة أخرى للبلاد”.
تضيف الصحفية التونسية، “قبيل قمة تونس كان واضحا أن السلطات السعودية ستسعى لتجنب أي غضب تجاه حضور الملك سلمان بن عبد العزيز في أشغال القمة، لذلك سعت إلى الحصول على دكتوراه فخرية من قبل أعرق الجامعات التونسية لفائدة الملك سلمان.”
وتقول الحاج مبارك، إن “السعودية توجهت أيضا في حملة دعاية لحماية صورة الملك من أن تهتز خلال القمة، فهي تسعى إلى تقديم نفسها كراع للدول العربية، حتى تخفى تلك الدماء التي تلطخ يد رجالها في حرب اليمن وغيرها، كما ستسعى خلال القمة للترويج لصورتها الجديدة كدولة منفتحة ومكافحة للفساد.”
ترميم صورة المملكة “المشوهة”
فضلا عن بحثه عن زعامة البلاد المفقودة، يسعى العاهل السعودي من خلال زيارته إلى تونس قبل أيام من انعقاد القمة العربية، مصحوبا بهذا الوفد الهام إلى تبيض صورة المملكة والعائلة الحاكمة، عند التونسيين وأهل المغرب العربي.
وقبل بدأ زيارته بأيام، وزّعت السفارة السعودية أمولا كثيرا على وكالات أسفار تونسية لكراء مساحات إشهارية توضع فيها صورة سلمان بن عبد العزيز مرفقة بعبارات الترحيب والشكر والامتنان “لما قدّمه لتونس وللوطن العربي والإسلامي”.
أغلب هذه اللافتات، وصفت الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بـ”سلمان الخير”، وتم توزيعها بطريقة محكمة حتى تظهر للجميع، خاصة أنها بأحجام كبيرة. وفاقت اللافتات المرحبة بالملك سلمان، اللافتات التي تروج للقمة العربية، كأن الحدث المنتظر تحول من قمة عربية ستبحث القرارات المصيرية للدولة العربية، إلى مجرد زيارة لملك سعودي إلى أرض تونس مهد الثورات العربية.
وتعتبر زيارة العاهل السعودي إلى تونس الثالثة لملك سعودي منذ استقلال البلاد، وقبل الزيارة تم حجز عدة فنادق في ضاحية قمرت الشمالية للعاصمة التونسية لمدة تفوق الأسبوع، لفائدة الوفود السعودية المرافقة للملك سلمان ومستشاريه.
يرافق الملك السعودي في زيارته وفد كبير المستوى
يسعى الملك سلمان من خلال هذه الحملة الدعائية تبيض صورته في تونس، وعدم تكرر ما حصل مع ولي العهد محمد بن سلمان، عندما زار البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ففي تلك الزيارة واجه ولي العهد فعاليات شعبية كبرى رافضة له.
وخرجت حينها المظاهرات في مناطق عدة من البلاد، كما نظمت مسرحيات صامتة تندد بالزيارة، ورفع عدد من الإعلاميين والمثقفين والمحامين والشخصيات الوطنية دعوى قضائية لدى المحكمة الابتدائية بتونس لمنع تلك الزيارة نتيجة الشبهات التي تحوم حول تورط ابن سلمان بالعديد من الجرائم في اليمن وسوريا والعراق.
وتسعى السعودية وفق الصحفية التونسية شذى الحاج مبارك إلى طبع صورة جديدة للمملكة في الذهن التونسي، ولدى مواطني المغرب العربي على وجه العموم فهذه الدول شهدت تحركات احتجاجية ضدّ السياسات السعودية.
ويرى التونسيون أن السلطات السعودية، انحازت لقوى الثورة المضادة وحاربت الثورة في بلادهم، مما ساهم في عرقلة الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، خاصة وأنها تحتضن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
من المتوقع أن يعمل سلمان والوفد المرافق له على إمضاء العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع تونس، والترويج إلى مساعيهم لإنقاذ الاقتصاد التونسي، ومنح البلاد متنفس جديد في ضلّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات، وذلك حتى تكسب ودّ التونسيين مجدّدا.