نص دستور 2011 الخاص بالمملكة المغربية في فصله الثالث على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، وعلى الرغم من كون الإسلام الديانة الرسمية في المغرب، فإن مجتمعه تتعايش فيه ديانات متعددة.
فبعد استقلال المغرب سنة 1956 دخل المسلمون والمسيحيون إلى مرحلة جديدة سميت بمرحلة الحوار الحر المتسامح، خاصة أن عددًا كبيرًا من المسيحيين هاجروا عائدين إلى الديار الأوروبية، بعد أحداث الشغب التي اعتبروها معادية لهم يوم عيد الميلاد سنة 1953 بمدينة الدار البيضاء، ليتقرر بعد ذلك وضع نظام رسمي للكنيسة المسيحية لُخص في رسالة وجهها ملك المغرب الراحل “الحسن الثاني” سنة 1983 إلى البابا “يوحنا بولس الثاني” الذي زار المغرب آنذاك.
وقد أعلن أساقفة المغرب مؤخرًا أن هذه الزيارة سوف تتجدد متم شهر مارس الحاليّ، لكن هذه المرة بدعوة من ملك البلاد الملك محمد السادس للبابا فرانسيس، ويرتقب أن يكون هذا اللقاء بشأن حوار الأديان وزيارة المهاجرين، مع النظر في التمويل الخاص بالكنائس الموجودة بالمغرب.
آراء مسيحية
يقول حسن مرابط باحث مغربي في السوسيولوجيا في تصريح للموقع: “زيارة البابا ستكون إنصافًا للمغاربة الذين اعتنقوا المسيحية باقتناع ولم يرتدوا عن دينهم الأصلي، وإنما “اختيار”، والمغرب يضمن للجميع ممارسة الشعائر الدينية في ظل احترام القانون وعدم نشر الفوضى باعتناق المسيحية، خاصة أن هناك تخوفًا مستمرًا من طرف السلطات في الكيفية التي يشتغل بها المبشرون”.
يقول “نبيل” مغربي اعتنق المسيحية مؤخرًا: “وجب علينا كمغاربة مسيحيين أن نستحضر زيارة البابا يوحنا لملكنا الراحل الحسن الثاني، لأنها تعطينا انطباعًا طيبًا عن سياق الحوار الذي سينهجه الملك محمد السادس عند زيارة البابا فرانسيس”
وذَكّر الباحث نفسه أن الرسالة التي وجهها الملك الراحل الحسن الثاني في العام التالي من زيارة البابا يوحنا، تم الاعتراف فيها بنشاط الكنيسة بشكل رسمي، إلا أن الحسن الثاني كان ينزعج كثيرًا من أنشطة المبشرين في المغرب، ويتخوف من أن يكون السماح بنشاطهم مدخلاً لترويج التنصير بين السكان، لأن المغرب خلال العهد الاستعماري الفرنسي والإسباني عرف حركة “تمسيحية” كبيرة، تم فيها إعادة إحياء المكون المسيحي داخل مجتمعه.
وفي هذا الجانب يقول نبيل مغربي اعتنق المسيحية مؤخرًا: “وجب علينا كمغاربة مسيحيين أن نستحضر زيارة البابا يوحنا لملكنا الراحل الحسن الثاني، لأنها تعطينا انطباعًا طيبًا عن سياق الحوار الذي سينهجه الملك محمد السادس عند زيارة البابا فرانسيس، لا سيما أنه استحضر في الكثير من خطاباته الملكية رسائل عن التسامح واحترام حقوق الإنسان وحرياته”.
إعلان المسيحية بين القبول والرفض
أما سارة الفقير طالبة جامعية بشعبة الفلسفة، فترى أن اعتناق المسيحية أمر طبيعي جدًا، “رغم أن العديد منا يتعرض لمضايقات فإننا نتعايش معها، فأنا مثلاً بعد اعتناقي للمسيحية تم طردي من المنزل، ولم يعد والدي يرغب برؤيتي أو التحدث معي، أما أمي فإنني أراها متخفية بزي حجاب داخل المسجد كل جمعة وقت صلاة الظهر”.
وأصبح العديد من المغاربة يعلنون اعتناقهم المسيحية بكل اقتناع، كما باشروا في كشف أوجههم للمجتمع بعدما كانوا متخفين بين العامة، ومن بين أشهر المغاربة المسيحين على الساحة الإعلامية المغربي رشيد حمامي الملقب بـ”الأخ رشيد” الذي يقدم برنامجًا على إحدى القنوات التبشيرية منتقدًا الإسلام من خلال نهجه لسياسة حوارية “أخوية” حسب رأيه، تعارض معها البعض ووافق عليها البعض الآخر.
قال خالد إسيحي فاعل جمعوي ومهتم بالشأن الأمازيغي: “أنا شخصيًا بعد اعتناقي للمسيحية لم أتعرض لأي مضايقة من زملائي، بالعكس صديقي المفضل يدرس بشعبة الدراسات الإسلامية ونختلف معًا في الكثير من الأمور”
وصرح نبيل مغربي مسيحي لـ”نون بوست” خلال حوار معه، أن اعتناقه للمسيحية كان بسبب العنف الذي تلقاه من والده، حيث قال: “كان والدي عنيفًا في تلقيننا الدين الإسلامي ومن شدة صرامته أصبحت أصلي وأصوم وأنا غير واعِ بما أقوم به، وصرت أتظاهر بممارسة شعائري الدينية إرضاءً له وتفاديًا للصدام معه، والآن أنا اخترت المسيحية عن اقتناع وأتمنى أن يصل اليوم الذي أمارس فيه ديانتي بكل أريحية دون مضايقات من الآخرين”.
أما خالد إسيحي فاعل جمعوي ومهتم بالشأن الأمازيغي فله رأي آخر: “أنا شخصيًا بعد اعتناقي للمسيحية لم أتعرض لأي مضايقة من زملائي، بالعكس صديقي المفضل يدرس بشعبة الدراسات الإسلامية ونختلف معًا في الكثير من الأمور، لكن الاحترام والحب بيننا يتزايد، وأظن أن قبول ورفض “التنصير” من طرف الغير مبني أساسًا على مدى المستوى الفكري، فكلما تعلم الشخص وارتقى فكريًا احترم توجهات واختيارات الآخرين داخل المجتمع” حسب قوله.
في حين يرفض جمال الأشعري باحث مغربي في العلاقات الدولية بفرنسا، توسيع نطاق نشاط الحريات الدينية في المغرب، قائلاً: “أنا أرفض فتح المجال للتبشير في المغرب، نحن بلد اسلامي، منا المحافظ ومنا غير المحافظ، لكن تبقى للمجتمع المغربي حرمة وجب احترامها مهما كلف الأمر، وأنا من رأيي هذا لا أقصد إيذاء المسيحيين المغاربة، بل أدعوهم لعدم خلق فوضى بسبب ردتهم عن دينهم الأصلي الإسلام”.
ويرى محمد زيات إمام مسجد، أن “الردة عن الدين الإسلامي غير جائزة وهي من نواقض الدين، ولو كان الإنسان عالمًا ملمًا بأمور دينه الإسلامي بشكل صحيح لما ارتد، والخروج عن الدين موجود منذ القدم حتى في عصر الجاهلية، إذ كان أهل قريش يعتبرون من تخلى عن وثنيته مرتدًا، وكانت الردة في نظرهم خيانة للقبلية”.
بعد الإعلان عن زيارة البابا المرتقبة، أصدرت “تنسيقية المسيحيين المغاربة” بيانًا طالبت فيه مؤسسات الدولة بإعادة النظر إلى حقوق المسيحين مثل حرية العبادة في الكنائس والحق في الزواج المدني
ويضيف زيات لنون بوست “من آداب التعامل أن نحتضن هؤلاء المرتدين ونتبادل معهم حوارًا دينيًا فكريًا، وأن نشجع دراسة الأديان لفهم عمق الدين الإسلامي الذي يدعو إلى التسامح والتعايش”، كما انتقد مقررات التربية الإسلامية التي تنهجها وزارة التربية الوطنية في المغرب قائلاً “التربية الإسلامية لم تعد تدرس كما في السابق، والمقررات لم تعد تحوي العديد من السور وشروحاتها، بل أصبحنا نجد أن المقرر يضم آيات فقط، والتلميذ لم يعد يعير المادة أي اهتمام إلا القليل، لذا أقول إن وزارة التعليم لها دور كبير في عدم إيصال التربية الإسلامية والدينية بالشكل الصحيح”.
زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب
بعد الإعلان عن زيارة البابا المرتقبة، أصدرت “تنسيقية المسيحيين المغاربة” بيانًا طالبت فيه مؤسسات الدولة بإعادة النظر إلى حقوق المسيحين مثل حرية العبادة في الكنائس والحق في الزواج المدني مع التشديد على إعطاء مجال لممارسة الطقوس الجنائزية المسيحية وإعفاء مواليدهم من دراسة الدين الإسلامي مع السماح لهم بالحق في اختيار أسماء كتابية لهم.
ويرى أساقفة المغرب أن زيارة البابا سترفع من مستوى احترام الحريات الفردية والعقائدية لهم، كما ستزيد من احتمالية الاعتراف بالمسيحيين المغاربة خاصة أن السلطات لا تعترف بهم رسميًا في البلاد.
إلى ذلك أكد الباحث في العلوم الإنسانية الدكتور محمد سعيد، عن المكون الديني المسيحي المتخفي وزيارة البابا: “من المعروف اليوم وبشكل مطرد أن الوجود المسيحي ما زال مُتخفيًا لعدة أسباب، منها عدم وضوح رؤية الدولة المغربية تجاه الحرية الدينية، وأيضًا عدم نضج المجتمع المغربي في تقبله لمن يحمل نظرة أخرى للدين والتدين بعيدًا عن الفهم الإسلامي بكل مشاربه، زيادة على النص الدستوري الذي اعترف في فصله الثالث بأن “الإسلام دين الدولة” وبتعبير آخر أن المغاربة مسلمون سنيون على المذهب المالكي وتصوف الجنيد وفقه الأشعري، مع وجود مكون يهودي فقط معترف به قانونيًا”. حسب تعبيره.