تشهد العلاقات المغربية السعودية الإماراتية في الفترة الأخيرة توترات كبرى نتيجة اختلاف الرؤى في مسائل عدة، توترات ظلت حبيسة أسوار الحكم، فجميع من في السلطة في هذه الدول الثلاثة ينفيها، حتى خلال استدعاء المغرب لسفرائه في هاتين الدولتين، لكن تصريح وزير الخارجية المغربي مؤخرًا ووضعه شروط لاستمرار التنسيق مع كل من السعودية والإمارات، يؤكد أن الأزمة أخذت منحى جديدًا لم يعد فيه للنفي مكان.
4 شروط
بعد صمت طويل، عقب ما عرف بأزمة السفراء بين الرباط والرياض وأبو ظبي، كشف المغرب أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع السعودية والإمارات، ويتمثل الضابط الأول في أن السياسة الخارجية مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وفق قول وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في المغرب ناصر بوريطة.
تحدث بوريطة أيضًا خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الأردني أيمن الصفدي – مساء الخميس في الدار البيضاء – عن المحدد الثاني في هذه العلاقة، وهو أن التنسيق مع دول الخليج – خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين.
بدأ توتر العلاقات مباشرة بعد الأزمة الخليجية وبدء الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر في يونيو/حزيران 2017
فيما يخص الضابط أو المحدد الثالث، أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، وقال – وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية المغربية – إن التنسيق يجب أيضًا أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الأزمة الليبية.
وأوضح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي أن “الرغبة في الحفاظ على هذه العلاقة يجب أن تكون من الجانبين، وأن تكون متقاسمة، وإلا فسيكون من الطبيعي عدم استثناء أي من البدائل”، في إشارة إلى إمكانية تأسيس المغرب لتحالفات جديدة مع دول أخرى.
علاقات متوترة
وضع الوزير المغربي لهذه الشروط الأربع لاستمرار التنسيق مع كل من السعودية والإمارات، يأتي بعد أكثر من شهر من استدعاء الرباط سفيرها لدى الرياض للتشاور، عقب عرض قناة العربية السعودية تقريرًا بشأن الصحراء الغربية يدعم مزاعم أن المغرب غزاها بعد أن غادر المستعمر الإسباني عام 1975.
وجاء استدعاء السفير المغربي من الرياض، بالتوازي مع انسحاب المغرب من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، وقبل ذلك غاب المغرب عن أشغال اجتماع وزراء إعلام دول التحالف المشارك في حرب اليمن، مبررًا ذلك بارتباطات أخرى لوزير الإعلام الذي يفترض أن يمثل البلاد، وهي أول مرة يتخلف فيها وزير مغربي عن اجتماع يخص دول التحالف.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، رفض ملك المغرب استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إطار جولة قام بها ابن سلمان في منطقة المغرب العربي، واقتراح السلطات المغربية أن يستقبل الأمير رشيد، شقيق الملك محمد السادس، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدلاً من الملك، بسبب أجندة هذا الأخير، وهو ما دفع ابن سلمان لحذف المغرب من لائحة زياراته.
بدأ توتر العلاقات، مباشرة بعد الأزمة الخليجية وبدء الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر في يونيو/حزيران 2017، حينها دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة الخليجية إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة.
لم تستسغ السعودية ذلك، وسارعت إلى تغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية، حيث عمدت القناة الإخبارية “العربية الحدث” إلى مهاجمة الوحدة الترابية للمغرب بمجرد إعلان الرباط الحياد في الأزمة الخليجية، وخصصت القناة برنامجًا يصف الصحراء المغربية بالأرض المحتلة ويصف جبهة “البوليساريو” بالجمهورية الصحراوية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث صوتت المملكة العربية السعودية في يونيو/حزيران الماضي لصالح الملف الأمريكي المشترك ضد الملف المغربي في سباق تنظيم كأس العالم 2026، ما أثار غضب المغربيين وسخطهم، مطالبين سلطات بلادهم بالرد على هذا العمل السعودي الذي وصفه البعض بـ”الخيانة”.
فضلاً عن ذلك، عمدت السلطات السعودية إلى تقليص الاستثمارات والهبات الموجهة للمملكة بشكل غير مسبوق، وكانت حكومة المغرب قد توقعت الحصول على آخر دفعة من هبات دول الخليج في العام الحالي، حيث قدرتها بنحو 750 مليون دولار، بحسب ما جاء في الموازنة، غير أن المركزي المغربي أكد أن المغرب سيحصل هذا العام على نحو 480 مليون دولار من دول مجلس التعاون.
تنويع الشركاء ضمن أسس تحقق المصالح المتبادلة
إشارة المغرب لإمكانية بناء تحالفات جديدة، يرجع إلى العديد من الأسباب، ويقول الخبير المغربي في العلوم السياسية رشيد لزرق: “المغرب دولة سائرة في طريق المؤسسات وغايتها تنويع الشركاء ضمن أسس تحقق المصالح المتبادلة، في ظل تطورات دولية متسارعة”.
ويضيف الخبير المغربي “لهذا فالمغرب ينهج أسلوب الوضوح وعلاقته مبنية على احترام السيادة الداخلية، لكونه من أعرق الملكيات في العالم، والنظام الملكي المغربي تجتمع فيه العديد من المشروعيات التاريخية والدينية والديمقراطية باعتبار أن الملكية في المغرب هي الموكل لها حماية الخيار الديمقراطي ووحدة التراب الوطني”.
هذه التطورات جاءت بعد أن كانت العلاقات بين كل من المغرب من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية على أحسن وجه
يرى رشيد لزرق أن “المغرب بحكم موقعه الجغرافي بلد محكوم عليه بتنويع الشركاء بتعدد ثقافته وهوياته، غير أن الثابت هو كون التعاطي مع المغرب يقتضي احترام هذه الأمور ومعرفتها، ولعل التطورات التي عرفها الخليج عمومًا لها تأثير على المغرب باعتبار امتداده العربي والإسلامي”.
ويؤكد لزرق أن “خروج سوء الفهم بين المغرب والسعودية والإمارات العربية المتحدة للعلن يأتي ضمن التحولات التي يعرفها المغرب، على جميع الأصعدة، نتيجة بروز جناح داخل السعودية ومن خلالها الإمارات العربية المتحدة إلى التعاطي مع المغرب بأسلوب التبعية هو عوض أسلوب احترام استقلالية دولة بحجم المغرب”.
هذا الجناح الذي لم يستوعب طبيعة العلاقات بين المغرب وهذين البلدين، يقول رشيد لزرق، إنه “يظن المغرب بلدًا تابعًا والحال أن المغرب بلد حليف، أي نعم، لكنه غير خاضع لرغبات وغضب حكام السعودية ، كما اعتاد السعوديون من دول أخرى”.
انسحاب المغرب من التحالف العربي
يوضح الخبير المغربي أن بلاده “تنتهج سياسة متوازنة بين الدعم والتضامن الأخوي، نابعة من مواقفها المعتادة على مر السنين، مع استحضار القيم الكونية والمبادئ الدولية، وهو ما جعلها تقف بجانب قطر في حصارها من دول الخليج، دون خوف أو وجل من غضب السعودية أو غيرها كما أبدت دول عدة”، ويضيف “المغرب بلد يملك قراره، وعقلاء السعودية والإمارات يعرفون هذا الأمر جيدًا، كما يعرفون أن المغرب التزم الحياد إزاء الأزمة الخليجية لكنه حياد إيجابي ينتصر للأخوة ولملمة الشمل بدل الإمعان في خلق التفرقة، كما يروم سعوديون دغمائيون ومن يوالونهم”.
ويمثل هؤلاء الدغمائيون، وفق رشيد لزرق جناحًا في المملكة الخليجية لم يفطن بعد لموازين العلاقة بينها والمغرب، فـ”يعمد كلما سنحت لها الفرصة إلى محاولة النيل من المملكة المغربية ظنًا من هذا الجناح أنها تابعة وخاضعة والحال أنها في حل من كل شيء إلا من واجب الأخوة”.
هذه التطورات جاءت بعد أن كانت العلاقات بين كل من المغرب من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية على أحسن وجه، فقد كان المغرب من أبرز الداعمين والمشاركين في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأبرز الحاضرين كذلك في التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية أيضًا، فيما تعتبر هذه الأخيرة والإمارات من أبرز الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية.