يسابق محمد أشتية، الرئيس الجديد للحكومة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، الزمن من أجل إنهاء المشاورات المكثفة التي يجريها منذ أسابيع مع الفصائل والقوى الوطنية والشخصيات المستقلة لإقناعهم بالانضمام لحكومته المثيرة للجدل.
ومنذ اليوم الأول الذي أصدر فيه الرئيس محمود عباس، قرارًا بإقالة رامي الحمد الله، وتعيين أشتية في منصبه وإعلان بدء مشاورات الحكومة التي تحظى برفض شعبي وفصائلي منقطع النظير، ويواجه الرجل القوي والمقرب من عباس جدارًا كبيرًا من الأزمات التي تفتعلها الفصائل الرافضة مشاركته الحكومة، ومحاولات حركة فتح المستميتة للسيطرة عليها ووضعها تحت إبطها.
في الـ10 من مارس الماضي أعلن الرئيس عباس، تكليف أشتية، ويحرص الأول على أن تحظى حكومته المقبلة بتأييد عربي ودولي، بل وإسرائيلي وأمريكي، وذلك تفاديًا لحدوث أي عقبات أو عراقيل من شأنها أن تعطّل عمل حكومته وتدخله بأزمة جديدة.
“حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية وحزب فدا” أبرز الفصائل التي تعارض المشاركة في الحكومة، ورغم مرور أكثر من 20 يومًا على قرار التكليف فإن أشتيه لا يزال يتخبط ويقاتل في مرحلة اختيار الوزراء قبل انتهاء المدة التي حددها القانون الفلسطيني لإجراء مشاورات الحكومة والانتهاء منها.
حكومة في مهب الريح
يمنح النظام الأساسي للمكلف بتشكيل الحكومة مدة أسبوعين لإعلان حكومته، وإن تعذر ذلك يتم تمديد الفترة ثلاثة أسابيع إضافية وستكون هي المهلة الأخيرة لأشتية.
في أول تصريح له عن خطواته لتشكيل الحكومة، قال أشتية إن إستراتيجية حكومته ستقوم على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني والدفاع عن أراضيه وموارده والتصدي للتوسّع الاستعماري الاستيطاني
الملامح الأولى لحكومة أشتية بدأت تظهر وتتكشف تدريجيًا، وكشفت مصادر مطلعة بأنه تم ترشيح ثلاثة أسماء لتولي حقيبة وزارة الخارجية والمغتربين، وذلك ضمن استعدادات رئيس الوزراء الدكتور محمد أشتية لتشكيل حكومته الجديدة، كما أشارت إلى أن حقيبة وزارة المالية قد يحتفظ بها رئيس الوزراء المكلف أشتية، وبأن الحكومة الجديدة ستحمل تغييرًا شاملاً في كل الحقائب دون استثناء، مضيفةً بأن الأسماء المطروحة لتولي منصب وزير الخارجية بالحكومة الجديدة خلفًا لرياض المالكي، هم: الدكتور رياض منصور سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة، والدكتور مجدي الخالدي مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، إضافة للدكتور ابراهيم خريشة مندوب فلسطين الدائم لدى مجلس حقوق الإنسان.
ونوهت نفس المصادر إلى أن أشتية سيطلب من الرئيس عباس مهلة جديدة مدتها أسبوعين إضافيين حسب القانون لطرح أسماء وزراء حكومته الجديدة أمام الرئيس ليتم المصادقة عليها حال عودته من جولته الخارجية.
وفي أول تصريح له عن خطواته لتشكيل الحكومة، قال أشتية إن إستراتيجية حكومته ستقوم على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني والدفاع عن أراضيه وموارده والتصدي للتوسّع الاستعماري الاستيطاني، وشدد أمس السبت، بمناسبة إحياء ذكرى يوم الأرض، أن سعي حكومة الاحتلال للسيطرة على أوسع منطقة جغرافية بأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين، سيقابله تمسك فلسطيني أكبر بالأرض وتوفير كل المقومات لتعزيز صمود المواطنين فوق أراضهم والتصدي للهجمة الاستيطانية المستمرة.
أشتية خلال مشاوراته مع الفصائل لإقناعهم بالانضمام لحكومته
ويأتي تعيين أشتية خلفًا لرئيس الحكومة السابق رامي الحمد الله الذي كان قد شكل حكومته عام 2014، في وقت تشهد فيه الحياة السياسية الفلسطينية شللاً منذ عام 2007، عقب الانقسام الفلسطيني الذي بدأ برفض حركة فتح المشاركة في حكومة فازت حركة حماس بتشكيلها بعد انتخابات 2005، التي ترفض تعيين “حليف عباس”.
ويشغل أشتية (60 عامًا) عضوية اللجنة المركزية لفتح منذ عام 2009، وسبق أن شغل مناصب وزارية وأكاديمية، وستكون حكومة أشتية الذي لم يحدد حتى الآن موعد إعلانها، رقم 18 في تاريخ السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها بموجب اتفاقيات أوسلو للسلام المرحلي مع “إسرائيل” العام 1994.
خلافات عميقة مع فتح
عقبات أشتية لم تتوقف فقط عند رفض الفصائل المشاركة في حكومته، بل هناك عقبة أكثر حجمًا وخطورة وهي حركة فتح التي تسعى أن تكون كل الحكومة فتحاوية خالصة وأن تخضع لإملاءاتها وسيطرتها الكاملة بعيدًا عن أي دور للفصائل الأخرى، وهذا ظهر واضحًا حين طالب المجلس الثوري لحركة فتح أن تعرض الحكومة عليه لأخذ مشاوراته قبل عرضها على الرئيس عباس.
وفي محاولة للتقارب من أشتية، قال منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي لحركة فتح، إن تعيينه يأتي في ظل مرحلة سياسية صعبة تمر بها القضية الفلسطينية، معتبرًا أن “القيادة الفلسطينية – في ظل المحاولات الإسرائيلية لتطبيق صفقة القرن – رأت ضرورة أن يكون رئيس الحكومة الجديد من اللجنة المركزية للحركة”، وعن مؤهلاته، أضاف: “يمتلك أشتية الشق السياسي والاقتصادي والاجتماعي”، لافتًا إلى أن رئيس الحكومة الجديد “كان يقود حكومة صغيرة تسمى بكدار، وهي مؤسسة غير ربحية تتبع جمعية فلسطينية ونفذت مشاريع مختلفة”.
واعتبر أنه مقبول بين فصائل منظمة التحرير وحركة الجهاد الإسلامي، لكن المشكلة في حماس، على حد قوله، التي اعتبرت أن الأمر “انقلاب على الاتفاقيات الموقعة بالرعاية المصرية، وتكريس لسياسة الاستبداد”، وفق ما جاء في بيان للحركة.
تعد خطوة تشكيل الحكومة تعميقًا للانقسام الداخلي بشاهدة الجميع، وتبقى الساحة تنتظر فصلًا جديدًا من الخلاف تتربع عليه حكومة أشتية
وتعليقًا على ذلك، قال المتحدث باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع: “أي حكومة أو مؤسسة فلسطينية تتشكل بعيدًا عن التوافق والإجماع الوطني هي انقلاب على الاتفاقيات الموقعة بالرعاية المصرية، وتكريس لسياسة الاستبداد”، وأضاف “إجراءات تشكيل حكومة عباس الانفصالية تتناقض تمامًا مع الحديث عن الانتخابات كما يزعم رئيس السلطة”.
تصريحات الجاغوب جاءت مخالفة تمامًا للكثير من تصريحات قيادات حركة فتح في الضفة وغزة، التي أكدت سعيها المطلق للسيطرة على حكومة أشتية وأن يكون كل وزرائها من الحركة، لتحظى بالقبول المحلي والعربي والدولي وحتى الإسرائيلي.
وأكد في هذا السياق أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، ماجد الفتياني، أن مشاورات أشتية، بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، ستعرض على المجلس الثوري للحركة قبل عرضها على الرئيس عباس.
وفي النهاية تعد خطوة تشكيل الحكومة تعميقًا للانقسام الداخلي بشاهدة الجميع، وتبقى الساحة تنتظر فصلًا جديدًا من الخلاف تتربع عليه حكومة أشتية، فيما تزال الأسئلة تطرح: ما مصير قطاع غزة؟ وهل هو على أجندة الحكومة أم سنشهد حصارًا وعقوبات جديدة، بحجة محاولة استرداد الشرعية؟ وهل سيتحرر من “عباءة” عباس التي التصقت بسلفه رامي الحمد الله؟