ترجمة وتحرير: نون بوست
حاول محامو صحيفة “ناشيونال إنكوايرر” إجباري على إنكار وجود اختراق، علما وأنني قدمت على مدى 40 سنة النصح للشخصيات العامة والوكالات الحكومية التي تواجه مسائل أمنية ذات مخاطر عالية. وقد عملت طيلة مسيرتي المهنية مع المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في البيت الأبيض، لا سيما في فترة حكم رونالد ريغان، حيث قدّمت المشورة للزعماء الأجانب بشأن قضايا القتل المثيرة للجدل.
على الرغم من أنني كنت شاهدًا على العديد من الأحداث خلال مسيرتي المهنية، إلا أنني شهدت مؤخرا على مسائل فاجأتني على غرار تعاون شركة “أمريكان ميديا إنك” الإعلامية (أي الشركة الأم لصحيفة “ناشيونال إنكوايرر”) مع دولة أجنبية تحاول باستمرار إلحاق الأذى بالمواطنين والشركات الأمريكية، بما في ذلك مالك صحيفة “واشنطن بوست” جيف بيزوس، الذي كان موكلي طوال 22 سنة. ولكن لفهم تفاصيل هذه القصة، لا بد من الاطلاع على خلفيّتها.
في شهر كانون الثاني/ يناير، نشرت صحيفة “ناشيونال إنكوايرر” طبعة خاصة كشفت من خلالها عن خوض بيزوس علاقة حميمية. وقد طُلب مني اكتشاف هوية الشخص الذي سرّب رسائله النصية الخاصة لهذه الصحيفة، ومعرفة السبب الذي جعل الفاعل يُقدم على مثل هذه الفعلة. وفي وقت لاحق، سرعان ما حدّد مكتبي الطرف الذي استأجرته “ناشيونال إنكوايرر” ليزوّدها بهذه المعلومات، وهو رجل يدعى مايكل سانشيز، شقيق الحبيبة السابقة لبيزوس، لورين سانشيز.
تحدث الكثيرون عن قصة جديدة ظهرت على الصفحة الأولى لصحيفة “وول ستريت جورنال”، وُجّهت فيها أصابع الاتهام لمايكل سانشيز باعتباره مصدر “ناشيونال إنكوايرر”
لكن الغريب في الأمر هو حجم المجهودات التي بذلها طاقم العاملين بشركة “أمريكان ميديا إنك” بهدف الإعلان عن هوية مصدرهم. وقد كانت أوّلها التلميحات القوية التي قدموها لي، وتلتها مجموعة من التصريحات المباشرة التي تفيد بأن مايكل سانشيز هو المذنب. وفي مقابلة له مع التلفزيون الوطني، قال أحد المحامين العاملين بالشركة، قبل أن يخبرنا بالمزيد: “لم يكن البيت الأبيض، ولا المملكة العربية السعودية، وإنما شخص من معارف بيزوس ولورين سانشيز”. وأضاف المحامي أن “كل المحققين العاملين على هذه القضية يعلمون بالفعل هوية المصدر”. ويعتبر هذا التصريح تلميحا مفيدا للغاية، علما وأن موقع “ذا ديلي بيست” أصدر تقريرا كشف من خلاله عن اسم الشخص الذي كان يخضع للتحقيق قبل عشرة أيام.
في الحقيقة، تحدث الكثيرون عن قصة جديدة ظهرت على الصفحة الأولى لصحيفة “وول ستريت جورنال”، وُجّهت فيها أصابع الاتهام لمايكل سانشيز باعتباره مصدر “ناشيونال إنكوايرر”. في المقابل، نُشرت هذه المعلومات للمرة الأولى منذ سبعة أسابيع تقريبا من قبل “ذا ديلي بيست”، بعد أن قدّمت مصادر متعددة من داخل “أمريكان ميديا إنك” المعلومات ذاتها للموقع. أما مقالة “وول ستريت جورنال” فتفيد بأن مراسليها تمكنوا من تأكيد ادعاء مايكل سانشيز، وكانت “ناشيونال إنكوايرر” أوّل من بادر بالاتصال بمايكل سانشيز حول هذه القضية، وليس العكس.
من جانبها، أصرّت “أمريكان ميديا إنك” مرارًا وتكرارًا على أنها تتعامل مع مصدر واحد فقط فيما يتعلق بقصّة بيزوس، غير أن “وول ستريت جورنال” أفادت بأنه حين بدأت “ناشيونال إنكوايرر” المحادثات مع مايكل سانشيز، “كان التحقيق جار بالفعل حول حقيقة وجود علاقة غرامية بين بيزوس ولورين سانشيز”. ومنذ ذلك الحين، أكد مايكل سانشيز لمجلة “بايج سيكس” أنه حين عاودت صحيفة “ناشيونال إنكوايرر” الاتصال به في شهر تموز/ يوليو الماضي، كانوا بالفعل قد تثبتوا من صحّة “تبادل الرسائل النصية” بين الحبيبين.
يستدعي عقد مؤلف من ثماني صفحات أرسلته “أمريكان ميديا إنك” لي ولبيزوس بهدف التوقيع عليه أن أدلي ببيان عام من تأليف الشركة سيقع نشره على نطاق واسع، لأقول فيه إن التحقيق الذي قمت به توصّل إلى أن “أمريكان ميديا إنك” لم تستخدم “أي شكل من أشكال التجسّس الإلكتروني أو الاختراق في رصدها للأخبار”
في حال كانت روايات كل من “وول ستريت جورنال” و”بايج سيكس” دقيقتين، فمن الجلي أن المعلومات الأولية قد وردت عن قنوات أو مصادر أخرى، أو حتى عن طريق وسائل أخرى. ويعد الواقع أكثر تعقيدا، حيث لا يمكن اختزاله دائما في رواية بسيطة من قبيل “لقد فعلها الشقيق”، حتى حين تبيّن أن هذا الشقيق هو الشخص الذي قدّم بعض المعلومات لصحافة التابلويد، وحتى عندما يكون هذا الشقيق شريكًا لصفحة روجر ستون وكارتر. وعلى الرغم من أن هذه الحقائق مثيرة للاهتمام، إلا أنها تعد بسيطة للغاية. ويجب التساؤل حول السبب الذي جعل أفراد “أمريكان ميديا إنك” يكثفون جهودهم بهدف تحديد هوية المصدر، كما يصرّون على أن سانشيز كان المصدر الوحيد لصحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها.
إن الأحداث التي جدّت لاحقا تمثل أفضل إجابة عن هذا السؤال، حيث هددت “أمريكان ميديا إنك” بنشر صور إباحية لجيف بيزوس ما لم يتم استيفاء شروط معينة. ولسبب ما، تراجعت الشركة عن نشر هذه الصور في بداية ظهور قضية بيزوس، أو في أي وقت لاحق. وفي حين سبق الإعلان عن ملخص للشروط المطلوبة، تعد المعلومات التي أشاركها الآن جديدة، حيث تكشف عن الدوافع الحقيقية لـ”أمريكان ميديا إنك”.
يستدعي عقد مؤلف من ثماني صفحات أرسلته “أمريكان ميديا إنك” لي ولبيزوس بهدف التوقيع عليه أن أدلي ببيان عام من تأليف الشركة سيقع نشره على نطاق واسع، لأقول فيه إن التحقيق الذي قمت به توصّل إلى أن “أمريكان ميديا إنك” لم تستخدم “أي شكل من أشكال التجسّس الإلكتروني أو الاختراق في رصدها للأخبار”. ومن الملفت للنظر هنا أنني لم أذكر قط، بشكل علني، مسألة التنصت الإلكتروني أو الاختراق، ما يعني أنهم أرادوا التأكد من عدم إثارتي لهذا الموضوع مستقبلا. كما طلبوا مني أن أقر بأن تحقيقنا خلُص إلى أن القصة المنشورة من قبل شركتهم حول قضية بيزوس تخلو من “أي شكل من أشكال التحريض أو التدخّل أو التأثير من طرف قوى خارجية، سياسية أو غيرها”.
تضمّنت مجموعة سابقة من الشروط المقترحة من طرف “أمريكان ميديا إنك” الإدلاء ببيان “يؤكد أن تقريرها لم يرتكز على أي عملية تنصت إلكتروني، وليس لديها أي علم بمثل هذا السلوك”، وهو ما أرادوا مني قوله
تتسم عبارة “قوى خارجية” بالغرابة، وتدرك “أمريكان ميديا إنك” جيدا أن هذه العبارات لا تعكس استنتاجاتي، لأنني أخبرت ديلان هاورد، رئيس الموظفين المسؤولين عن المحتوى في الشركة من خلال مكالمة هاتفية مسجلة دامت 90 دقيقة، أن الأقوال التي طلبوا مني الإعلان عنها بخصوص مسألة “القوى الخارجية” أو عمليات الاختراق لا تعكس “حقيقة أفكاري”، وإنما ستكون مجرد ترديد لرغبات الشركة”.
لقد تضمّنت مجموعة سابقة من الشروط المقترحة من طرف “أمريكان ميديا إنك” الإدلاء ببيان “يؤكد أن تقريرها لم يرتكز على أي عملية تنصت إلكتروني، وليس لديها أي علم بمثل هذا السلوك”، وهو ما أرادوا مني قوله. علاوة على ذلك، ينص أحد بنود العقد على أنه في حال تجرأت أنا أو بيزوس في أي وقت من الأوقات على “ذكر أو اقتراح أو التلميح” لأي معلومة تتعارض مع ما أرادت “أمريكان ميديا إنك” قوله بشأن التنصت الإلكتروني والاختراق، فستلجأ الشركة إلى نشر صور بيزوس الإباحية.
ورد في المقال الذي قررت كتابته اليوم ما كانت تخطط “ناشيونال إنكوايرر” تماما لمنعي من التصريح به، بما في ذلك عقدهم شروطًا من شأنها أن تمنعني وبيزوس من تقديم تقرير لسلطات إنفاذ القانون. وتجدر الإشارة إلى أن الأمور لم تسر على النحو الذي خططت له “ناشيونال إنكوايرر”. وحالما علم بيزوس بشروط “أمريكان ميديا إنك” مقابل امتناعها عن نشر صوره الشخصية، كانت إجابته الفورية كالآتي: “لا شكرًا”. وفي غضون ساعات قليلة، كتب بيزوس مقالًا سلط من خلاله الضوء على الأسباب الكامنة وراء رفضه تهديد “أمريكان ميديا إنك”.
في مرحلة تالية، نشر بيزوس المقال مصحوبا برسائل البريد الإلكتروني التي وردته من “أمريكان ميديا إنك” حول مسألة الصور الإباحية، على منصة “ميديم” للتدوين. وبناء على ذلك، أصدرت الشركة بيانًا أعربت من خلاله عن “إيمانها الشديد بأنها التزمت بالقانون في الإبلاغ عن قصة بيزوس”. ولا تمت القضايا التي أثارها بيزوس في مقاله المنشور على موقع “ميديم” بأي صلة لمايكل سانشيز. ولم يبد بيزوس قلقه بشأن رواية “ناشيونال إنكوايرر” الأصلية، بل ركّز عوضا عن ذلك على ما أسماه “بالابتزاز”. ولاحقا، طلب بيزوس مني إنفاق “أي مبلغ يتطلبه الأمر” لاكتشاف هوية الأطراف المتواطئة في هذا المخطط، والدوافع التي جعلتهم يقدمون على مثل هذه الأفعال.
اكتمل تحقيقي الآن. وكما ورد في تقارير أخرى، سُلّمت نتائجه إلى المسؤولين الفيدراليين. ونظرًا لأن القضية قد أصبحت خارج نطاقي، فإنني أعتزم اليوم كتابة آخر بيان علني لي بشأن هذه المسألة. فضلا عن ذلك، سأمتنع عن الإفصاح عن التفاصيل التي توصّلنا إليها احتراما للمسؤولين المشرفين على هذه القضية. ولكنني مع ذلك، أشعر بالارتياح في تأكيد حقيقة رئيسية واحدة: “توصل مُحقّقونا وعدة خبراء، بثقة عالية، إلى أن السعوديين تمكنوا من الولوج إلى هاتف بيزوس، وتحصلوا على معلومات خاصة. وإلى غاية اليوم، لا يبدو من الواضح إلى أي درجة كانت شركة “أمريكان ميديا إنك” على دراية بالتفاصيل، إن كانت كذلك بالفعل”.
سيتفاجأ بعض الأمريكيين عند معرفتهم أن الحكومة السعودية كانت عازمة على إيذاء جيف بيزوس منذ تشرين الأول/ أكتوبر، حين بدأت صحيفة “واشنطن بوست” تغطيتها القاسية لمقتل خاشقجي
لم نتوّصل إلى استنتاجاتنا بسهولة، إذ تضمن التحقيق مجموعة واسعة من المصادر: لقاءات تحقيقية مع مصادر ومدراء تنفيذيين سابقين وحاليين في “أمريكان ميديا إنك”، فضلا عن مناقشات مستفيضة مع كبار الخبراء في الشرق الأوسط في المجتمع الاستخباراتي، وخبراء بارزين في الأمن السيبراني الذين تقفّوا أثر برنامج التجسس السعودي. إلى جانب مناقشات مع مستشارين حاليين وسابقين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمخبرين السعوديين، وأشخاص على معرفة شخصية بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأشخاص يعملون مع مساعده المقرب، سعود القحطاني، والمعارضين السعوديين وأهداف أخرى للتحركات السعودية بما في ذلك الناشط والكاتب، إياد البغدادي.
أكد الخبراء الذين استشرناهم تقارير صحيفة “نيويورك تايمز” بشأن قدرة السعوديين على “جمع كميات هائلة من البيانات التي لم يكن بالإمكان الوصول إليها من الهواتف الذكية دون ترك أي أثر، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني. كما أكدوا أن القرصنة مثلت جزءا رئيسيا من “جهود المراقبة المكثفة للسعوديين التي أدت في نهاية المطاف إلى مقتل صحفي “واشنطن بوست”، جمال خاشقجي”.
سيتفاجأ بعض الأمريكيين عند معرفتهم أن الحكومة السعودية كانت عازمة على إيذاء جيف بيزوس منذ تشرين الأول/ أكتوبر، حين بدأت صحيفة “واشنطن بوست” تغطيتها القاسية لمقتل خاشقجي. وقد تم تداول الحملة السعودية ضد بيزوس بالفعل من قبل شبكة “سي إن إن” ووكالة “بلومبيرغ” وموقع “ذا ديلي بيست”، وغيرها. ومن الواضح أن السعودية تهاجم الأشخاص بطرق عدة، بما في ذلك عبر برنامج مواقع التواصل الاجتماعي المدروس الذي يستخدم تكنولوجيا متطورة وبدائل مدفوعة الأجر لإحداث وسوم تكون في الصدارة على نحو زائف.
تزامنا مع جولة ولي العهد السعودي في آذار/ مارس سنة 2018، أصدرت “أمريكان ميديا إنك” مجلة مؤلفة من 100 صفحة لامعة وخالية من الإعلانات سمّيت “المملكة الجديدة”
للإحاطة علما بكيفية إلحاق هذا البرنامج الضرر بالولايات المتحدة، أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السعوديين كان لديهم عميل في تويتر، علما وأن موقع التواصل الاجتماعي طرد الموظّف المتهم، ونصح لاحقا ناشطين محدّدين وغيرهم بأن حساباتهم على تويتر من بين مجموعة من الحسابات المستهدفة من قبل جهات فاعلة ترعاها الدول. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أطلقت الحكومة السعودية العنان لجيشها الإلكتروني ضدّ بيزوس، حيث تضمّنت حملتهم متعدّدة الجوانب دعوات مقاطعة عامّة لموقع أمازون الإلكتروني وفرعها السعودي “سوق.كوم”. وفيما يلي، ثلاثة أمثلة فقط من بين الآلاف من الدعوات:
“نحن السّعودييون لن نقبل أبدا التعرّض لهجوم من صحيفة “واشنطن بوست” صباحا، فقط كي نتمكن من شراء منتجات أمازون و”سوق.كوم” ليلا. والغريب في الأمر أن هذه الشركات الثلاث يملكها اليهودي نفسه الذي يهاجمنا نهارا، ويبيعنا المنتجات ليلا”.
“إن سلاحنا هو المقاطعة، ذلك أن مالك الصحيفة هو نفسه مالك هذه الشركات”.
“لن نتخلّى عن ملاحقتك، وسوف يكون إفلاس هذا اليهودي عبد المال على يد المملكة العربية السعودية بإذن اللّه… هذا اليهودي الحاقد، مالك صحيفة “واشنطن بوست” وأمازون وسوق، الذي يهيننا بشكل يومي”.
تجدر الإشارة إلى أن بيزوس ليس يهوديا، ولكن أظنكم قد فهمتم قصدي. على صعيد آخر، درسنا العلاقة الموثقة والموثوقة بين ولي العهد السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة “أمريكان ميديا إنك”، ديفيد بيكر. وقد شمل التحالف مرافقة ديفيد بيكر لوسيط ولي العهد السعودي كاسي جرين، إلى اجتماع خاص مع دونالد ترامب وجاريد كوشنر في البيت الأبيض. كما سافر بيكر إلى المملكة العربية السعودية لمقابلة ولي العهد، رغم عدم معرفتنا بفحوى تلك الاجتماعات الخاصة، لكن تصرفات رئيس مجلس إدارة “شركة أمريكان إنك” لاحقا كانت واضحة.
أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن “أمريكان ميديا إنك” أرسلت مسبقا نسخة رقمية من مجلتها التمجيدية إلى السفارة السعودية قبل ثلاثة أسابيع من طباعة وتوزيع 200 ألف إصدار
تزامنا مع جولة ولي العهد السعودي في آذار/ مارس سنة 2018، أصدرت “أمريكان ميديا إنك” مجلة مؤلفة من 100 صفحة لامعة وخالية من الإعلانات سمّيت “المملكة الجديدة”. ونظرا لأن ولي العهد السعودي لم يكن حتى ذلك الوقت شخصية سيئة السمعة في الغرب، وذلك قبل جريمة قتل جمال خاشقجي، قدّمته المجلة للأمريكيين على أنه الزعيم العربي الأكثر نفوذا، الذي غير العالم وحسن حياة رعيته وآمال السلام، رغم عدم تجاوزه سن الثانية والثلاثين.
من جهتها، أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن “أمريكان ميديا إنك” أرسلت مسبقا نسخة رقمية من مجلتها التمجيدية إلى السفارة السعودية قبل ثلاثة أسابيع من طباعة وتوزيع 200 ألف إصدار. (على الرغم من الأدلة الشرعية الجوهرية التي قدمتها “وكالة أسوشيتد برس”، إلا أن المملكة نفت تلقّيها المسبق لمحتوى المجلة. وعلى الرغم من وقوعنا في حالة إنكار، قالت المملكة العربية السعودية إنه لا علاقة لها بقضية بيزوس، كما قالت أيضا إن ولي العهد السعودي لا علاقة له بمقتل جمال خاشقجي بأي شكل من الأشكال).
من جهة أخرى، أصرّت “أمريكان ميديا إنك” علنا على أن لا أحد من مديريها التّنفيذيين ومحرّريها الخارجيين كان له أي تأثير على هذه المنشورات أو محتواها. وأعتقد أنهم كانوا يقصدون شخصا آخر غير كاسي جرين، وهو الوسيط التابع لولي العهد السعودي، الذي أحضره بيكر إلى البيت الأبيض. وأنا أقول هذا لأن “أمريكان ميديا إنك” سرعان ما كان عليها أن تكشف لجهاز الأمن القومي بوزارة العدل أن مجلّتهم الغامضة تضمّنت محتوى كتبه جرين، وأنّهم قدّموا له أيضا المسودّات الكاملة للعمل من أجل المراجعة المسبقة، واقترح عليهم تغييرات قاموا بتنفيذها لاحقا، وقدّم لهم أفضل الصور لولي العهد. وبوجود أصدقاء من قبيل “أمريكان ميديا إنك”، أنت لست بحاجة إلى الدعاية.
لقد أجرت شركتي العديد من التحقيقات حول سوء إدارة صحيفة “ناشيونال إنكوايرر”، بما في ذلك التحقيق الذي أصبح موضوع دراسة استقصائية لبرنامج “60 دقيقة” سنة 1990. وقبل ذلك الوقت، كان يُنظر للصحف الشعبية كمنشورات مضحكة تقريبا، حيث مزجت بين ثرثرة المشاهير مع المخلوقات الفضائية ومشاهدات إلفيس بريسلي. لكن، عندما أصبحت علاقة صحيفة “ناشيونال إنكوايرر” متداخلة مع الحقيقة والسياسة، لم يعد الأمر مضحكا بعد ذلك.
على الرغم من الاعتدال النسبي في البداية، كانت علاقة ترامب وبيكر قد توسّعت. وأصبحت صحيفة “ناشيونال إنكوايرر” الذراع التنفيذي لحملة ترامب الانتخابية الرئاسية. وقد قدم المدعي العام في المنطقة الجنوبية لنيويورك وصفا في قضيته ضد مايكل كوهين، الذي تمت إدانته، حيث قدم خدمة للولايات المتحدة من خلال فرضه ضوابط على نطاق واسع على “أمريكان ميديا إنك”، وديفيد بيكر ونائبه ديلان هوارد، من خلال اتفاقية عدم الادعاء التي تطلب منهم الالتزام بعدم ارتكاب أي جرائم للسنوات الثلاث القادمة، كما تقتضي من الجميع في “أمريكان ميديا إنك” حضورهم التدريب السنوي حول قوانين الانتخابات الفدراليّة، وهي الطريقة التي لا أعتقد أنهم كانوا يقضون بها أوقاتهم.
المصدر: ذا ديلي بيست