تشهد الجزائر، في الساعات الأخيرة، تطورات كبرى تنبئ بتحولات مهمة ستشهدها البلاد في المستقبل القريب، فبعد يوم واحد من تجديد قائد الجيش أحمد قايد صالح مطالبته بتطبيق المادة 102 من الدستور وعزل الرئيس لأسباب صحية، قرر بوتفليقة تعيين حكومة جديدة لتصريف الأعمال، ما يؤكد حسب العديد من المراقبين، أن استقالة بوتفليقة من منصبه ليست سوى مسألة وقت لا أكثر، فهو يمهد حاليًّا لنقل السلطة.
حكومة تصريف أعمال
الرئاسة الجزائرية أعلنت مساء أمس الأحد، تشكيل حكومة تصريف أعمال مكونة من 27 وزيرًا برئاسة رئيس الوزراء المعين نور الدين بدوي، بينما احتفظ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحقيبة وزارة الدفاع، كما بقي قائد الأركان الفريق قايد صالح في منصبه نائبًا لوزير الدفاع.
هذه الحكومة الجديدة، سجلت مغادرة عدد كبير من الوزراء القدامى أبرزهم وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي خلفه في المنصب ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة الدبلوماسي صبري بوقادوم، في حين تم تعيين الأمين العام لوزارة الخارجية حسن رابحي وزيرًا للإعلام وناطقًا رسميًا باسم الحكومة.
يرى العديد من المحللين في الجزائر، أن التركيبة الحكومية الجديدة، جاءت لإرضاء الجيش والرئاسة على حد سواء
كما غادر وزير الطاقة مصطفى قيطوني، وحل محله محمد عرقاب، ووزير المالية محمد راوية الذي استبدل بمحمد لوكال محافظ بنك الجزائر المركزي، فيما غلبت صفة التكنوقراط على الوزراء الجدد، وأغلبهم كانوا أمناء عامين لوزارات مثل الأمين العام لوزارة الداخلية صلاح الدين دحمون الذي تولى حقيبة الوزارة.
وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن يوم 11 من مارس/آذار الماضي إقالة حكومة أحمد أويحيى وتعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي خلفًا له، إلى جانب تعيين رمطان لعمامرة نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للخارجية خلفًا لعبد القادر مساهل.
إرضاء الجيش والرئاسة
الملاحظ أن التركيبة الجديدة للحكومة الجزائرية، حافظ فيها رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي يطالب بعزل بوتفليقة عبر تطبيق المادة 102 من الدستور، بمنصبه كنائب وزير الدفاع الوطني، وهو ما يعني وجود اتفاق بين بوتفليقة وقايد صالح، خاصة أن الإعلان جاء بعد بيان الجيش الجديد.
وجاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد يوم واحد من بيان لقيادة الجيش، جدد الدعوة إلى رحيل رئيس الجمهورية باعتباره المخرج الوحيد للأزمة في الإطار الدستوري، كما أكد دعمه لمطالب الشارع بإرجاع السيادة إلى الشارع في تسيير المرحلة الانتقالية، وطالب أيضًا بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور.
وتتحدث المادة الـ7 أن “الشعب مصدر كل سلطة” وأن “السيادة الوطنية ملك للشعب وحده”، في حين تتحدث الـ8 أن “السلطة التأسيسية ملك للشعب”، وهو من “يمارس السيادة بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، كما يمكن أن يمارسها عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين”.
يترأس نور الدين بدوي الحكومة الجديدة
بعدما ذهب إلى نية الجزائريين أن القطيعة النهائية بين الرئاسة والجيش قد حصلت ولا رجعة فيها، حيث جدد قايد صالح المطالبة بإبعاد بوتفليقة، ووجه اتهامات لأطراف قال إنها تشن حملة ضد الجيش وهدد بكشف أسمائها وبتطبيق الإجراءات القانونية ضدها، شُكلت الحكومة الجديدة لتضع حدًا لكل هذه التأويلات.
ويرى العديد من المحللين في الجزائر أن التركيبة الحكومية الجديدة، جاءت لإرضاء الجيش والرئاسة على حد سواء، فكلاهما حافظ على عناصره، وهو ما يعتبر حلاً وسطًا بين الطرفين، يمهد لقرارات أخرى مهمة في قادم الأيام.
استقالة قادمة
القرارات التي تم الاتفاق عليها بين الرئاسة وقيادة الجيش، من المتوقع أنها تضمنت أيضًا كيفية تطبيق المادة 102 من الدستور التي يطالب الجيش بتطبيقها، وينتظر أن يعلن بوتفليقة في الأيام القليلة القادمة استقالته، وما تشكيل الحكومة الحاليّة إلا تمهيد لنقل السلطة.
ويعتبر تشكيل الحكومة خطوة ضرورية في هذا الاتفاق بين الجيش والرئاسة، ذلك أن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي سينوب الرئيس بوتفليقة في رئاسة الدولة، في حال تفعيل المادة 102 من الدستور، ليس له الحق في تعيين أي طاقم حكومي.
يطمح الجزائريون في تحقيق انتقال سلمي في البلاد وانتخاب رئيس للجمهورية بطريقة نزيهة من أجل إعادة بناء البلاد من جديد
ضمن هذا التمشي، أشارات العديد من التقارير الإعلامية أمس الأحد إلى استعداد بوتفليقة لإعلان استقالته طبقًا لأحكام المادة 102 من الدستور، وتذكر المادة 102 أنه في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وبعد ذلك يجتمع البرلمان وجوبًا ويتم تكليف رئيس مجلس الأمة بمهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية.
وذكرت وسائل إعلام جزائرية أن الرئيس بوتفليقة سيستقيل خلال 48 ساعة على أقصى تقدير، وأن أخا الرئيس السعيد بوتفليقة الذي يتهم بالفساد واستغلال مقدرات الدولة لخدمة الصالح الخاص، سيغادر منصبه بصفته مستشارًا بالرئاسة.
الجيش يتحكم في عملية التغيير
انطلاقًا من التطورات الحاصلة، نرى أن الجيش بقيادة الفريق قايد صالح يسعى إلى التحكم في عملية التغيير التي تشهدها البلاد، ويعمل الجيش على إلقاء كامل ثقله لمواكبة عملية تغيير القيادة السياسية في البلاد، رغم الرفض الذي يلقاه من غالبية الشعب.
ويسعى الجيش الجزائري إلى تعزيز نفوذه السياسي الكبير في البلاد، وذلك بضبط أجندة وآليات المرحلة الانتقالية المقبلة بالعمل من خلف الكواليس لعزل الرئيس بوتفليقة، في ظل تواصل الحراك الشعبي المطالب بالتغيير والديمقراطية.
رغم محاولته المتكررة بالخروج عن الصور المعهودة والظهور في ثوب المحايد المحافظ على أمن وسلامة البلاد فقط، فإن العديد من المؤشرات تؤكد أن الجيش الجزائري في طريقه إلى تصدر المشهد مجددًا والتحكم في البلاد بعيدًا عن المدنيين الذين أفقدوه بعض صلاحيته.
يسيطر الجيش الجزائري على معظم مناحي الحياة في البلاد
يتحكم الجيش الوطني الشعبي الجزائري وريث جيش التحرير الوطني، في معظم مجالات الحياة في الجزائر (اجتماعية واقتصادية وسياسية…)، وذلك منذ خروج المستعمر الفرنسي من البلاد سنة 1962، سيطرة مطلقة طيلة عقود عدة، جعلت من الجيش رقمًا صعبًا في هذا البلد الغني بالنفط، حتى إن اختار في بعض المراحل العمل في الظل لإبعاد الشبهات عنه، كما حصل سنة 1999 عند صعود عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم.
ويترصد الجيش الجزائري الفرصة لتصدر الساحة السياسية مجددًا والعودة إلى سالف عهده، بعد أن تم تحجيم دوره في مرات عدة خلال فترة حكم بوتفليقة، ويعتبر الجيش الوطني الشعبي الجزائري وريث جيش التحرير الوطني، الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني، ذلك التنظيم الذي قاد حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وأجبر حكومة فرنسا على التفاوض من أجل تقرير مصير الجزائر.
الشعب يصر على تحقيق مطالبه
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يصر غالبية الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع طلبًا للتغيير على ضرورة تحقيق مطالبهم كاملة دون نقصان، وتعيش الجزائر على وقع حراك شعبي بدأ في 16 من فبراير/شباط الماضي في مدينة خراطة بمحافظة بجاية شرقي البلاد، ضد نظام حكم بوتفليقة (يحكم منذ 1999) الذي ألغى في 11 من مارس/آذار، انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 18 من أبريل/نيسان، وسحب ترشحه لولاية خامسة.
يطالب الشعب برحيل النظام
كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد وضع خريطة طريق في الـ11 من مارس/آذار الحاليّ للخروج من الأزمة، تضمنت تمديد ولايته الرابعة وتأجيل الانتخابات الرئاسية وتنظيم ندوة وطنية جامعة، لكن الحراك الشعبي رفض خطة بوتفليقة.
ويطالب المحتجون برحيل النظام الذي يقوده عبد العزيز بوتفليقة منذ أكثر من عقدين وساهم في تراجع البلاد في كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضًا، ويطمح الجزائريون إلى تحقيق انتقال سلمي في البلاد وانتخاب رئيس للجمهورية بطريقة نزيهة من أجل إعادة بناء البلاد من جديد.
لئن أجمع غالبية الشعب الجزائري على تغيير النظام ورحيل رموزه التي تتهم بالفساد وإيواء الفاسدين، فإنهم اختلفوا في التصورات التي ستوصلهم لهذا الأمر، والطرق الكفيلة لإخراج بلادهم من أزمتها السياسية الراهنة، خاصة أن المحتجين لا يثقون في الطبقة السياسية الحاليّة ولا قيادة جامعة لحراكهم، وهو ما يجعل باب التكهنات مفتوحًا على مصراعيه.