ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أن اغتالت غارة جوية إسرائيلية آلاء الشيخ السنة الماضية، دفنتها عائلتها في مقبرة مؤقتة بالقرب من المستشفى الإندونيسي في شمال غزة لأن الوصول إلى المقبرة الرئيسية أصبح مستحيلًا بسبب تصاعد الهجمات البرية والجوية في المنطقة. وفي نهاية المطاف، اقتحمت القوات الإسرائيلية محيط المستشفى الإندونيسي، وهي المنطقة التي أقيمت فيها المقبرة المؤقتة.
وعندما زارت العائلة المكان بعد بضعة أسابيع عقب الانسحاب الإسرائيلي، كان الجثمان قد اختفى. وقال يحيى الشيخ، شقيق آلاء، لميدل إيست آي: “أردنا نقل جثمانها إلى مقبرة الفالوجة، لكننا صدمنا عندما لم نجد القبر ولا جثمانها”.
وأضاف يحيى البالغ من العمر 45 عاما، وهو من سكان جباليا: “كان المكان الذي دفنت فيه جثتها فارغًا، ولم تكن هي الوحيدة.. كان هناك العديد من الجثث المفقودة من المقبرة، وقبور مفتوحة، وكان الموقع بأكمله في حالة من الفوضى”.
بحثت العائلة لأيام عن جثمان آلاء وسألوا سكان الأحياء المجاورة؛ وأكد البعض أن القوات الإسرائيلية اقتحمت المقبرة، لكنهم لم يروا ما فعله الجنود، فقد كان أي شخص ينظر من النافذة معرضًا لخطر إطلاق النار.
وقال يحيى الشيخ: “بدأنا نبكي، فقد كان شعورًا مؤلمًا من الحزن والأسى.. سألنا العديد من الأشخاص، لكن لا أحد كان يعرف ما حدث. قال بعضهم إن الجنود ربما أخذوا الجثث.. وآخرون يعتقدون أن الجثث قد تكون مدفونة تحت الأرض بسبب عمليات الجرف. لكننا لا نعرف شيئًا”. وأضاف: “حتى يومنا هذا، ليس لدينا أي معلومات عن رفات شقيقتي”.
منذ الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الماضية، تزايدت الأدلة التي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يقوم بتدنيس المقابر بشكل ممنهج، بما في ذلك هدم القبور وقصف مواقع الدفن واستخراج الجثث.
ووفقًا للمكتب الإعلامي للحكومة الفلسطينية في غزة، فقد استولت القوات الإسرائيلية على ما لا يقل عن 2,300 جثة لموتى فلسطينيين من مقابر غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كما تسببت الهجمات الإسرائيلية المتواصلة في تدمير 19 مقبرة من أصل 60 مقبرة في جميع أنحاء القطاع الذي مزقته الحرب، وفقا للمكتب.
وقد أصبح الاستيلاء على الجثامين في غزة مصدر خوف وأرق لكثيرين ممن لم يتجاوزوا حتى الآن صدمة فقدان أحبائهم في القصف الإسرائيلي المتواصل.
مدفونون.. لكن دون راحة
تقول أنهار رمضان التي قُتلت شقيقتها في غارة جوية إسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن جثة شقيقتها لم تُفقد بل عُثر عليها في “حالة مروعة”.
وأضافت أنهار (41 سنة)، وهي من سكان النصيرات وسط قطاع غزة، لموقع ميدل إيست آي: “تعرض منزلي للقصف في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. بقيت تحت الأنقاض لمدة أربع ساعات، وعندما خرجت، كان جسدي محترقًا، ويدي اليسرى مخلوعة”.
وتابعت: “لم يخبروني على الفور من قُتل في القصف. عقب أسبوع، وبعد أن دفنوهم، اكتشفت أن شقيقتي رباب وابنتي وزوج شقيقتي وابنها قد استشهدوا”.
عقب بضعة أسابيع، وبعد أن بدأت تتعافى، أصرّت أنهار على زيارة قبري ابنتها وشقيقتها في مقبرة القسام في النصيرات، وقالت: “ذهبت إلى المقبرة، وكان كل شيء على ما يرام. كنت أزورهما كلما اشتقت إليهما. وأنا أفعل ذلك منذ أشهر”.
إلاّ أن التوغل الإسرائيلي في المنطقة قبل نحو شهرين غيّر المشهد. وأوضحت أنهار: “قررت زيارتهم [بعد التوغل] ووجدت مشهدًا مروعًا. لقد دنّسوا قبر شقيقتي، كان القبر مفتوحًا بالقرب من رأسها، وكان رأسها ظاهرًا”.
وأضافت: “شعرت كأن نارًا اشتعلت بداخلي وبكيت بشدة لأيام. لا أعرف من نبش قبرها. لقد كان جسدها مكشوفًا عند رأسها، وكان منظرًا مرعبًا. اتصلت بإخوتي، وجاءوا على الفور لإصلاح القبر”.
تدنيس المقابر
وجد تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” أن الجيش الإسرائيلي دنّس 16 مقبرة على الأقل في هجومه البري على غزة حتى يناير/ كانون الثاني، بما في ذلك فتح القبور واستخراج الجثث كجزء من عملية “البحث عن رفات الرهائن الذين احتجزتهم حماس”.
وفي 25 سبتمبر/ أيلول، أرسلت إسرائيل شاحنة تحمل جثث متحللة لحوالي 90 فلسطينيًا إلى غزة، دون الكشف عن أي تفاصيل حول هوياتهم أو ما إذا كان بعض الجثث قد تم استخراجها من القبور.
وقالت حبيبة سلامة، وهي نازحة تبلغ من العمر 35 سنة، تعيش حاليا في دير البلح وسط قطاع غزة، لموقع ميدل إيست آي: “عندما قُتل والدي، حاول الناس مواساتي قائلين إنني لن أخشى بعد الآن من أن يموت جوعًا أو يصاب أو يُعتقل”. كان والدها قد رفض النزوح واختار البقاء في شمال غزة.
وأضافت: “لكن ليس صحيحًا أنني أشعر بخوف أقل الآن. أن أكون بعيدة عن المكان الذي دُفن فيه، وأسمع وأقرأ باستمرار عن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بفتح القبور وإخراج الجثث، هو أمر يشعرني بالرعب من احتمال استيلائهم على جثمانه”.
وتؤكد حبيبة أن أول شيء ستفعله عند عودتها إلى شمال غزة هو زيارة قبر والدها، لكنها تشك في أنها ستجده، مضيفة: “أخشى ألا أتمكن من زيارته مرة أخرى. هو مدفون في مقبرة لا يستطيع أحد الوصول إليها حاليًا”.
وتابعت: “هل يمكنك تخيل ذلك؟ لقد تحول حلمي من رؤية والدي مرة أخرى إلى مجرد العثور على جثته”.
المصدر: ميدل إيست آي