“لكن فراقك ياعدية صعب علينا”.. هكذا يقول وائل وهو يروي آخر لحظات عاشها في حمص عندما حاصرته هو ومئات الأشخاص الآخرين قوات النظام السوري عند مسجد الصحابي خالد ابن الوليد.
ويسرد وائل تفاصيل القصة قائلاً: “كنا قد انسحبنا من حمص المحاصرة بالكامل واتجهنا نحو الحافلات التي ستقلنا إلى الريف بوجود الأمم المتحدة.. ولم نجد أنفسنا إلا والنظام قد طوقنا من جميع الجوانب.. وشعرنا أنه لامنجا ولا منجا إلا من الله والأمر كان عصيبًا جدًا، ولكن بفضل الله لم نشعر بالصعوبة بسبب السكينة التي أنزلها الله علينا”.
مضيفًا: “رفعنا الآذان وأقمنا الصلاة، عند مسجد الصحابي الجليل سيدي خالد ابن الوليد أقمنا عراضة حمصية تغيظ أعداء الله، وعندما فرج علينا الله وأذن لنا بالخروج، وكان اتجاهنا إلى الريف وضعنا بنادقنا على زجاج الحوافل موجهة إليهم وكان التكبير وذكر الله بصوت تقشعر له الأبدان ويغيظ العدا طول الطريق الواصل للريف الشمالي.. لكن فراقك ياعدية صعب علينا”.
أحد المنسحبين، كان يبدو في سن الثامنة عشر، قال وجنود الأسد بجانبه مخاطبًا أحد المصورين: “أقسم بالله راجعين لنفتح حمص بإذن الله، هؤلاء أعداؤنا أعداء الدين، بإذن الله راجعين”، ثم قال: “أقسم بالله محروق قلبي.. نحنا بنبتسم بوجهن (مشيرًا إلى جنود الأسد، هما بيفكروا راح نرجع لحضن الوطن لكن نحنا همنا الجنة”.
وأما منشد الثورة “عبد الباسط ساورت” وعقب خروجه من حمص المحاصرة، فقال: “النظام السوري انتصر بالفعل على 1800 مقاتل كانوا محاصرين في المدينة بين الجوع والحصار واضطروا إلى تناول أوراق الشجر”.
وحول ما يروجه النظام من أن خروج المقاتلين من حمص كان تحت مسمى المصالحة الوطنية، أشار الساروت إلى أن المقاتلين خرجوا بكافة سلاحهم وعتادهم، وأنهم خرجوا بعد أن نفذ مخزونهم الاحتياطي، وأصبحت وجبة الطعام الرئيسية منذ 8 أشهر مقتصرة على “الكزبرة المطحونة مع الفليفلة وأوراق الشجر”، مشيرًا إلى أن “24 مقاتلاً قضوا قنصًا من قبل قوات النظام أثناء محاولتهم جمع أوراق الشجر لتناول الطعام”.
“كنا ندافع عن الجميع.. كنا ندافع عن الكل والل.”، يقول شيخ وهو يغادر حمص، ثم يقول: “خذلونا أقرب الناس، أكلنا الأعشاب التي تعجز عن أكلها الدواب، أكلنا القطط، ماذا نقول، حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل في إخواننا الذين خذلونا”.
“مات أربعة منا بسبب أكلهم لأعشاب سامة، والله لو بقيت أوراق شجر لما خرجنا” يقول أحد المقاتلين الخارجين، ويقول مقاتل آخر إلى جانبه فقد عينه اليسرى أثناء الحصار: “بعض من أصيبوا معي كانت إصاباتهم خفيفة ولكنهم لم يجدوا حتى أبسط الإسعافات، كاست سيروم(يقصد السائل الذي يحقن للمصابين للتخفيف من أوجاعهم) ما وجدوها وماتوا.. فقدت عيني بسبب شظية ولكن الحمد الله”.
ويومًا بعد يوم، سيروي الخارجون من حمص قصص الحصار وقصص آلاف السوريين الذي كانوا مخيرين ما بين الخضوع للنظام أو الموت جوعًا أو الموت قنصًا وهم يقتطفون أوراق الأشجار ليسكتوا بها جوع المقاتلين والشيوخ والنساء والأطفال والرضّع.