بدأ في موريتانيا، أغلب المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة، حملتهم الانتخابية بصفة مبكرة، سعيا منهم إلى إقناع أكبر عدد ممكن من الموريتانيين ببرامجهم وكسب أصواتهم للظفر بكرسي الرئاسة وخلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في القصر الجمهوري.
ضمن هؤلاء المرشحين المحتملين يبرز اسم وزير الدفاع السابق، الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، الذي يترشّح بصفة مستقلة رغم دعم النظام له، كما يبرز أيضا أسماء كلّ من الناشط الحقوقي المدافع عن “حقوق الأرقاء والأرقاء السابقين” بيرام ولد اعبيدي، ورئيس الحكومة الأسبق، سيدي محمد ولد بوبكر، ورئيس “اتحاد قوى التقدم” محمد ولد مولود وآخرين.
الغزواني.. مرشّح السلطة
يعتبر الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، المرشّح الأوفر حظًا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية به، وفي حال فوزه بالرئاسة منتصف السنة الحاليّة، سيكون أول قائد أركان للجيوش الموريتانية يصل إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الدبابات في انقلاب عسكري.
ولد وزير الدفاع الموريتاني الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد، الملقب بالغزواني، عام 1956، ببلدة بومديد، شرقي موريتانيا، قبل أن يتدرج في التحصيل العلمي ما بين الدراسات القانونية والعلوم الإدارية والعسكرية، وانضم إلى القوات الموريتانية كمتطوع، في سن الثانية والعشرين، قبل أن يعين عام 1981 قائدًا للمنطقة العسكرية الثالثة.
يعتبر ولد الغزواني رفيق درب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، وسبق أن أطاح هذا المرشّح إلى جانب ولد عبد العزيز، بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
منذ توليه منصب وزير الدفاع، أصبح ولد الغزواني أكثر تحررًا ليمارس السياسة، وهو ما مكنه من بدء عمليات التحضير لحملته الانتخابية المرتقبة، ودخلت الساحة السياسية في موريتانيا في حملة مبكرة للرئاسيات المنتظرة، حيث ستعرف البلاد أول انتخابات رئاسية يشرف عليها رئيس ممنوع من الترشح بنص الدستور بعد إكماله لعهدته الثانية الأخيرة دستوريًا.
يوصف ولد الغزواني بأنه مرشّح السلطة رغم ترشّحه بصفة مستقلّة، فسبق أن أعلن وزير الثقافة المتحدث باسم الحكومة الموريتانية سيدي محمد ولد محم، في يناير/كانون الثاني الماضي، اختيار ولد الغزواني مرشحًا للسلطة، ووصف ولد محمد الذي يرأس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، القرار بأنه “أفضل خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية الذي أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز”.
محمد ولد الغزواني
يعتبر هذا المرشّح رفيق درب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، وسبق أن أطاح ولد الغزواني إلى جانب ولد عبد العزيز، بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في الـ6 من أغسطس/آب 2008، الذي كان أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.
ولد بوبكر.. أبرز مرشحي المعارضة
حاولت أحزاب المعارضة الاتفاق حول مرشّح موحد للانتخابات المرتقبة في شهر يونيو/ حزيران المقبل، لكنها لم تتوصل إلى ذلك، ما جعلها تقدّم العديد من المرشحين، ويعتبر رئيس الحكومة الموريتانية الأسبق، سيدي محمد ولد بوبكر، أبرز هؤلاء المرشحين، وأكثرهم تفاؤلا.
يمتلك ولد بوبكر خبرة طويلة في تسيير البلد من خلال تجربته رئيسا للحكومة، بالإضافة لعلاقاته الواسعة في الأوساط السياسية
يدعم هذا المرشّح عديد الأحزاب المعارضة، ومنها “الاتحاد والتغيير الموريتاني” وحزب “المستقبل”، بالإضافة إلى حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الإسلامي (ثاني أكبر حزب سياسي ممثل في البرلمان الموريتاني).
يعدّ سيدي محمد ولد بوبكر أحد أبرز قادة أركان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وتولى الأمانة العامة لـ”الحزب الجمهوري” الذي حكم موريتانيا إبان فترة حكم ولد الطايع. وبعد الانقلاب العسكري على ولد الطايع، كلف ولد بوبكر برئاسة الحكومة الانتقالية في الفترة ما بين 2005 و2007، ثم شغل بعد ذلك بعض المناصب الحكومية وسفيرا لبلاده بعدد من الدول.
سيدي محمد ولد بوبكر
يمتلك ولد بوبكر خبرة طويلة في تسيير البلد من خلال تجربته رئيسا للحكومة، بالإضافة لعلاقاته الواسعة في الأوساط السياسية، ومعرفته بتفاصيل الشأن السياسي المحلي، على عكس مرشح السلطة ولد الغزواني الذي لم يشتغل في السياسة إلا في فترة صغيرة، فقد انحصر عمله في المجال العسكري فقط.
بيرام ولد اعبيدي.. المدافع عن “حقوق الأرقاء والأرقاء السابقين”
ضمن مرشحي المعارضة، نجد أيضا الناشط الحقوقي المناهض للعبودية بيرام ولد اعبيدي، الذي يطمح أن يصبح رئيسا للبلاد، ودخل ولد اعبيدي المجال السياسي من بوابة المطالب الحقوقية. ولد بيرام ولد الداه اعبيدي يوم 12 يناير/كانون الثاني 1965 في جدر المحكن بولاية الترارزة في الجنوب الغربي الموريتاني، لأسرة فقيرة تنحدر من شريحة لحراطين (الأرقاء السابقين) فنشأ رافضا للواقع الاجتماعي الذي يقسم المجتمع الموريتاني.
ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014 فحصل على حوالي 8% من أصوات الناخبين، ليحل ثانيا في الترتيب بعد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. واستمر في نشاطه الحقوقي حتى اعتقل في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بعد مسيرة نظمتها حركته، واتهم بالإخلال بالأمن العام والتظاهر غير المرخص وصدر بحقه حكم بالسجن سنتين.
برز بيرام ولد الداه اعبيدي حقوقيا منافحا عن شريحة لحراطين، فشارك في نشاطات الحركات الحقوقية العاملة في المجال
يعتبره أنصاره رمز الانعتاق والحرية، فيما يراه خصومه أداة تستخدمها أطراف خارجية لتمزيق نسيج المجتمع الموريتاني، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس ولاية الترارزة، فحصل على الثانوية العامة في شعبة الآداب المزدوجة (اللغة الفرنسية) عام 1985 من ثانوية روصو، أقدم ثانويات البلاد.
عمل بيرام ولد الداه اعبيدي، كاتب ضبط في محاكم النعمة في الجنوب الشرقي الموريتاني عام 1988، وبعد سنة واحدة انتقل إلى محكمة نواذيبو في الشمال الموريتاني. وفي سنة 2007 عين عضوا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي هيئة دستورية مهمتها النهوض بحقوق الإنسان ومراقبة سجل الحكومة في هذا المجال.
برز بيرام ولد الداه اعبيدي حقوقيا منافحا عن شريحة لحراطين (الأرقاء السابقين)، فشارك في نشاطات الحركات الحقوقية العاملة في المجال وخاصة “منظمة نجدة العبيد” بقيادة ببكر ولد مسعود، وقبلها “حركة الحر” العريقتين في الدفاع عن شريحة “لحراطين”.
بيرام ولد الداه اعبيدي
ترشح بيرام في لائحة مستقلة للمجلس البلدي في نواذيبو (العاصمة الاقتصادية) سنة 1994، معلنا بذلك القطيعة مع قيادات “الحر” التي كان يتعاطى معها. وبعد الإطاحة بـمعاوية ولد سيدي أحمد الطايع عام 2005، التحق بيرام بالمرشح المستقل لرئاسيات 2006 الزين ولد زيدان ونشط في حملته وكان متحدثا باسمها، لكن العلاقة بينهما انقطعت بعد تعيين ولد زيدان رئيسا للوزراء في عهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
وفي عام 2008 أنشأ بيرام ولد الداه اعبيدي “مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية” المعروفة اختصارا بحركة “إيرا”، التي شكلت ملامح رؤيته السياسية الحقوقية القائمة على الخطاب “الصادم” الرافض لكل البنيات السياسية والاجتماعية والفقهية التي اعتبرها تكرس الاسترقاق وممارسة استعباد شريحة لحراطين.
محمد ولد مولود.. مرشّح “اتحاد قوى التقدم”
لم تكتفي المعارضة الموريتانية بهذه الأسماء فقط للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد ترشّح أيضا رئيس حزب “اتحاد قوى التقدم” والنائب البرلماني محمد ولد مولود لرئاسة الجمهورية أيضا، أملا في خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ومن المنتظر أن يعلن ولد مولود عن ترشحه بشكل رسمي في مهرجان شعبي في ساحة ابن عباس يوم 6 إبريل/نيسان الحالي. وكانت توصية من اللجنة الدائمة للحزب قد أثارت خلافات حادّة داخل الحزب بين المعارضين لترشح ولد مولود والداعمين له وهي الخلافات التي طفت على السطح، قبل أن تحسم الهيئات الحزبية الأمر لصالح دعاة الترشيح.
محمد ولد مولود
يشغل السياسي المخضرم محمد ولد مولود ، حاليا منصب الرئيس الدوري للمنتدى الذي يظم أغلب أحزاب المعارضة الموريتانية. ويقول حزب”اتحاد قوى التقدم” إنه رشّح ولد مولود للرئاسية، “نظرا لتعذر توصل التحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية إلى مرشح موحد خلال هذا الاقتراع رغم الجهود المضنية والمتواصلة التي بذلها الحزب بقيادة الرئيس محمد ولد مولود”.
فضلا عن هؤلاء الثلاثة، من المنتظر أن تترشح شخصيات معارضة أخرى لمنافسة مرشح السلطة ولد الغزواني الذي يوصف بكونه أداة لاستمرار نظام ولد عبد العزيز في الحكم، غير أن ترشحهم مشتتين سيعطي الفرصة لمرشح النظام للفوز.