بعد انتظار دام قرابة 3 أسابيع، أفرجت الرئاسة الجزائرية أخيرًا عن الطاقم الحكومي الجديد الذي يقوده الوزير الأول نور الدين بدوي، الذي حمل بعض المفاجآت غير السارة للجزائريين، في وقت تتسارع الأحداث في البلاد بعد البدء في متابعة المحسوبين على نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإعلان الجيش إحباط مخطط كان يستهدفه بالتآمر مع مخابرات أجنبية.
وبعد فشل المشاورات التي قادها بدوي منذ تعيينه وزيرًا أول خلفًا لأحمد أويحيى المستقيل لتشكيل حكومة كفاءات وطنية من المستقلين، اضطرت الرئاسة الجزائرية أخيرًا للإفراج عن طاقم وزاري لم يكن في مستوى تطلعات الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 من فبراير/شباط الماضي.
إحباط
على عكس ما كان يأمله الجزائريون، جاءت تشكيلة حكومة نور الدين بدوي دون أن تحمل جديدًا للمواطنين، ما أحبط معنوياتهم وجعلهم يخرجون في مسيرات رافضة لما تمخضت به دواليب السلطة.
دقائق فقط، بعد الكشف عن الطاقم الحكومي الجديد في وسائل الإعلام في حدود الساعة الثامنة ليلاً بالتوقيت المحلي، توجه المئات من الجزائريين خاصة الشباب منهم إلى ساحة موريس أودان وسط العاصمة للتعبير عن رفضهم لأسماء الحكومة الجديدة التي حملت 27 اسمًا منهم 6 وزراء كانوا في حكومة أحمد أويحيى.
حتى إن لم يحمل بيان رئاسة الجمهورية صفة تصريف الأعمال، إلا أن مهمة الحكومة الجديدة ستتمثل في ذلك، حيث ستعمل على قيادة المرحلة الانتقالية للبلاد خاصة مع الاستقالة المنتظرة للرئيس بوتفليقة
وأبقى نور الدين بدوي على وزراء التجارة والمجاهدين والبريد والتضامن والسياحة والبيئة، وهي الوزارات التي ليس لها احتكاك مع المواطنين بشكل كبير، وتتكون الحكومة الجديدة من شخصيات ذات ماضٍ هزيل في المجال السياسي حتى إن كانت من العنصر الشبابي مثل وزير الشباب والرياضة فاروق برناوي الذي يرأس اتحادية المبارزة ووزير العلاقات مع البرلمان فتحي خويل البرلماني الحاليّ وأحد الكوميديين السابقين الذي عرف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “فتحي يحكي”.
ويتمثل باقي الطاقم الحكومي في سفراء سابقين مثل وزير الخارجية صابري بوقادوم الذي شغل منصب سفير لدى الأمم المتحدة ووزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة حسان رابحي الذي كان سفيرًا بالصين، وأمناء عامين للوزارات مثل وزير التربية عبد الحكيم بلعابد الذي كان أمينًا عامًا للوزارة ذاتها.
وعرفت الحكومة الجديدة إنهاء منصب نائب الوزير الأول الذي شغله رمطان لعمامرة لأيام فقط، وإضافة صفة الناطق الرسمي لوزير الاتصال، وهي المهمة التي اختفت منذ إنهاء مهام وزير الاتصال الأسبق عبد الرشيد بوكرزازة.
ولعل أهم ما ميز هذه الحكومة رحيل الوزراء الذين عمروا في السلطة التنفيذية وكانوا محل انتقاد شعبي، تتقدمهم وزيرة التربية نورية بن غبريت ووزير العدل الطيب لوح، إضافة إلى إبقاء رئيس الأركان نائبًا لوزير الدفاع رغم مقترحاته المطالبة بتنحي الرئيس بوتفليقة، ما يعني أن التطورات تسير لصالحه في حملته ضد محيط الرئيس.
رغم المخاض العسير الذي عرفه ميلاد حكومة نور الدين بدوي، فإنها لم تصنع الاهتمام الكبير في البلاد مثل باقي الأحداث المتسارعة التي تعرفها الجزائر
وإن لم يحمل بيان رئاسة الجمهورية صفة تصريف الأعمال، إلا أن مهمة الحكومة الجديدة ستتمثل في ذلك، حيث ستعمل على قيادة المرحلة الانتقالية للبلاد خاصة مع الاستقالة المنتظرة للرئيس بوتفليقة، لكن يبقى ذلك غير مهم في الظرف الحاليّ لأن الاختبار الحقيقي لها سيظل مرتبطًا بمدى نجاحها في امتصاص غضب الشارع، وإقناعه بأنها ستعمل على تحقيق مطالبه وإحداث القطيعة مع النظام الحاليّ حتى إن كان بعض أعضائها ينتمون إليه وعينت من رئيس تحرك الشارع لدفعه للتنحي.
متابعات
رغم المخاض العسير الذي عرفه ميلاد حكومة نور الدين بدوي، فإنها لم تصنع الاهتمام الكبير في البلاد مثل باقي الأحداث المتسارعة التي تعرفها الجزائر، خاصة ما تعلق بموقف المؤسسة العسكرية ممثلة في الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الذي يبدو أنه قد يربح المعركة التي يخوضها ضد معسكر محيط الرئيس بوتفليقة.
ففي مساء السبت الماضي، خطا الفريق أحمد قايد صالح مراحل جديدة في صراعه ضد ما تسميها الصحافة الجزائرية “العصابة الحاكمة”، وذلك بعد عقده اجتماعًا بمقر أركان الجيش ضم كل من قادة القوات، قائد الناحية العسكرية الأولى والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، في إطار تقييم الحصيلة العامة للجيش على وجه العموم ولدراسة تطورات الأوضاع السائدة في البلاد، بعد اقتراح تفعيل المادة 102 من الدستور، على وجه الخصوص، وفق بيان لوزارة الدفاع.
وقال قايد صالح: “ فكما تعلمون، لقد أكدت في مداخلتي يوم 26 من مارس 2019 التي ألقيتها بالقطاع العملياتي جنوب – شرق جانت بالناحية العسكرية الرابعة، على أن تطبيق المادة 102 من الدستور هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة الحاليّة التي تمر بها البلاد، هذا الاقتراح الذي يأتي في إطار المهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي بصفته الضامن والحافظ للاستقلال الوطني والساهر على الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الترابية وحماية الشعب من كل مكروه ومن أي خطر محدق، وفقًا للمادة 28 من الدستور“.
قال رئيس الأركان قايد صالح: “غالبية الشعب الجزائري رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب”
وجاء كلام قايد صالح بعدما عرفت مسيرات الجمعة الماضية المليونية مطالب بضرورة إرفاق تطبيق المادة 102 من الدستور بتفعيل المادة السابعة أيضًا.
وحسب قايد صالح، فإن “غالبية الشعب الجزائري رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب”.
وأضاف قائد الجيش أنه “بتاريخ 30 من مارس 2019، تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور”.
وتابع قائلاً “على ضوء هذه التطورات، يبقى موقف الجيش الوطني الشعبي ثابتًا بما أنه يندرج دومًا ضمن إطار الشرعية الدستورية ويضع مصالح الشعب الجزائري فوق كل اعتبار ويرى دائمًا أن حل الأزمة لا يمكن تصوره إلا بتفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور”، مضيفًا “كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطًا أحمر، غير مقبولة بتاتًا وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية”.
ورغم أن قايد صالح أجّل الكشف عمن شاركوا في هذا الاجتماع، فإن التسريبات التي نقلتها الصحافة الجزائرية أشارت إلى أن الاجتماع المشار إليه جرى في بيت رئيس المخابرات السابق الفريق محمد مدين المعرف باسم “الجنرال توفيق” بحضوره وبمشاركة السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس بوتفليقة الذي يتهم أنه قد سطا على ختم رئاسة الجمهورية ويصدر قرارات على هواه مستغلاً مرض شقيقه المزمن.
تؤكد هذه التوقيفات ما حذر منه محامون وبرلمانيون سابقون من قيام عدة مسؤولين ورجال أعمال مقربين من بوتفليقة ببيع ممتلكاتهم وتحويل أموالهم نحو الخارج بعد انطلاق شرارة الحراك الشعبي
كما حضر الاجتماع رئيس المخابرات الحاليّ الجنرال بسير طرطاق، وفق التسريبات ذاتها وسياسيون سابقون وحاليون وممثلون عن المخابرات الفرنسية بهدف تعيين الجنرال توفيق مستشارًا أمنيًا والرئيس السابق اليمين زروال الذي حضر الاجتماع أيضًا رئيسًا للدولة، إلا أن اكتشاف زروال للمخطط الذي يحاك جعله يرفض هذا المقترح ويغادر العاصمة عائدًا إلى منزله في باتنة شرق البلاد.
وفي حال تأكدت هذه المعلومات، ستواجه الأسماء المذكورة تهمًا جنائية تتعلق بالخيانة العظمى للبلاد، ما يعني تسليط أقصى العقوبات عليها في حال باشرت النيابة العامة تحقيقًا بشأن الموضوع.
ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه بعد أن صدر قرار رسمي يمنع رجال أعمال مقربين من نظام الرئيس بوتفليقة من السفر، حيث تم توقيف رجل الأعمال علي حداد في مركز أم الطبول الحدودي مع تونس وهو يحاول الفرار إلى الجارة الشرقية للجزائر.
وتؤكد هذه التوقيفات ما حذر منه محامون وبرلمانيون سابقون من قيام عدة مسؤولين ورجال أعمال مقربين من بوتفليقة ببيع ممتلكاتهم وتحويل أموالهم نحو الخارج بعد انطلاق شرارة الحراك الشعبي، وذلك رغم نفي هذه المعلومات من بنك الجزائر المركزي الذي أصبح محافظه محمد لوكال وزيرًا للمالية في حكومة بدوي.
دعم حذر
أيدت مختلف الأحزاب السياسة في البلاد القرار الذي اتخذه قائد أركان الجيش بتفعيل المواد 7 و8 و102 لحل الأزمة التي تمر بها الجزائر، بالنظر إلى أنه يتطابق مع ما ينادي به الجزائريون في مسيرات الجمعة.
أشار مقري إلى أن حركته “مع الإصلاح السياسي والتغيير الشامل لمنظومة الحكم من خلال الإجراءات المؤدية لتجسيد الإرادة الشعبية كاللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات ورفض الحظر عن تأسيس الأحزاب والجمعيات”
وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب معارض وإسلامي في البلاد): “نحن مع المؤسسة العسكرية كمؤسسة دستورية في إطار مهامها الدستورية، ومع مرافقة المؤسسة العسكرية للوصول إلى الحل وتحقيق التوافق الوطني والانتقال الديمقراطي السلس دون تحكمها في السلطة السياسية”، وأضاف “نحن مع المطالب الشعبية بإنهاء العهد البوتفليقي برموزه ورجال أعماله وشبكاته وزبائنه وعلاقاته المشبوهة وآثاره المدمرة على الاقتصاد والثروة الوطنية والمؤسسات والهوية والقيم، ومع الانتقال الديمقراطي السلس المتفاوض عليه والهادئ والعادل، لصالح الجميع والبعيد عن الظلم والانتقام وتصفية الحسابات”.
وأشار مقري إلى أن حركته “مع الإصلاح السياسي والتغيير الشامل لمنظومة الحكم من خلال الإجراءات المؤدية لتجسيد الإرادة الشعبية كاللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات ورفض الحظر عن تأسيس الأحزاب والجمعيات، واستقلالية القضاء، وحياد الإدارة والمؤسسة العسكرية في العملية السياسية والانتخابية”.
بدورها أيدت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدامى المحاربين) قرار قيادة الجيش في تطبيق المواد 7 و8 و102 من الدستور كمنطلق أساسي لمعالجة الأزمة الحاليّة.
رغم صعوبة التكهن بما تحمله الساعات القادمة في الجزائر، بسبب تسارع الأحداث في كل لحظة، فإن ظاهرها يشير إلى أنها تسير وفق ما يطالب به قائد الجيش
وأفاد بيان للمنظمة صدر عقب اجتماع الأمانة الوطنية للمنظمة أنه “بالنظر لوجاهة مبادرة قيادة الجيش الوطني الشعبي، تثمن الأمانة الوطنية عاليًا مسعى المؤسسة العسكرية الحريصة على حماية أمن واستقرار البلاد وضمان انتقال دستوري سلس نحو بناء دولة ديمقراطية شعبية تستجيب لطموحات وآمال الملايين من المواطنين الذين احتضنتهم مختلف جهات الوطن”.
واعتبرت المنظمة أن هذه المبادرة تعد “المخرج الوحيد للتخلص من منظومة الحكم القائم وإقامة جمهورية ديمقراطية شعبية تكرس القيم والمبادئ وتحقق الأهداف التي آمنت بها قوافل شهدائنا الأبرار كما نص على ذلك بيان أول نوفمبر 1954”.
ورغم صعوبة التكهن بما تحمله الساعات القادمة في الجزائر، بسبب تسارع الأحداث في كل لحظة، فإن ظاهرها يشير إلى أنها تسير وفق ما يطالب به قائد الجيش، حيث يتوقع أن يستقيل الرئيس بوتفليقة في الساعات المقبلة، خاصة مع عودة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح من أشغال القمة العربية لخلافته، رغم تضارب الآراء عن هذه الشخصية بسبب رفضها شعبيًا، لكن مهما كانت التطورات التي سيعرفها هذا الأسبوع يبقى الأهم فيها مدى قدرتها على إقناع الجزائريين بجديتها وثنيهم عن الخروج في مسيرة جديدة الجمعة القادمة.