ما يميز الحراك الشعبي الذي تشهده مختلف مدن وقرى الجزائر منذ أكثر من شهر، أن بدايته كانت عفوية إلى درجة كبيرة، فلا قيادة تؤطره ولا زعماء تاريخيين يقودونه، ما أفرز قيادات شبابية عملت طوال فترة الاحتجاجات على تأطير التحركات.
هذه القيادات شكلت العديد من الحركات الشبابية التي تطمح إلى مرافقة الحراك الشعبي والمساهمة في تأطيره دون أن تكون ناطقة باسمه أو محتكرة لتمثيله، من ذلك حركتين “عزم” و”تازيهم قاع” اللتين تشكلتا مؤخرًا.
حركة “عزم”
في الـ16 من شهر مارس/آذار الماضي، أي تقريبًا بعد شهر من بداية الحراك الشعبي في الجزائر، أعلن عدد من الشباب (يشتغلون في اختصاصات متنوعة) في الجزائر عن إطلاق حركة سياسية شبابية، أطلقوا عليها اسم “عزم“.
وتقول حركة عزم في بيان تأسيسها أنها ولدت من “رحم الشعب وإليه تعود، وأتى أعضاؤها من بين صفوفه”، وجاءت “عزم” “لتجمع كل العازمين على صناعة مستقبل الجزائر المنشودة وتلم شتات شبابها الباحث عن إطار يجمعه وكيان يضمه وحركة تترجم عزمه الراسخ على التغيير الشامل في بلد يمثل عنصر الشباب ثلثيه، ويُراد له أن يظل تحت وصاية نظام هرِم لطالما أقصاه وهمشه وتجاهله”.
طالبت الحركة بـ”تشكيل لجنة خبراء للإشراف على تعديل الدستور وقانون الانتخابات والإشراف على الاستفتاء على التعديلات الدستورية بشرط ألا تمس تلك التعديلات المادة 212″
يرى الأعضاء المؤسسون للحركة أن “عزم” تمثل “امتدادًا للحركة الوطنية ومبادئها وأهدافها، من حزب نجم شمال إفريقيا إلى جبهة التحرير الوطني التي فجرت الثورة التحريرية المباركة”، وتتخذ هذه الحركة من “بيان الفاتح نوفمبر مرجعية، ومن ثوابت الشعب التي بينها ثوابتَها، ومن هدف بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية في إطار المبادئ الإسلامية أسمى أهدافها”.
ويقول مؤسسو هذه الحركة: “عزم حركة ديمقراطية محافظة، تتمسك بثوابت الدولة الجزائرية المتمثلة في أن لغتها الأولى هي العربية وأن دين الدولة هو الدين الإسلامي بجانب المبادئ النوفمبرية (بيان أول نوفمبر)”.
لكونها ولدت من رحم الحراك الشعبي، فإن تأسيسها حمل معه العديد من المطالب ذات الاهتمام المشترك للشارع الجزائري، ومن أبرز هذه المطالب نجد إلغاء الندوة الوطنية التي دعت إليها السلطة وحل الحكومة الحاليّة وتشكيل حكومة تصريف أعمال تقودها كفاءات متخصصة.
انبثقت حركة “عزم” من رحم الحراك
كان بوتفليقة قد أعلن في 11 من مارس/آذار الحاليّ، سحب ترشحه لولاية خامسة وتأجيل انتخابات الرئاسة إلى جانب عقد مؤتمر للحوار لصياغة دستور جديد قبل تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة لن يترشح فيها، وذلك على وقع حراك شعبي رافض لاستمراره في الحكم، ما قوبل بالرفض من المعارضة.
كما طالبت الحركة بـ”تشكيل لجنة خبراء للإشراف على تعديل الدستور وقانون الانتخابات، والإشراف على الاستفتاء على التعديلات الدستورية بشرط ألا تمس تلك التعديلات المادة 212، وتعيين مجلس من ستة أعضاء يمثل سلطة انتقالية، فضلاً عن تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 6 أشهر، وتجميد إبرام الصفقات المتعلقة بالتجارة الخارجية التابعة للقطاع العام حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد”.
حركة “تازيوهم ڨاع”
هذا الحراك الشعبي المتواصل منذ أكثر من شهر، حمل معه أيضًا تشكل حركة شبابية أخرى إلى جانب حركة “عزم”، ويطلق على هذه الحركة “تازيوهم ڨاع”، ويقول مؤسسيها إنها “حركة سياسية شبابية، ولدت من رحم الحِراك الشعبي الذي اندلعت شرارته في 22 من فبراير من العام الحاليّ من أجل تغيير النظام”.
ويقول بيان التأسيس إن اسم هذه الحركة اشتق من عبارة جزائرية خالصة، متداولة بشكل واسع في مناطق من عمق الجزائر، يُقابلها في الفصحى عبارة “ترحلون جميعًا”، في إشارة إلى مطلبهم الأول وهو رحيل النظام وترك الكلمة للشعب.
ويقول أحد أعضاء الحركة، رفض ذكر اسمه، إن حركتهم السياسية الشبابية الجديدة نابعة من قلب الحِراك الشعبي تسعى لمرافقة الحِراك بتغطية الأحداث بطريقة ساخرة وهادفة في الوقت ذاته وتساهم بالأفكار الجادة لإيجاد الحلول للأزمة.
يعد الواقع السياسي الحاليّ المتدهور والمتدني، مقارنة بالطموحات والآمال التي ينشدها، عائقًا كبيرًا أمام الشباب في التطوع لخدمة البلد من بوابة السياسة
يشير العضو في حديثه لنون بوست، أن حركة “تازيوهم ڨاع” تشكلت بشكل تلقائي بين مجموعة من الناشطين الشباب في الحِراك الشعبي الذي تعرفه البلاد منذ أسابيع، تجمعهم علاقات افتراضية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ترجمت على أرض الواقع.
وتسعى هذه الحركة الشبابية وفق محدثنا إلى “تغذية الرأي العام بمنشورات سياسية في قالب ساخر، وتتناول أحداث الحراك وتداعياته، بغية توسيع رقعة الوعي عند الشباب الجزائري”، كما تعمل على مرافقة عملية الانتقال الديمقراطي بتقديم حِزمة من الأفكار الجادة كمساهمة منها في ايجاد حلول جذرية للأزمة السياسية القائمة.
وعلى غرار حركة “عزم” تنفي حركة “تازيوهم ڨاع”، أيضًا انتماءها لأي فصيل أو حزب سياسي في البلاد، وتنفي أيضًا حملها لأي أفكار عرقية أو دينية، بل تستمد مرجعيتها من بيان الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 وتضحيات الشهداء الأبرار، وفق قول محمد أمين.
عودة الحراك السياسي لدى الشباب
استغلت هذه الحركات الشبابية حالة التسييس وحالة الاهتمام بالشأن العام التي عادت إلى الشعب الجزائري، لإعلان بداية نشاطها، وكلتاهما تطمح إلى دفع الشباب للاهتمام أكثر بالشأن العام للبلاد والانخراط في العمل السياسي.
وقبل بداية الحراك الشعبي في فبراير/شباط الماضي، لم يكن الشباب الجزائري يرى أن مشاركته في الحياة السياسية سيكون لها تأثير كبير، ذلك أن الواقع كان يقول إن الوضع سيبقى على حاله والأحزاب الحاكمة ستبقى في السلطة لفترة أخرى يجهل الجميع موعد نهايتها، رغم ادعاء هذه الأحزاب رغبتها في تسليم السلطة للشباب.
ورغم أن المجتمع الجزائري مجتمع شاب، إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن هذه الفئة تمثل أكثر من 70% من المجتمع، وعدد كبير من هؤلاء الشباب من خريجي الجامعات، فإن أغلبهم يعزف عن السياسة ولا يثقون في رجالها سواء المعارضة أم السلطة، ويعدونهم السبب في أزمات عديدة تعيشها بلادهم حاليًّا.
تواصل الحراك الشعبي في الجزائري رغم وعود السلطة بالاستجابة لمطالبهم
يعد الواقع السياسي الحاليّ المتدهور والمتدني، مقارنة بالطموحات والآمال التي ينشدها الغالبية من سكن وعمل وترفيه، والمسيطر عليه من الوجوه التي تأبى أن تستقيل، عائقًا كبيرًا أمام الشباب خاصة والشارع الجزائري عامة في التطوع لخدمة البلد من بوابة السياسة.
وعادة لا يجد الشباب الجزائري في البرامج الانتخابية ما يتوافق مع تطلعاته وانشغالاته، خاصة مع عدم تحقيق الوعود في الانتخابات السابقة، مما أدى إلى انعدام ثقتهم في غالبية الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية، غير أن الحراك الأخير أعاد لهم الثقة، فهم من تصدر التحركات في معظم البلاد.
تبين هذه الحركات السياسية الشبابية الجديدة عودة الروح للشباب الجزائري وعودة الاهتمام بالسياسة، بعد نفور تواصل لعقود عدة نتيجة أسباب كثيرة منها الذاتي ومنها الموضوعي، فالشباب في هذا البلد العربي لا يرى لنفسه مكانًا في المنظومة السياسية الحاليّة.