مع سريان وقف إطلاق النار في لبنان، ودخوله حيز التنفيذ، في تمام الساعة الرابعة فجرًا بالتوقيت المحلي للبنان، والثانية فجرًا بتوقيت غرينتش، صباح اليوم، دخل الاتفاق المبرم ببنوده المعلنة منعطفًا جديدًا، تحت مجهر التقييم، وسط تباين في الآراء والمواقف حول إيجابياته وسلبياته، سواء على الجانب اللبناني أو الإسرائيلي، لا سيما في ظل الغموض الذي يكتنف الكثير من تفاصيله التي كانت بحاجة إلى مزيد من الوضوح والشرح.
في العموم حظي الاتفاق – الأقرب للهدنة – بترحيب واسع النطاق، داخليًا وخارجيًا، حيث وصفه وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، بأنه يمثل لحظة تاريخية في المنطقة، فيما اعتبره الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فرصة لتحقيق الاستقرار في لبنان.
أما رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، فيرى أنه سيوفر قدرًا من الارتياح للسكان المدنيين، كما وصفه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بأنه خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان وعودة النازحين إلى قرارهم ومدنهم، كما أنه يساعد على إرساء الاستقرار الإقليمي، مثمنًا ما أسماه “الدور الأمريكي” في إبرام هذا الاتفاق.
وفي الوقت الذي ثمن فيه البعض هذه الخطوة التي اعتبرها بمثابة “استراحة محارب” و”ضرورة ملحة فرضتها التطورات الأخيرة” بالنسبة لـ”حزب الله”، ومرحلة “التقاط أنفاس” للبنانيين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لتلك الحرب الإجرامية على مدار أشهر عدة، وفرصة مشروعة لهم لممارسة حياتهم الطبيعية والعودة لمناطقهم التي نزحوا منها، هناك من كان له رأي آخر، وسط انقسام بين حول ضرورة وتداعيات ورمزية هذا الاتفاق الذي ربما يحقق مخطط “تفكيك وحدة الساحات” الذي كان يحلم به رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
اتفاق غامض وتفاصيل مبهمة
تمحورت بنود اتفاق وقف إطلاق النار حسب النسخة الأخيرة التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية حول عدد من النقاط، بعضها يتسم بالغموض والاقتضاب، أبرزها أن القوات الأمنية والعسكرية الرسمية في لبنان ستكون الجماعات المسلحة الوحيدة المرخص لها بحمل الأسلحة أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.
إضافة إلى إشراف الحكومة اللبنانية ورقابتها على أي بيع وتوريد وإنتاج أسلحة أو مواد متعلقة بالأسلحة إلى لبنان، بجانب تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المشاركة في إنتاج الأسلحة والمواد المرتبطة بالأسلحة، وبالتبعية تفكيك كل البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة التي لا تفي بهذه الالتزامات، كل هذه بطبيعة الحال يقصد به “حزب الله”.
كما تضمن كذلك عدم قيام “حزب الله” وجميع الجماعات المسلحة الأخرى الموجودة في الأراضي اللبنانية بأي عمل هجومي ضد الاحتلال، وفي المقابل لن يقوم الاحتلال بأي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك على الأرض، في الجو والبحر، مع اعتراف لبنان ودولة الاحتلال بأهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
وتضمن الاتفاق تشكيل لجنة تكون مقبولة لدى الاحتلال ولبنان، غير محددة التفاصيل ولا الأعضاء، وتقوم بمراقبة ومساعدة ضمان تنفيذ هذه الالتزامات، مع التأكيد على أن لبنان و”إسرائيل” سيبلغان قوات اليونيفيل عن أي انتهاك محتمل لالتزاماتهما، مع نشر لبنان قواته الأمنية الرسمية وقواته العسكرية على كل الحدود والمعابر والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية الموضح في خطة الانتشار، فيما ترسل “إسرائيل” قواتها بشكل تدريجي إلى جنوب الخط الأزرق خلال مدة تصل إلى 60 يومًا، وفي الأخير فإن كل تلك الالتزامات لا تلغي حق الاحتلال أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.
اللافت هنا أن النسخة الأخيرة من الاتفاق المعلن لم تتضمن بعض النقاط المحورية وربما الرئيسية التي تضمنتها النسخ السابقة التي روجت لها وسائل الإعلام العبرية على مدار الأيام الماضية، وعلى رأسها تجريد حزب الله من سلاحه ومشاركة قوات دولية في تنفيذ الاتفاق مع استبعاد قوات اليونيفيل وتحجيم دور ونشاط ونفوذ الجيش اللبناني في الجنوب، وهو الأمر الذي أثار حالة من الغضب لدى المعارضة الإسرائيلية وبعض الأصوات اليمينية المتطرفة داخل الحكومة والتي ترى أن الاتفاق يحمل بين طياته هزيمة لجيش الاحتلال في مواجهة الحزب اللبناني، كما جاء على لسان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.
ويرى بن غفير أن الاتفاق مُوقعًا على الجليد، وأن “حزب الله” سيعود للتسلّح مرة أخرى، منوهًا إلى أن الحرب في لبنان يجب أن تنتهي عندما تهزم “إسرائيل” الطرف الآخر، في إشارة للحزب، مضيفًا “إسرائيل تضيّع فرصة تاريخية لتركيع حزب الله، وبإمكانها الاستمرار في سحقه”.
وتبقى آلية التنفيذ، وهوية القوات التي ستراقب بنود الاتفاق، المعضلة الأكبر في مواجهة ترجمة القرار لإجراءات ملموسة، دون أي خروقات، إذ تمثل تلك النقطة أحد أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين، اللبناني الذي يتحفظ على وجود قوات مثل الولايات المتحدة، والجانب الإسرائيلي الذي يتحفظ على وجود قوات مثل فرنسا ومنح اليونيفيل السلطة الكاملة.
ورغم إشارة بايدن إلى أن الاتفاق سيُنفذ “بشكل كامل”، وأنه لن يكون هناك انتشار للقوات الأمريكية في جنوب لبنان، وهو ما أكد عليه المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، فإنه في الوقت ذاته استدرك قائلًا إن واشنطن ستدعم الجيش اللبناني، دون تحديد طبيعة ونوعية هذا الدعم، الأمر الذي يُبقي على الباب مفتوحًا أمام كل الاحتمالات من بينها تواجد قوات أمريكية أو أخرى قد تكون موالية للكيان الإسرائيلي، بما يُعرض الاتفاق برمته للتهديد.
استراحة محارب واتفاق ضرورة.. هكذا يرى المؤيدون
حالة احتفاء واضحة خيمت على الأجواء مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ واستعاد النازحون من الجنوب اللبناني الأمل في العودة مجددًا إلى منازلهم ومناطقهم التي نزحوا منها بفعل القصف الإسرائيلي على مدار أكثر من شهرين، فيما اعتبر البعض أن ما حدث انتصارًا كبيرًا يحسب للمقاومة ولـ”حزب الله” الذي نجح في إفشال مخطط “إسرائيل” في احتلال الأراضي اللبنانية مرة أخرى، ناهيك بإبقاء مقاربات المشهد كما هي من حيث عجز “إسرائيل” عن إعادة سكان الشمال لمناطقهم مرة أخرى في مقابل النزوح المضاد لسكان الجنوب اللبناني لمناطقهم مرة أخرى، رغم تأكيد الحزب على تأجيل تلك الخطوة حتى إصدار التعليمات الرسمية بذلك.
ويرى أنصار هذا الرأي أن الاتفاق ما كان ليحدث لولا صمود المقاومة وتكبيدها الخسائر الفادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي وجد نفسه مضطرًا لقبول اتفاق وقف إطلاق النار بعد النزيف المتواصل الذي تعرض له منذ بداية حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وخلال الشهرين الماضيين على وجه التحديد، وهو السبب في حالة الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية إزاء تلك الخطوة بين مؤيد ومعارض.
وفي مواجهة الانتقادات التي تعرض لها “حزب الله” بسبب قبول وقف إطلاق النار بشكل أحادي بعيدًا عن غزة، أشار المؤيدون إلى أن الاتفاق رغم أنه حق أصيل للبنان بالحفاظ على شعبه وأرضه، فإن الحزب كان جبهة الإسناد الأهم والأبرز للمقاومة في غزة منذ بداية الحرب، وأنه دفع الثمن غاليًا جدًا من قياداته وقاعدته التنظيمية والهيكلية وترسانته التسليحية.
كما أنه حين أعلن دخوله الحرب كجبهة إسناد لغزة كانت له مقارباته وحساباته التي دفعته لذلك، وحين أبرم الاتفاق الحالي كان ذلك استنادًا إلى مقاربات وحسابات أخرى، أدرجها البعض تحت عنوان “اتفاق الضرورة” الذي فرضته المستجدات الأخيرة وما تعرض له الحزب من ضربات موجعة واختراقات قوية كانت تتطلب فترة التقاط أنفاس لإعادة ترتيب المشهد مجددًا.
أبناء هذا التوجه يعتبرون أن الاتفاق لا يعني بالضرورة التخلي عن دعم غزة بشكل كلي، وإن كان ذلك سيتم بشكل غير مباشر لا يعرض الهدنة للاختراق، لافتين إلى أن مقاربات الحزب إزاء هذه الخطوة تمحورت حول عدة محاور على رأسها تجنيب المنطقة حرب إقليمية، والحيلولة دون فقدان الحزب لحاضنته الشعبية بتعميق الاحتلال لضرباته ومعاناته للشعب اللبناني، وما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي اللبناني، بجانب حاجة الحزب لفترة استراحة لإعادة تقييم المشهد – دون ضغوط استمرار الحرب مع الاحتلال – وفق المستجدات الأخيرة.
تفكيك وحدة الساحات ونسف لتوصيات نصر الله.. هذا ما يراه المعارضون
في 19 أبريل/نيسان 2024 وفي كلمة للأمين العام السابق لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، قال معلقًا على مخطط “إسرائيل” إزاء تكثيف عمليات الاستهداف بحق “حزب الله” وقياداته إن “الهدف إخضاع واستسلام وخروج المقاومة من هذه المعركة، وتترك غزة وأهلها ومقاومتها وبالتالي كل ما قدمناه من تضحيات وجهود ومواجهات قاسية خلال عام يكون ذهب سدى ونحن لا يمكن أن نفعل ذلك!”.
وكان نصر الله يرى أن خروج “حزب الله” من المعركة، دون أن يحدد السبب أو الآلية أو المقاربة، يعني ترك غزة وأهلها ومقاومتها وحيدة، ويعني كذلك أن كل ما قدمه الحزب من تضحيات منذ الدخول على خط الحرب كجبهة إسناد منذ أكتوبر/تشرين 2023 ستذهب سدى، مؤكدًا في نهاية كلمته “نحن لا يمكن أن نفعل ذلك”.
وفي أول كلمة له الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد إعلان انتخابه أمينًا عامًا للحزب، خلفًا لنصر الله، قال نعيم قاسم إن “برنامج عملي هو استمرارية لبرنامح عمل قائدنا السيد حسن نصر الله في كل المجالات”، وأضاف “سنستمر في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها مع قيادة المقاومة وسنبقى في مسار الحرب ضمن الوجهة السياسية المرسومة”، وتابع “مساندة غزة كانت واجبة علينا”.
ومن هنا يرى آخرون أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه “حزب الله”، هو نسف لتوصيات نصر الله الذي شدد خلالها على إبقاء الحزب كجبهة إسناد لغزة حتى وقف الحرب بالقطاع بشكل نهائي، وفي الوقت ذاته تحولًا في موقف الأمين العام الجديد الذي أكد التزامه بالسير على برنامج قائده السيد، مشددًا في كلمته السابقة على أن “مساندة غزة كانت واجبة علينا”، وهنا تساؤل يطرحه البعض: هل باتت مساندة غزة اليوم ليست واجبة؟ وما الأسباب؟
علاوة على ذلك فإن بنود الاتفاق إذا ما التُزم بها حرفيًا فهي تعني خروج الحزب عن المشهد بشكل تدريجي، حيث تجفيف منابع التسليح، ومراقبة خطوط الإمداد والتموين بشكل دقيق، لا سيما عبر العراق وسوريا، ومنح الضوء الأخضر للجيش اللبناني السلطة المطلقة في الجنوب دون أي تواجد ولو ضئيل لعناصر الحزب، وهي الشروط التي رفضها الحزب في كل الاتفاقيات السابقة التي أبرمت، سواء بينه وبين الحكومة اللبنانية (اتفاق الطائف) أو قرارات مجلس الأمن (1559 – 1701).
أنصار هذا الرأي يتهمون قيادات الحزب بمساعدة نتنياهو وحكومته في إنجاح مخطط تفكيك وحدة الساحات التي كانت العقبة الرئيسية في مواجهة أطماع الكيان الاستيطانية، ولطالما كان لها دورها المعتبر في تلجيم اليمين المتطرف عن تحقيق أحلام التوسع والتمدد والاستفراد بغزة بعدما تخلى عنها الجميع.
هذه الخطوة أثارت حفيظة الكثير من المتابعين للمشهد الإقليمي، بعضهم من الداعمين لـ”حزب الله” على طول الخط، منهم الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان، الذي شن هجومًا على الحزب بسبب موافقته على هذا الاتفاق، منوهًا إلى أن الحزب بالفعل قد دفع الثمن من خلال القصف الإسرائيلي ونزوح سكان الجنوب وتدمير الجنوب والضاحية وصور وبعلبك، وبالتالي لم تعد هناك حاجة ملحة للانصياع لتلك الهدنة والتخلي عن المقاومة في غزة والتي ستصبح وحيدة في مواجهة الانتقام الإسرائيلي بعدما باتت مُستفردة دون أي جبهات إسناد خارجية، معتبرًا أن الاتفاق مكافأة لبايدن الداعم الأبرز لجرائم الاحتلال، ونتنياهو مجرم الحرب الملاحق قضائيًا.
أما الباحث السوداني تاج السر عثمان، فوصف الاتفاق بأنه هزيمة مذلة مكتملة الأركان، مغردًا على حسابه على إكس قائلًا: “حزب الله أحدث في آخر ركعة، لا سلم التعب و لا قبلت الصلاة، اتفاق هزيمة مذلة مكتملة الأركان، لا توجد مقاومة تحرر تقف في منتصف الطريق إما أن تكمل أو أن لا تبدأ أصلاً.. سلامٌ على غزة في العالمين”.
وعن المفارقة بين موقف “حزب الله” في سوريا مقارنة بما هو عليه في مواجهة الاحتلال غرد الكاتب المصري جمال سلطان قائلًا: “سيسجل التاريخ أن حزب الله قاتل بشراسة في سوريا، واستبسل في حربه ضد الشعب السوري قتلًا ودمارًا وحصارًا، 10 سنوات لم يتوقف عن مسلسل الدم في سوريا، ودفع ثمنًا الآلاف من عناصره قتلى، نصرة للطاغية بشار والمشروع الإيراني، لكنه لم يرد أن يصمد في حربه ضد إسرائيل أكثر من شهرين فقط، نصرة لغزة”.
تقييم مبكر لواقع مضطرب
تيار ليس بالقليل يرى أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي ببنوده الغامضة والفضفاضة وتفاصيله المقتضبة التي يحتوي عليها يحتضن بين ثناياه قنابل موقوتة تجعل من استمراريته مسألة محفوفة بالشكوك والريبة، وأنه رغم الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن لإنجاح تلك الخطوة، كإنجاز دبلوماسي يحفظ ماء الوجه قبل مغادرة البيت الأبيض، فإن الاتفاق لن ينجح في تجاوز مهلة الشهرين للانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية وفرض تهدئة مستدامة.
وبحسب المؤشرات الراهنة وفي ظل عدم وجود الضمانات الكافية لإرغام الطرفين على تنفيذ الاتفاق، والشكوك المحاطة مسبقًا باللجنة المزمع تدشينها لمراقبة عملية التنفيذ، فإن احتمالات حدوث اختراق لهذا الاتفاق – رغم النوايا اللبنانية الطيبة – أكبر بمسافات كبيرة من الالتزام به، وهو ما تثبته التجارب السابقة لتاريخ الاحتلال مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لا سيما في ظل الضغوط الممارسة على نتنياهو من اليمين المتطرف الذي يرى ما حدث انتكاسة وهزيمة مذلة.
ومن ثم فمن المبكر جدًا تقييم جدوى هذه الخطوة قبل الانخراط عمليًا في تنفيذ البنود المتفق عليها، والتي قد ينجم عن تفسيرها لاحقًا تباينًا كبيرًا في وجهات النظر، ربما يعرقل تنفيذها، الأمر الذي يُبقي أصابع الطرفين، الحزب وجيش الاحتلال، على الزناد ترقبًا للضغط عليه في أي وقت حال حدوث اختراقات شديدة تنسف الهدنة وتجهضها من مضمونها.
أما فيما يتعلق بالوضع في غزة، فرغم ما يمثله خروج جبهة الإسناد الشمالية الأهم منذ بداية الحرب من خسارة كبيرة للمقاومة الفلسطينية في القطاع، وإعفاء جيش الاحتلال من أحد أهم أسلحة الاستنزاف التي كبدته الخسائر الفادحة وشتت تركيزه وأحدثت إرباكًا كبيرًا في صفوفه، فإن حماس والمقاومة في غزة اعتادوا بما لديهم من مرونة تكتيكية واضحة، في تغيير استراتيجيات القتال تبعًا لتطورات المشهد وتقلبات الأحداث، ونجحوا بالفعل طيلة أشهر الحرب الـ13 في الحفاظ على ثباتها وتوازنها عبر هذا التحول النوعي في أساليب المواجهة مع الاحتلال.
وفي الأخير ورغم ما أحدثه اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان من انقسام واضح لدى الشارع العربي، بين مؤيد ومعارض، يبقى أمام الحزب الفرصة للرد على الانتقادات والاتهامات الموجهة له، تلك الفرصة التي تستدعي السؤال عن كيفية دعم المقاومة في غزة دون خرق الاتفاق، والجهود المبذولة لعدم تفكيك وحدة الساحات باستمرار عمليات الإسناد وإن كان بطرق مختلفة.. ثم السؤال الكاشف: ماذا عن جبهات الإسناد الأخرى في العراق واليمن؟ هذا ما ستكشفه الساعات والأيام القادمة.