منذ أن تولى يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة، خلفًا لإسماعيل هنية، وبدأت قواعد اللعبة العسكرية والمواجهة المسلحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تتغير تدريجًا حتى وصلت لمرحلة باتت تشعر فيها “إسرائيل” بالقلق من القادم نحوها برًا وبحرًا وجوًا.
قطاع غزة الذي شهد في السنوات الأخيرة ثلاث حروب طاحنة أسفرت عن آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمصابين وتدمير كامل للبنية التحتية، هذه المرة نفض الغبار عنه وأصبح مسيطرًا على زمام الأمور ومتحكمًا بها بما يخدم مصالحه ويحافظ على حياة مواطنيه.
في السابق كان مع كل تصعيد إسرائيلي على غزة، سواء بقصف أم اغتيال أم حتى إغلاق للمعابر ومعاقبة السكان وتشديد الحصار عليهم، كانت تقول المقاومة الفلسطينية كلمتها بالرد وإطلاق الصواريخ على الاحتلال، وتفتح جبهة تصعيد جديدة تستمر لعدة أيام ويكون الاحتلال له الكلمة الأخيرة ليس بقوته ولكن بحجم الجرائم التي يرتكبها.
مفاجآت السنوار لـ”إسرائيل”
ولكن قبل عامين هذه القواعد العسكرية تغيرت منذ وصول السنوار لكرسي رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، وباتت مفاتيح التحكم بأي جولة أو تصعيد عسكري على القطاع أمام يد السنوار وحده الذي نجح بإدارة المعركة جيدًا وأدخل عليها الكثير، مما أجبر الاحتلال على الخشية من المفاجآت التي يخبئها لهم.
وبحسب إحصائية رسمية حصل عليها مراسل “نون بوست”، وبلغة الأرقام، فإنه في عهد السنوار أطلق على دولة الاحتلال ومستوطناتها أكثر من 1000 صاروخ، فيما سجل إطلاق 110 صواريخ فقط من غزة تجاه دولة الاحتلال خلال ثلاث سنوات كاملة.
السنوار خلال اجتماع مع هنية بغزة
المؤشر الثاني على تغيير قواعد اللعبة العسكرية، أن جولات التصعيد التي كانت دائمًا ما تستهدف قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي، كانت تستمر من يومين حتى خمسة أو ستة أيام، لكن التغيير الذي حصل في عهد السنوار أن جولات التصعيد تستمر من 12 ساعة حتى 24 ساعة على أبعد تقدير، وتتسارع كل الوساطات من أجل إيقافها.
وصول صواريخ المقاومة إلى العمق الإسرائيلي، وكان آخرها وسط مدينة “تل أبيب”، هو المؤشر الثالث على تطور قدرات المقاومة في غزة، واعتمادها على أساليب جديدة في التعامل مع دولة الاحتلال وأي جولة تصعيد، بعد أن كانت الصواريخ في عهد ما قبل السنوار تصيب المستوطنات التي تحيط بقطاع غزة على أبعد تقدير.
والمؤشر الرابع الذي يدعم فرضيه التحول الجذري للمقاومة في غزة، هي نجاحها في إدارة معركة “صراع الأدمغة” والحرب النفسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي شهد خلال فترة السنوار تصاعد ملحوظ وكبير أجبر “إسرائيل” على الاعتراف بنجاح المقاومة بهذه الحرب السرية والقوية.
قواعد اللعبة العسكرية
الأمر لم يتوقف عند هذه المؤشرات الأربع فقط، بل أرادت كتائب القسام أن تُدخل تطورات جديدة في صراعها المتصاعد مع “إسرائيل”، حين كشفت عن تفاصيل جديدة متعلقة بـ“التفعيل الذاتي” لإطلاق الصاروخ الأخير الذي سقط على مدينة “تل أبيب” قبل أيام، ودمر منزلًا بالكامل وأصاب من فيه من مستوطنين بجروح.
يرى المختص في الشأن الفلسطيني محمد شكري، أن المقاومة الفلسطينية استطاعت تطوير قدراتها وصولًا لفهم طريقة التعامل مع الجيش الإسرائيلي وكيفية التخفي عنه، ومن خلال ذلك تمكنت في محطات عدة من توجيه ضربات قاسية ومدروسة له
وقالت القسام: “التفعيل الذاتي المبكر للصواريخ من غزة سببه قرار قيادة المقاومة رفع جهوزيتها القتالية، والاستعداد القتالي جاء بعد عزم الاحتلال شن عمل عدواني قبل الانتخابات الإسرائيلية”، ليفتح باب صراع جديد مع دولة الاحتلال، ويكشف مدى التطور الكبير الذي أدخل على قدرة المقاومة بغزة، وذلك وفق رؤية خبراء عسكريين وأمنيين.
ويرى المختص في الشأن الفلسطيني محمد شكري أن المقاومة الفلسطينية استطاعت تطوير قدراتها وصولاً لفهم طريقة التعامل مع الجيش الإسرائيلي وكيفية التخفي عنه، ومن خلال ذلك تمكنت في محطات عدة من توجيه ضربات قاسية ومدروسة له، معتبرًا أن الرسائل من خلال هذه الضربات أقوى بكثير من نتيجتها من حيث حجم الخسائر.
ويضيف شكري “ذلك ظهر بشكل واضح في عمليات المقاومة والقصف الأخيرة، مما عكس قدرة المقاومة على التمويه وتوجيه ضربات للجيش في أماكن وأوقات لا يتوقعها، والتكتيك العالي والإتقان والدقة العالية في حساب توقيت التفجير وحجمه”.
مؤكدًا “إذا كان هذا الزخم والجودة قد ظهر في بداية مواجهة لم تطل إلا مستوطنات الغلاف فلا يمكن توقع الحال في حين توسعت دائرة المواجهة، بالتأكيد ستفاجئ المقاومة الصديق قبل العدو بوسائل وأدوات خارج التوقعات”.
ذكر موقع “مفزاك لايف” الإسرائيلي في فبراير/شباط الماضي أن حركة حماس تمتلك أكثر من 15 ألف صاروخ بمدى وأحجام مختلفة، ونحو ألف صاروخ بعيد المدى يصل مداها إلى حيفا وغوش دان، وفق تقديرات الجيش الإسرائيلي
كما يقول عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت برام الله وسط الضفة الغربية: “المقاومة في غزة، في عهد السنوار تبدو أكثر تطورًا وتنظيمًا”، مشيرًا إلى أنه على الرغم مما ألحقته الحرب في صفوف المقاومة من خسائر، والحصار المالي والعسكري الذي تواجهه، فإنها مستمرة في التجهيز والإعداد لأي معركة قادمة.
وأضاف “المقاومة بشكل عام، وكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بشكل خاص، تعمل على قدم وساق، من أجل تطوير أساليبها وقدراتها القتالية”، متابعًا “المقاومة تدرك جيدًا، أن قدراتها يجب أن تكون مضاعفة عن الحرب الماضية، فـ”إسرائيل” شنت حربًا قاسية ومدمرة، وهو ما يدفع المقاومة للتفكير بوسائل وأساليب متطورة، تحقق شيئًا من التوازن في معادلة الرد ورد الفعل وهو ما يجري حاليًا بعهد السنوار الذي باتت مخططاته تقلق إسرائيل”.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد كررت حديثها في وقت سابق عن تطور أداء المقاومة خاصة في ظل وجود السنوار وتحكمه بها، فقد ذكر موقع “مفزاك لايف” الإسرائيلي في فبراير/شباط الماضي أن حركة حماس تمتلك أكثر من 15 ألف صاروخ بمدى وأحجام مختلفة، ونحو ألف صاروخ بعيد المدى يصل مداها إلى حيفا وغوش دان، وفق تقديرات الجيش الإسرائيلي.
صاروخ محلي الصنع من انتاج كتائب القسام
وأضاف الموقع أن حماس لا تزال تبني وتطور منظومتها العسكرية، لا سيما في تصنيع الأسلحة والقذائف الصاروخية مختلفة المدى، وإضافة إلى الصواريخ تمتلك المقاومة الفلسطينية سلاحًا إستراتيجيًا هو سلاح الأنفاق الأرضية الذي كبد الاحتلال الإسرائيلي خسائر مادية فادحة، إضافة للخسائر البشرية والمعنوية خلال حرب 2014.
ويحيى السنوار من أبرز عناصر المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، اعتقل مرات عدة وحكم عليه بأربعة مؤبدات، وحرر في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، وعاد ليشغل مراكز قيادية في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي اختارته قائدًا لها بغزة خلفًا لإسماعيل هنية 13 من فبراير/شباط 2017.
يبقى السنوار كلمة السر التي تبحث “إسرائيل” عن فك طلاسمها، وحملات التهديد باغتياله وقتله يبدو أنها صنعت منه عسكريًا قويًا قادرًا على التحكم بمقاومة غزة
وأدرجت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015 اسم السنوار على لائحتها السوداء “للإرهابيين الدوليين”، إلى جانب قياديين اثنين آخرين من حركة حماس هما القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى.
يبقى السنوار كلمة السر التي تبحث “إسرائيل” عن فك طلاسمها، وحملات التهديد باغتياله وقتله يبدو أنها صنعت منه عسكريًا قويًا قادرًا على التحكم بمقاومة غزة والتجهيز لما تخشاه دولة الاحتلال بأكملها، ويبقى السؤال الذي يُحير الإسرائيليين كثيرًا: ماذا يخبئ السنوار لنا؟