بعد قرار منع تراخيص “التوك توك”.. شبح البطالة يهدد مستقبل 8 ملايين مصري

ltwk_twk

حالة من الجدل أثارتها إجراءات الحكومة المصرية التي اتخذتها مؤخرًا للحد من انتشار التوك توك (مركبة نارية ذات 3 عجلات) وتحجيم رقعة توسعه التي تزداد يومًا تلو الآخر لا سيما بعدما بات مصدر الدخل الأساسي لملايين الشباب والأسر متوسطة الحال.

مجلس المحافظين خلال انعقاده قبل أسبوع تقريبًا برئاسة رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، أصدر قرارًا بـ”منع سير التوك توك في أي شارع من الشوارع الرئيسية في أي محافظة من المحافظات” محذرًا أن من سيخالف الأمر “سيتعرض للمساءلة، وسنطبق القرار بكل حزم”.

وبينما رحبت شريحة كبيرة من المجتمع بالقرار الذي اعتبروه جاء متأخرًا لإنقاذ الشوارع المصرية من حالة العشوائية التي باتت عليها جراء انتشار تلك الوسيلة إلا أنه في الجهة الأخرى أحدث ضجة بين أوساط المتعاملين بها، ملاك كانوا أو سائقون، الأمر الذي صعد من مخاوف الزج بالملايين من الشباب إلى قوائم البطالة.

2.9 مليون توك توك في مصر

التوك توك في مصر لم يعد مجرد وسيلة نادرة أو قليلة الانتشار يمكن السيطرة عليها أو إزالتها من على خريطة النقل، إذ يوجد في المحروسة قرابة مليونين و900 ألف توك توك، منها 11 ألف فقط تم ترخيصها، بحسب الدكتور حمدي عرفة خبير الإدارة المحلية، واستشاري تطوير المناطق العشوائية.

عرفة أضاف أن عدم ترخيص تلك الوسيلة صغيرة الحجم يهدر على الدولة 3 مليارات جنيه سنويًا، مطالبا بإنشاء وحدة خاصة، ضمن الهيكل الإداري في كل إدارة مرور، تحت اسم وحده تراخيص التوك توك، تكون معنية بإصدار التراخيص ومراقبة سير تلك المركبة التي تقل يوميًا قرابة 24 مليون مواطن في شتى محافظات الدولة.

الانتشار الكبير لوسيلة النقل تلك تسبب في زيادة معدلات جرائم الخطف والاغتصاب التي بلغت ذروتها في الأرياف والمناطق النائية، فضلاً عن سهولة استخدامة في الترويج للمخدرات والسرقة والأعمال المنافية للآداب، الأمر الذي دفع بالكثير إلى المطالبة بإحكام الرقابة عليه أو تحجيم انتشاره.

رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي

السيارات البديل

ليس قرار المحافظين بشأن منع سير التوك توك في الشوارع الرئيسية قبل أيام هو الأول من نوعه، ففي 2014 أصدر محافظة القاهرة السابق جلال السعيد قرارًا مثيلاً له، وتحصيل 1500 جنيه على كل توك توك يتم ضبطه، وهو ما تم التأكيد عليه مرة أخرى، لكن هذه المرة أرفق بمنع إصدار التراخيص والتصنيع.

أما عن البديل فتبحث الحكومة ترخيص سيارات الفان “7 ركاب” لإحلالها مكان التوك توك، وذلك لصغر حجمها وسهولة حركتها في الطرق الضيقة، وأمانها وزيادة حمولتها، إلا أن هذا المقترح لم يلق قبولاً حتى الآن من الكثيرين، حيث قال المهندس خالد سعد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات: “هناك مصنع أو اثنان على أقصى تقدير لتجميع التوك توك في مصر، ولم أطلع على قرار رسمي يفيد بوقف منح الترخيص، كي تحل السيارات الفان محل التوك توك”، مضيفًا أنه إن صح ذلك فسيارات نقل الركاب الـ7 راكب، لن تستطيع أن تحل محل التوك توك، نظرًا لاختلاف طبيعة كل مركبة منهما، وقدرتها على العمل في بيئات مختلفة، فالتوك توك سيظل موجودًا.

قرار استبدال التوك توك بسيارات “الفان” قرار غير مدروس ويؤدي إلى مزيد من العشوائية والتكدس المروري ولن يقضي على ظاهرة “التوك توك” خاصة بعد وصول عدد التكاتك في مصر لنحو 3 ملايين مركب

ويتفق معه في الرأي النائب محمد بدوي دسوقي، عضو لجنة النقل والمواصلات الذي يرى أن قرار استبدال التوك توك بسيارات “الفان” قرار غير مدروس ويؤدي إلى مزيد من العشوائية والتكدس المروري ولن يقضي على ظاهرة “التوك توك” خاصة بعد وصول عدد التكاتك في مصر لنحو 3 ملايين مركبة، أصبح من الصعب إلغاؤه، ولكن يجب العمل على ترخيصه وتقنين أوضاعه وهذا سيحد كثيرًا من مخاطره ومشاكله، قائلاً: “أزمة التكاتك في مصر تتلخص في من آمن العقاب أساء الأدب”.

بدوي في بيان له أشار إلى أن نسبة معدلات زيادة عدد التوك توك في مصر أصبحت خطيرة حتى بعد منع استيراده والإبقاء على استيراد قطع غياره، ليجرى تجميعها داخل مصر في هيئة مركبات جديدة، لافتًا إلى أن أزمة تلك المركبة تتلخص في عدم وجود تنظيم في تسييره، مشيرًا إلى أن قرار استبداله في المدن والعواصم بسيارات “الفان” قرار خاطئ، وهناك أدوات أخرى لحل الأزمة منها فتح باب التراخيص وتخصيص مناطق له بعيدًا عن الطرق السريعة والأماكن الحيوية، كما أنه سيكون ملزمًا أن من يقوده لا يقل عن 18 سنة منعًا للحوادث والمشاكل المتكررة.

السيارات الفان المقترحة لأن تكون بديلاً للتوك توك

8 ملايين أسرة مهددة

“طب هم لما يلغوا تراخيص التوك توك أشتغل ازاي؟ إفترض قابلت لجنة من المرور، ياخدوا التوك توك بتاعي؟ طب أعيش إزاي وأكل منين؟ وأنا أصلاً معنديش مصدر دخل تاني، والله دا حرام”.. بهذه الكلمات استهل طارق حديثه معلقًا على قرار المحافظين الأخيرة.

طارق البالغ من العمر 40 عامًا وحاصل على ليسانس التربية من جامعة المنصورة في حديثه لـ”نون بوست” أكد أنه يعول أسرة مكونة من خمسة أفراد، ثلاثة أبناء وزوجته ووالدته، وليس هناك مصدر رزق آخر غير التوك توك الذي يملكه، مشيرًا أنه طرق أبواب التعيينات سنوات طويلة للحصول على وظيفة لكنه فشل في ذلك ومن ثم لم يجد أمامه سوى شراء تلك المركبة والعمل عليها.

“كل مركبة تعمل لفترتين، وبفرض أنه يوجد بمصر 4 ملايين توك توك، فهناك نحو 8 ملايين أسرة يعد التوك توك هو مصدر رزقها” نقيب سائقي التوك توك

وأضاف: تحملت الكثير من سخافات المواطنين وملاحقات المرور والشرطة، ولا أحد يتركنا في حالنا، ذهبت أكثر من مرة لقسم الشرطة لتقنين أوضاع التوك توك ومحاولة الحصول على تراخيص لكنهم رفضوا ذلك، متسائلاً: لو كان التوك توك ممنوع في مصر لماذا وافقوا على استيراده من الأساس؟ وحتى إن كان المستورد من القطاع الخاص لماذا لا تفرض تشديدات على الجمارك لمنع دخول تلك الوسيلة مصر؟ طالما وسمحوا بها فلا يحاسبنا أحد بعد ذلك عليها.. هكذا أجاب.

الماسأة ذاتها يحكيها شحاتة (60 عامًا) الذي اشترى بمبلغ نهاية الخدمة الخاص به (المعاش) توك توك للإنفاق على نفسه وزوجته وبنته التي لم تتزوج بعد، كاشفًا في حديثه لـ”نون بوست” أنه وضع كل المبلغ الذي كان يملكه (40 ألف جنيه) في هذا المشروع خشية أن ينفقهم على أمور أخرى ويبقى هكذا بلا عمل.

توقعات بزيادة معدلات البطالة حال تنفيذ القرار

“كنت أظن أني اليوم أصبحت في مأمن بهذا التوك توك الذي يدر دخلاً يومًا قرابة 100 جنيه.. لكن يبدو أن الأمور ليست كذلك فالقادم أسوأ”.. هكذا أضاف شحاتة، مبديًا استنكاره من ملاحقة الحكومة للفقراء ومحدودي الدخل ومحاربتهم في أرزاقهم في الوقت الذي يترك فيه الآخرين أصحاب النفوذ والمقام العالي يعربدون في الدولة كيفما شاءوا، على حد قوله.

وبسؤاله عن مدى تخوفه من القرار إن كان من المقترح تطبيقه في المدن الكبرى والعواصم بعيدًا عن الأرياف والمناطق النائية أجاب: البداية هتكون بالمدن لكن مع مرور الوقت سينسحب القرار على جميع محافظات مصر، ولا أستبعد وجود صفقة من سيارات الفان لأحد الكبار يريد تسويقها كما حدث قبل ذلك في طفايات الحرائق في السيارات وغيرها”.

وفي ذات السياق أشارت “نجلاء سامي” نقيب سائقي التوك توك، أن عدد التكاتك في مصر يزيد على 4 ملايين توك توك، رغم عدم وجود إحصائية رسمية تفيد ذلك، لكونها غير مرخصة، موضحة أن كل مركبة تعمل لفترتين، وبفرض أنه يوجد بمصر 4 ملايين توك توك، فهناك نحو 8 ملايين أسرة يعد التوك توك مصدر رزقها.

في حال تنفيذ تلك الإجراءات التي اتخذها المحافظون بشأن التوك توك فمن المتوقع أن ينضم إلى قائمة البطالة ما يقارب 8 ملايين شاب من العاملين على هذه المركبة

وأضافت نجلاء في تصريحات لها أن قرار الحكومة بمنع تراخيص التوك توك ظالم ومتعسف، معربة عن رفضها هذا القرار، مشددة على أن ترخيص التوك توك يسهم في توفير فرص عمل للشباب، وزيادة إيرادات للدولة، مطالبة بالبحث عن سبل لتقنين الأوضاع وليس إلغاء التجربة من جذورها.

ومما يعمق المأساة أن الحكومة تنظر لأصحاب التوك توك على أنهم من ذوي رؤوس الأموال غير المستحقين للدعم، وهو ما أكد عليه الدكتور أحمد لطيف، مدير العمليات الميدانية لمعاش “تكافل وكرامة” بوزارة التضامن، الذي أشار إلى أن أصحاب التوك توك لا يستحقون الحصول على المعاش ولا أي معونة أخرى، معتبرًا أنهم من الفئات المستثناة نظرًا لتحسن أوضاعهم المعيشية على حد قوله.

وفي حال تنفيذ تلك الإجراءات التي اتخذها المحافظون بشأن التوك توك فمن المتوقع أن ينضم إلى قائمة البطالة ما يقارب 8 ملايين شاب من العاملين على هذه المركبة، الأمر الذي يعمق من الأزمة، هذا بخلاف التداعيات الأخرى المرتبطة بهذا القرار من تهديد للأستقرار الأمني والمجتمعي.

يذكر أنه ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فإن عدد العاطلين في مصر بلغ 3.094 مليون عاطل، 87.7% منهم حملة شهادات متوسطة وجامعية، من بين حجم قوة العمل التي تبلغ 29.19 مليون فرد، وإن كانت العديد من المؤشرات الأخرى تذهب إلى أن الرقم أضعاف ذلك بكثير.