استُبدلت المعاناة بأخرى، كبحثٍ عن موطنٍ جديد، يحفظ بقاءهم وعيش كريم يتناسب مع آرائهم التي يتناولونها، أو توجهاتهم السياسية تجاه الحكومة التي تسببت في نزوحهم قبل سنوات من الآن، في منطقة تسمى الحماد في البادية السورية يعيش أكثر من 60 ألف سوري، فقدوا معنى الحياة، استقروا في صحراء لا يمكن العيش بها وغير مؤهلة للسكن، هاربين من القصف وجحيم الحرب التي لحقت بهم، خيامهم تمر بها فصول السنة مخلفةً آثارها على أجسادهم وأبنائهم، وأيام كأنها قرون تمضي على قاطني المخيم، ولا جدوى سوى الانتظار، مخيم الركبان التجارة الجديدة التي تلعبها روسيا والنظام السوري بصمت التحالف الدولي والأمم المتحدة، استمر بالقراءة لتكون على اطلاع أكثر لما يجري في مخيم الركبان على صعيد المصير المجهول لآلاف السوريين.
روسيا تشرف على اجتماع شيوخ عشائر الركبان.. ولجان مصالحات النظام
عقدت لجنة ممثلةٌ عن أهالي مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية العراقية، اجتماعًا الثلاثاء 2 من أبريل/نيسان الحاليّ، مع ضباط روس وممثلين عن مخابرات النظام ولجنة المصالحات التابعة للنظام وداخل مناطقه، على حدود منطقة الـ55.
وخلال حديث خاص أجراه “نون بوست” مع الإعلامي في الإدارة المدنية لمخيم الركبان عمر الحمصي قال: “الاجتماع جرى في منطقة جليغل، داخل مناطق سيطرة النظام وخارج حدود منطقة الـ55 التي يسيطر عليها التحالف الدولي”، وأضاف “حضر الاجتماع ضباط روس وممثلون من مخابرات النظام ولجنة المصالحات التابعة له، وممثلون عن سكان مخيم الركبان، إضافة إلى وفد من الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري”.
ويمثل سكان مخيم الركبان شيوخ العشائر القاطنة في المخيم إضافة إلى ممثلين عن الأهالي، ولا يمكن القول إن ممثلي مخيم الركبان يمثلون كل المقيمين وتوجهاتهم السياسية.
وأوضح الحمصي أن لجان المصالحات التابعة للنظام لم تدخل إلى المخيم، ويعتبر هذا الاجتماع الثالث منذ مطلع العام الحاليّ، ولم يحقق أي تقدم لصالح سكان المخيم، وقدم وجهاء المخيم عدة مطالب لضمان حقوقهم حال رغبة السكان بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام.
قدمت اللجنة الممثلة عن سكان مخيم الركبان عدة مطالب للحفاظ على رغبة أهالي المخيم في الدخول إلى مناطق النظام أو الخروج إلى الشمال السوري
أما الفصائل العسكرية الموجودة في المنطقة، لم تتدخل في المفاوضات الأخيرة ولم تبد أي استعدادات أو رفض، ويدعم التحالف الدولي فصيل مغاوير الثورة الذي يعمل لصالح حماية منطقة الـ55، بينما تحتوي المنطقة على عدة فصائل مجمدة عملها وهي كل من قوات الشهيد أحمد العبدو وجيش أسود الشرقية وجيش أحرار العشائر ولواء شهداء القريتين، إلا أنها تحافظ على عتادها العسكري وعناصرها ولكنها لا تتدخل في شؤون المخيم المدنية على الإطلاق، وتبدو راضخةً إلى أوامر التحالف الدولي تجاه المفاوضات الجارية بعدم المشاركة بها.
ما المطالب التي قدمها وجهاء الركبان؟
قدمت اللجنة الممثلة عن سكان مخيم الركبان عدة مطالب للحفاظ على رغبة أهالي المخيم في الدخول إلى مناطق النظام أو الخروج إلى الشمال السوري، وجاء في ورقة المطالب التي قدمتها اللجنة: “بعد لقاء الوفد مع سكان مخيم الركبان كان موقف أهالي المخيم فيه الكثير من التذمر تجاه الوفد لأنه لم يحصل شيء جديد”، ومن بين المطالب، مصير الأسماء التي رفعت في الاجتماع السابق لإجراء تسوية لوضعها، ووضع مراكز الإيواء في محافظة حمص لأن أغلب سكان المخيم من المحافظة.
إضافة إلى إعطاء مهلة للسيارات التي لم تجدد أوراقها منذ سنتين بسبب الوضع الراهن، كما تضمنت تسهيل دخول المواد الغذائية والمحروقات إلى المخيم، حتى رحيل الأهالي، وتسريع الإجراءات الأمنية على المواطنين الموجودين داخل مراكز الإيواء، وتسهيل أمور الفارين من خدمة العلم والاحتياط، وفتح طريق للراغبين من أهالي المخيم في الخروج إلى الشمال السوري.
قال عمر الحمصي: “المواد الغذائية غير متوافرة في أسواق المخيم، إضافة إلى الأدوية وحليب الأطفال والمحروقات، وإذا توافرت فإنها بأسعار خيالية”
وقال الحمصي: “ممثلو النظام والضباط الروس رفضوا فتح طريق للأهالي نحو الشمال السوري، كما رفضوا دخول المواد الغذائية والمحروقات والأدوية إلى المخيم”، وقدمت لجان الممثلة عن النظام شروطها بعودة أهالي المخيم إلى مناطق سيطرتها فقط، والرضوخ لكل شروطهم وتفكيك مخيم الركبان بشكل كامل.
بينما اعترض الأهالي بحسب الحمصي بشأن مراكز الإيواء ومراجعات الأفرع الأمنية وغيرها، من قبل الشباب لتسوية أمورهم، والالتحاق بالخدمة الإلزامية، وذلك للأهالي الراغبين بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام، أما الجزء الآخر الذي يرغب بالخروج نحو الشمال السوري اعتبر أن اللجنة لا تمثله وغير مناسبة، من جانبه لم يبد التحالف الدولي أي تحرك أو بيان باعتباره مسؤولاً عن حماية المنطقة، إلا أن روسيا دعته لإرسال وفد للحضور لكنه رفض ذلك.
روسيا والنظام.. سياسة تجويع للرضوخ
سبلٌ كثيرٌة تقودك لفرض شروطك وإخضاع أي شعب في أي بلد أو منطقة كانت، وفق سياسة مدروسة وممنهجة تُتبع لإرضاخ المدنيين العزل، وما هي إلا تجارة جديدة تتخذها السياسات الدولية لأهداف تناسبها، ولعل من هذه السبل منع دخول المواد الغذائية والإغاثية والأدوية وغيرها إلى جانب منع الدخول والخروج من مناطق وجودك، وتحاول روسيا والنظام السوري إخضاع قاطني مخيم الركبان من خلال هذه الضغوطات لشروطها.
وقال عمر الحمصي: “المواد الغذائية غير متوافرة في أسواق المخيم، إضافة إلى الأدوية وحليب الأطفال والمحروقات، وإذا توافرت فإنها بأسعار خيالية، بحيث لا تتمكن العائلات من شرائها”، وأضاف “النظام يغلق المعابر المؤدية إلى مناطقه ويمنع دخول المواد الغذائية والأدوية إلى المخيم، وكذلك موضوع المحروقات”، وأكد أن النظام يحاول من خلال ذلك إرضاخ المدنيين للعودة إلى مناطقه والقبول بشروط لا تضمن سلامة العائدين من أهالي المخيم، ولذلك رفض مطالبهم بدخول المواد الغذائية والمحروقات.
وبيّن الحمصي أن المفاوضات لم تفشل إلا أن النظام نجح في إجبار المدنيين بعودتهم إلى مناطقه نتيجة سياسة التجويع الممنهج، بينما لم يتحقق أي مكسب لأهالي المخيم، وفتح النظام المعابر لعودة الأهالي فقط ومن يرغب بالعودة يجلب حاجياته من المخيم ويدخل في مناطقه، حيث ينقل الشبان إلى مراكز الإيواء والنساء والأطفال والشيوخ لمنازلهم التي نزحوا منها في حال صمودها بعد القصف الذي شهدته مناطقهم.
معاناة وأخرى.. تزيد الحيرة أكثر
سنوات من الجوع وهم قابعون داخل صحراء خالية لا تصلح للعيش، أمراض وأوبئة تنتشر بين الفينة والأخرى تكتسح الكبار والصغار، متعرضين لبرد الشتاء وحر الصيف، لا تقيهم سوى خيامهم المهترئة، ضعف في الخدمات وتقصير من المنظمات، تزيد الطين بلة، بينما يشاهد المجتمع الدولي بصمت عقيم.
أكد عمر الحمصي أن أخر الشاحنات الإغاثية التي أدخلتها الأمم المتحدة لسكان المخيم، قبل شهر ونصف، وذلك بعد انقطاع دام لأكثر من ستة أشهر، ويعاني سكان المخيم من ارتفاع الأسعار وفقدان المواد الغذائية والأدوية، مما أدى إلى انتشار الكثير من الأمراض التي تسببت بوفاة عشرات الأطفال.
وأشار أن الأمراض نتجت عن ضعف في التغذية لدى الأطفال إضافة إلى تلوث مياه الشرب والأطعمة، مما تسبب بموجة من التسمم بين الأطفال، ومنهم حالات حرجة لا تستطيع النقاط الطبية التي لا تحتوي على أطباء معالجتهم، بينما مضى فصل الشتاء ولم تستطع عائلات المخيم تأمين وسائل التدفئة، حيث تقدر نسبة العائلات التي استطاعت تأمين المحروقات 20% من سكان المخيم بينما 80% لم يتمكنوا من تدفئة خيمهم.
الكثير من الخيارات التي تعصف بسكان المخيم المنسي في البادية السورية، إما الموت جوعًا أو العودة إلى رحمة الجلاد الذي ينتظرهم
ومن ناحية التعليم فإن المدارس داخل المخيم غير متوافرة سوى بعض الأساتذة المتطوعين الذين أنشأوا غرف صفية لاستدراك التقصير أو الضعف التعليمي الذي وصل إليه أطفال المخيم، ولا يوجد أي منظمة تدعم المجال التعليمي، حيث يقبع في المخيم أكثر من 20 ألف طفل فقدوا مستقبلهم.
الكثير من الخيارات التي تعصف بسكان المخيم المنسي في البادية السورية، إما الموت جوعًا أو العودة إلى رحمة الجلاد الذي ينتظرهم، وسياسة التجويع هذه تتبعها قوات النظام لتتمكن من عودة المدنيين إلى مناطقها لسحب الشبان إلى الخدمة الإلزامية، وبسط سيطرتها على المنطقة في حال انسحب التحالف الدولي، بينما تعتبر روسيا في الساحات الدولية أنها الراعي الأهم لتسوية أمور السوريين لكنها على العكس تمامًا، فإنها دمرتهم فور دخولها عم 2015، وتعتبر هذه المفاوضات استكمالاً لسلسلة المصالحات التي رعتها روسيا في عدة مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة السورية، فهل تنجح المفاوضات وتحقق مطالب الأهالي الراغبين في الخروج نحو الشمال أم أنهم سيعودون إلى رحمة الجلاد مرةً أخرى بينما يرغب الجزء الأكبر بالخروج نحو الشمال السوري؟