“رحلة الشتاء والصيف” بهذه العبارة يصف المواطن العراقي محمد هيثم حال العراق في فصلي الشتاء والصيف.
هيثم الذي يسكن إحدى نواحي محافظة واسط يرى أن موسم الجفاف الذي عايشته المحافظة الصيف الماضي تحول إلى طوفان أتى على البيوت والأراضي الزراعية نتيجة السيول والفيضانات التي دخلت المحافظة.
سيول وفيضانات أعقبت موسم الصيف الماضي الذي أخرج آلاف المواطنين العراقيين إلى الشوارع في تظاهرات عارمة أدت إلى مقتل وجرح العشرات، بعد أن حرم كثير من أهل البصرة والمحافظات الجنوبية من المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن امتداد اللسان الملحي في البصرة إلى مناطق لم يصلها من قبل.
فيضانات وسيول تجتاح المدن العراقية
لم يشهد العراقيون موجة أمطار غزيرة وفيضانات وسيول كالتي شهدوها في الموسم الحاليّ، إذ إن الفيضانات والسيول شملت غالبية المحافظات العراقية من شماله حتى جنوبه، الأمر الذي أدى إلى استنفار حكومي كبير، بعد أن أدت الفيضانات إلى تضرر آلاف المنازل والمزارع، فضلاً عن عزل بعض المناطق ومحاصرتها بالمياه كما حدث في محافظة ديالى وقطع جسر البحيرة بين جلولاء وخانقين، ما يطرح عدة تساؤلات عن الاستعدادات الحكومية ووضع البنية التحتية في البلاد.
خلال موسم الجفاف الذي ضرب العراق الصيف الماضي، انخفضت حصة العراق من المياه إلى النصف تقريبًا
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في مجال الموارد المائية علي اللامي إن العراق والوزارات المعنية فيه لم تفكر في الاستفادة من السيول والمياه خلال السنوات الماضية، ولم تشكل تلك السيول أي أهمية في تعزيز المخزون المائي للبلاد، لافتًا إلى أنه وبعد موجة الفيضانات الأخيرة، بدأت محاولات للاستفادة منها على الرغم من أنها جاءت متأخرة، خاصة أن العراق تعرض لموجة جفاف شديدة خلال السنوات العشرة الماضية.
ويتساءل الكاتب علي عبد الأمير عن ظاهرة الفيضانات بالقول: “هل هو التغير المناخي أم سوء إدارة المياه وتقادم البنى التحتية في الموارد المائية من سدود ونواظم تصريف أم سياسات دول المنبع (تركيا وإيران) التي تجد في ضعف العراق فرصة مواتية لتحقيق مكاسب على حسابه؟”.
إذ إنه وخلال موسم الجفاف الذي ضرب العراق الصيف الماضي، انخفضت حصة العراق من المياه إلى النصف تقريبًا، فبعد أن كان العراق يستقبل 70 مليار متر مكعب من المياه في العقود الماضية، تشير التوقعات إلى أن كمية المياه المتدفقة إلى العراق قد تنخفض إلى 17 مليار متر مكعب فقط بحلول عام 2025، وقد يصل العراق إلى الجفاف الكامل بحلول عام 2040، ما يعني تراجع حصة الفرد العراقي إلى ألفي متر مكعب من المياه بعد أن كانت تفوق ستة آلاف متر سنويًا، وذلك بحسب البنك الدولي.
وزارة الموارد المائية ودورها في معالجة الأزمة
مع تفاقم أزمة الفيضانات في العراق، اتجهت الأنظار إلى وزارة الموارد المائية العراقية ودورها في رسم سياسة مائية واضحة في البلاد، إذ يحمّل العديد من المراقبين والخبراء الوزارة مسؤولية الهدر الكبير في المياه العذبة وعدم توفيرها في السنوات الماضية لأجل استخدامها في مواسم الصيف الحارة، لتأتي الفيضانات في الموسم الحاليّ وتضيف مزيدًا من الانتقادات إلى عمل الوزارة.
يقول الكاتب السياسي كمال الموسوي إن وزارة الموارد المائية العراقية تعمل وفق ما يمليه عليها مجرى النهر، وما تفرضه عليها السيول المتدفقة من خارج الحدود، بحسب تعبيره.
يحمّل الموسوي الحكومة الاتحادية المسؤولية، إذ إنها تقف مكتوفة الأيدي تجاه أزمات المياه الفيضانية والجفاف ولم تفعّل أي نهج إستراتيجي تستطيع من خلاله استغلال هذه الظروف المناخية من أجل مصلحة البلاد
ويضيف الموسوي أن وزارة الموارد المائية لم تضع ضمن خططها بناء أي مشروع يمكّنها من احتواء أزمة المياه وكيفية التعامل معها، خاصة أن الأزمات المائية في العراق مستمرة دون أي استقرار ملحوظ منذ سنوات، لافتًا إلى أنه وفي فصل الصيف تتفشى ظاهرة الجفاف والتصحر في عموم البلاد، فيما يكون فصل الشتاء موسم الفيضانات والسيول بامتياز.
ويحمل الموسوي الحكومة الاتحادية المسؤولية، إذ إنها تقف مكتوفة الأيدي تجاه أزمات المياه الفيضانية والجفاف ولم تفعّل أي نهج إستراتيجي تستطيع من خلاله استغلال هذه الظروف المناخية من أجل مصلحة البلاد، مشيرًا إلى مليارات الأمتار المكعبة من المياه العذبة التي تهدر سنويًا وتذهب بلا فائدة تذكر إلى الخليج، على الرغم من ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تشكو الجفاف.
البصرة التي تصدرت عناوين الأخبار المحلية والدولية الصيف الماضي، عادت إلى واجهة الأحداث وبقوة في الموسم الحاليّ، إذ حمّلت حكومة البصرة المحلية وزارة الموارد المائية مسؤولية ما تعيشه المحافظة من تدمير آلاف الهكتارات الزراعية، فضلاً عن تجريف المياه لحقول الألغام إلى جهات مجهولة.
يقول رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني إن وزارة الموارد المائية ليست لديها رؤية واضحة عن حجم التدفقات المائية والسيول القادمة من إيران، وبالتالي فإن الوزارة لم تستجب لواجباتها رغم المناشدات والتحذيرات السابقة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير المائي رياض علي في حديثه لـ”نون بوست” إن ما يحدث في العراق يعد كارثة بكل المقاييس، فلا يوجد بلد غني في العالم يتعرض لفيضانات كارثية وجفاف في آن معًا، ويضيف علي أنه وعلى الرغم من أن العراق ومنذ أكثر من 13 عامًا يتمتع بميزانيات انفجارية، فإن الحكومات لم تفلح في بناء أي سد أو ناظم مائي، وجميع ما هو موجود في العراق من سدود ونواظم بنيت في العقود التي سبقت عام 2003، بحسبه.
وعن إمكانية إيجاد حلول قابلة للتنفيذ لمعالجة أزمتي الفيضانات والجفاف في البلاد، أكد علي لـ”نون بوست” أن العراق وخلال السنوات الخمسة المقبلة يستطيع أن يتجه نحو الاستقرار المائي الجزئي، إذ يمكن للحكومة أن تكمل بناء سد بادوش في محافظة نينوى، الذي وصلت نسبة الإنجاز فيه في تسعينيات القرن الماضي إلى ما يقرب من 42%، فضلاً عن إمكانية تحويل عدد من السدات والنواظم إلى سدود صغيرة تقي المدن الفيضانات في الشتاء وتساهم في تزويدها بالمياه في الصيف، وكل ذلك سيقي المدن العراقية السيول والجفاف، إضافة إلى الإسهام في زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.
وفي ختام حديثه، أشار علي إلى أن العراق يعد من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط إسرافًا في استخدام المياه العذبة، فغياب القوانين التي تنظم استخدام المياه في البلاد، إضافة إلى غياب التخطيط الواقعي لملف المياه، يسهمان في ضياع ثروة لا تقدر بثمن، مستدركًا أن السيول والأمطار الغزيرة التي شهدها العراق في الموسم الحاليّ ستسهم ولو بشكل بسيط في تراجع ظاهرة التصحر في البلاد فرُبَّ ضارة نافعة.
وما بين فيضانات وجفاف يتعاقبان على العراقيين، يعيش العراقيون رحلة الشتاء والصيف، في بلد يضم اثنين من أهم أنهار العالم.