هل أصيبت ألمانيا بداء التمييز بين أبنائها ؟ .. اتهامات يصعب عليك إقرانها باسم دولة مثل ألمانيا، بكل إرثها الحضاري والثقافي والحداثي، ولكنها مشكلة متفاقمة وظاهرة بشدة وخاصة في الشرق الألماني، الذي أصبح السكان فيه يعتبرون أنفسهم درجة ثانية، وليس المهاجرين فقط، فالوظائف أقل، والرواتب أدنى، من نظرائهم في غرب البلاد، فما الذي أوصلهم لذلك ؟
وثائقي .. العنصرية في شرق ألمانيا
شرق ألمانيا .. مآساة متجددة ؟
لاتحاول كتم الحقيقة، هذا هو الدرس المستفاد من أزمة الشرق الألماني، وتصاعد نزعات العنصرية المسيطرة عليه، الآن فقط أصبح الكتاب والنقاد وصناع الرأي العام يشعرون بفداحة الكارثة المستمرة منذ منتصف الستينات، لذا تحفل الميديا الإلمانية بالتوثيق المناسب للأزمة، والجميع مهتم يعرف، كيف كانت ولأي سبب تحديدا، وماذا أصبحت .
بدأت أزمة تصاعد العنصرية في شرق ألمانيا منذ منتصف الستينيات وحتى الآن، وقتها استعانت قيادة ألمانيا الشرقية بعمال جانب للعمل بعقود مؤقتة لسد ازمة نقص العمال والفلاحين، وكان السوق الرائج انذاك من الكتلة الشرقية في بولندا والمجر، وتطورت الاحتياجات منذ سبعينيات القرن الماضي، وبدأت المدينة يصلها الكثيرين من شباب كوبا وموزمبيق وفيتنام وأنغولا، ومن الدولة العربية الجزائر.
تعاقدت ألمانيا مع المهاجرين إليها، ومن اليوم الأول فصلتهم في محل السكن عن المواطنيين المحليين، ورفضت السماح لهم بإحضار أسرهم معهم، ما كان يضطرهم إلى مغادرة البلاد في نهاية فترة العقد، ولاسيما أن العلاقات على المستويات الشخصية بين الأجانب والسكان المحليين لم تكن مشجعة على الاندماج أو الاستمرار بالغربة، حتى لو كانت المضامين الرسمية للبلاد وحديثها عن المهاجرين لايخلو من نبرات الود والتضامن.
الحسنة في الشرق الألماني تخص والسيئة تعم على الجميع، إذ أصبح السكان والمهاجرين شبه غير معترف بهم داخل المجتمع، من معاملة تمييزية متدنية، إلى إهدار متعمد لحقوقهم، وهي ممارسات وثقتها دراسة حديثة للمركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة
تطورت الأحداث، وظل الشرق يجمع حوالي 17% فقط من السكان الأصليين، ظلوا حتى سقوط جدار برلين عام 1989 يعيشون في مجتمع مغلق، أورث أبنائه إحساس متنام بالإحباط الجماعي وخيبة الأمل، واختمرت هذه المشاعر منذ ربع قرن، وتفجرت على مهل في المجتمع بأكمله.
أدت العقد التاريخة النازية لألمانيا، إلى تكتم البلاد على الحوادث العنصرية ضد الأجانب، حاولت المؤسسات الأمنية بمعاونة الساسة وووسائل الإعلام نفي طابع العنصرية عنها، رغم إثبات محاضر الشرطة السرية دوافع العنصرية في حوادث متكررة، وصلت إلى آلاف الاعتداءات وجرائم القتل، وهي أرقام جعلت الشرق متخلف عن الغرب بعد حوالي 30 عامًا من إعادة توحيد ألمانيا، وأصبح مرتعًا للفكر اليميني المتطرف.
ما يحدث في الشرق، أدى إلى نتائج تثبت الأقوال المأثورة المنسوبة للتراث العربي، فالحسنة في الشرق الألماني تخص والسيئة تعم على الجميع، إذ أصبح السكان والمهاجرين شبه غير معترف بهم داخل المجتمع، من معاملة تمييزية متدنية، إلى إهدار متعمد لحقوقهم، وهي ممارسات وثقتها دراسة حديثة للمركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة، ونشرتها الصحف العالمية قبل أيام، نقلا عن وكالة الأنباء الألمانية.
دراسة جديدة ونتائج خطيرة
الدراسة التي جاءت تحت عنوان «التنافس على الاعتراف» كشفت عن احتقان دائر ويتزايد في ألمانيا، فمواطنو الغرب يرون الشرقيين والمهاجريين يصورون أنفسهم على أنهم ضحايا أملا في ابتزازهم، بينما يشتكي أبناء الشرق من التمييز والعنصرية ضدهم، وحجتهم جاهزة دائما: اكشفوا لنا عن الرواتب وفرص العمل لتعرفوا مستوى التباين الرهيب بين الشرق والغرف ثم تعالوا لنتحدث، وهي ظواهر يتفق معهم فيها خبراء المركز، وأكدوا أن الأفراد المنحدرين من أصول مهاجرة ومواطني شرق ألمانيا يعانون من انخفاض مستويات الأجور، وارتفاع نسبة البطالة، بجانب التقليل من قيمتهم الاجتماعية والثقافية ولاسيما المتعلقة فيها بالهوية الألمانية الخالصة.
رصد التقرير تمييز مهين ضد النساء، من الناحية المادية، يكسبن في المتوسط 40،87 يورو في العام، مقابل 44،309 يورو للرجال، ومن بين الشركات الناشئة التي يتم تأسيسها كل 20 دقيقة في برلين، هناك 15.38٪ فقط من النساء، في حين تدعي 68٪ من النساء العاملات في المشهد أنهن تعانين من التمييز الجنسي، وأكثرها شيوعًا من خلال النكات الجنسية المتدنية.
يشكل المسلمين ثاني أكبر مجموعة دينية، إلا أنهم لم يتم منحهم اعترافًا قانونيًا معادلًا كأعضاء في الطوائف المسيحية واليهودية، والمساجد تبنى عادة في المواقع الصناعية دون أي دعم مادي أو حتى رمزي من الدولة
تتخذ هذه النكات شكل أكثر مباشرة، بسؤال المرأة أمام الشركة بأكملها، ما إذا كانت امرأة حامل أم لا، وسؤالها لأي جنس تذهب، طبيب أم طبيبة سيدة، وبعضهن تصف بالكلبة الباردة، وهو ما دونه تقرير بدء التشغيل الأوروبي، الذي أشار إلى أن كل مدير تنفيذي ثالث في شركة ناشئة ألمانية يكون إمرأة ، مما يعني وجود خلل كبير بين النساء والرجال الذين يعملون في الشركات الناشئة، وتُظهر التباينات في الرواتب بين الرجال والنساء حجم الأزمة,
حالة المكاشفة التي تتبناها ألمانيا حاليا، جاءت من رحم المعاناة، أصبحت الأزمة واضحة للعالم أجمع، ما منح الفرصة للإعلام والمراكز البحثية واستطلاعات الرأي لتكشف المزيد من آلام الشرق، إذ تغيب المساواة والتمييز على أشده، حسب العمر، والإعاقة، والأصل العرقي، والنوع، والتوجه الجنسي، والديانة أو العقيدة، حتى أصبح مسار الحياة اليومية مخيف للغاية، وخاصة مع استقبا ألمانيا لأعداد كبيرة من المهاجرين، قاربت المليون مهاجر، أغلبهم من دول في الشرق الأوسط، زادت من جراحها أزمات الربيع العربي، وخرجت أبنائها من جحيم ليجدوا ما هو أشد بالخارج، عبر ممارسات عنصرية بغيضة.
ألمانيا: مظاهرات جديدة لليمين المتطرف في مدينة كيمنتس ضد المهاجرين واللاجئين
الحكومة الألمانية الاتحادية تحاول من جانبها، تقويض أهداف تيار رفض الأجانب، عبر الهيئة الاتحادية لمكافحة التمييز، ومساعدة الحكومات المحلية على التركيز في محاربة التمييز عبر مواقعها الإلكترونية الرسمية، وهدم مبرراته الفكرية، وتقديم الدعم للتصدي له وسبل التبليغ عن أي تعرض للتمييز على أي أساس كان، وهو ما لجأت إليه ولاية برلين على سبيل المثال، وفي اتجاه موازي، تحمي منتقدي اليمين المتطرف، من النبذ الاجتماعي وخطر الانتقام.
عنف اليمين المتطرف ضد المسلمين
يصعب القول ان المسلمين كانوا دائما مضطهدين في ألمانيا، فرغم العنصرية مع الأجانب، وسلسلة من الاعتداءات على ملاجئ اللجوء، إلا أن المساجد لم تكن هدفا منتظما لمثل هذه الهجمات في التسعينيات، ولكن تبدل الحال خلال عقدين من الزمان، وبحلول عام 2016 رصدت الدراسات أن حوالي نصف السكان الألمان أصبحوا يدعمون الآراء المعادية للمسلمين، وطالت الهجمات العنصرية المساجد.
تقرير ألماني عن محاربة الإسلام والإعتداءات على المساجد في ألمانيا
سجلت الشرطة الألمانية 19105 جريمة يمينية متطرفة في عام 2018 ، وفقًا لآخر الأرقام الحكومية، كما نفذ المتطرفون حوالي 072 1 هجومًا عنيفًا على الأجانب والمهاجرين والمسلمين منهم، وأصيب ما لا يقل عن 498 شخصًا في هجمات مستوحاة من أيديولوجيات اليمين المتطرف، وسجلت الشرطة 578 جريمة كراهية ضد المسلمين بين يناير وسبتمبر من العام الماضي، وفقا للأرقام رسمية، وأصيب ما لا يقل عن 40 مسلمًا في الهجمات التي نفذها معظمهم من المتطرفين اليمينيين المتطرفين.
يشكل المسلمين ثاني أكبر مجموعة دينية، إلا أنهم لم يتم منحهم اعترافًا قانونيًا معادلًا كأعضاء في الطوائف المسيحية واليهودية، والمساجد تبنى عادة في المواقع الصناعية دون أي دعم مادي أو حتى رمزي من الدولة، مع أن المسلمين لم يضبطوا بمعاداة السامية والقومية، ولكن العرقية على مايبدو ستظل دائما في كل مكان من مغصات الإنسانية وسبب نكبتها.