أنور معروف: “الشباب هم الذين أعدوا مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة”

ترجمة وتحرير: نون بوست
بصفته وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي، ترأس أنور معروف مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة، الذي يعتبر آلية لتسهيل ولوج التونسيين إلى عالم ريادة الأعمال. وفي إطار هذا الحوار، شرح معروف ركائز هذا المشروع.
يُنظر إلى التكنولوجيا الرقمية في تونس باعتبارها جدار حماية (حوسبة) يغطي على المواهب وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب. لكن يجب على الدولة أولًا وقبل كل شيء تحقيق آمال الشباب التونسي. وهو ما يمثل الرهان الذي يقوم عليه مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة، لاسيما أن هذه الآلية القانونية هي الأولى من نوعها في أفريقيا.
في الواقع، تعد هذه الآلية “عضوية” ما يعني أن هذا القانون لم يصدر عن “أعلى هرم في السلطة” وإنما كان مدفوعا “من أسفل الهرم” بروح حقيقية من أجل البناء المشترك. وفي الحقيقة، إن مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة يعتبر في المقام الأول نتيجة عملية تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني التونسي. وتتمحور هذه العملية حول رؤية تطمح إلى إزاحة الحواجز ودمقرطة الولوج إلى عالم ريادة الأعمال لجميع التونسيين، بما في ذلك سكان المناطق النائية. ومن شأن هذا المشروع أن يساعد تونس في الحفاظ على أدمغتها (وبالتالي السيطرة على “الإلمام الرقمي”) في عصر كل شيء فيه رقمي.
أنور معروف: غالبًا ما يتحلى الشباب بالأمل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعالم الرقمي
في هذا الصدد، أجرت مجلة “لوبوان” الفرنسية حوارا مع أنور معروف، وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي التونسي، وأحد منظمي مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة.
لوبوان: كيف سيساعد تطوير الشركات الناشئة اليوم على بعث الأمل في نفوس الشباب التونسي والمساهمة في مكافحة البطالة؟
أنور معروف: غالبًا ما يتحلى الشباب بالأمل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعالم الرقمي. وقد أثار مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة الكثير من التوقعات الإيجابية بين صفوف الشباب في تونس. ففي البداية، لاحت بوادر الأمل في إنشاء هذا المشروع، قبل أن تُنقل الفكرة إلى بلدنا. وفي خطوة ثانية، مثل مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة مبادرة انطلقت من النظام البيئي وانتهت فيه.
بالنسبة للشباب، عادة ما تطلق البوادر من الدولة، ولكن هذه البادرة جاءت من أسفل الهرم وأشرف على تطويرها أصحاب الفكرة أنفسهم أي الشباب، ولا سيما رواد النظام البيئي للشركات الناشئة. وشخصيا، تأثرت وأحسست بالنشوة عندما صادق البرلمان على مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة، وبذلك اعتبر الشباب أنهم حققوا انتصارا تاريخيًا.
من هنا يأتي الأمل الذي تغذيه أيضا الطاقة الشبابية التي أحدثتها الثورة التونسية، التي سبق أن واجهت في عدة مناسبات عراقيل وخيبات. وتتمثل الفكرة الرئيسية في إطلاق مبادرات مثل مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة وتحقيق نجاح سريع في العالم الرقمي، باعتبار أنه يمثل المستقبل والتغيير، والقطيعة مع الماضي، والأمل.
إن مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة برمته يمثل عملية مستمرة، أو بالأحرى لا ينبغي أن يقتصر فقط على مشروع قانون أو نص قانوني
من خلال مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة وهذه الديناميكية التي تتوزع بين مختلف مناطق البلاد، يدرك الشباب التونسي اليوم أنه في النهاية إذا كانت لدينا فكرة جيدة في مجال ريادة الأعمال، فيجب أن يكون لدينا أيضا رأس مال ورغبة قوية وخدمات إنترنت جيدة. وإذا توفرت هذه الظروف، سيكون بعث مشروعك وتحقيق المعجزات ممكنا.
إلى أي مرحلة وصل مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة بعد أن صادق عليه البرلمان سنة 2018؟
إن مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة برمته يمثل عملية مستمرة، أو بالأحرى لا ينبغي أن يقتصر فقط على مشروع قانون أو نص قانوني. كما يجسد مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة روحا جديدة، ويعكس ديناميكية جديدة أطلقها الشباب والنظام البيئي، واعتمدتها الدولة وسرّعتها.
أما دوري فيتمثل في تسريع هذه الديناميكية التي نشأت داخل النظام البيئي، قبل أن يطلق هذا المشروع في الرابع من نيسان/ أبريل. وسينطلق إسناد العلامات الأولى للشركات الناشئة وتفعيل البوابة الرقمية انطلاقا من عملية الإدارة بأكملها المحددة مسبقا في مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة.
هل سيتم إسناد هذه العلامات من قبل لجنة مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة التي وقع تعيينها؟
تم تعيين لجنة مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة للتو بقرار من رئيس الحكومة. وتضم هذه اللجنة تسعة أشخاص يمثلون النظام البيئي للشركات الناشئة، بما في ذلك خبراء، ومؤسسات من الدولة متخصصة في هذا المجال، وخبراء في نظام التحكم بالمراجعات، ومؤسسات الاستثمار أو المؤسسات الراعية لرواد المشروع. وستمثل هذه اللجنة النظام البيئي، ويشتمل دورها على إسناد العلامات للشركات الناشئة، والتعامل مع ملفات التطبيق المتعلقة بمشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة وتصنيفها.
احتلت تونس المرتبة 40 في جودة ريادة الأعمال وفقا لمؤشر ريادة الأعمال العالمي سنة 2018
كيف يمكن للعالم الرقمي ومشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة أن يساهم في تنمية المناطق التونسية من جهة، وتعزيز لا مركزية الدولة بشكل خاص وخدماتها العامة من جهة أخرى؟
إنه سؤال محوري. يعتبر التباين الحاد بين المناطق من بين أسباب اندلاع الثورة. وعندما فكرنا في استراتيجية تونس الرقمية لسنة 2020، حددنا أهدافا من بينها أنه يمكن التعويل على العنصر الرقمي كميسر لهذا التحول بين المناطق، أي عبر محور الرقمية والإقليمية، من أجل إعادة توزيع الثروة من خلال العالم الرقمي حيث يستفيد الجميع بالطريقة ذاتها.
إذا وفرنا خدمات إنترنت جيدة ونظامًا بيئيا يحظى بالدعم إلى جانب التمويل، فإنه يمكننا أن نساعد الشباب من الخريجين على بعث مشاريعهم الخاصة دون أن يضطروا للنزوح إلى تونس العاصمة أو مغادرة البلاد. وتعمل وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي على تعميم سرعة الإنترنت في جميع المناطق بينما تستعد البلاد لإطلاق شبكة الجيل الخامس.
نحن نعمل على إطلاق “صندوق الصناديق”. وتوشك الدراسات على الانتهاء.
كما تشرف وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي على مشاريع المنطقة البيضاء، لتغطية المناطق التي لا تدر أرباحا بالنسبة للمشغلين. وتترأس الوزارة أيضا مشروع شبكة الإدارة المتكاملة الوطنية. وقد قمنا بتوصيل جميع مواقع الإدارة في جميع أنحاء البلاد بسرعة عالية للغاية، لإنشاء شبكات داخلية فعالة وتعميم هذه التغطية في البلاد.
فيما يتعلق بمسألة التمويل، ما الذي يمكن أن يقدمه مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة للشباب الذي يبحثون عن أموال في إطار عملية قابلية التوسع؟
نحن نعمل بالفعل على إطلاق “صندوق الصناديق”. وتوشك الدراسات على الانتهاء. وسيكون إطلاق هذا الصندوق سنة 2019 بمبلغ 100 مليون يورو، بهدف الوصول إلى 200 مليون يورو. وليست هذه الأرقام نهائية، وإنما قيمة أسية. وسيسمح صندوق الصناديق بإنشاء عشرات الصناديق الاستثمارية التي تغطي دورة حياة الشركات الناشئة وتمكن من الإطلاق الحقيقي لهذه الديناميكية في تونس.
علاوة على ذلك، أشدد على أن هذه الديناميكية ليست موجهة للتونسيين فحسب، وإنما لكل الذين يرغبون في إنشاء شركاتهم الناشئة في تونس. ويعتبر عددهم كبيرا وهم من أولئك الذين قدموا للاستقرار هنا من أجل إنشاء شركات ناشئة والاستفادة من مشروع قانون تطوير المؤسسات الناشئة والتمويلات.
من خلال الحديث عن انفتاح يتجاوز حدود تونس، ما هي المشاريع التي تعتمدها تونس وبدأت بالفعل في تنفيذها من أجل التموقع في إفريقيا؟
من المتوقع أن يساهم “صندوق الصناديق” في إنشاء صناديق أخرى مختصة في حضانة الشركات الناشئة الأفريقية. ومن هذه المنطلق، إننا نعمل على تطوير مبادرة أوسع نطاقًا تسمى “سمارت أفريقيا”.
نحن نعيش تحولا في تاريخ الاقتصاد العالمي، ذلك أن أساس الاقتصاد، الذي كان المنتج، أصبح اليوم متمثلا في المعلومة
وفي إطار تحالف “سمارت أفريقيا”، تُعتبر تونس عضوا نشطا في هذا التحالف، فقد تم تصنيفها على أنها حاضنة مناخ الشركات الناشئة الأفريقية. وهذا يعني أن مهمة خلق ديناميكية على المستوى الأفريقي موكلة إلينا من أجل توفير الفرص والإمكانات لجميع الشباب الأفارقة لإنشاء شركاتهم الناشئة، وخلق آليات المرافقة والتمويل، والوصول إلى السوق الدولية.
هل تعني بالإشارة إلى أن تونس ستصبح حاضنة للشركات الناشئة الأفريقية أنه ماديا سيكون هناك هيكل مرافقة، أي حاضنة مادية أفريقية في تونس؟
في وضعية “سمارت أفريقيا”، قرر التحالف إنشاء صندوق استثماري مخصص للشركات الناشئة الأفريقية ومنح تونس مسؤولية إدارة هذا الصندوق.
في الحديث عن الابتكار، دعنا نتطرق إلى الذكاء الاصطناعي. أطلِق هذا النقاش في فرنسا من طرف سيدريك فيلاني، على وجه الخصوص، الذي صاغ تقريرًا حول الذكاء الاصطناعي والدور الذي يجب أن تلعبه فرنسا، وخاصة كيف يمكنها الاستفادة منه في مواجهة القوى الأخرى. ويفسر فيلاني في هذا التقرير أنه من أجل البقاء في المنافسة، يجب على فرنسا استقطاب أدمغة أجنبية. كيف يمكن أن يؤثر هذا الأمر على تونس التي تكوّن عشرات الآلاف من مهندسي الحاسوب سنويا، وعلى جهودها من أجل تطوير الاقتصاد الرقمي؟
نحن نعيش تحولا في تاريخ الاقتصاد العالمي، ذلك أن أساس الاقتصاد، الذي كان المنتج، أصبح اليوم متمثلا في المعلومة. أما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فإنه من الممكن أن ننظر فيه من زاوية التكنولوجيا. وعموما، من الممكن أيضًا اعتباره قدرة على التعامل مع المعلومة، وذكاء من أجل كسب أكبر قدر من الأرباح انطلاقا من هذا العنصر الأساسي الجديد الذي يتمثل في المعلومة. إن هذا الأمر رهان دولي يحتاج إلى عدد كبير جدًا من الأدمغة ومهارات المهندسين والمطورين.
تونس دولة ديمقراطية قيد التطوّر ولدينا ثقة كاملة في الذكاء البشري، لذلك سنتعامل معه بطريقة مختلفة
إن هذه المشكلة مشكلة عالمية تواجهها جميع البلدان، إذ تعاني فرنسا أيضًا من رحيل المهندسين إلى سيليكون فالي والولايات المتحدة ولندن. وتواجه تونس هي الأخرى هذه المشكلة لأن مهندسيها يتنقلون بين فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، إذ يتعلق الأمر بتنقل المواهب الذي نرغب أن يتحول إلى عملية حقا.
علينا أن نختار بين نهجين، إما ألا نفعل شيئًا ونكون الخاسرين، أو نغلق الحدود. لكن تونس دولة ديمقراطية قيد التطوّر ولدينا ثقة كاملة في الذكاء البشري، لذلك سنتعامل معه بطريقة مختلفة. كيف ذلك؟ أولاً، من خلال إطلاق مبادرات تحث هؤلاء الشباب، حتى في حال مغادرتهم، على العودة إلى بلدهم وبعث مشاريع بعد أن عززت تجربتهم الدولية قدراتهم، خاصة في ظل مشروع قانون تطوير الشركات الناشئة.
أما فيما يتعلق بموضوع تقرير فيلاني، فإن لدينا علاقات مميزة مع فرنسا تثريها نقاشات متنوعة ومتعددة للغاية واهتمام متبادل بالعمل معًا لخلق ظروف ملائمة في كلا البلدين. يمكننا، حكومات ومؤسسات، تنفيذ كل من التوطين والابتكار والتأسيس للثروة التي تخلقها مواهبنا معًا بشكل مشترك، وهذا ما تسمح به الصناعة الرقمية بالضبط. وسوف يسهم هذا النهج في تحقيق الازدهار على جانبي البحر الأبيض المتوسط. ويهم هذا الطموح بلدان أوروبية ترى في تونس حليفها الاستراتيجي في السباق العالمي على القوة الرقمية، بفضل امتيازاتها.
المصدر: لوبوان