العراق والقرصنة والتنصت على الهواتف: فضيحة قد تطيح بالسوداني

ترجمة وتحرير: نون بوست

في أواخر شهر يوليو/ تموز، وبعد دخول البرلمان العراقي في عطلة، وبينما كان النواب في بداية عطلتهم الصيفية، تلقى العشرات منهم رسالة عبر واتساب من رقم مجهول.

للوهلة الأولى، بدا أنها لقطة شاشة لخبر عاجل على إحدى القنوات الفضائية العراقية، تشير إلى أن أربعة أعضاء من لجنة المالية البرلمانية قد تلاعبوا بالموزانة التي صوتوا عليها قبل أيام.

لم يركز معظم النواب على الرسالة، فليس من غير المألوف أن يتلقوا مثل هذه الأشياء. ولكن بعد ثلاثة أسابيع تم إرسال رسالة أخرى من نفس الرقم، وهذه المرة إلى عدد أكبر من النواب. وكانت محتوياتها صادمة.

وبدت الرسالة وكأنها تكشف تفاصيل اجتماع سري بين ثلاث شخصيات سياسية مؤثرة للاتفاق على مرشح لمنصب رئيس البرلمان، الذي كان شاغرًا منذ أن أقالت المحكمة العليا في العراق محمد الحلبوسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بسبب اتهامات بالتزوير.

وعلى الرغم من عدم ذكر أسماء الرجال، إلا أنه تم الإشارة إليهم بألقاب لم تترك لأحد في الأوساط السياسية المطلعة أي شك بشأن هوياتهم.

فقد أُشير إلى أحمد عبد الله الجبوري، محافظ محافظة صلاح الدين وزعيم حزب الجماهير بلقب “الزعيم”. أما الحلبوسي فقد كان هو “المزور”. (وقد أدان الحلبوسي إقالته من البرلمان باعتبارها “غير دستورية. ويقول حزبه “التقدم” الذي ينتمي إليه إنه ضحية لـ”استهداف سياسي”).

أما الرجل الثالث، الذي يطلق عليه “الأمين”، فهو قيس الخزعلي، قائد حركة عصائب أهل الحق، أحد أقوى الفصائل المسلحة في العراق والقيادي الرئيسي في تحالف “إطار التنسيق” الحاكم للأحزاب الشيعية.

الأمين والزعيم والمزور

وجاء في الرسالة: “يستعد كل من الأمين والزعيم والمزور لترشيح نائب معروف بشهادته المزورة كمرشح لرئاسة البرلمان. وتكمن المشكلة في أن القاضي راضٍ”.

والنائب المشار إليه هو زياد الجنابي، رئيس كتلة المبادرة البرلمانية، والذي كان قد اتُّهم من قبل منافسيه بتزوير شهادته الأكاديمية، لكن تحقيقًا قضائيًا نفى هذا الادعاء. ويبدو أن القاضي هو فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى.

وساهمت حساسية مضمون الرسالة والادعاء بأن الخزعلي سيشارك في اختيار رئيس البرلمان في زيادة تداولها بين النواب والسياسيين والصحفيين.

فبموجب نظام تقاسم السلطة في العراق، عادةً ما يشغل منصب رئيس مجلس النواب سياسي سنيّ، وكان الاقتراح المتعلق بتورط زعيم شيعي مدعوم من إيران في العملية مثيرًا للجدل.

وقد تقدم الجنابي نفسه بشكوى إلى جهاز المخابرات الوطني العراقي لمعرفة من يقف وراء ذلك، حسبما قال نواب ومسؤولون مطلعون على القضية لموقع “ميدل إيست آي”.

وبعد أيام قليلة، تم اعتقال شخص يشتبه في إرساله للرسالة، وهو علي مطير، ضابط ومتخصص في تكنولوجيا المعلومات في جهاز الأمن الوطني – وهو جهاز أمني منفصل عن جهاز المخابرات الوطني – الذي كان قد تم انتدابه للعمل في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

بعد ذلك بوقت قصير، في 19 أغسطس/ آب، تورط موظفون في مكتب السوداني في فضيحة أخرى. فقد ألقت محكمة متخصصة في قضايا الإرهاب القبض على شبكة من الأشخاص العاملين في مكتب رئيس الوزراء. وقد اتهم النائب الذي أدلى بشهادته أمام المحكمة، مصطفى سند، المعتقلين بالقيام بـ”أعمال قذرة”، بما في ذلك التنصت على هواتف السياسيين والنواب.

واتهم مصطفى سند، محمد جوحي، وهو شخصية مؤثرة في مكتب السوداني، بتولي إدارة العملية. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الفضيحة بشكل كبير مع اتضاح نطاق عملية التنصت المزعومة.

وكان كبار الشخصيات السياسية والمسؤولين السياسيين من بين الذين يُزعم أنه تم التنصت عليهم في خرق أمني غير عادي ألقى بظلال من الشكوك على دائرة حلفاء ومستشاري السوداني المقربين، بمن فيهم شقيقاه حيدر وعباس، وعدد من أبناء عمومته من القبائل الذين تم تعيينهم في مناصب عليا في مكتبه.

قال الحلبوسي في مقابلة تلفزيونية في سبتمبر/ أيلول: “هل سمعت يومًا عن الزائر الليلي؟ محمد (جوحي) كان الزائر الليلي. إنها القضية كبيرة.”

“الزائر الليلي” هو مصطلح عامي في العراق يشير إلى الشخص الذي يتطفل دون دعوة إلى الحياة الشخصية للآخرين.

“اغتصاب الدولة”

بعد القبض على مطير، كان أول ما لفت انتباه المحققين، وعلى رأسهم القاضي الكبير علي جفت، هو وجود عدد من صور السياسيين على حاسوبه المحمول، وكان معظمها مصممًا ليبدو وكأنه لقطات مأخوذة من نشرة الأخبار العاجلة.

في البداية، بدت تلك الصور من النوع الذي يتم تداوله عادةً لتشويه سمعة الشخصيات السياسية. ومع ذلك، سرعان ما توصل المحققون إلى استنتاج مختلف.

أثناء الاستجواب، قال مطير إنه كان يعمل تحت إشراف جوحي. وفي ذلك المساء، وبناءً على أوامر جفت، شنت قوات الأمن حملة مداهمة على مقر جوحي في المنطقة الخضراء ببغداد، حيث تم اعتقاله ومصادرة الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمعدات الرقمية الأخرى.

وقال مسؤول رفيع المستوى مطلع على عملية المداهمة لموقع “ميدل إيست آي”: “لم يتوقع جوحي ورؤساؤه أن يتجرأ جفت على اعتقاله داخل المنطقة الخضراء، ولم يتوقعوا أن يحدث ذلك بهذه السرعة”.

واعتُقل جوحي ومطير وخمسة آخرين – بينهم ضباط أمن ومخابرات يعملون في مكتب السوداني – ثم خضعوا لاستجواب مكثف. وبحلول نهاية أغسطس/ آب، كان المحققون قد كشفوا عن ملامح ما اعتبروه مؤامرة ذات أبعاد واسعة

وقد شارك زيدان، رئيس السلطة القضائية، النتائج الأولية للتحقيق مع قادة التنسيقية.

وقال أحد قادة الإطار التنسيقي البارزين لـ”ميدل إيست آي” إن موارد وكالات الاستخبارات العراقية ومكتب رئيس الوزراء ومكاتب رؤساء الجيش “كانت كلها في خدمة جوحي وشبكته”.

وقد تم اختراق معظم كبار القادة السياسيين والوزراء والنواب وكبار المسؤولين السياسيين وتسجيل محادثاتهم، كما تم استهداف رؤساء الهيئات العامة الكبرى والقضاة ورجال الأعمال البارزين ورجال الدين. وقال القيادي في إطار التنسيقية “إنه اغتصاب للدولة ومؤسساتها”.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يصل إلى مراسم التسليم الرسمية في قصر الجمهورية، في المنطقة الخضراء ببغداد.

واكتشف المحققون أيضًا عشرات الرسائل الصوتية ومئات الرسائل النصية التي أرسلها رئيس الوزراء نفسه إلى جوحي.

ووفقًا لقائد الإطار التنسيقي، فإن الرسائل “تضمنت تعليمات صريحة باستهداف بعض القادة السياسيين”.

وتواصل موقع “ميدل إيست آي” مع ثلاثة من مستشاري السوداني، وجميعهم من مسؤولي الاستخبارات المطلعين على التحقيقات، وقد أكدوا وجود هذه الرسائل ومحتوياتها.

وقال أحد المستشارين: “الوضع مأساوي ولا نعرف كيف سينتهي الأمر”، وأضاف: “إذا قال السوداني إن جوحي ومجموعته كانوا يعملون بعلمه وموافقته، فهذه خطيئة. أما إذا قال إنهم كانوا يعملون دون علمه، فهذه كارثة وخرق أمني فادح.”

وعندما تواصل “ميدل إيست آي” مع مكتب السوداني، رفض تقديم أي تعليق.

ولم يصدر بعد أي تعليق علني من قبل رئيس الوزراء على هذه المزاعم. وفي الأسابيع التي تلت انتشار الفضيحة، نفى مكتبه تقارير إعلامية عراقية عن وجود شبكة تجسس مزعومة داخل مكتبه.

وفي مقابلة أجريت معه في أوائل سبتمبر/أيلول، نفى سبهان الملا جياد، المستشار السياسي للسوداني، أن تكون القضية مرتبطة بالتجسس وقال إن “البعض بالغ في تضخيمها”. وألقى باللوم على “خطأ” ارتكبه أشخاص في مكتب السوداني.

وقال جياد: “يمكن أن يكون الأمر ابتزازًا وتسجيل مكالمات… يمكن أن تكون رسائل صوتية تتضمن ابتزاز بعض الأشخاص، لكن لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى التجسس”.

وأضاف: “تم استغلال هذا الخطأ والمبالغة فيه لأغراض معينة. وقد يكون لأسباب شخصية أو لمصالح أخرى”.

قائمة أهم الشخصيات بالمجتمع السياسي العراقي

لا يزال التحقيق القضائي في ما يسمى بـ”شبكة جوحي” مستمرًا ويخضع لرقابة صارمة من قبل جفت، الذي يرفع تقاريره مباشرة إلى زيدان لحماية نفسه من أي تدخل سياسي.

وبينما لم يتحدث أي منهما علنًا، تقول مصادر مطلعة على القضية إن نطاق الفضيحة وحجمها أصبحا أكثر وضوحًا.

وتبدو قائمة الأشخاص المستهدفين تشبه قائمة بأهم الشخصيات في المجتمع السياسي العراقي، وتشمل قادة الإطار التنسيقي الرئيسيين وعائلاتهم، بمن فيهم نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، والخزعلي، مهندس حكومة السوداني، ومحسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان.

وتم أيضًا استهداف الحلبوسي، رئيس مجلس النواب السابق، ومحمد رضا السيستاني، الابن الأكبر لآية الله العظمى علي السيستاني الذي يدير مكتب والده.

محمد شياع السوداني (الثاني من اليمين)، محاطًا بزعماء حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي (الثاني من اليسار) ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي في حدث في مايو/ أيار 2024. ويُزعم أن كلا الرجلين كانا مستهدفين من قبل شبكة اختراق هواتف مرتبطة بمكتب السوداني.

واخترقت الشبكة أيضًا دوائر استخباراتية وأمنية رفيعة المستوى، وفقًا لتقرير تقييم الأضرار الذي أعده مسؤولون أمنيون واطلع عليه موقع “ميدل إيست آي”،  والذي يشير إلى أن الفريق عبد الأمير الشمري، وزير الداخلية، وقاسم الأعرجي، مستشار الأمن الوطني، كانا مستهدفين.

وبدلاً من جوحي، حدد التقرير مدير المكتب العسكري للسوداني الفريق عبد الكريم السوداني، وهو أحد أبناء عم رئيس الوزراء من نفس القبيلة، كرئيس للشبكة، ووفقًا للتقييم، تم أيضًا تقديم “تقارير دورية” إلى رئيس الوزراء نفسه.

وقال مسؤول أمني كبير لموقع ميدل إيست آي: “حتى الآن، كل الدلائل تشير إلى أن الشبكة تشكلت لأغراض داخلية وليست خارجية”.

وأضاف: “هدفت الشبكة إلى إحكام قبضة السوداني على المشهدين السياسي والأمني لضمان حصوله على المزيد من الفترات كرئيس للوزراء”.

لم يكشف المحققون حتى الآن عن أي معلومات علنية حول النتائج التي توصلوا إليها، لكن مذكرات الاعتقال والاستدعاء التي صدرت في سياق عملهم مكّنتهم من تجميع الخطوط العريضة للمؤامرة.

ويبدو أن الشبكة قد استخدمت شركات الاتصالات للوصول إلى سجلات مكالمات المستهدفين، حسبما قال اثنان من كبار المسؤولين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقية لموقع ميدل إيست آي.

وسجلات المكالمات هي سجلات تحتوي على بيانات وصفية حول المكالمات والرسائل الهاتفية. وهي عادةً ما تُظهر أرقام هواتف المتصل والمستقبل، وأوقات وتواريخ ومدة المكالمات، وبيانات الموقع.

وقال أحد المسؤولين في هيئة الاتصالات: “لقد استفادوا من التسهيلات التي تقدمها هذه الشركات لمكتب رئيس الوزراء وطلبوها، ولسوء الحظ، تعاونت الشركات معهم وقدمت هذه السجلات دون إذن من المحكمة”.

في 21 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر جفت استدعاءات إلى علي المؤيد، رئيس هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ومسؤول آخر في الهيئة.

وقال أحد أعضاء مجلس أمناء هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لموقع ميدل إيست آي: “عندما تم استجواب ممثلي شركات الهاتف المحمول، زعموا أنهم تلقوا تعليمات واضحة من هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون الكامل مع مكتب رئيس الوزراء، لذلك لم يترددوا في الامتثال لطلبات جوحي ومجموعته”.

وقال عضو مجلس الأمناء إنه تم استجواب مؤيد والمسؤول الآخر وتم إطلاق سراحهما بكفالة.

لم يرد مؤيد على طلبات موقع ميدل إيست آي للتعليق، لكن مسؤولًا رفيع المستوى في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مقرب من مؤيد قال لموقع “ميدل إيست آي” إنهم عادة ما يطلبون من شركات الاتصالات التعاون مع طلبات مكتب رئيس الوزراء. وأضاف: “لكنهم لم يطلبوا منهم أبدًا خرق القانون أو إعطاء معلومات خاصة عن عملائهم”.

“كينغ فيش”

توفر سجلات المكالمات عادةً بيانات قيّمة عن اتصالات وتحركات هدف المراقبة، إلا أنها لا تسمح بالاستماع إلى المكالمات أو الوصول إلى الرسائل نفسها.

وسعيًا لإيجاد حل، حصل جوحي وزملاؤه المتآمرون على معدات مراقبة تستخدمها وحدة التنصت والاستهداف التابعة للمخابرات الوطنية العراقية، وفقًا لمسؤولين مطلعين على التحقيق.

وبحسب ضابطين من جهاز الاستخبارات الداخلية وثلاثة من مستشاري السوداني، فقد استخدموا بالتحديد جهازًا محمولًا أمريكي الصنع يُسمى كينغ فيش،  ويُستخدم جهاز كينغ فيش من قبل وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات لتعقب واعتراض الإشارات الهاتفية عن طريق محاكاة إشارة برج الهاتف المحمول.

وقد قدمت الولايات المتحدة عددًا من أجهزة كينغ فيش لأجهزة الأمن العراقية كجزء من المعدات العسكرية المقدمة منذ عام 2015 لدعم القتال ضد مسلحي تنظيم الدولة.

وقال مسؤول سابق في جهاز المخابرات الداخلية العراقية لموقع “ميدل إيست آي” إن الولايات المتحدة سحبت جميع هذه الأجهزة في سنتي 2018 و2019 “بعد أن ثبت أنها كانت تستخدم لأغراض شخصية” باستثناء الجهاز المخصص لجهاز المخابرات الداخلية العراقية.

وقال أحد ضباط المعهد الوطني للاستخبارات العسكرية لموقع ميدل إيست آي: “لقد نقلوا الجهاز والضباط الذين يعملون عليه من المعهد الوطني للاستخبارات العسكرية إلى مكتب رئيس الوزراء”.

أبناء عمومة في المخابرات

لم يعيّن السوداني، الذي أصبح رئيسًا للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أي شخص لرئاسة جهاز المخابرات، بل احتفظ بالمنصب لنفسه، لكنه قام بتعيين الفريق عبد الكريم السوداني، مدير مكتبه العسكري، مشرفًا عامًا على الجهاز، وأحمد إبراهيم السوداني، وهو ابن عم آخر من قبيلته، مديرًا لمكتب رئيس الجهاز.

وفي أواخر أغسطس/آب، صدرت مذكرات اعتقال بحق الرجلين، وقالت مصادر إن كلاهما تم استجوابهما وأُطلق سراحهما بكفالة.

وقدم أحمد إبراهيم السوداني استقالته إلى رئيس الوزراء فور إطلاق سراحه، ورغم أن استقالته لم تقبل رسميًا، إلا أن المصادر قالت لموقع “ميدل إيست آي” إنه لم يستأنف مهامه الرسمية.

تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع كل من الفريق عبد الكريم السوداني وأحمد إبراهيم السوداني للتعليق على الموضوع، وقال أحمد إبراهيم السوداني: “بحكم مسؤولياتي وواجباتي الوظيفية فلا علاقة لي بالموضوع، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر. الأمر معروض أمام القضاء العراقي وهو المعني بالبت فيه”.

ولم يكن الفريق عبد الكريم السوداني قد رد على موقع “ميدل إيست آي” في وقت نشر هذا التقرير.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، تم اعتقال حيدر ليث السوداني، مدير وحدة التنصت والاستهداف في جهاز المخابرات العراقية، وهو أيضًا ابن عم لرئيس الوزراء من أبناء العشائر، وستة ضباط آخرين، ولا يزالون قيد التحقيق.

ومنذ ذلك الحين تمت إقالة العشرات من ضباط جهاز المخابرات أو إيقافهم عن العمل أو نقلهم إلى وظائف مختلفة، خاصة من بين العاملين في وحدة التنصت والاستهداف.

وقال ضابط رفيع المستوى لموقع ميدل إيست آي: “يبدو الأمر كما لو أن زلزالاً ضرب جهاز الاستخبارات”.

وأضاف: “الخرق كبير جدًا وهناك شكوك ومخاوف من أن بعض المعلومات قد يتم مشاركتها مع طرف خارجي”.

وفي حين يُفهم أن شبكة جوحي قد تمكنت من الوصول إلى سجلات المكالمات، ومكنها كينغ فيش من الاستماع إلى المحادثات وقراءة الرسائل المتبادلة عبر شبكات الهاتف الخلوي، لكن بقيت هناك عقبة أخيرة.

كان معظم الذين تحاول الشبكة اختراق هواتفهم يستخدمون تطبيقات مشفرة مثل واتساب وسيجنال وتيليغرام بشكل روتيني، والتي لم يتمكنوا من الوصول إلى محتوياتها.

وهنا تأتي أهمية لقطات الشاشة والرسائل الاستفزازية التي عثر عليها المحققون على حاسوب مطير المحمول.

وقال أحد كبار مسؤولي الاستخبارات المطلعين على التحقيق لموقع “ميدل إيست آي” إنه يُعتقد أنها استخدمت لتثبيت فيروسات “حصان طروادة” للتجسس على الهواتف المستهدفة.

وأضاف: “لقد أرسلوا رسائل محملة بفيروس خبيث، احتاج المرسل إلى نقرة واحدة فقط من الهدف، وكان الهاتف في يد المخترق وانتهى التشفير”.

وأكد عدد من النواب الذين قالوا إنهم مستهدفون لموقع “ميدل إيست آي” أنهم تلقوا مثل هذه الرسائل.

قال أحدهم، محمد نوري: “بصفتنا نوابًا في البرلمان، نتلقى عشرات الصور والنداءات المكتوبة عبر واتساب كل يوم، وطالما أنه لا توجد روابط مشبوهة، فإننا عادة ما نفتح هذه الرسائل. جميعنا فتحنا الرسائل التي تلقيناها دون تردد”.

“خيانة كبرى”

ليس من الواضح متى سينتهي جفات من تحقيقاته، لكن القاضي بدأ باستدعاء ضحايا الشبكة لتسجيل أقوالهم وسؤالهم عما إذا كانوا يرغبون في مقاضاة المتهمين، مما يشير إلى أن عمله قد أوشك على الانتهاء.

وقد تم بالفعل رفع عشرات الدعاوى القضائية ضد المتهمين بالتورط بتهم تشمل التنصت على المكالمات الهاتفية والابتزاز والتهديد.

وقال عدد من النواب لموقع “ميدل إيست آي” إن عددًا كبيرًا من هذه الدعاوى القضائية ضد رئيس الوزراء نفسه.

ولا يزال جوحي ومطير وحيدر ليث السوداني وستة من ضباط المخابرات محتجزين، في حين تم إطلاق سراح آخرين تم استجوابهم في إطار التحقيق بكفالة.

ولم يكن من الممكن الوصول إلى أي من هؤلاء المعتقلين للتعليق، ولا يُسمح لمحاميهم الذين عينتهم المحكمة بالحديث عن القضية.

وفي الوقت الراهن؛ أدت الاضطرابات الأوسع نطاقاً التي اجتاحت المنطقة بسبب الحروب الإسرائيلية في غزة ولبنان؛ حيث يواجه العراق خطر الهجمات الإسرائيلية ويتعرض القادة العراقيون لضغوط من الولايات المتحدة وإيران، إلى صرف الانتباه عن الأزمة السياسية في العراق ومنحت السوداني وحكومته بعض الوقت.

لكن فضيحة جديدة في الأسابيع الأخيرة تتعلق بتسجيلات صوتية مسربة يظهر فيها عدد من كبار المسؤولين الموالين للسوداني مباشرة وهم يطلبون رشاوى تشير إلى أن الهدنة بين رئيس الوزراء وخصومه قد انتهت.

ومع توقع إجراء الانتخابات بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025، يعتقد البعض أن مصير سوداني السياسي قد حُسم بالفعل.

وقال ياسر الحسيني، وهو نائب مستقل، لموقع ميدل إيست آي إن الفضيحة بمثابة “رصاصة رحمة” لفرص استمرار السوداني في رئاسة الوزراء.

وقال الحسيني: “هذه خيانة كبرى؛ خيانة للأصدقاء الذين أوصلوا السوداني إلى السلطة. إن انعدام الثقة الذي ولدته هذه القضية يهدد العملية السياسية برمتها”.

وأضاف: “القضاء هو الذي سيحدد مصير حكومة سوداني، ولكنني على يقين تام بأن سوداني لن يعود إلى منصب رئيس الوزراء مرة أخرى”.

المصدر: ميدل إيست آي