تشهد تخوم العاصمة الليبية طرابلس معارك متقطعة بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، بعد أن أمر حفتر قواته بالتقدم غربًا للسيطرة على طرابلس وتحريرها من الجماعات الإرهابية وفق قوله، معارك تنذر بتطورات كبرى في العاصمة الليبية سيكون لها تأثير بارز على مجريات الصراع في ليبيا ككل، فهل تحسم معركة طرابلس الصراع في هذا البلد العربي الذي يعاني من ويلات الحرب منذ سنوات عدة؟
تحركات حفتر
تحركت قوات حفتر نحو طرابلس قائلة: “نريد طرابلس من أجل الكرامة”، وقال مكتب إعلام قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر، الأربعاء، إن أوامر صدرت للقوات بالتحرك إلى غرب البلاد لمحاربة ما تبقى من الجماعات الإرهابية في غرب ليبيا.
وقال المتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري: “لا نريد طرابلس من أجل كرسي أو من أجل سلطة أو من أجل مال، نريد طرابلس من أجل الكرامة، نريد طرابلس من أجل هيبة هذه الدولة”، كما نشرت صفحات على مواقع التواصل تابعة لقوات حفتر صورًا لأرتال عسكرية في منطقة غير معروفة.
بدوره قال حفتر في تسجيل صوتي بدا موجهًا لقواته ونشر على صفحتها على فيسبوك: “تقدموا بثقة وادخلوها بسلام، مرافق العاصمة أمانة في أعناقكم”، وكانت قواته قد سيطرت على بلدة غريان التي تبعد نحو مئة كيلومتر عن العاصمة.
أمر السراج في برقية فورية إلى وزارة الدفاع ورئاسة الأركان والحرس الرئاسي ومناطق عسكرية أخرى برفع درجة الاستعداد القصوى
يأتي هذا التحرك العسكري لحفتر، بعد أشهر قليلة من سيطرته على جنوب ليبيا والآبار النفطية المهمة هناك في حملة عسكرية شنها في يناير/كانون الثاني الماضي، وأعلن أن تلك الحملة تهدف للقضاء على الإرهابيين والتنظيمات المسلحة الإجرامية.
ورغم الرفض الدولي والمحلي لتحركه، فإن حفتر مصر على تقدمه نحو طرابلس، وأفاد دبلوماسيون أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة أخبر مجلس الأمن أن حفتر أبلغ غوتيريش أنه لا ينوي وقف هجومه الرامي للسيطرة على طرابلس، وكان غوتيريش قد التقى في طرابلس الخميس فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني.
I leave Libya with a heavy heart and deeply concerned. I still hope it is possible to avoid a bloody confrontation in and around Tripoli.
The UN is committed to facilitating a political solution and, whatever happens, the UN is committed to supporting the Libyan people.
— António Guterres (@antonioguterres) April 5, 2019
وقال غوتيريش على موقع “تويتر” قبيل مغادرته: “أغادر ليبيا وقلبي حزين وأنا أشعر بقلق عميق، لا أزال آمل بأن تجنب اندلاع مواجهة دامية داخل طرابلس وفي محيطها هو أمر ممكن”، وكان غوتيريش قد كتب على تويتر قبل وصوله إلى بنغازي للقاء حفتر: “الهدف لا يزال نفسه: تجنب المواجهة العسكرية”.
“وادي الدوم 2”
أمام إصرار حفتر على توجيه قواته نحو العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المناوئة له، أمر رئيس حكومة الوفاق فايز السراج قواته بالاستعداد لمواجهة أي تهديد، كما أعلنت فصائل موالية لحكومة الوفاق في مدينة مصراتة (غرب طرابلس) استعدادها للتصدي لقوات حفتر وتوجهها إلى طرابلس.
السراج أمر في برقية فورية إلى وزارة الدفاع ورئاسة الأركان والحرس الرئاسي ومناطق عسكرية أخرى برفع درجة الاستعداد القصوى وإعادة التمركز والتصدي لكل ما يهدد حياة المدنيين من جماعات وصفها بالإرهابية والإجرامية، كما أمر أيضًا القوات الجوية باستعمال القوة للتصدي لكل ما يهدد حياة المدنيين والمرافق الحيوية، منددًا بهذا “التصعيد”، ومبديًا أسفه لما صدر من تصريحات وبيانات مستفزة.
عقب ذلك مباشرة، أعلنت قوة حماية طرابلس التابعة لحكومة الوفاق الوطني إطلاق عملية “وادي الدوم 2” لمواجهة التصعيد العسكري من جانب قوات حفتر، ومعركة واد الدوم 1 هي المعركة التي هزم فيها حفتر على يد القوات التشادية واستسلم للأسر رفقة المئات من الجنود بعدما تكبد الجيش الليبي خسارة كبيرة.
القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني
بالتوازي مع ذلك، تحركت كتائب مدينة مصراته ذات القوة الضاربة في الغرب نحو طرابلس، بعد أن أعلنت أن كل المكونات العسكرية والثورية والمدنية في المدينة مستعدة للدفاع عن الوطن، حسب تعبيرها، وأوضحت في بيان لها أن من وصفته بالمتمرد المستبد خليفة حفتر وأعوانه يحاولون التمدد إلى المنطقة الغربية بهدف تنصيب حفتر حاكمًا على ليبيا، وأنهم يمنون النفس بدخولها.
كر وفر
لئن سجلت قوات حفتر في بداية تقدمها نحو طرابلس، بعض الانتصارات فإنها سرعان ما عادت أدراجها، وتقدم مقاتلو حفتر في اتجاه غرب البلاد، وسيطرت مساء الخميس على حاجز كوبري 27 العسكري الواقع على بعد 27 كيلومترًا من البوابة الغربية لطرابلس، لكن قوات موالية للحكومة طردتهم فجر الجمعة.
وتمكنت قوات موالية للحكومة المعترف بها دوليًا من أسر عشرات من مقاتلي حفتر ومصادرة آلياتهم قرب البوابة الغربية لطرابلس، ونشرت صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر الأسرى – وهم جالسون – ببزاتهم العسكرية على الأرض في مكان لم يحدد.
عقب ذلك، زار السراج، برفقة قادة المنطقة الغربية، الحاجز الذي سيطرت عليه قواته في موكب مؤلف من نحو عشرين آلية، بينها شاحنات مزودة مضادات للطائرات، وتبادل السراج بشكل مقتضب أطراف الحديث مع المسلحين على الحاجز قبل أن ينطلق باتجاه طرابلس.
التصعيد العسكري من قوات حفتر، اعتبره مجلس الأمن الدولي تهديدًا لاستقرار ليبيا
ليلة الجمعة تمكنت قوات حفتر من الوصول إلى مطار طرابلس الدولي الواقع على بعد نحو 30 كيلومترًا جنوب طرابلس والموضوع خارج الخدمة منذ دُمر في اشتباكات دارت فيه خلال العام 2014، قبل أن تتمكن قوات موالية لحكومة الوفاق من طردها، وفق ما أكده وزير الداخلية فتحي باشاغا في تصريح لتليفزيون67 “ليبيا الأحرار”.
وفي أول مشاركة له، أعلن مكتب إعلام سلاح الجو التابع للكلية الجوية في مصراتة التابع لحكومة الوفاق الليبية، أنه استهدف عدة مواقع تابعة لميليشيات خليفة حفتر في مناطق “مزدة” و”غريان” و”معسكر سوق الخميس مسيحل”.
ومن المنتظر أن يشتد القتال بين الطرفين، خاصة مع وصول تعزيزات من المنطقتين الغربية والوسطى إلى محاور القتال في جنوب غرب العاصمة لدعم قوات حماية طرابلس ضد قوات حفتر، فضلاً عن قرب وصول تعزيزات أخرى من مصراتة لدعم قوات حماية طرابلس أيضًا.
حفتر يسعى لفرض الحل العسكري
في ظل المساعي لحل الأزمة الليبية سياسيًا، يسعى حفتر لفرض الحل العسكري لهذه الأزمة المتواصلة منذ سنوات، يقينًا منه أن أي حل سياسي لن يخدمه، ولن يكون في صالح القوى الداخلية والخارجية التي ينفذ أجندتها في ليبيا، وفقًا للعديد من الليبيين الذين تحدث معهم “نون بوست”.
ويربط الإعلامي والمحلل السياسي علي لخضاري، عملية حفتر بقرب عقد المؤتمر الجامع هناك، ويقول لخضاري في حديثه لنون بوست: “لا يمكن عزل هذه العملية التي أطلقها حفتر عن السياق الزمني وتطور الأحداث داخليًا وإقليميًا في أكثر من مكان، فحفتر مكلف على الصعيد الداخلي بنسف جهود الحوار الوطني لأنه يعلم أن أوراقه ضعيفة داخل ليبيا في حال ذهابه إلى الحوار في ظل اعتراف دولي واسع بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فائز السراج”.
وأضاف لخضاري “من أجل أن يكون له حجم وتأثير أكبر، استدعي حفتر إلى السعودية وبموافقة ضمنية فرنسية للقيام بعملية تمكن له من استرجاع أوراق التأثير في الملف الليبي، وللإشارة فإن حفتر كلما ضعف تنظم له فرنسا مؤتمرًا أو زيارات إلى باريس أو موسكو وغيرها من العواصم المتواطئة ضد إرادة الشعوب وضد الثورات العربية”.
ويؤكد المحلل السياسي أن “حفتر حصل على الضوء الأخضر من العربية السعودية التي تموله عن طريق النظام المصري من أجل خلط الأوراق في هذه المرحلة في ليبيا ونسف جهود مؤتمر السلام ليقينهم أنه لن يصب في صالح معسكر الثورات المضادة، والانقلاب على إرادة الشعوب”.
من المنتظر أن تشهد ليبيا في الفترة القادمة تنظيم “الملتقى الليبي الجامع”، الذي سيركز على عدد من النقاط أهمها مشروع الدستور والترتيبات الأمنية ومشروع قانون الانتخابات، وسيكون هذا الملتقى، في حال تنظيمه، محاولة جديدة لحل الأزمة الليبية عقب سلسلة من الملتقيات آخرها مؤتمر باليرمو في إيطاليا الذي طبعه استمرار الخلاف بين الفرقاء الليبيين.
وكان المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة قد أعلن أن الملتقى الليبي الجامع سيعقد منتصف أبريل/نيسان بحضور أكثر من 100 شخصية ليبية للمساهمة في وضع حد للأزمة في البلاد ضمن خطة العمل المدعومة من المجتمع الدولي التي تنص على إجراء استفتاء على الدستور وعقد انتخابات تنهي الانقسام السياسي في البلاد.
لا سبيل لحل الأزمة الليبية إلا سياسيًا
هذا التصعيد العسكري من قوات حفتر، اعتبره مجلس الأمن الدولي تهديدًا لاستقرار ليبيا، وفي ختام جلسة مغلقة طارئة عقدها مجلس الأمن بشأن ليبيا بطلب من بريطانيا، قال الرئيس الدوري للمجلس السفير الألماني كريستوف هوسغن للصحفيين: “المجلس دعا قوات حفتر لوقف كل التحركات العسكرية”، وأضاف أن أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن قلقهم العميق إزاء النشاط العسكري قرب طرابلس الذي يهدد الاستقرار الليبي وآفاق وساطة الأمم المتحدة والحل السياسي الشامل للأزمة.
يفهم من بيان مجلس الأمن الدولي أهمية الحل السياسي في ليبيا لحل الأزمة هناك، في هذا الشأن يقول علي لخضاري: “لا حل للأزمة في ليبيا غير الحل السياسي، انطلاقًا من اتفاق الصخيرات الذي تم في ديسمبر/كانون الأول 2015″، ويضيف لخضاري في حديثه “يبقى الحل السياسي، هو الحل الذي سيمكن الليبيين من بناء الدولة الحديثة واستعادة مؤسسات الدولة، غير أن هذا الهجوم يتجه نحو نسف هذه الجهود التي تسعى لإقرار حل سياسي للأزمة”.
يمثل اتفاق الصخيرات عماد الحل السياسي في ليبيا
أوضح لحضاري أنه يوجد طرف من طرفي النزاع في ليبيا “لا يريد الحل السياسي ولا الحوار وإنما يسعى لتعفين الأجواء أكثر والانقلاب على إرادة الليبيين”، وتابع “حفتر عبارة عن ميليشيا في يد الإمارات والعربية السعودية عن طريق مصر وبدعم دولي فرنسي واضح في إطار الصراع مع إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية بدرجة، وليس كما يروج له بأنه جيش وطني قائم الأركان”.
وقال أيضًا: “هذه العملية تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن خليفة حفتر مكلف بمهمة دولية من أجل خلط الأوراق في المنطقة، سواء في الداخل الليبي بنسف الحل السياسي الذي يطالبه به الليبيين والمجتمع الدولي أم في دول الجوار”، أشار علي لخضاري في نهاية حديثه، إلى “صعوبة فرض الحل السياسي في ليبيا في ظل وجود ميليشيات تدعي أنها جيش بقياد خليفة حفتر في الساحة، لذلك يجب الضغط عليه دوليًا حتى يجلس على طاولة الحوار ويلتزم بالحل السياسي المتفق عليه”.